الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا كما نراها وكما نريدها

عادل أحمد

2004 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


سوريا المحكومة بهاجس الهيمنة والتقزيم الأمريكيين ، والشعب السوري المسكون بهاجس الخوف والسلبية واليأس. إلى أين يسيران ؟ السيرورة المتخيلة ، المآلات والمخارج....
يوم التاسع من نيسان ، يوم سقوط بغداد رسميا أمام جحافل التتار الجدد وجيوش هولاكو الأمريكي ، في ذلك اليوم الذي أعيد فيه وبكل ألوان الطيف منظر نهر دجلة الذي اسود من مداد آلاف الكتب والمخطوطات التي ألقاها المغول فيه. في ذلك اليوم ، لم تسفك دماء العراقيين فقط ، بل وحتى دماء الكتب والمخطوطات ، واستلت روح القطع الأثرية المسروقة، وسرقت ثروة العراق المادية والروحية ، في ذلك اليوم دق جرس الإنذار الرهيب بقوة وعنف محذرا سوريا قبل غيرها من دول الوطن العربي ، من الخطر القادم .
منذ ذلك اليوم ، والذي كان يفترض فيه أن يكون يوم ولادة جديدة لسوريا ، ومناسبة- لدى أهل النظام- لإعادة الحسابات ولملمة الجراح والبدء في بناء صرح وطني موحد عصي على الاختراق طالما افتقدته سوريا ، لملاقاة العدو التي أخذت قوائم خيوله ترفس الأبواب .
منذ ذلك اليوم ، وكل ما جرى يشبه ببساطة شديدة تلاوة البسملة وبعض الأدعية لشيخ عجوز يقلّب حبات سبحته الطويلة ذات ال 99 حبة ، وكلما انتهى عاد من جديد مبتهلا إلى الله أن يحقق أمانيه ويقيله العثرات والأخطار .
في الحقيقة ، لم تفعل سوريا شيئا أكثر من ذلك ، رغم كل المراسيم والقوانين الجديدة والمستحدثة والتي بلغت المئات ، ورغم التغييرات التي اقتصرت على بعض الشخصيات والمراكز هنا وهناك .... ففي كل مرة كانت تصدح إذاعة التطوير والتحديث أو الإصلاح ، كانت تستمر الترانيم والشعارات والخطب والتحركات ... وحين تنتهي حبات المسبحة تتوقف قليلا لتبدأ من جديد على نفس الوتيرة والنمط .
معلوم أنه مع تولي الرئيس السوري بشار الأسد مقاليد السلطة عام 2000 عاش الشعب السوري حلما ورديا كان أنصع تعبير عنه ما سمي في حينه " ربيع دمشق " ، ولكنه كان حلما ورديا ، سرابا ، تهومات عاشق لا أكثر ولا أقل .... فهو – الشعب السوري – متحررا نسبيا من من الخوف، عبر عن نفسه أو بدأ يعبر عن نفسه... لكن مصير ربيع دمشق الأسود ، ولأنه كما أسلفنا القول مسكون بهاجس الخوف والسلبية واليأس ، ارتد إلى ذاته ، وتقوقع على نفسه. ومع بداية كل دورة للسبحة الطويلة ، كان يتململ قليلا كما الجنين في رحم أمه ليعود فيسكن ويهدأ من جديد .
وسوريا الدولة أو النظام والتي انتقلت بسلاسة من عهد إلى عهد أو من مرحلة إلى مرحلة ، حاول بعض من فيها أن يعبر عن نفسه ويطلق بعض الآهات هنا وهناك ، إلا أن شيوخ الدولة ورهبانها والممسكين بزمام الأمور فيها قمعوا أو لنقل أسكتوا هذه التعبيرات ، وأوقفوا تلك التأوهات ، ولأن الجميع محكوم بهاجس الهيمنة الأمريكية والمسكون بعقدة الخوف من الاختراق ومن ثم التشظي لدى أي انفتاح ، عادوا جميعا باتفاق علني أو ضمني إلى ما كانوا عليه . وهكذا رأينا سوريا الدولة والنظام ، الشعب وقواه ، أي الموالاة والمعارضة ، رأيناهم جميعا يراوحون في المكان .
وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه ، فان مصير سوريا ومستقبلها بيد المجهول ! ولكن الأسود والمظلم بكل الأحوال ... لأن القوة الأمريكية والتي احتوت الأنظمة العربية كافة ، وبنت لها قواعد عسكرية وسياسية في أكثر من مكان في الوطن العربي ، لن يثنيها شيء عن الوصول إلى تحقيق أهدافها ومصالحها ... إعادة تقسيم المنطقة وتجزئتها ومن ثم لملمتها تحت يافطة الشرق الأوسط الكبير ، والذي يعني ببساطة شديدة :
- إكساب الشرعية لإسرائيل ومنحها دورا قياديا ورياديا في المنطقة .
- إنهاء قضية الشعب الفلسطيني بفرض حل سلمي وبالمعايير الصهيونية –الأمريكية .
- تأمين منابع النفط والحفاظ على تدفقه .
- إجهاض كل الأفكار والبرامج / السياسية – الفكرية – الاقتصادية / التي تكون أو يمكن أن تكون أو تساهم في تكوين مشروع النهضة الذي حلمت به شعوبنا طويلا .
لعل من أهم أدوات هذا المشروع الإمبريالي فرض التغيير أو التحول في دول المنطقة عموماعبر ( ديموقراطية الأنياب ، وتعددية الأقوام والأديان والمذاهب والملل والنحل، عبر لبرالية رأس المال المركز والاحتكاري ، وعولمة متوحشة للمجتمع أو المجتمعات وإلغاء خصوصياتها وثقافاتها وحتى تاريخها ، واستبدال الأنظمة والسلطات السياسية التي عفا عليها الزمن بأنظمة وسلطات ترتدي الزيّ الأمريكي وتتبنى مفاهيم السيد الأمريكي شكلا ومضمونا ، جهارا نهارا .
وفي حال قررت سوريا التصدي لهذا الغزو القادم ،وإعداد العدة لرد هذه الهجمة – ومع أنني على يقين من أن كل أبناء سوريا، كل شعبها ، داخل مؤسسة النظام وملحقاته ،داخل المعارضة بكل أطيافها ،المواطن السوري أينما وجد، فاهمون ومدركون لأهداف المشروع الأمريكي ,وأبعاده وأغراضه- فان المطلوب –وهذا ما يدركه أبناء شعبنا بوضوح أيضا – هو التخلي عن سياسة المكابرة والاستئثار بالسلطة ، والارتقاء بالحس الوطني إلى مداه الأقصى من قبل النظام والسلطة أولا وذلك بإعلان القرار السياسي المطلوب ، والذي فاتحته إلغاء الأحكام العرفية والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين . ومن المعارضة الاستمرار والتأكيد على تمسكها بالخيار الوطني الديموقراطي والسلمي , والضغط بكل ما تملك من قوى بهذا الاتجاه قولا وعملا، والانتقال بعد ذلك نحو مؤتمر للمصالحة الوطنية ، يقر برنامجا وطنيا عاما تتفق عليه كل قوى الطيف السياسي ، لينتقل الجميع للعمل معا لإنجاز التحول السياسي المطلوب حيث تكرس مفاهيم الحرية والمواطنة والديموقراطية والتعددية .
باعتقادي ، انه على الجميع أن يعمل ويضغط بهذا الاتجاه ، لكي يكتشف المواطن السوري نفسه من جديد ويستعيد حريته وإنسانيته وفاعليته . بعد ذلك ، وبعد ذلك فقط يصبح الحديث عن مكافحة الفساد والرشاوى والتسيب ونهب المال العام ذا جدوى على أرض الواقع .
بعد هذا فقط تصبح سوريا عصية على الخارج بما تؤمنه من متانة للحمتها الداخلية ، منيعة على الأعداء بقوة إنسانها وشعوره بأن سوريا ، الوطن ، هو لجميع السوريين بلا استثناء أو تمييز بسبب العرق أو الدين أو المعتقد .
هذا ، أو كما يقول المثل الشعبي : منه العوض وعليه العوض .

اللاذقية 2/11/2004 عادل أحمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا