الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآزق الايدلوجيات في المشروع الليبي

عبدالحكيم الفيتوري

2011 / 5 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مآزق الايدلوجيات في المشروع الليبي

لم يكن الشارع الليبي بعيدا عن ما كان يجري على أراضي الجارة الغربية (تونس)، والجارة الشرقية( مصر) من ثورات ضد الاستبداد والقمع والظلم والحيف بأنواعه. حيث استجاب لتلك الرسائل النهضوية وخرج سلميا مطالبا بحقوقه الطبيعة يوم 15-17 فبراير2011م في مدينة بنغازي التي صارت فيما بعد مهد ثورة 17 فبراير، حيث قوبلت هذه المسيرة السلمية من قبل الطاغية وأزلامه بالرصاص الحي والاعتقالات والاخفاء القسري. وهكذا كانت بداية الشرارة الأولى لثورة الحرية في ليبيا والتي انتقلت بسرعة النار في الهشيم إلى سائر مدن البلاد شرقا وغربا وجنوبا. وبعد ثلاثة اشهر من الثورة باتت كل المؤشرات تشير إلى قرب وصول الثوار إلى هدفهم الأولي إسقاط أخر معاقل النظام البائد. وتطوى بذلك أولى صفحات مسيرة الحرية والكرامة في ليبيا، وبالتالي يأتي دور فتح ملفات لا تقل صعوبة عن الصفحة الأولى إن لم تكن أخطر وأكبر تعقيدا منها. ملف إقامة دولة القانون القادرة، ووضع ملامح المشروع السياسي القادم، وتشكيل المجتمع وفق التوجه المدني والحضاري المرتقب. ويبدو أن هذه الملفات ليس من السهل تجاوزها في أشهر كما كان ذلك في الاطار الزماني لإسقاط آل القذافي، ويعود ذلك إلى إشكالات كثيرة، نحاول في هذه المقالة طرح بعض هذه الإشكاليات لتأخذ بعين الاعتبار في هذه المرحلة الحساسة من قبل صانعي التغيير.

ولكن قبل تناول هذه الاشكاليات ينبغي تذكير الشعب صانع الثورة أن ينتبه إلى حزمة من المحاذير الاستراتيجية في عالم الثورات الشعبية. كذلك السعي الحثيث نحو تمهيد حقيقي لمناخ ثقافي وتعليمي يسهم بصورة فاعلة لإنجاح النهضة المنشودة من الثورة. ومن هذه المحاذير التي ينبغي تجنبها والانتباه إليها؛ الوعي بخطورة الاستبداد السياسي( الحزبي)، والاستبداد الديني(المؤدلج)، وأنه لا يقل كارثية من استبداد الطاغية البائد. والوعي بخطورة عدم وجود مشاريع فلسفية وأطروحات منطقية تستوعب مسارات النهضة. وكذلك الوعي بأهمية ذيوع ثقافة العقل والمنطق، وشيوع روح النقد ونقد النقد، وقبول الأخر.

والجدير بالذكر إن الاعتماد على عاطفة الشعب في تثويرها ضد الاستبداد السياسي دون وعيها بخطورة منطق الايدلوجيات السياسية اليسارية والاسلامية،يعني استمرارية الاستبداد، وسيطرة ثقافة الاقصاء، والتهميش الجهوي والمذهبي والحزبي، وإهدار تام لمباديء احترام الغير، والتحول الديمقراطي إلى دولة القانون. وبالتالي سهولة الالتفاف على هكذا ثورة؛ بل وسرقتها جملة.

* * *

ومن هنا ينبغي طرح الاشكالات حول مستقبل ليبيا السياسي في مرحلة ما بعد آل القذافي على هيئة سؤال استراتيجي انشطاري، يتمحور السؤال حول طبيعة الدولة، وتصور النظام الجديد لليبيا الحرة، والذي يتفرع منه حزمة من الاسئلة الاستراتيجية. وتبدو الاجابة الأولية والمتداولة على ألسنة الناس في المجالس الخاصة وعبر الفضائيات، أننا نريد دولة مدنية، وحريات، ونظام ديمقراطي. وهذا الاجابة العفوية يرددها على حد سواء اليساري والاسلامي؛ بل وحتى السلفي!!

ولكن هذه الاجابة المختزلة لو نظرنا إليها بمنطق الفلسفة والسياسة لوجدنا أنها تشير إلى تبسيط للأمور وعدم فهم دقيق لسياقات مفهوم الدولة المدنية والنظام الديمقراطي كما هو مفهوم لدى الغرب، بمعنى أخر لو أتحيت الفرصة لليساري والاسلامي لشرح ماذا يقصد بالدولة المدنية، وسقف الحريات، والنظام الديمقراطي، لرأينا التباين لدرجة التناقض بين هؤلاء. فإذا كان جواب اليساري يدور في فلك نظاما لا تحكمه قوانين الشريعة الاسلامية، ولا يكن لرجال الدين وخطابه دورا هاما في وضع سياسات الدولة وقوانينها، وللمرأة حق المشاركة، والتعددية السياسية، والتداول السلمي على الحكم. بينما نجد تفسير الطرح الاسلامي لمعنى (الدولة المدنية)؛ بأنها دولة ليست عسكرية، وتحكمها الشريعة الاسلامية، ويضع سياساتها العامة والخاصة الخطاب الديني ورجالته، والمرأة مكانتها محددة بالشريعة، والتعددية مشروطة بعدم مخالفتها لإجماعات الفقهاء، بل حتى الحرية يحدد سقفها التأويل التاريخي للنصوص المقدسة.

فإذا كان مفهوم الدولة المدنية، وحدود الحريات، في الجانب النظرية على طرفي نقيض بين اليساري والاسلامي ناهيك عن السلفي الكلاسيكي، فكيف يكون الحال في المرحلة التطبيقية؛ طور تشكيل الاحزاب، ومرحلة التدافع الحزبي والحملات الانتخابية، وخوض الانتخابات؟!! بل كيف لهذة التفسيرات المتابينة لمفهوم الدولة المدنية والحريات والنظام الديمقراطي أن تحقق تطلعات الشعب الليبي، وما هي الصورة الحضارية التي سوف تقدم للعالم عن الثورة الليبية؟ يبدو في هذا الاطار المتناقض من المفاهيم أن المجتمع الليبي سوف يشهد دورة جديدة في ذات الحلقة المفرغة من الصراعات الايدلوجية، ويصبح المجتمع حقل تجريبي للمنازلات الحزبية والرؤى غير الناضجة ؟!

* * *

ربما لا تزال أجواء انتصارات الثوار، وفرحة تخلصنا من حكم الطاغية تشدنا إلى تحقيق أكبر قدر من التقدم والانتصارات على كافة المستويات خاصة منها السياسية، ولكن هذا لا يلغي حقيقة غياب الرؤي النظرية المكتملة للمستقبل الليبي، المتمثلة في غياب ما اصطلح على تسميته بـ( المشروع السياسي الليبي)، المشروع القادر على تأمين الشروط لبناء حياة كريمة تتوفر فيها مقومات حقوق الفرد والحريات والعيش الآمن الكريم.

علما بأن النخب قد فشلت في الفترة الماضية (مع الاعتذار للجميع) في بلورة هذا المشروع نتيجة انغماسها على مدار ما يزيد على نصف قرن في صراعات أيدلوجية، هذه الصراعات التي من طبيعتها أنها تنشأ من الواقع الذي يتجاوزها لتبقى أسيرة عقول متكلسة متمترسة حول مقولات ورؤى نظرية مقيدة لحركة الفكر ذاته ومن بعد ذلك حركة المجتمع. وهذا الفشل يصدق على تجربة القومية العربية في بناء دولتها، واليسارية في بناء دولتها العمالية، والاسلامية في بناء خلافتها. إذ من ميزات الثورات المعاصرة ومنها الليبية هزيمة الأيدلوجيات وتجاوز افكار بل ورموز مرحلة صراع الاحزاب في المنطقة.

وبالتالي فإن بناء مشروع سياسي ليبي يتطلب قبل كل شيء تحولا في تفكير النخب الليبية المعنية بصناعة التغيير، وإنفكاكها من مفاهيم الماضي، وعنوان هذا التحول الاساسي هو الخروج من إطار المشاريع الايدلوجية التي تجاوزها الواقع إلى بناء مشروع جيو سياسي ليبي. وذلك من خلال الكف عن محاولات تغيير بنية المجتمع وهويته الحضارية، ودراسة هذه البنية والهوية كمعطى تاريخي حضاري منجز غير قابل للتحويل أو التبديل في المدى السياسي المنظور، وبالتالي بدء دراسة جدية لمكونات هذه الهوية كمعطى ثابت والاستفادة إلى أكبر قدر ممكن ممّا تتيحه هذه المكوّنات في بناء رؤية واقعية معاصرة للحياة الليبية بتنوعها الثقافي والعرقي والجهوي.

وهذا يتطلب دراسات معمقة متنوعة ومتعددة تصب في المحصلة النهائية في إقامة دولة القانون القوية التي تحقق تطلعات المجتمع الليبي بكل أطيافه وعلى كافة المستويات، وتحافظ على وحدته وهويته ومكانته الإقليمية والدولية، وبذلك تتجاوز مشروع الدولة العشائرية والجهوية والرخوية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نظره واضحة للامور ومدخل عقلاني لمشروع وطني لي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 5 / 21 - 17:28 )
الاخ الاستاذ عبد الحكيم الفيتوري تحية وتهنئه لهذه العقلانية والوضوح في النظر للمشهد الليبي الحاضر مع دعوة ضمنية لعدم التهرب من تعقيدات المشهد الفعلي
اجد نفسي ملزما بتكرار مايجب ان يلتزم به الجميع من محبي شعب ليبيا من غير مواطنيها في ان اهل ليبيا اعرف بشعابها وما علينا الا ان نتمنى الخير لاهلنا الليبيين مع محاولة لاضاءة بعض النقاط والامور على ضوء التجارب
القاسية لنا في العراق وفي بلاد اخرى والتاءكيد على الثمرة الطيبه والنجاحات ذات الطابع العام-ولايوجد احد يمثل اخر وفي كل دولة امه ولكن اذ يوجد الخاص فاءن مايسبقه هو العام الذي يشمل بني البشر جميعا وعلينا التاءكيد عليه فاءن اهل الخصوصيات القومية والمحلية اكلونا وشربونا حتى انهم جعلونا احيانا نتشكك في انتمائنا للانسانية وتجاربها لذالك تجدني -على سبيل المثال-اخذت في الاونه الاخيره اردد بلا تقاعس الدعوة الى ضرورة الانخراط في مسيرة البلدان والمجتمعات الناجحه والتي بداءت مسيرتها منذ قرابة ال5 قرون وبنت حياة ديناميكية تتقدم الى امام وذالك في اوربا واميركا وكندا واستراليا واليابان والتي تجعلنا لانتوه ولانقع في التجريبية الفارغة والتشكيك لمرضي


2 - تكمله رجاء
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 5 / 21 - 18:16 )
اود ان يعلم اخونا الاستاذ عبد الحكيم باءني والعديد من احرار الفكر من القراء الكرام نقراء كتاباته وكاءننا الكاتبون ويغمرنا فرح كبير ونحن نلاحظ اراؤكم
الواضحه والعلمية التقدمية والتوجه التقدمي العقلاني في معالجة مايواجه ليبيا من تحديات
واني شخصيا مهتم بالقضية الليبية واتمنى ان اكون نافعا ولسوء حظي انني هذا اليوم مشغول جدا بامور خاصة تمنعني حتى من الاستيعاب المطلوب لكل مايحتويه مقالكم الغني ولكنني اريد ان اتاءكد من امتلاككم لموقع فرعي في الحوار المتمدن لاستطيع في وقت اخر الاتصال المباشر بكم وعرض البعض الاهم من المناقشات عليكم ولاباءس في هذه اللحظه من تقديم بعض التسؤلات المستعجله مثلا-
لماذا هذه الشحة في اطلالات الكتاب الليبيين على قراء الحوار المتمدن الذي يستقطب نخبة طيبه من القراء والكتاب العرب
سؤال لماذا المدارس والجامعات الليبيه مغلقه حتى الان فقد تكون هنالك بعض المحاذير من تجمعات كانت مهيمن عليها من قبل زعران مايسمى باللجان الثوريه ولكن استمرارية اجهزة الصحة العامة والمصارف والامن الوطني والمحاكم وخصوصا المدارس والجامعات اشارات للتعافي والثقة بالنفس يجب الانتباه اليها وشكرا جز


3 - الامور إلى الاحسن
عبدالحكيم الفيتوري ( 2011 / 5 / 22 - 10:31 )
الكريم الاستاذ الدكتور صادق الكحلاوي تحية تقدير واحترام.
شكرا على كلماتك الدافئة واهتمامك بالقضية الليبية، أما بخصوص سؤالك عن إدارة الحياة المدنية في المنطقة الشرقية، فقد تم بالفعل إقامة مجالس محلية أهلية في المناطق لإدراة شؤون المنطقة من الناحية الادراية والتعليمية والصحية والبيئة وما إلى ذلك. وعما قريب تعود الحياة الطبيعة لكافة شؤون البلاد. ولكن لا يخفى عليك خوف الناس على حياتهم كان وراء سبب إعادة الحياة الطبيعة لسالف عهدا.
وهذا بريدي الشخصي للتواصل معك مباشرة، واتشرف بالتعرف عليكم والاستفادة من تجربتكم العراقية، ودمت بخير أنت وسائر أهلنا في العراق
[email protected]

اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا