الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الخارجية الأردنية ... لا اجتهاد في نص المصلحة الوطنية

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يولي المواطن الأردني اهتماماً كبيراً للسياسة الداخلية بحكم تأثره المباشر بنتائج تلك السياسة وقراراتها ، وربما يكون حديثه في تلك الشؤون من باب التندر أو التعبير عن وجهة نظره لما يجب أن يكون؛ بافتراض أن كل القرارات حسب وجهة نظر البعض غير مرضية، قد يبرر على قاعدة أن المواطن مخاطب بتكاليف هذه السياسة الداخلية، لكن لا نعتقد بشكل أو بآخر أنه مخاطب أو مكلف بممارسة دور صانع القرار الخارجي أيضاً وغير معني للتنظير في كيفية إدارة العلاقات الخارجية للأردن أو الوقوف في حلف ضد آخر أو الخروج من هذه المعاهدة أو تلك، لسبب بسيط أن إدارة السياسة الخارجية لأي دولة يخضع لعمل منهجي تقوده مؤسسات رسمية وسلسلة عوامل داخلية وخارجية تدخل في صناعة قرار الدولة، والأهم أن خطر القرار الخارجي يتعدى الشأن الداخلي ليشكل ملامح سيادة الدولة واستقلالها وكيانها على المستوى الإقليمي والدولي ، ولا يمكن لهذه المكونات السيادية أن تخضع لأهواء المواطنين وتصوراتهم أو لأحاديث الصالونات السياسية وشعوذة كتّاب التدخل السريع وأصحاب الأجندات الخارجية. لسبب بسيط أن لا اجتهاد في نص المصلحة الوطنية بأي شكل كان.
فمثلا، بعض الأصوات الصحفية والسياسية التي تعالت فجأة، بعد أن اختزل الأردن مستوى تمثيله في قمة دمشق العربية، قبل أعوم قليلة، بالحدود الدنيا لظروف أردنية وإقليمية معروفة، تزايدت باضطراد بعد أن قامت قوات حزب الله باستباحة العاصمة اللبنانية بيروت عام 2008م، ما دفع البعض للمطالبة بضرورة مراجعة السياسة الخارجية الأردنية، بل وشن آخرون الحرب على السياسة الخارجية لان صانع القرار لم ينقل بندقيته من كتف لآخر ، أي لم يفك ارتباطه ما يمسى بدول الاعتدال العرابي (السعودية ومصر) ليتحالف مع إيران وحزب الله ، وبعد توقيع اتفاق الدوحة اللبناني عام 2008م؛ شرعت بعض الأقلام للأسف –عن جهل أو تجاهل- للإساءة للثوابت الوطنية والأهداف العليا للدولة والمصلحة الأردنية، ودعت إلى تغيير بنية السياسة الخارجية وإعادة صياغة مصالح الأردن الخارجية، وفق ايدولوجيا ارتباطاتهم الفكرية والسياسية، وليس على قاعدة المصلحة الأردنية العليا .
إن افتراض البعض أن صناعة ورسم السياسة الخارجية يتم وفق هوى صانع القرار ومصالحه الخاصة أو ارتباطاته الشخصية، هو افتراض خاطئ لأن عملية صنع القرار الخارجي تخضع لاعتبارات سياسية داخلية وخارجية ، كما أن الأردن لا يُعلي بيان المصلحة الوطنية على حساب المصلحة القومية أو يتجاهلها ، كما يفعل بعض الأشقاء العرب، والأهم الأردن ليس بيده أن يحدد متى ينكفئ عن القضايا العربية أو يتدخل ويتفاعل معها ، لان هذا الافتراض مبني على اعتقاد خاطئ مفاده أن الأردن قادراً على العمل باستقلالية كاملة داخليا وخارجيا دون أن يتأثر بالأزمات والظروف الإقليمية والدولية ، وهو اعتقاد ساذج لأن السياسة الخارجية الأردنية لا تتم في إطار حلقة مفرغة ، وإنما وسط بيئة إقليمية وعربية ودولية تؤثر وتتأثر بها السياسة الداخلية والخارجية الأردنية .
ولا شك أن جملة التطورات والتغييرات المحلية والإقليمية، فرضت على صانع القرار الأردني الاعتدال والوسطية في سياسته الخارجية العربية كي يحاول قدر الإمكان التوفيق بين مصالح البيئة الخارجية ومصالحه الوطنية ، وإن كان قد نجح في بعض الفترات في تطبيق هذه السياسة الخارجية على الصعيد الإقليمية ، فانه فشل في تطبيق ذات السياسة في مراحل متقدمة ، حينما أعلى من بينان البعد القومي في سياسته الخارجية تجاه النظام العربي ليقف في وجه المشروع الغربي – الأمريكي – الإسرائيلي لتدمير العراق واعادة صياغة المنطقة صناعياً ونهب ثرواتها النفطية وحماية إسرائيل ضمن سيناريو (سايكس – بيكو) جديد وبوجه استعماري مختلف .
ويبدو أن الأصوات التي تعالت مؤخراً وطالبت بمراجعة السياسة الخارجية الأردنية وقعت تحت تصور خاطئ مفاده أن السياسة الخارجية الأردنية عملية ثابتة أو نظرية علمية لا تخضع للمراجعة والتقييم بين كل فترة وأخرى، كما أن تعليقات وأفكار بعض الصحفيين والكتّاب والمحللين اختلطت بين المنحني الأيديولوجي لمعتقداتهم وارتباطاتهم وبين التحليل العلمي الدقيق لواقع السياسة الخارجية الأردنية مقاربة مع تطورات وظروف المنطقة وما تمليه المصلحة الوطنية من سياسات وقرارات .
والأخطر أن المطالبين بمراجعة السياسة الخارجية وتغيير خارطة التحالفات يعتقدون أن الأردن يربط سياسته الخارجية بالمصالح الأمريكية لا غير، وهو اعتقاد ساذج لأن الأردن يربط سياسته بمصلحته الوطنية والقومية قبل أي شيء آخر؛ فهو كثيراً ما وقف ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، ولا أدل على ذلك من العلاقات الفاترة بين البلدين منذ عام 2005م وحتى اليوم ، حيث تأكد الأردن عدم جدية وصدقية الإدارة الأمريكية في حل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة، وكذلك كشف زيف النوايا الأمريكية التي دمّرت العراق بحجة الديمقراطية والحرية، ما دفع الأردن لإعادة بناء شبكة تحالفات جديدة مع دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والدول الأسيوية (الصين واليابان) ، كما أعاد صياغة علاقاته مع سوريا عدة مرات خلال السنوات الماضية لفك العزلة المفروضة عليها أمريكياً، وكل ذلك لا يمكن فهمه إلا في إطار السياسة الخارجية الأردنية المستقلة التي تتقدم حيناً وتتراجع حيناً تبعاً للتطورات وشدة ضراوتها ، لان السياسة الخارجية يجب أن تكون مرنة وقابلة للارتداد والتحوّل من متغير لآخر أو محور لآخر حسب المتطلبات والأحوال، لا كما يتصور البعض وفق الأيديولوجية والأهواء .
لذا، فان السياسة الخارجية الأردنية يتم دوما مراجعتها على أعلى مستوى ، أي في قمة الهرم السياسي ، في إطار كل منعطف استراتيجي وسياسي في المنطقة والعالم ، والاهم أن أهداف السياسة الخارجية الأردنية واضحة للعيان، وهي أهداف قيّمة وسامية وتنطلق من مفردات وسطية النظام السياسي واعتدال أفكاره وتصوراته للمنطقة العربية والعالم الخارجي، بيد أن وسائل تحقيق تلك الأهداف النبيلة قد تتغير من موقف لآخر ومن ملف لآخر أيضاً ، وفقاً للموارد المتاحة ومساحة المناورة المتوفرة للأردن ، لذلك فنجاح السياسة الخارجية الأردنية يعتمد بصورة كبيرة على الأدوات الدبلوماسية المتوفرة وهامش التحرك السياسي الذي تتيحه الظروف والتطورات، فان توفرت الأدوات وازدادت مساحة المناورة ، كانت النتائج مذهلة وتحقق المستوى المطلوب لأهداف السياسة الخارجية، والعكس صحيح . وهذا ما لا يدركه ولا يعلمه –للأسف- من ينتقد السياسة الخارجية وهو لم يقرأ يوماً مجرد كتيب عن مفهوم ووسائل ومنهجية ونظريات السياسة الخارجية.
والحديث عن المحاور الإقليمية ومع من يجب أن يقف الأردن مع محور الاعتدال أو الممانعة وفق تصور البعض ، هو حديث سطحي غير مبني على أسس المصلحة الوطنية وأبجديات السياسة الخارجية، فبعد التجربة التاريخية المختزنة في ذاكرة صانع القرار الأردني؛ سعت سياسة الأردن الخارجية إلى محاول إرضاء الطموح السياسي الخارجي الأردني بالدرجة الأولى ومن ثم تلبية المصلحة القومية في ظل موازنة ومعادلة الطموح الوطني بالآخر القومي دون أن يهيمن أحدهما على الآخر .
وإن كان لا يدرك البعض حتمية عامل التاريخ والجغرافيا والتوجهات السياسية في إطار الانصهار بما يسمى (الجغرافيا السياسية) ، فان الاردن يدرك هذا جيداً ، لانه محكوم ويخضع لاعتبارات مقومات الزمان والمكان ، وما بينهما من متغيرات سياسية وتاريخية متقلبه ، فان كانت السياسات تتغير دوماً ولا ترسو على حال في ظل التاريخ ، فان حتمية الجغرافيا ثابتة ولا تتغير ، وهذا ما يدركه الاردن جيداً فيما يجهله الآخرون .
وإذا كان الأردن قد تعامل في مرحلة زمنية سابقة مع واقع الجغرافيا بتوظيفها في سياسة خارجية ودور إقليمي أكبر من الأردن بموقعه وموارده ، فإنه في المرحلة الجديدة قد حاول التغلب على الواقع الجغرافي وتحييد الأردن الصراعات المحيطة قدر الإمكان، والانكفاء على الداخل والتعامل مع دول الجوار على أساس التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي وعدم الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية.
وقراءة معمقة لذهن صانع القرار الخارجي الأردني ، تظهر تمييزاً واضحاً بين نهج ممارسة دور سياسي إقليمي وعربي ودولي بما يخدم قناعاته في بناء حالة تسوية وسلام في مناطق التوتر وتحقيق المصالح العربية في هذا الصدد ، وبين منافسة الآخرين في لعب أدوار إقليمية أو قومية في العراق وفلسطين ولبنان ، فالأردن لم يَعُد معنيًّا بالتنافس مع قيادة السلطة والمنظمة على حكم الضفة الغربية ، أو منافسة دول مجاورة أو عربية على مصالح خاصة في لبنان أو العراق؛ لكنه معني بدور سياسي ضروري لخدمة مصالحه المتضررة بسبب زيادة مساحة التوتر حوله .
ولا شك أن القيادة الهاشمية من القيادات القليلة في العالم التي تملك القدرة على فهم المتغيرات العربية الدولية، والأهم المبادرة في تبني أداء سياسي ينسجم معها سعياً لتقليل الخسائر أو زيادة حجم المصالح الأردنية والعربية، وتوجهات السياسة الخارجية الأردنية الحالية لا تحمل في طياتها تراجعاً عن نهج الخروج من حالة المنافسة على ساحات أخرى أو اتباع صيغ خارجية تعزز النزعة القطرية المتفشية في سياسات الكثير من الدول العربية ، كما يعتقد البعض ، لكنه الحرص أولاً على تجنيب الأردن أضرار التوتر في المنطقة ، إضافة إلى تعزيز النهج الذي يتبناه الأردن منذ عقود في السعي لحل سياسي للقضية الفلسطينية وكل القضايا الساخنة في المنطقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت