الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب العملات ونهاية القيامة الأمريكية: هل نحن بحاجة إلى النظام النقدي؟!

رامي أبو جبارة

2011 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


رغم ما تردد عن اصابة بعض الطيارين الذين القوا الفنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي بالاكتئاب والجنون، ورغم ما تردد أيضا عن محاولات مخترع تلك القنبلة بالانتحار، إلا أن الاجدر كان بالجنون والانتحار، هو الذي اصدر الامر بإلقاء تلك القنبلة، حاكما بالاعدام الميداني، الغير قابل للاستئناف، على مئات الآلاف من الأبرياء، لا لذنب الا أن الصدفة وحدها، جعلت من اجدادهم ان يستقروا في تلك البقعة من كوكب الأرض دون غيرها، معلنا بذلك أولى علامات يوم القيامة ولكن بنسخته الامريكية.

يأتي اختراع القنبلة المشؤوم هذا بعد أن تغاضى الكثير من العلماء عن ما قاله أفلاطون بأن "غاية العلم الخير"، فأضحت قوائم الندم والعار في عوالم الاختراعات والاكتشافات أطول من قوائم التكريم والاعتزاز فيها، ولهذا لم تكن القنبلة الذرية الابتكار أو الاكتشاف الوحيد الذي ندم رواده على صناعته أو اكتشافه. ومن هؤلاء الرواد من اكتفى بمشاهدة هول ما انتجته ابداعاته، حتى انتهى به المطاف إلى التبرأ منها والاعتذار عنها مثل ألفرد نوبل، ومنهم من كان أتعس حظا، فكان أول من ذاق ويلات تلك الابداعات بمجرد رؤيتها النور، سواء في روايات خيالية أو أخرى أكثر واقعية. وفي هذا السياق، لا تزال قصص سنمار الآرامي وفرانكشتاين وغيرهم الكثير عالقة في الأذهان، حتى باتت جزءا من الموروث الجمعي الإلزامي لكل مجتمع على اختلاف الجغرافيا، وباختلاف الأبطال وتراجيدياتهم.

ولكن ورغم طول قوائم العار والندم تلك، أكاد أجزم بأن من يحاول التمعن في تاريخ العلم والابتكارات قليلا، سيجد أن أكثر الابتكارات مأساوية في التاريخ البشري كان ابتكار العملة، ولو كان يعلم كروزوس، اخر ملوك مملكة ليديا، أن ابتكاره المسمى بالنقود سيصبح احدى المحركات الرئيسية لكل الحروب التي تلت زوال مملكته وحتى هذه اللحظة، لآثر بالتأكيد العودة إلى زمن المقايضة، متراجعا عن فكرة صك النقود التي بدت له عبقرية حينها، ولكنها كم بدت وتبدو غبية بل وكارثية، لمئات الملايين من الفقراء والضحايا، الذين ما زالوا يحاولون حتى اليوم اكتشاف أسباب شقائهم. وما يزيد الأمر غرابة، أن كروزوس هذا والذي سمته العرب قارون، ما زال يـُضرب المثل بماله وثراءه بكل فخر وإعتزاز، دون أن يعرف أولئك الأشقياء أنه هو بالذات كان له اليد الطولى في تكريس بؤسهم وتعاستهم.

قد يدّعي البعض بأن جدلية الخير والشر بدأت قبل صك النقود بمئات وربما آلاف السنين، ولكن مما لا شك فيه أن ذلك الابتكار تحديدا، كان له الأثر الأكبر في تأطير العلاقة بينهما، ووضعها في قوالب جعلتها أكثر وضوحا لطرفي الصراع وأنصار كلا الطرفين، وان كانت ما زالت أكثر غموضا واستعصاءا على أنصار الطرف الأضعف. بالاضافة إلى أن النقود كان لها الدور الأكبر في تحول النظرية الاقتصادية القائمة على وفرة المصادر، إلى ما يعرف بالنظرية الاقتصادية الحديثة والقائمة على الندرة، حيث يكون الاقتصاد مدفوعا بالتربح فقط، مما ساهم إلى زيادة توحش رأس المال من أجل استغلال الموارد المحدودة - حسب نظرية الندرة - بأكبر شكل ممكن، وأصبحت طبيعة العلاقات بين الأفراد قائمة على الأساس التنافسي وحده.

أما الآن، ورغم استحالة استقراء مستقبل الصراع الذي وصفته المانوية بالسرمدي بين النور والظلمة، إلا أن نهاية القيامة الأمريكية التي أعلنها ترومان، بإلقاء القنبلة الذرية قبل 65 عاما باتت وشيكة، ولم يدر في خلد فوكوياما أن ما أعلنه حول التاريخ ونهايته قبل 20 عاما، واصفا ماضٍ طويت صفحته بإنتصارٍ طرواديٍّ للامبريالية، كانت عبارة عن نبؤة مضادة تنتظرها في المستقبل القريب. ومع اقتراب نهاية أحداث هذه القيامة، يبدو أن آخر ما تبقى من مساحيق التجميل على وجه الامبريالية الأمريكية القبيح قد سقط، فها هي مسميات الحروب على الأقل تعود لتعبـّر عن وجهها الحقيقي، فبعد حروب اقترنت اسماؤها بعدد سنينها وأخرى بعدد ضحاياها، ثم مرورا بحروب سميت بالباردة رغم اكتواء الملايين بنيرانها، وحروب فضاء وحروب صليبية مبتكرة في الألفية الثالثة وغيرها من التسميات، إلا أن المطاف قد انتهى بتسمية هرمجدون سفر الرؤيا في العهد الامريكي بحرب العملات، في اشارة إلى صراعها مع التنين الصيني المترقب بشغف للوثب على رأس الهرم العالمي. وتأتي هذه التسمية اليوم هكذا ودون مقدمات، مبرزة جوهر حروب خلت: حروب رأس المال وصراعات المصالح والنفوذ.

ولكن ومع الانهيار المرتقب لأعتى الامبراطوريات وأكثرها توحشا في التاريخ الانساني، لا يبدو أن الجرائم والانتهاكات بحق البشرية، من استغلال وقتل واضطهاد وتعذيب، في طريقها إلى الزوال. قد تكون الدعوات المتصاعدة لايجاد بديل عن النظام النقدي السائد الآن حلا محتملا، ولكنها بالتأكيد لن تكون حلولا متكاملة وجذرية وحدها، بل يجب أن تتزامن مع برنامج اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي متكامل. ورغم وجود برامج محتملة في الفلسفة الماركسية مثلا أو ربما في مشروع فينوس لصاحبه بول فريسكو، إلا أنها لم تخرج حتى الآن عن اطارها النظري، كما أن التجرية الشخصية لمارك بويل مؤلف كتاب "رجل بدون نقود"، في العيش دون استخدام النقود منذ عام 2008 وحتى الآن، لا تبدو كافية لتعميم التجربة، ولكنها على الأقل توفر لنا برهانا بأن العيش دون نقود ما زال أمر ممكنا وقابلا للتحقيق، إن امتلك الانسان الارادة. فهل نستطيع التخلي عن النظام النقدي؟!


* كاتب عربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليوتوبيا
غيفارا ( 2011 / 5 / 22 - 15:58 )
لا زلت غير قادر على تخيل عالم من غير نقود!! آرى آن هذا ما زال حلما بعيد المنال. آعتقد آنه يجب اعطاء بديل عملي، فما هو البديل في الماركسية آو مشروع فينوس؟ الرجاء التوضيح. ولكنني آتفق معك بآن انهيار امريكا بات مسآلة وقت ولا يوجد افق لاحلال السلام العالمي بانهيارها لانك كما قلت هناك قوى جاهزة، ولكن على الآقل يجب حشد الشعوب لاستغلال فرصة التحرر بمجرد انهيارها علنا نخرج بآقل الخسائر


2 - جميل جدا
ديما - بيروت ( 2011 / 5 / 22 - 17:26 )
اعجبتني كثيرا فكرة الغاء النظام النقدي والعيش بدون نقود، كم هو عالم جميل سيكون ومثالي، سؤال فعلا محير هل نحن بحاجة إلى النظام النقدي؟ كان يعيش الانسان بدون نقود وكل شيء تمام. لماذا لا نستطيع اليوم العيش بدونها؟ ولكن كيف يمكن الغاء النقود وكيف سيكون التعامل التجاري واليومي؟ شكرا للكاتب على هذا الموضوع الجدلي


3 - ...
صهيب اللطايفة ( 2011 / 5 / 23 - 13:24 )
مقال رائع.... عصر النقود و الاوراق المالية أنهار حاليا بانهيار الدولار... أمريكا ستزول بس المشكلة من القوة العظمى التي ستحتل مكان أمريكا.
أيضا زوال النظام النقدي لن يكون له خير للبشرية كما المتوقع فسيجدون نظام أكثر من شر من النقود


4 - نقد بسيط
احمد محمد حسن ( 2011 / 5 / 23 - 17:29 )
اول شي شو دخل القنبلة النووية بالنقود .
اعتقد انو عنك عقدة النقود بحيث تربطها بالشر و الخير مع انو النقود ما الها دخل و بعدين العالم بتتقدم كيف بدك يلغو النقود النقود من زمن سيدنا يوسف موجودة و يمكن قبل كمان كل ها الفترة و كل العالم الى فيها ما طلع واحد فيهم فهميم يحكي الغو النقود و خلينا نرجع نقايض و بعدين هي عندك النظام الشيوعي تقريبا الغو النقود و انهارو ما اثبتلك شي معين مثلا هادا الشي .......... اعتقد انه يجب على الكاتب ان يقرا اكثر و يتعمق اكثر قبل نشر مقلات تعبر فقط عن واقع شخصي و عقد ذاتي اعتقد انه على الكتب ان يتعمق و يدرس جيدا و يقوم بالابحاث قبل اصدار اراء و بعدين مين قلك انو الدولار بدو ينهار
اعتقد انه هذة مجرد اضغاث احلام .......

اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و