الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ثمة سياسة في العراق الجديد ؟

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 5 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل ثمّة سياسة في العراق الجديد ؟


لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توصف مجموعة المناورات البائسة التي تدور في العراق منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 بالسياسة، ولا أن تسمّى القرارات الإرتجالية، وردود الأفعال العشوائية ضمن الصراع الدائر بين أقطاب ورموز العملية السياسية وتصريحاتهم المتناقضة في هذا الشأن السياسي أو ذاك، بأعمال السياسة والإدارة السياسية، ولا النزاعات والخلافات والمواقف المتشنجة، هي تعبير عن التباين الطبيعي في وجهات النظر المتباينة حول سبل إدارة الدولة والمجتمع وفقا لتصورات ورؤى مختلفة ومدروسة وناتجة عن برامج سياسية حقيقية .

ولا يمكن أيضا، للوعود الرسمية بمعالجة الأزمات العاصفة بالبلاد، والعمل الجدّي على إنهاء المحاصصة الطائفية والأثنية ومحاربة الفساد الإداري والمالي، ونبذ الحلول السطحية القائمة أولا وأخيرا، على تراضي الكبار من قادة الكتل السياسية فيما بينهم، أن تكون وعودا ذات مصداقية سياسية، وتؤخذ على محمل الجدّ، من طرف الرأي العام، بعد تجربة السنوات الماضية، والتي لم تثمر سوى الدوران في الفراغ والتوليد المتزايد للصراعات العقيمة التي لا تهدف جوهريا لتوزيع المناصب والإمتيازات المتعلقة بالسلطة والثروة والنفوذ والحفاظ عليها أو حيازة القسم الأعظم منها فحسب، وإنّما هي أيضا، صراعات تعيد إنتاج نفسها بإستمرار وتفرضها موازين القوى المتغيرة، من أجل إعادة التوزيع بصيغ ونسب جديدة تتطلب من ذات الأطراف، الدخول في إصطفافات وتحالفات مستحدثة ومفبركة على عجل، يعاد معها كل شيء تقريبا، الى المربع الأول .

كما لا يمكن أن ترتقي أشكال العداوة والقطيعة بين المتخاصمين في الساحة العراقية، الى مستوى الإختلاف في وجهات النظر حول هذه القضية السياسية أو تلك، ولا أن تكون صورة اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية وما ينتج عنها من تحالفات مؤقتة وبيانات مشتركة في إطار مشاورات سرّية تدور دائما في الغرف المغلقة، هي من صور السياسة الحديثة والمعروفة .

فلا الخلاف أوالإتفاق، ولا الرفض أوالقبول، ولا التباعد أو التقارب، ولا البغضاء أوالمودّة، بين أطراف النزاع الداخلي الدائر، تخضع في حالاتها التي شهدناها، لمبادئ ومعايير وأصول وضوابط سياسية قابلة للفهم والقياس، والثابت الوحيد هو التشبّث بأي ثمن بالمناصب العليا للدولة، لا من أجل توفير وتقديم الخدمات للمواطنين ومعالجة الأزمات العديدة، ولا حتى من أجل حيازة سلطة شكلّية، يدرك المتنفذون أكثر من غيرهم أنّها وهمية، في بلد هو أصلا، لم يزل فاقدا للسيادة الكاملة، وإنّما يكمن السبب الحقيقي في أنّ الدولة ومواردها المنهوبة هي بمثابة الأداة الأمثل بيد جماعات المصالح والشبكات الداخلية والخارجية المرتبطة بها .

هكذا نصبح في واقع الأمر، أمام ممارسة بدائية هي من أكثر الأشكال إنحطاطا وتنفيرا وفقرا وإدراكا، لمعنى السياسة ومغزاها والهدف منها، حينما يجري إختصارها قسرا وبتعمّد واضح، الى هذه الصورة المتدنية من الممارسة العملية ،وتحويلها من علم وفنّ وتنظيم وتنسيق وعمل مشترك وإدارة للصراعات والمصالح الإجتماعية المتباينة وضبط للنزاعات الداخلية والإرتفاع الى مستوىالمسؤولية، الى مجرد تعبير أجوف عن مصالح حفنة ضيقة من أمراء الطوائف وزعماء العشائر وأحزاب المليشيات .

إذ أنّ السياسة هذا اليوم في العراق، هي ما دون السياسة من ناحية، ويتجلّى ذلك واضحا في العجز المستديم عن إعادة بناء الأجندة الوطنية المعبّرة عن المصالح العليا للبلاد وعن التعبير عن الإرادة العامّة للمجتمع، وإعادة إحياء الولاء المدني للدولة بعد مرور ثمان سنوات عجاف، بدلا من العمل المستمر على تكريس الولاءات الطائفية والأثنية وتجديد أشكالها وصيغها وصورها، بعد أن باتت الدولة ذاتها ومؤسساتها المنبثقة منها كأدوات يفترض فيها تمثيل الإرادة الكلّية، هي حاضنة حقيقية للإنقسامات والولاءات الثانوية، ومصدر أساسي من مصادر الجمود السياسي والإنسدادات الدورية المستمرة، ومن ثم التراجع بطبيعة الحال، عن التوجهات الأساسية لبناء دولة ديمقراطية وتعددية ضامنة للحقوق والحرّيات العامة، وهذا العجز هو ما يفسّر تماما، صعوبة التقدّم بما أصطلح تسميته بالعملية السياسية، الى الأمام إنطلاقا من محرّكاتها وديناميكياتها الفاقدة للإرادة الحقيقية، كقوّة دافعة وكشرط أولي وضروري للتقدّم . ومن ناحية أخرى فالعراق هو أيضا، ما دون التنظيم الإجتماعي المدني الذي يمكن أن يعوّض غياب السياسة ويقوم مقامها نتيجة الفراغ الهائل لما يسمّى بالمجتمع المدني ومنظماته المستقلة فعلا عن الدولة وعن هيمنة الأحزاب والتنظيمات السياسية .

إنّ وجود رجال سياسة هنا أو هناك، لا يعني إطلاقا وجود جماعة سياسية يمكن أن تعمل بصورة مشتركة ومنظمة ومتّسقة للخروج من الأزمة الراهنة، كما أنّ وجود قائد أو زعيم سياسي لهذا الحزب أو ذاك، لا يعني أيضا توفر قيادة سياسية متعايشة وقادرة على تجاوز الخلافات وبلورة الإجابات الكفيلة بإخراج البلاد من المأزق الذي أدخل فيه حين تمّ سحب الأجندة الوطنية من التداول وإستبدالها بالأجندات الخاصة والتي كانت بتقديري، هي نقطة البداية في الضياع والمتاهة الحالية .

فالدولة بإعتبارها مؤسسة سياسة المجتمع ومقر للسلطة العمومية، سوف تعجز عن إداء وظائفها عاجلا أم آجلا، إن إستمرت كغنيمة تتقاسمها الأفراد والجماعات المسيطرين عليها بإسم الطائفة والأثنية والعشيرة والحزب، وما لم يتمّ إصلاح نظامها ووضع قواعد العمل الخاصة بتداول السلطة وممارستها وتحديد مهامها الرئيسية ونوعية إدائها كمقدمة لا بدّ منها لإصلاح المؤسسات الأخرى، وهي الإدارة المدنية العامة والمؤسسات الأمنية والتربية والتعليم والثقافة والصحة والإنتاج والإقتصاد وغيرها من المؤسسات التي لا حياة لأي مجتمع من دونها . ومن دون ذلك لا سياسة في العراق الجديد ولا هم يحزنون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة