الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهورية الخامسة..أم الجمهورية الثانية؟!!

أحمد أبودوح

2011 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



أثناء قيام الرئيس الفرنسى السابق رينيه كوتيه عام 1959 بتسليم السلطة الى شارل ديجول ،مؤسس الجمهورية الخامسة الفرنسية..كان الرئيس جمال عبد الناصر يسعى الى القضاء على الحياة الحزبية فى مصر وترسيخ مبدأ الحزب الواحد (بعد الاطاحة بالرئيس محمد نجيب) عن طريق تأسيس تنظيم الاتحاد القومى الذى انبثق من خلاله فى ما بعد الاتحاد الاشتراكى العربى، والذى كان البوتقة التى يجب أن ينصهر فيها الشعب سياسيا لدعم الاتجاهات الجديدة لمجلس قيادة الثورة فقط، دون النظر الى أى اتجاهات أخرى تخالف هذه التوجهات العامة وقتها، كما تميز الأتحاد الأشتراكى بالنظرة المجتمعية الضيقة لفئات الشعب المصرى، عن طريق تمييز قوى الشعب العاملة عن غيرها من الفئات، كما كانت الاعتقالات السياسية، والتعذيب الوحشى داخل السجون هو جزاء كل من يخالف هذا الاتجاه الثورى العام للدولة .
عندما تولى الرئيس السادات الحكم قام بفتح المعتقلات، ووضع الدستور الدائم عام 1971 الذى اختزل جميع الصلاحيات والسلطات فى شخص رئيس الجمهورية، حتى يتم عبور الفترة العصيبة من تاريخ مصر، وهى الاعداد للانتصار وتحرير الارض.. بعد الحرب لم يقم السادات بتعديل الدستور كما كان متوقعا، ولكن فى عام 1977 قام السادات بخطوة ايجابية حيث أفسح المجال لظهور التعددية الحزبية الى النور، بصدور قانون الاحزاب السياسية، وترأس هو حزب مصر العربى الاشتراكى، الذى أصبح يعرف فيما بعد بالحزب الوطنى الديموقراطى . أدت الأحداث المتلاحقة بعد ذلك (أحداث يناير 1977، وزيارة السادات للقدس، وتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل) الى تصعيد المعارضة ضد النظام الحاكم، تبع ذلك ردة الفعل العنيفة من قبل السادات من تضييق سياسى على الأحزاب، وفتح للمعتقلات من جديد لكل من يخالفه فى الرأى، حتى أصدقاءه السابقين، مما أدى الى وئد التجربة التعددية للأحزاب فى مصر بعد مولدها .
بعد تولى الرئيس مبارك الحكم، حدثت انفراجة سياسية، حيث قام بالافراج عن المعتقلين السياسيين، كما سمح لبعض الصحف بالصدور من جديد، وأيضا أعطى الحق فى تأسيس الأحزاب عن طريق لجنة شئون الأحزاب، والتى كانت الممر الوحيد لمولد أى حزب جديد. ظهر ذلك فى السيطرة الكاملة للحزب الحاكم على هذه الأحزاب..ترجمة لسيطرة لجنة شئون الأحزاب عليها، وذلك نتيجة لانتماء أغلبية أعضاء هذه اللجنة الى الحزب الحاكم .
أرتكز حكم مبارك على مبدأ "تطبيق مظاهر الديموقراطية فقط، وليس مبادئها" . وفى عام 2007 ظهرت نوايا الرئيس السابق فى توريث الحكم لأبنه جمال واضحة، وذلك فى تعديل المادة 76 من الدستور بما يمهد الطريق لجمال مبارك للوصول الى مقعد الحكم دون منافسة تذكر ، ونتيجة لعدم قدرة أى حزب من الأحزاب الموجودة على الساحة على المنافسة الحقيقية للحزب الحاكم، نظرا لهيمنة الدولة عليها..فقد ظهرت قوى وتنظيمات أخرى فى الشارع غير معترف بها من قبل الدولة، ولكنها كانت بمثابة قوى موازية للأحزاب الشرعية .
أحس النظام الحاكم( الذى تدهورت على يديه جميع مناحى الحياة فى مصر، ليس فقط من الناحية السياسية والحزبية، ولكن أيضا من الناحية الاجتماعية والثقافية والفكرية)، حينها بالخطر فقام باطلاق أجهزته الأمنية للعبث بمقدرات الشعب المصرى من اعتقالات، وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان، ليس هذا فقط ، بل ساهمت الأجهزة الأمنية أيضا فى فساد الحياة السياسية عن طريق اطلاق البلطجية، وتزوير الانتخابات لصالح مرشحى الحزب الحاكم و...الخ .
ولكن لو توقفنا لوهلة ونظرنا نظرة فاحصة على الأحداث سنلاحظ أن الرئيس مبارك سار على نهج الرئيس جمال عبد الناصر فى الانحياز لفئة معينة على حساب باقى فئات المجتمع، ولكن هذه المرة لم تكن هذه الفئة هى قوى الشعب العاملة، ولكن كانت طبقة رجال الأعمال، وأصدقاء العائلة الرئاسية، والتى ساهمت بشكل كبير فى سحق فئات المجتمع المختلفة لصالحها، كما قامت بالتخلص من الطبقة الوسطى، كضمانة لصد محاولات القادمين من الخلف .
على الجانب السياسى أدى تزاوج المال بالسلطة، والأهمال التام لقوى المعارضة مع اختلاف اتجاهاتها، الى حدوث انسداد سياسى فى المجتمع المصرى، أوجب على أثره حدوث قوة دفع هائلة لاعادة الحياة السياسية الى مجاريها..فانفجرت الثورة!!
من هنا يتضح لنا مدى التشابه الكبير فى السياسات بين جميع رؤساء مصر (وان اختلفت الأساليب ) فى سعيهم لتكريث فكرة الحاكم الفرد، وابتعادهم كل البعد عن المعنى الحقيقى للديموقراطية، عن طريق القمع البوليسى، وتعطيل الحياة السياسية والحزبية فى مصر، مرورا ببعض الانتفاضات، وصولا الى حالة من الركود السياسى .
فاذا رجعنا الى الترتيب التاريخى (وبشىء من الانصاف) نجد أن محمد نجيب هو رئيس الجمهورية الأولى لمصر، وجمال عبد الناصر هو رئيس الجمهورية الثانية، وأنور السادات هو رئيس الجمهورية الثالثة، ومحمد حسنى مبارك هو رئيس الجمهورية الرابعة .
وفى ظل ابحار البلاد الأن فى "طوفان التغيير"، و فى ظل محاولات القوى المختلفة وأعداء الوطن (فى الداخل والخارج) المستميتة، التى تريد للمركب المصرى أن ينقلب، يأتى التساؤل : هل يمكننا تسمية المرحلة المقبلة من تاريخ مصر الحديث الجمهورية الخامسة..أم أننا، طبقا لهذا التشابه الضخم فى السياسات بين جميع الرؤساء السابقين، وفى ظل التفاؤل الذى يخيم على جميع المصريين فى مولد دولة جديدة تماما كما كنا نحلم بها من قبل، يمكن فقط أن نطلق عليها الجمهورية الثانية ؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الامام
asmaa ( 2011 / 5 / 24 - 02:06 )
بجد شئ ممتاز وتحليلك السياسى راقى جدا

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا