الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (3)

سعيد هادف
(Said Hadef)

2011 / 5 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ـــــــــــــــــ النظام الجزائري، والنادي العالمي السري

من المعلوم ان المآسي التي ظلت، ولا تزال، تعاني منها البشرية، غالبا ما يتم تدبيرها بليل، فالتاريخ يسجل بالوثائق، عددا من الجمعيات والنوادي السرية، التي كانت وراء أهم الأحداث. ويوما بعد يوم، يتأكد للجزائريين، أن النظام الذي يتحكم في رقابهم، ينتمي إلى ناد عالمي سري، مهمته تكاد تتلخص في ضرب مصالح كل شعوب المنطقة، وقطع الطريق عن المكاسب التي حققتها البشرية في مجال حقوق الإنسان. سيرة هذا النظام غنية بالمواقف الغامضة والقرارات التي لا تمت إلى العقل بصلة، فمنذ حوالي شهرين، قال سيد أحمد غزالي، أن تجربته في السلطة جعلته يقتنع أن للنظام الجزائري باطنا لا يعلمه إلا أصحاب القرار الفعليين. في الوقت الذي اصطف الديمقراطيون والراغبون في التغيير الديمقراطي مع ثوار ليبيا، شعر النظام الجزائري بمغص سياسي اضطره للوقوف في الاتجاه المعاكس وهو يمسك ببطنه المليئة بالتبن بيد، وبالأخرى شاهرا شارة الرفض دون أن يعي ما يقول، ودون أن يقف على مبرر من المبررات، إنه انحاز منذ الوهلة الأولى إلى ناديه السري المعادي للإنسانية وللديمطقراطية، لقد رأينا كيف ظل القذافي يدافع عن بن علي ومبارك، دون استسلام، ولحسن الحظ لم تمهله الأقدار، حتى وجد نفسه في مواجهة شباب مقدام رفض أن يعيش تحت راية مهرج معتوه، حينها خرج النظام الجزائري من جحره، وقد كلفه "نادي الأشرار" بإفشال ثورة ليبيا، وكلما أدانت جهة من الجهات النظام الجزائري بتهمة دعم القذافي، وبدل أن يرد بحكمة وهدوء لرفع اللبس أو سوء الفهم، تجد ممثليه يرفعون خطابا عصبيا وانفعاليا مشحونا بمفردات بذيئة واسلوب منحط، يؤكدون بتصريحاتهم التهريجية، تفاهة هذا النظام وسرية أهدافه الحقيقية وعداءه للثورة الليبية وللشعوب. ومن المؤكد أن هذا "النادي العالمي السري" يخشى نجاح الديمقراطية في البلدان العربية، لأن هذه البلدان، كانت أرضه الموعودة التي ظل ينشط من خلالها لضرب السلم والديمقراطية وبث العداوة بين الشعوب ونهب الثروات ونشر الفساد، ولم يكن بن علي ومبارك والقذافي سوى اعضاء مخلصين لمخطط ناديهم، وإذ يراهن النادي السري اليوم على النظام الجزائري، فليس من أجل العودة إلى زمن ما قبل بن علي، فذلك أمر بات من المستحيلات، ولكنه يطمع إلى أكثر من ذلك، أي تحويل "الثورات" إلى "الكاوس"؛ وسبق أن تناولت على هذا العمود، وقبل انتفاضة الشارع العربي، أهداف المخطط الذي يسهر عليه النظام الجزائري وحلفاؤه في المنطقة بهدف تحويلها إلى فوضى عارمة، على شاكلة الأفغان وباكستان والعراق والصومال. فالصراع، بمنطقتنا المغاربية، يزداد وضوحا وشفافية بين القوى الديمقراطية والقوى المعادية، بين القوى التي تعمل لمصلحة شعوب المنطقة وقوى الفساد.
كل أسبوع جزائري يمر، يؤكد غموض هذا النظام وسريته الموغلة في العداء للشعب ومحيطه، ففي الوقت الذي كان بوتفليقة يقرأ خطابه المريض شكلا ومضمونا، في تلك الأثناء تعرضت مجموعة من الجنود الجزائريين إلى الإبادة على أيدي سفاحين مجهولي الهوية، ومن السخف التصديق أن الإرهابيين يتحركون من تلقاء أنفسهم وبدون توجيه أو دعم من داخل الأجهزة السرية، فهؤلاء الإرهابيون ليسوا عفاريت فاقت قدرتهم قدرة دولة مدججة بالبوليس، بل هذا "الإرهاب" لا يكون إرهابا إلا بإيعاز من الأجهزة السرية. وبعد أن ظل الخطاب السياسي والإعلامي، يردد بتبجح، أن زمن الإرهاب بالجزائر قد ولى، فجأة تطفو إلى السطح أخبار عمليات إرهابية هنا وهناك، تتزامن عودة الإرهاب مع تسليم جيش القذافي لحدوده إلى الجيش الجزائري من جهة، وذكرى الربيع الأمازيغي من جهة ثانية، وتصاعد الحراك الاجتماعي من جهة أخرى، والحل، هو إضفاء حالة من الخوف، وتعميمها محليا وإقليميا. لا يتوانى النظام وإعلامه الرخيص في الحط من شأن الثوار واتهام المغرب وفرنسا ووصف حركة رشاد بالمشبوهة، والغريب وصف فرحات مهني بالانفصالي، مع أن الرجل يدعو إلى حكم ذاتي لمنطقة القبايل وليس إلى الانفصال، فهو يقول ذلك صراحة، والحكم الذاتي آلية من آليات تعزيز الوحدة الوطنية، فلماذا الخطاب السياسي والإعلامي على حد سواء يصفونه بالانفصالي؟ أهذا نظام يفقه في السياسة؟ لا يفقه في السياسة، لسبب بسيط، لأنه لا يمارسها، بل يمارس الكذب والاحتيال والجريمة، ككل النوادي السرية، التي تظهر عكس ما تضمر، وإلا كيف يصرح، بوتفليقة دون حياء، من تلمسان: "أن لا مشاكل بين المغرب والجزائر"؟.

