الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤوس أينعت وحان قطافها

قاسم محمد يوسف

2011 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يُحكى في الزمان الغابر أن رجلاً شديد البأس قوي البطش عاقد الحاجبين يدعى الحجاج بن يوسف الثقفي عيّنه الخليفة والياً على العراق نظراً لحالة الفوضى العارمة, وفي أول خطبة أمام أهل الكوفة أطلق الرجل العنان لبلاغته وإستعار من روعة اللغة بياناً وبديعاً ليروي ظمأ بطشه وقوته فراح يحدثهم بخطابه الشهير "والله إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها واني لأرى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى, إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ولا يغمز جانبي كتغمار التين ، ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة, وإن أمير المؤمنين نثر كِنانته، فعجم عيدانها, فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي, لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".

إستحضرت هذه القصة من التاريخ رغم كثرة الروايات المتناقدة حول أسبابها لأدلل على منطق "فاقع" حكم البشرية طوال عقود من الزمن حتى تطورت الشعوب وأصبحت قيمة الإنسان في كيانه وعقله وتفكيره تلامس أعلى القيم وأرفع المقامات, ما يدفعني اليوم إلى فتح هذا النقاش هو العقلية الرجعية السائدة اليوم في عالمنا العربي وفي دول لامست حدود الحضارة الأولى وإرتقت بعراقتها وتاريخها الممتد منذ البشرية وإلى يومنا هذا, فأرضها أرض الديانات ومهبط الرسالات ومنبت الأنبياء وفي ربوعها ترعرع التنوع والتعدد الديني والعرقي والفكري, وبين أهلها شبّت أساسات الرقاء والتقدم الإنساني في مداميك الأخلاق ومكارمها حتى أضحت صفاتهم الحميدة مرادفاً طبيعياً لحرية الشعوب وتطورها وإزدهارها.

في عالم يضّج بالقيم الإنسانية والحريات ويتغنى بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها, هناك من يزاول دور الحجاج في العالم العربي, فيحدّث الناس عن الموت في زمن الحياة, ويقرع طبول الحرب مدوية بين حمائم السلام ويقود الأمة والمجتمع بسياسة القطيع نحو التهلكة, يهدد شعباً برمته ويصنع من شعاراته الفارغة غطاءً لتبرير القتل بل الإبادة, فتخرج الدبابات والمدرعات لتدك المدن والقرى الأمنة على رؤوس ساكينيها لا لشيئ سوى أنهم إنتفضوا لكرامتهم وطالبوا بالحرية والعيش الكريم فى نفوس حبلت بالظلم والقمع والإهانة وها هي تخوض مخاضاً عسيراً لولادة جديدة تنفض العار والغبار عن ناصية الوطن وتفتح الأفق جلياً نحو تقدم تاريخي لا محالة من وقوعه.

لتعود المنطقة إلى تاريخها الناصع وليعود التاريخ متجذراً في ربوعها كما كان, لا بد من كسر القيود ونزع الأغلال تمهيداً لثورات تطويرية متلاحقة تعيد الشرق إلى تنوعه وتعدديته وريادته, وتعيد الأديان إلى الوسطية والسماحة بعيداً من التطرف والإرهاب, وهنا, لا بد من التطرق (بشكل عابر) إلى مفهوم الإسلام وصورته في العالم وضرورة العمل على مؤتمر حقيقي وجامع يهدف إلى تطوير الأفكار وتحديث الرؤيا والإنفتاح على المجتمعات كافة بما يضمن عيشاً مشتركاً مع كافة التعدديات والأقليات في الشرق على قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات ضمن منطق الوطن والمواطنة, وبالتالي فإن الصورة المغلوطة والمشوهة عن الإسلام بكافة مندرجاته يجب أن تتغير عملياً في كل الأصعدة وعلى كافة المستويات, فما كان يصح قبل ألف عام لا يصح اليوم, وعليه, منّ كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت.

إن هذه المنطقة الحساسة من العالم والتي ما برحت تشد الكون إلى خيراتها وتراثها, وصلت إلى مفترق مصيري وحاسم تطايرت معه الحسابات والإستراتيجيات والمصالح القائمة حينما قررت الشعوب بدمائها وتصميمها أن تقلب الطاولة على الجميع وتعيد رسم المنطقة بما يتناسب مع تاريخها ومستقبلها لتنزع عن جلدتها عقوداً من العبودية والخنوع ولتمسك بزمام المبادرة من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب