الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غناء لقمر بعيد – 10 –

غريب عسقلاني

2011 / 5 / 20
الادب والفن


غناء لقمر بعيد – 10 –

ذات نهر.. ذات بحر
ذات صيف
حملت بعض حوائجها, وبعض الصور وبقايا عطر ما زال يسكن خياشيم الوقت.. وجلست تتناول قهوة الصباح في المقهى أمام صخرة العشاق, تنتظر زورقا يعبر كوة الصخرة إلى صدر البحر يحمل رجلا يحضن امرأة يجدفان.. يسابقان اللهاث باتجاه المدى.. والمدى شوق وهيام.. وبحر بيروت الصيف بعد ربيع النهر في بغداد الراقصة على أضواء القناديل.. تغمض عينيها , تشاغلها الصور وصوت مريم الرقيقة محمول على لهاث الغيرة:
- وما الفرق بين ضفة النهر هنا, وعتبة البحر هناك!!
تشاغبها مستفزة:
- لضفة النهر عسل التمر, ولعتبة البحر أغنيات فرح العشاق!!
تصمت مريم.. وتبتلع الآه انتظارا..
" أدركنا وقت قتل العصافير.. وباتت بغداد هناك وكل مطارحنا هناك.. وبقيت يا مريم تنتظرين من وعدك بعتبة البحر.. هل يعود الأمس وتعود معه الحكايات, وقد دخلت الأشياء حال الغياب.."
وها هي تقتفي أثار الصيف, مع قهوة الصباح في ذات المقهى الذي كان يجلسان فيه يتأملان البحر وصخرة العشاق.. ترتشف آخر القهوة, يذهلها ما تبقى في قاع الفنجان من بن محروق.. تعصف بها رنة ضحكته المستفزة غيرة المرأة فيها, كلما توقفت شقراء تحدق في سواد عينيها ومضت تتلمظ شفتيها.. يومه شفط آخر قهوته وقال:
- حتى القهوة في بيروت شقراء
قرصه أعلى عين قلبه:
- لا مذاق لغير القهوة السمراء المغمسة بروح القرنفل!!
هل يعود من عبر بها كوة الصخرة إلى صدر الماء.. تصحو عل همس لحوح:
- اقرأ الحظ يا عروس؟
امرأة فارعة قدت من أديم الأوقات والأزمان, ناهضة مثل ضفيرة حلم أو قل وهم, مدثرة بالهلاهيل عيناها الكحيلتان باتساع ليل تسبح فيه نجمتان, واحدة تغني للحضور وواحدة تنوح بترانيم الوداع.. ربما كانت غجرية قطعت مرج بن عامر في ذيول الزناتي خليفة, أو جنوبية انبثقت بعد توالي القصف في قانا , أو هي العاشقة المطرودة من رحمة العشائر في حوران..
دورت المرأة الفنجان بين أصابعها.. همست:
- أشوف الدروب يا عروس, وأقول؟
" ستخبريني يا بصارة, أن فارسي سيتسلق ذات ليلة جديلتي ويدخل من النافذة, يحررني من جنيات القصر المسحور, ويعود بي للديار, يزفونا عروسا لعريس, وننجب في الحكاية أولاد وبنات, ويتوجوني أميرة على مملكة الأحلام."
افترشت المرأة الأرض, فردت قطعة قماش انطبع عليها ثار آلاف الأصابع, فرأت رجالا ونساء يخرجون من مسامات القماش يدورون في الحواري والطرقات تائهين يبحثون عن حظوظهم.. تحدق في الوجوه.. تراه كالنيام يدورن.. تتنهد:
- قولي يا بصارة!!
ألقت المرأة حبات الودع على رقعة القماش.. أغمضت عينيها وبدت عل محياها إشارات امرأة طريدة, وتفصد من وجهها عرق سرعان ما تحول إلى بلورات من جليد, تَشمّع وجهها على خوف وحزن ورجفة.. هتفت كالغريق:
- انهض يا رجل؟
- على من تصرخين يا بصارة الحظوظ؟!
فتحت المرأة عينيها, وأشارت إلى طريق سد محفور في بقايا القهوة في قاع الفنجان, قالت:
- على من يقف هنا, قلبه منقوع في ثنايا الدهشة بين دفء بياض وجليد بياض.. من تنتظريه أسيرا في قصر من جليد يتدفأ على نار من جليد؟
" هل سحرته امرأ من نساء الثلج بحلو الكلام ففقد لسانه.. وصام.."
***
ذات ربيع
الوقت أصيل يزف الشمس إلى حضن الليل.. وجه مريم يسرق من قرص الشمس جمرات ما قبل الغياب.. تتورد مريم رغبة يطفو على وجهها شبق الوردة:
" - وشوشني وقال على خجل:
- احبك يا بتول..
شُل لساني, فقطع الصمت:
- ما بك يا مريم؟!
- وأنا..
وذبتْ.. ضحك.. فضحكت, وضحكت منا الطيور العائدة إلى الأعشاش.."
مريم ما زالت تنتظر عل ضفة النهر.. لم يعد العصفور الذي أخذه أول تفجير لون ماء النهر بالحمرة القاتمة, ونثر الأشلاء في الطرقات.. ذاك الربيع لم يعد لمريم من يرجفها قبل بدء الكلام, وفي ذاك الربيع أيضا طلبوا رأس فارسها إلى المقصلة, وضعوه بين الموت والموت فاعتذر مغادرا لبعض الوقتِ.. واطل بعد الحول مع تباشير الربيع صوتا على حبل الهواء:
- حطت بي المقادير في بلاد الشمال؟!
- وأنا؟!
.. ومات بينهما الهواء!!
أغلقت كف البصارة على بعض نقود.. قلت
- كفاني ما فتحت من هموم وجروح
ردت البصارة ما وهبتها قالت صارمة:
- لست ممن يتسولن على حظوظ الناس!!
وقفزت إلى البحر سبحت, عبرت كوة صخرة الروشة في رأس بيروت, وقبل أن تصل مدى النظر, أطلقت عصفورا على إلى الشاطئ, زقزق في حضنها مذعورا:
- كيف تواصلين الرحلة يا سيدتي بجناح مكسور!!
***
ذات غياب
حط على نافتها عصفور جريح, أخذت إلى صدرها, رشفت عن ريشه من نزف من دم.. ناجته..
" من أي بقاع جئت, ومن بندقية أي صياد أفلت؟"
- جئت مع تفتح وردة حمراء, انبثقت يتيمة عند ضفة النهر, زودتني ببقايا رحيق, وبقايا رائحة..
- وكيف حال النهر هناك؟؟
- صائم على من ترسبوا في طين القاع, وزاحف يقتفي آثار أمراء وأميرات بعثرهم زمن الغياب
عبر العصفور إلى صرها.. أخذته الغفوة ونام يرصد ما يراودها في الحلم.. يقرأ حكاية مقلوبة في أصل الهيام..
" عن جنية الثلج التي خطفت الأمير, واحتفظ به أسيرا في قصر مسحور, وعن الأميرة التي كلما عرفت الدرب إليه أشعلوا النار من حول القصر وكسروا ما بين الأمير والأميرة من جسور "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا


.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا




.. دوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ال


.. أرملة جورج سيدهم تتبرع بقميصه في مسرحية المتزوجون بمزاد خيري




.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة