الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألمذيعة الراحلة لقاء عبد الرزاق: صوت تألق ثم اطفئ مبكرا

جورج منصور

2004 / 11 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


في الاول من اب (اغسطس) 2003، باشرت المذيعة لقاء عبدالرزاق( خريجة كلية الاداب )عملها في تلفزيون شبكة الاعلام العراقي ( العراقية) الذي بدأ بثه التجريبي الاول في الثالث عشر من ايار (مايو) 2003 من استديو في قصر المؤتمرات.
وكانت لقاء تأتي في صباحات بغداد الجميلة الى غرفة صغيرة في الطابق الثالث خصصت للمذيعات والمذيعين، الذين لم يتجاوز عددهم الستة، فتبدأ بالتهيؤ للعمل حسب المنهاج اليومي وبكفأة كانت تحسد عليها، سواء في تقديمها لموجز الانباء او للنشرة المسائية المفصلة التي كانت تبدأ في الثامنة مساء، والتي لم تكن تفضل لقاء ان تقرأها لكي لا تبقى خارج منزلها الى ذلك الوقت المتأخر في بغداد التي كان يلفها الخوف بعد ان يغزوها الظلام وحيث ساعات منع التجوال تبدأ في الحادية عشرة مساء. اضافة الى كونها صاحبة عائلة وام لطفل صغير، ومخافة ان يقع لها اي مكروه وهي في طريقها الى منزلها حيث تختفي الطرقات من المارة، ولكنها كانت تكتظ بالسيارات المسرعة في جميع الاتجاهات.
كانت لقاء تطلب بخجل وتردد، ان يسمح لها لقرأة الموجز والصحافة اليومية و... اي شيئ تكلف به، على ان تنتهي من دوامها قبل حلول الظلام، لتغادر الى منزلها الواقع في اطراف منطقة الدورة.
كانت مذيعة متألقة حقا كسبت ود زملائها وزميلاتها في التلفزيون وخاصة طاقم الاخبار وهي كانت تعرف كيف تتعامل مع الكاميرا والتقنيات في الاستديو. لم يكن راتبها الضئيل ولا امكانيات العمل المتواضعة التي كانت متوفرة حينذاك ولاجو الاستديو الخانق بسبب شدة الحرارة وسوء التهوية اللازمة، يجعلها تتذمر او ينعكس على ملامح وجهها الصبوح. كانت تتعامل مع الخبر او التقرير بروح شفافة متفاعلة مع الحدث.
كانت سيدة هادئة، متزنة ومتواضعة، بعيدة عن التبرج وتبتعد عن استخدام المساحيق الخاصة بالتلفزة قدر الامكان.
جائتني مرة زميلتها المذيعة نادية صابر لتخبرني بتعرض منزل لقاء الى السرقة. فقصدت غرفة المذيعين، علني اتحث اليها واقدم لها مساعدتي في ذلك الوقت العصيب. فوجدتها على عادتها هادئة ووقورة عدا مسحة حزن عميق كان يلف وجهها المبتسم دوما. فحاولت مع زملائها وزميلاتها، اقناعها بأن تتقبل تعويضا من الشركةالتي كانت تشرف على شبكة الاعلام العراقي ( الاذاعة والتلفزيون وجريدة الصباح) عما خسرته في حادث السرقة، خاصة وان راتبها الشهري لم يتجاوز المائة والعشرين دولارا. الا انها كانت كريمة النفس ابية ورفضت العرض، معتبرة ان ماسرق من منزلها ليس بخسارة تذكر، مضيفة اللي يموت يخسر.
فهل خسرت لقاء لوحدها حين باغتها المجرمون القتلة في كمين نصبوه لها في وضح النهار؟ أم ان عائلتها وزميلاتها وزملائها الذين عملوا معها وكذا العراق الجديد هم الذين خسروا ايضا انسانة طيبة وصوتا دافئا وطاقة شابة مليئة بالحيوية والرغبة في الابداع والعطاء واما حنونا وزميلة رائعة؟
لم يكف القتلة ان اجهزوا على زوجها قبل اربعة شهور من الاجهاز عليها في بغداد، لمجرد انه كان يعمل مترجما لدى شركة تيتان الاجنبية؟
ولم يكف هؤلاء القتلة أن تترمل لقاء وتتحمل لوحدها مسؤلية اعالة ولدها الصغيرالبالغ ست سنوات من عمره، وطفلتها الرضيعة! بل سعوا الى قتلها وهي في عز الشباب والعطاء... فأي حقد اسود دفين يغوص في العماق هؤلاء القتلة الذين لايريدون للعراق ان ينعم بالراحة والطمأنينة والسلام؟
لقد الف العراقيون ان يفتحوا عيونهم كل صباح على جرائم ترتكب باسم الاسلام... والاسلام منهم براء.
فالمجرمون يعبثون فسادا في العراق.. ينحرون الرقاب ويمثلون بالجثث ويبقرون بطون النساء ويقطعون رؤوس الاجانب ويرمونها على قارعة الطريق ويدمرون كل ما اعيد بناؤه بعد حقبة صدام الدموية الشرسة
ماتت لقاء، ولكن ستبقى حية في ذاكرة الناس الذين عرفوها واستمعوا لصوتها واحسوا بدفئها الانساني.
ماتت لقاء، ولكن سيبقى شبحها الجميل يحوم كالملاك الطائر حول القتلة ليؤرقهم في مضاجعهم ويدفع بهم الى المستنقع الذي يستحقونه.

* مدير عام تلفزيون شبكة الاعلام العراقي سابقا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توسع الاحتجاجات الجامعية في أنحاء العالم


.. إجراءات اتخذتها جامعات غربية بعد حرب إسرائيل على غزة




.. استشهاد فلسطينيين أحدهما طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شر


.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع




.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر