الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان / الحدث

هيثم نافل والي

2011 / 5 / 20
الادب والفن



لقد كانَ المنظرُ مرعباً ، فالطريق مزدحماً جداً ، ولم يكن هكذا من قبل ، فسيارات الإسعاف والبوليس والإطفاء كلها تتجمع بسرعة مذهلة كالنحل على العسل !، بينما ترتفعُ أصواتها التي تنذرُ بالشؤم حينَ تسمعها ، لتعرف بأنَ هناك مصيبة حصلت أو ستقع ...... ، وفيما هم مازالوا جالسين في السيارة معَ أولادهم فراس وحكمت ، ينظرون بفزعٍ ورهبة بعدَ أن سد عليهم الطريق فاضطروا إلى التوقف والانتظار ، سألَ فاروق بحيرة وقلق زوجته مريم : ماذا تعتقدين ما الذي يجري هناك ؟. أشارت له غامزة وكأنها تغازلهُ ، فعضت شفتيها بقوة وكأنها تريد أكلها فقالت : لابدَ من شيء خطير قد حدث ، وإلا لماذا يتجمعون ويهرولون كل من رجال البوليس والإطفاء والأطباء ...... ، ثمَ أردفت بهدوء وكأنها تصلي ، الله همة أجعلهُ خيراً ، ولم ينتظر فاروق طويلاً ، فردَ عليها كالراهب ، آمين ......!.
الموقف بدا أكثر تطوراً وإيلاماً ، فالناس يهرعون من كلٍ صوبٍ ويتوجهون للدخول من خلال البوابة الكبيرة التي يسعون هم أيضاً الدخول من خلالها ، ولكن منعهم من السير في الشارع ، أجّلَ ترجلهم ، بينما من يأتي سائراً يستطيع الدخول وبصحبتهم ألآت التصوير محدثين ضجة عارمة ، ويطلقون أصوات مبهمة وكأنهم في جنازة ، بينما يزدحم الكثير ممن لم يسمح لهم الدخول ، أمام البوابة وكأنهم في طابور جمعية تعاونية ....... فقال فاروق محدثاً نفسه : لقد رأيت هذا المنظر في صعيد مصر عندما يتجمعون الناس بطوابير طويلة حولَ أفران الخبز !، لكن الوضع هنا مختلف ، فالناس لا يتصارعون على الخبز ، بل فقط على الرأي عندما يغتصب منهم !، ثمَ شرعَ يقول بصوتٍ مرتفع ، لكن المكان هنا لا يوحي بتظاهرة أو مسيرة احتجاج !، بل أنه مكان ...........، تسمع في تلك اللحظات نقرٌ على زجاج السيارة ، وإذا برجل البوليس يصرخ وكأنه فقدَ صوابه !، أفسحوا المجال لسيارات الإسعاف التي ورائكم بالمرور ......... هيا تحركوا بسرعة جانباً ........
ثمَ يزداد موقفهم حرجاً وهلعاً ، وبدءوا يشعرون بالخوف فعلاً ، فهرعَ أبنهم الصغير ، فراس باكياً وهو يدمدم : أريدُ أن أرجع إلى المنزل ، ويكفي ما رأيناه الآن ........ .
بينما يجيبهُ أخوه حكمت بقلق : أنا لا أريد أن أموت ، ثمَ بدأ هو الآخر بالصراخ وهو في حالة ذعر كبير ، ليبدو وكأنهم فعلاً سيهلكون لا محال ......... ثمَ قالَ الأب متهالكاً : إذن سأتصلُ بأمي وأقول لها بحزم ، عليها أن لا تغادر المنزل الآن ....!! . في حين حاولت مريم زوجته تهدئة الجميع بعدَ أن طفحَ كيل صبرها ، فقالت أرجوكم أهدئوا ما هذا أعوذُ بالله ، إنها مجرد أزمة وستزول ...... لا داعي للقلق ، أننا نعيش هنا منذ أكثر من عشرين عاماً ولم نتعرض لمثل هذا الموقف المتأزم ، ولكن أنظروا حولنا ، فيتلفت الجميع بفزع وكأنَ هناك حيوان مفترس يطمع بمهاجمتهم ، فأردفت وهي ترفع يدها كشاعر يلقي قصيدة !، هناك الكثير ممن ينتظر أيضاً ، فلا داعي للخوف ، أرجوكم ......... أهدئوا .......، ثمَ يصرخُ زوجها فجأة كالملدوغ وهو يرتعش وأعصابه مضطربة وجسمه مشدود كالوتر !، فقال أنظروا هناك .... ثمَ يشير هناك ...... ، يلتفت الجميع نحو المكان المشار إليه ، ليروا أناس يحملون زهوراً ولا فتات وهم يهرعون صوب البوابة ، ثمَ شرعَ يقول وقلبه يدق بعنف ، أستغفر الله ، ما الذي يجري ؟، لابد هناك من أمرٌ خطير يحدث ، أمر لا يمكن لنا توقعه ، أمرٌ كبير قد لا نستطيع تصديقه حتى ولو رأيناه بأم أعيننا ........ قالَ ذلك ونظرَ إلى زوجته فرآها شاحبة لا ترد وكأنها خرساء كالسمكة !، فلم يتمالك نفسه بعد ، فقالَ لهم بحزم آمراً : سأترجل من السيارة ، وأنتم تنتظرون هنا ، سأتحرى الأمر بنفسي وأرجع حالاً ........ ، بعدَ أن نفدَ صبره فقالَ لزوجته سأترك لكِ تولي قيادة الأسرة الآن وسأعتمد عليك ولا تخيبِ أملي فيك !، كوني حازمة بقراراتك ، ودعِ عقلك هو من يتخذ القرار المناسب عندَ الضرورة ، ثمَ لوحَ بيده دونَ معنى وأردف ، أنتِ ستكونين مسئولة عن نفسك وعن الأولاد وفي حالة حصول أي أمر طارئ ، بعدَ أن توقف في كل كلمة يقولها للتأكيد فقال كوني ....... قوية ، فنحن ....... لا نعلم ..... ما سيحدث ، فقبلها ثمَ قبلَ الأولاد وكأنه سيذهب للموت !، فطفرت الدموع من عينيه وبدأ يبكي كالأطفال وكأنه سيرحل عنهم فعلاً دونَ رجعة .....!، عندها لم يستطع أبنهم الصغير السيطرة على نفسه ، بعدَ أن رأى تصرف أبيه وهي يبكي وينتحب أمامه ، فزاد من خوفه وقلقه ورعبه فصرخَ دونَ شعور قائلاً : لا تذهب يا بابا ، لا داعي يا بابا ، فأنا أحبك يا بابا ....... ثمَ على صوت البكاء والصراخ داخل السيارة وكأنهم في مأتم عربي !، فقالَ الأب متوسلاً ..... أرجوكم كفى ، ما هذا الذي يحصل ؟، حرام عليكم تعذبون أنفسكم هكذا ، ثمَ شرعَ ليخطفني الشيطان ، أرجو المعذرة فهذا استهتار ، وهو يزر عينيه كالمقامر الذي لا نقود لديه وهو يحوم حولَ موائد اللعب !، فقالَ جازماً : سأسأل أحدهم وأرجع ، هذا كل ما في الموضوع ، ثمَ ذهبَ مسرعاً بعدَ أن تركهم في السيارة بعدَ غلقها .
بعدَ دقائق قليلة رجعَ لهم بصدرٍ منفوخ وكأنه كيس مملوء بالهواء ، ورأسه عالياً وكأنه ليسَ له !، فتحَ باب السيارة وجلسَ بصمت كالظل للحظات ........ ، فيما ينظرون عائلته له بفضول كبير وكأنه من عالم آخر ، فشعر بالحرج ، فقال مصرحاً : أسمعوا ما سأقوله جيداً ..... ثمَ صمت مجدداً وكأنه يلعب معهم لعبةٌ ما !، فصرخت به زوجته دونَ شعور ...... أرجوك ، لم نعد نتحمل ، قل ما يدور هناك .... ، ثمَ أردفت وهي ترتجف ، أنظر إلى أولادك يا رجل ، فهم شاحبون كالموتى ، قل بسرعة ما الذي يجري حولنا ....... ولا تجعلنا نفقد عقلنا .......! .
عدلَ من جلسته وقال بتباطؤ عن قصد ، في الحقيقة ، أنهم أناس يستحقون العيش بسلام ، ثمَ أنتبه وإذا بأولاده ينظرون له بنظرة غريبة وكأنهم يحقدون عليه !، فقالَ جاداً : لقد ماتَ الدب الأبيض الوحيد والأخير من سلالته قبلَ دقائق ، وقد حاولوا إسعافه دونَ فائدة وستغلق حديقة الحيوان أبوابها اليوم والأيام الثلاث القادمة أجلالاً وإكراما لموت الدب .......!!، ثمَ أردفَ بهدوء وكأنه يصلي :
إنا لله وأنا إليه راجعون ........!. فهمسَ بصوت غير مسموع كالمخدوع ، قائلاً : سوفَ لن أغفر لنفسي ما فعلته أمام أسرتي من تصرفات خرقاء غير مسئولة ، ما حييت أبداً ............. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن يتراجع 6 مراتب في اختبار إتقان اللغة الإنكليزية للعام


.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم




.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع