الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة الى حكماء العراق

جرجيس كوليزادة

2011 / 5 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الفترة العصيبة التي مر بها العراق من الفين وستة الى الفين وتسعة شكلت أخطر لحظة وجودية للبلاد في التاريخ الحديث، وتحملها العراقييون بصبر نادر وألم جارح بكل معاني الكلمة، وتصدوا لها بمسؤولية عالية للخروج منها بأقل التضحيات البشرية والمادية، ولا ينكر ان الحكماء والعقلاء والمخلصين في المكونات العراقية الشيعية والسنية والكردية من المرجعيات الدينية والاجتماعية والسياسية لعبت دورا رئيسيا وأساسيا في انقاذ البلد من الحرب الطائفية التي فرضت لحرق العراق بنار الفتنة الطائفية.

واليوم، السلطة التنفيذية بشقيها رئاسة الجمهورية والحكومة مع البرلمان، تعاني من أزمة سياسية منذ اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية للدورة الثانية، أزمة حقيقية تحمل مخاطر جدية على حاضر ومستقبل العراق، ونعلم أن السلطة طوال السنوات السابقة لم تقدر على كسب ثقة الأمة وحلقة الوصل بينهما مرت باستمرار بإنعدام الثقة فنتجت عنها أزمات ومشاكل اقتصادية واجتماعية للمواطنين اضافة الى بروز فوارق طبقية شاسعة بين أقلية متسلطة وأغلبية كادحة وغياب تام للعدالة الاجتماعية وارساء فساد رهيب وسياسة استبدادية لنهب لأموال وممتلكات الدولة من قبل المسؤولين الحزبيين والحكوميين والتجار والمقاولين الفاسدين.

وامتدادا لزحف الثورات المنطلقة في الشرق الاوسط انطلقت تظاهرات احتجاجية في بغداد وفي بعض المدن العراقية والكردستانية طالبت بالتغيير والاصلاح في الحكم، وقد تخللت هذه التظاهرات في بدايتها بعض العنف ولكنها بدت تسير بطريقة سلمية قدمت مشاهد جميلة لارساء علاقة مميزة من التآلف الأيجابي بين المتظاهرين.

وتوازيا مع استمرار الاحتجاجات تقدم المتظاهرون بمجموعة من المطالب بخصوص الخدمات والبطالة وفرص العمل والقيام باجراء اصلاح حقيقي والقضاء على الفساد في العراق، وتلقت حكومة المالكي بجدية هذه المطالب وحدد رئيس الوزراء لحكومته مائة يوم لاختبار أدائها وتلبية المطالب الآنية للمواطنين، ولكن الحالة التي نعيشها في بغداد تثبت أن المطالب الأساسية مازالت تراوح في مكانها والاجراءات المتخذة لتنفيذها بطيئة ولا تستجيب للحاجات الملحة للمحتجين.

ولغرض الجمع بين المواطنين والسلطة والعمل على وقف امتداد الأزمة وحصرها وإزالة اسبابها، والتعامل مع الواقع الراهن في العراق بالحكمة والمنطق، نرى ضرورة اطلاق بادرة لتأسيس مجلس لحكماء العراق يشكل من ممثلي المرجعيات الدينية ومن شخصيات مؤهلة مستقلة تعمل بحيادية ومسؤولية بهدف تحقيق التحاور الجاد مع الجهات الممثلة للسلطتين التشريعية والتنفيذية للخروج بنتائج ملموسة على أرض الواقع تمس الحالة المعيشية والحياتية للمواطن الكريم ولايجاد آليات عملية لتنفيذ مطالب الأمة من خدمات واصلاحات وتحولات اقتصادية وأجتماعية حقيقية لصالح الجميع وضمان الحقوق الدستورية لكل مواطن.

وبهدف تحقيق هذه المبادرة نجد ضرورة اختيار شخصيات مؤهلة لها البصيرة النافذة والرؤية الشاملة للمساعدة على حلحلة الأزمات المعيشية والحياتية والخدمية التي يعاني منها العراقييون، واخراج تلك الازمات من الطريق المسدود السائر عليها لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع في التمنية والاصلاح والقضاء على الفساد، ونأمل ان تتعامل الرئاسة والحكومة والبرلمان مع هذه البادرة بايجابية للحفاظ على التجربة العراقية المتميزة بنظام ديمقراطي دستوري وتعددي وبرلماني.

ولغرض تحقيق هذا الهدف، نرى ضرورة توفر شروط محددة في شخصيات مجلس الحكماء، منها الكفاءة والخبرة والمصداقية والاستقلالية والموضوعية والمهنية والوطنية، والالمام التام بجوانب الأزمات منها السلبية والايجابية والتعامل معها على أساس المنطق والحرص مع ضمان الوسائل الفعالة لمعالجتها، وحصر الأولويات ضمن برنامج عمل لتنظيم الاهتمامات العاجلة والآجلة، والقدرة على تشخيص المسببات وطرح الافكار العملية لايجاد الحلول لها، وانتهاج مبدأ الشفافية في تسيير الأمور واحترام مبدأ حرية التعبير والرأي الاخر، وامتلاك القدرة على التقارب بين المواطنين وسلطات الدولة، واحترام مطالب المحتجين وبذل اقصى الجهود لتحقيقها.

وأهمية هذا المجلس تأتي لاخراج العراق وحكومته من أزمته السياسية التي يعاني منها من فترة نتيجة الاختلافات بين الكتل النيابية على الامتيازات والحقائب الوزارية، وبسبب غياب المعارضة داخل البرلمان، ومن أجل طرح المشاكل برؤية متكاملة مع حلولها. والتقارير التي عرضها مجلس النواب في بداية الاحتجاجات والتظاهرات عن كل محافظة بينت ان الواقع الحياتي والمعيشي للأغلبية من العراقيين مؤلم وقاسي، وبينت ان السلطة في وادي وأبناء الأمة في آخر.

ويمكن لهذا المجلس بإسم مجلس حكماء العراق ان يتشكل من نخبة من الكتاب والادباء والفنانين والصحفيين ورجال الأعمال والأكاديميين ممن لهم رصيد مؤثر على الساحة العراقية، على أن لا يزيد عددهم عن مائة شخصية، وينتخب مجلس منهم من سبعة أو تسعة أعضاء لاجراء حوارات هادئة مع السلطة وشرائح المجتمع المختلفة والمحتجين وفق برنامج عمل جدي وفعال لمعالجة الأزمات والمشاكل بين الحكومة والمواطن، وعلى أن تكون المشاركة طوعية وبمساهمة شخصية بعيدا عن تمويل أو دعم اي طرف سياسي أو حزبي في العراق.

ويمكن ديمومة المجلس في المستقبل من خلال ترشيح أعضائه في دورات انتخابية مقبلة ليكون سلطة شعبية متابعة ومراقبة للبرلمان والحكومة معا بعيدا عن الحسابات والمصالح السياسية والحزبية التي تنخر بالجسد العراقي وتنهب موارد الدولة على حساب أبنائها.

لهذا فان الواقع الراهن يستدعي لفتة آنية من النخبة المثقفة ومعالجات سريعة بطرق غير تقليدية، واحدى الوسائل تأسيس هذا المجلس، وفي حال اتاحة المجال امامه للقيام بدوره بفعالية ستساعد الحكومة والبرلمان على اتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجة الأزمات وتحقيق التغيير والاصلاح ومكافحة مظاهر الفساد في البلاد، وسيشكل المجلس عاملا حاسما لإحداث نقلة نوعية في ارساء علاقة حية بين المواطن والدولة لخدمته وتحقيق مطالبه في العدالة والمساواة والكرامة، ولهذا نأمل ان تتحقق هذه البادرة لصالح كل أبناء الأمة التي برهنت دائما انها أهل للأفضل والتطور والتقدم لتأمين حاضر مشرق وضمان مستقبل زاهر لكل العراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عندنا المزيد لكن المطلوب
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 5 / 21 - 17:03 )
دكتورنا العزيز طابت مسائكم ولو سمحت لي مداخلة بسيطة ارجوا ان يسع صدركم لها وهي اعتقد بان
عندنا الكثير من اللجان والمجالس و-الحكماء- والكثير من المسميات وغيرها حتى كادت المواطن العراقي المسكين والمغلوب على امره ان يختنق من كثرتها بعناوينهم وامتيازاتهم و تعاليهم على المواطن لكن بالمقابيل القليل القليل من اعمالهم الجادة والنافعة للمواطن
فهولاء اكاد ان اقول كائنا من يكونوا بمجرد وصولهم للكرسي يتلذذون بمواقعهم وينسون واجبهم الاخلاقي والاساسي وهي خدمة المواطن ومصالحه العليا في توفير الحياة الحرة الكريمة له في بلد تطفوا على بحيرة من النفط
اعتقد عندما يكون المواطن قويا وواعيا بحقوقه والمدافع العنيد عنها وبالوسائل الحضارية والمدنية والسلمية ودون استسلام عندها فقط تستمع السلطة لطلباتهم وتوفر لهم حقوقهم وعندها فقط يعيش المواطن حرا وكريما وفي سلام دائم
تحياتي مرة اخرى وتمنياتي لكم بالصحة الدائمة والتوفيق السرمدي


2 - المبادرة طوعية
جرجيس كوليزادة ( 2011 / 5 / 21 - 20:44 )
عزيز دكتور اسماعيل، اتفق معك في كلامك بشأن اللجان والهيئات والمجالس الحكومية المبنية على الامتيازات والمصالح والمحاصصة، ولكن المبادرة المطروحة لا علاقة لها بالحكومة، وهي طوعية والمساهمة فيها من الناحية المعنوية والمادية شخصية للاحتفاظ على استقلاليتها واسناد مرجعيتها الى المواطن وليس الحكومة او الأحزاب، والمهم في المبادرة هي تحفيز النخبة المثقفة في العراق للقيام بدور حيوي ، بين السلطة والمواطن، والواقع الراهن الذي نعيشه بفضل الثورات الشعبية السلمية التي تعيشها المنطقة، يساعد على انبثاق مجلس للنخبة العراقية المثقفة للعب دور حيوي لتلبية مطالب الشعب... مع شكري وتقدير لكم.


3 - شكرا على الاهتمام
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 5 / 22 - 07:25 )
يعني مجتمع مدني قوي ومستقل ويعمل بمهنية عالية وشفافية وبمسئولية وهذه الهيكلة او المنظمة المدنية الغير الربحية سميها ما شئت يجب ان تخرج من القاعدة الشعبية وان تكون ممثلا حقيقيا للمصالح العليا للشعب بجميع اطيافه وطبقاته وانتمااته وليس من ممثلي الحوزات فانهم اساسا لا يعترفون باغلب الحريات الشخصية المدنية الموجودة في مباديء حقوق الانسان العالمية بل يعادونها اذا لم يكفرونها في احسن الاحوال!؟ وان هذه الهيكلة المدنية يجب ان تعمل بالاساليب المدنية والحضارية والغير العنفية لتحقق من مشاركة الفعالة للشعب في القرارات التي تخصهم وترسم مستقبلهم ومستقبل الاجيال القادمة في حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية عادلة للجميع ملئها الحرية والكرامة الانسانية والسلام


4 - نعم حان الدور لمنظمات المجتمع المدتي
جرجيس كوليزادة ( 2011 / 5 / 22 - 11:53 )
أجل عزيزي الدكتور، الوقت حان في العراق لكي تلعب المكونات المدنية للمجتمع دورها على الساحة العراقية بعد أن يئس المواطن من اهمال الحكومة والاحزاب له ونهب موارد الدولة لهم فقط من خلال المحاصصة والامتيازات والمتاجرة بمفردات الاقتصاد العراقي، وما طرحته من أوصاف وأساليب عمل تشكل الركن الأساسي لعمل هذه المنظمات التي يجب ان تؤسس من شرائح المجتمع المختلفة، والنخبة المثقفة مؤهلة لتلعب دورا جيدا على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية من خلال هذه المنظمات، ولكنها ما زالت مشتته ولا تجمعها بودفة واحدة للعب دور سياسي، ولهذا المبادرة التي ذكرتها في مقالي تمثل احد انواع المنظمات المدنية لخدمة المجتمع والمواطن العراقي.. مع تحياتي وتقديري لكم ولاهتمامكم بالموضوع.


5 - متفقين تماما
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 5 / 22 - 12:46 )
دكتورنا العزيز شكرا مرة اخرى ودمتم للمزيد
متفقين معكم تماما وعلينا جميعا العمل الهادف والجاد و المثمر اليوم قبل الغد وعلى شتى المستويات المختلفة وكل حسب امكانياته وطاقته وظروفه
عزيزي دكتور جرجيس بالمناسبة اردت ارسال بعض الصور الفوتوغرافية لكم لكن فشلت. فرجاء هل ممكن ارسال عنوانك الالكتروني ليتسنى لي ارسالها لكم وهنا اقدم معذرتي للاسرة الحوار المتمدن على طرح موضوع شخصي على صفحتهم الموقرة لكن -للضرورة احكام- كما يقال وامتناني للخدمات الجليلة التي تقدمونها لتعميم التواصل وترقية الحوار الانساني

اخر الافلام

.. تدريبات إسرائيلية على حدود لبنان.. هل تستعد تل أبيب لاجتياح


.. مراسل الجزيرة يرصد تداعيات حادث معبر -الكرامة- على الداخل ال




.. لحظة إطلاق النار على معبر الكرامة -اللنبي- بين الضفة والأردن


.. 3 قتلى إسرائيليين في إطلاق نار بمعبر -اللنبي- بين الأردن وال




.. -هدية ثمينة- للأمير هاري من الملكة إليزابيث الراحلة