ـــــــــــــــــــــــ لمصلحة من يضاعف النظام الجزائري من قدرات الجيش؟

يحتل الجيش الجزائري المركز الثاني إفريقيا بعد مصر من حيث التسليح والتجهيز، وفي المركز الـعشرين عالمياً وفي المركز الثامن بين جيوش الدول الإسلامية. هذا ما ورد بتقرير معهد البحث الإستراتيجي العالمي الذي يتّخذ من العاصمة البلجيكية بروكسيل مقرا له.
وحسب التقرير فقد تضاعفت إمكانات الجيش الجزائري خلال سبع سنوات بعد أن كان يحتل المركز 54 عالميا قبل 15 عاما.
وصنّف التقرير الجيش الجزائري في المرتبة الثانية إفريقيا بعد الجيش المصري، وبعده الجيش المغربي ثم الإثيوبي والنيجيري.
وكان مركز البحوث الدفاعية الأميركي كشف أن الجيش الجزائري تمكن من تحسين موقعه من المرتبة 54 في عام 1994 إلى المرتبة 20 حاليا من بين أقوى الجيوش في العالم وفي المرتبة الثانية في إفريقيا.
نورد هذه المعلومات بعد القرار الذي صدر عن المجلس الأعلى للأمن، الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والقاضي برفع ميزانية الدفاع بصفة طارئة لمواجهة تدهور الأوضاع الأمنية في الحدود الشرقية.
وقد رفعت الحكومة، بناء على توصية من المجلس الأعلى للأمن، نفقات القوات المسلحة ومصالح الأمن فيما تبقى من عام 2011 وذلك ضمن قانون المالية التكميلي. وسجلت نفقات إضافية لصالح وزارة الدفاع للتصدي للوضع الجديد في الساحل والصحراء وعلى الحدود الليبية، بالإضافة إلى رفع نفقات الأمن الوطني والدرك. وأوصت وزارة الدفاع بزيادة نفقاتها خلال لقاء للمجلس الأعلى للأمن الذي اجتمع مرتين، خلال شهر أبريل، ودرس الأوضاع الأمنية الجديدة على الحدود الجنوبية والشرقية والغربية للجزائر، والأوضاع الأمنية الداخلية.

وتضمنت النفقات الجديدة، التي ناقشتها لجنة مكونة من عسكريين من القوات البرية والجوية وإطارات من مديرية الاستعلامات والأمن والمعتمدية العسكرية، إقامة قواعد ثابتة وتحصينات والمئات من نقاط المراقبة للقوات البرية في مناطق الحدود المشتركة بين الجزائر وليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا، وكذا اقتناء عربات وقطع غيار وذخيرة وتجهيزات إضافية، وإنهاء بناء ثكنات ومواقع تجمع جديدة ومهابط لطائرات نقل وطائرات عمودية في عدة مناطق بالجنوب. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الجيش الجزائري سيعدل، للمرة الأولى، ما يسمى عسكريا العقيدة القتالية منذ اندلاع الحرب على الإرهاب بداية التسعينات. وتتضمن العقيدة القتالية الأولويات والضرورات الأمنية التي يجب على الجيش التكفل بها، حيث سيصبح التصدي للمخاطر القادمة من الحدود الجنوبية والشرقية أولوية لدى الجيش، ما يعني رفع النفقات وزيادة حجم القوات العاملة وقوات الاحتياط. كما يعني هذا الأمر، حسب عسكريين محترفين، أن الجزائر ستعمد لتعديل سياستها الدفاعية لكي تتماشى مع المخاطر الجديدة، خصوصا مع وجود قوات أطلسية غربية في الحدود الشرقية للجزائر للمرة الأولى، وما قد يتبع ذلك من اندلاع لأعمال عنف وإرهاب ضد القوات الغربية في ليبيا.
وأنفقت وزارة الدفاع، خلال الأسابيع الماضية، مبالغ ضخمة لنقل وحدات برية وجوية كاملة إلى الحدود الشرقية للتكفل.
وكلف الرئيس بوتفليقة، حسب ما أوردته مصادر إعلامية، لجنة تضم عسكريين محترفين وإطارات من مصالح الأمن متخصصين في المعلومات والاستشراف والدراسات وممثلين عن وزارت الخارجية والداخلية والمالية، بدراسة رفع تعداد وحدات الجيش العاملة وتأمين الحدود الجنوبية والشرقية ومناطق حدودية أخرى، عبر خلق وحدات جديدة كليا مختلطة من عناصر الخدمة الوطنية والمتعاقدين الذين سيرتفع عددهم، حسب المخطط الأولي، عبر رفع نسبة التوظيف السنوي للعسكريين والمدنيين شبه العسكريين العاملين في المصالح الإدارية والتقنية والطبية الملحقة بالنواحي العسكرية والمدارس والوحدات القتالية، وزيادة عدد الطلبة بمختلف المدارس العسكرية.
وكشفت بعض المصادر بأن مسودة مخطط الدفاع المتضمن تطوير وحدات عسكرية ستتم المصادقة عليها من طرف القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية، ثم يمول في مرحلته الأولى من المشروع التمهيدي لقانون المالية التكميلي لسنة 2011، حيث ستسمح بتأمين توفير الوحدات الجديدة وتجهيزها حتى يتمكن الجيش من التكفل بمسؤولياته الجديدة ضمن سياسة دفاعية مختلفة عما كان موجودا في السابق، باعتبار، حسب زعمتهم، أن الحدود الشرقية للجزائر تتعرض للتهديد، جراء الحرب في ليبيا. قبل ذلك، استفادت المديرية العامة للأمن الوطني من أضخم برنامج لإنجاز مقرات جديدة للأمن عبر مختلف الولايات في تاريخها، بميزانية تفوق الـ350 مليار دينار، من أصل 895 مليار دينار حصلت عليها وزارة الداخلية في إطار البرنامج العمومي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحصلت المديرية العامة للأمن الوطني على حصة الأسد من مخصصات الحكومة الموجهة لتنمية قطاع الجماعات المحلية الذي استفاد في إطار برنامج الاستثمارات العمومية 2009 /2014 من ميزانية قابلة لمراجعة تقارب الـ900 مليار دينار أو ما بين 9 و10 مليار دولار تقريبا.
تفيدنا هذه المعطيات، في فهم "عقيدة" النظام التي تتحكم في رؤيته للتحولات وطريقة تعاطيه معها من وجهة نظر عسكرية بحتة. العقيدة القتالية للجيش الجزائري لا توازيها عقيدة سياسية ديمقراطية، وهذا يعني أن الهدف من تقوية المؤسسة العسكرية ليس خدمة الشعب الجزائري، بل تأمين مصالح اللوبيات العالمية المسيطرة على الثروات بأرض الجزائر، وعلى رأسها النفط والغاز. فالعقيدة القتالية، في غياب سياسة ديمقراطية، لايمكن أن تكون إلا عقيدة معادية لتطلعات الشعب. فلماذا حرص النظام على مضاعفة قدرات الجيش والبوليس بشكل ملفت، وأهمل باقي القطاعات؟ يبدو أن همه الوحيد هو تنفيذ تعليمات المافيا العالمية، ويبدو أن إيمانه العميق بتعاليم هذه المافيا، أعمت بصره وجعلت منه نظاما مستلبا لا إرادة له سوى السير في اتجاه الهاوية.

ـــــــــــــــــــــــــ التقارب الجزائري المغربي: من وراءه؟ ولمصلحة من؟

التواصل والتعاون، محليا وإقليميا وعالميا، سياسة محمودة، دعت إليها الأعراف والأخلاق والشرائع، بشرط أن تكون من اجل مقاصد نبيلة تعود بالنفع على الشعوب، وأن لا تكون على حساب الحقوق المشروعة والقيم الإنسانية، وأن لا تكون لأهداف مشبوهة وغامضة.
في ظل الحراك السياسي العربي بدأ الخيط الأبيض يتبين من الخيط الأسود، وبدأ يتضح للعيان أن الأنظمة والمرجعيات التي ما فتئت تتنطع بشعارات معادية للصهيونية وإسرائيل والإمبريالية والاحتلال، وتتغنى بالتقدمية والممانعة، لم تكن في الجوهر سوى الوجه الآخر لمخطط جهنمي استفرد بالشعوب وحرمها من نعمة الحياة الكريمة وقدم ثرواتها على طبق من ذهب لقوى الفساد العربية والعالمية.
لقد ظلت بعض الأنظمة العربية تقدم نفسها مثالا للقوى المعادية للصهيونية وإسرائيل، وفي ذات الوقت ظلت ترعى قطيعا من المفسدين واللصوص الذين راكموا ثروات طائلة، كما لو أن معاداة إسرائيل تقتضي قمع الشعب وتفقيره ونهب ثرواته. وتتفاجأ حين يحاصرك المتنطعون بالقول: إن للنظام الجزائري أو السوري، مثلا، مواقف مشرفة على مستوى السياسة الخارجية. إنه منطق مقلوب، أنظمة تعيث فسادا في بلدانها، وتصر أن تكون صاحبة الشرف، فقط لأنها تعادي إسرائيل؛ وهذا العداء ليس في حقيقة الأمر سوى تبادل للخدمات، مع فرق عميق هو أن النظام الإسرائيلي لا يدخر جهدا في خدمة شعبه، في حين أن الأنظمة المعادية لإسرائيل لا تدخر جهدا في تطوير عدائها لشعوبها.
إن هذه الأنظمة ذات المواقف المشرفة جدا، أقنعت شعوبها أن "معاداة" إسرائيل والصهيونية والإمبريالية وقوى الهيمنة مهمة مقدسة، بينما "معاداة" الفساد والفقر والظلم مسألة هامشية لا تستحق المعالجة، ولا وقت للنظام المشغول بمعاداة إسرائيل، لمحاربة البطالة والأمية، وأجندته لا تسمح له برفع القيزد عن الحريات وتمكين المواطنين من حقوقهم.
النظام الجزائري هو أحد هذه الأنظمة التي ظلت ترعى المفسدين وتبذل أموال الشعب لتحويل المنطقة المغاربية إلى منطقة منكوبة، مفخخة بالحركات الإرهابية والإنفصالية، وبشبكات الفساد والنهب، وباللوبيات المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان. لنستمع إلى أحدهم من المقربين إلى بوتفليقة، المدعو رشيد قسنطيني وهو ينتقد تقريرا أمريكيا حول حقوق الإنسان في الجزائر حيث قال "الأمريكان كان عليهم تشجيع الجزائر للاستمرار في تحسين أوضاع حقوق الإنسان لكنهم هكذا يحبطون البلاد ويتصادمون معنا والغريب أنهم يصنفون إسرائيل جنة الديمقراطية وحقوق الإنسان". فالرجل يلوم أمريكا، وفي كلامه ما يوحي أنه يهدد أمريكا بمزيد من قمع الشعب، فقط لأن أمريكا لاتثني على النظام مثلما تثني على إسرائيل، هكذا السيد رشيد يريد أن يعاقب أمريكا بحرمان الشعب من حقوقه، فالنظام الجزائري لاتعنيه أبدا حقوق الشعب، بل هو في حاجة إلى الرضوان الأمريكي.
لنستمع إلى عبقري آخر، إنه بلخادم الغني عن التعليق، لقد قال، خلال ندوة عقدها الحزب لإنشاء لجان خاصة بالاصلاحات السياسية إن الجزائر كانت مستهدفة منذ سنوات، بسبب مواقفها من إسرائيل وتمسكها بالحق العربي، ورفضها للنظام العالمي الذي تريد فرضه قوى الهيمنة الغربية . النظام الليبي كان أيضا يتبجح بهذه الشعارات، ومن قبله النظام العراقي وقد كشفت الأيام أنهما قدما خدمة جليلة لقوى الهيمنة.
أما ولد قابلية في حوار مع صحيفة الشروق اليومي فقد قال "أنا متأكد أن الجزائريين لا يريدون ديمقراطية على شاكلة ديمقراطية فرنسا أو انجلترا، لأنها تهدد المجتمع الجزائري". لقد نسي السيد دحو أن الجزائريين يركبون أخطار البحر للعيش في فرنسا وانكلترا، ومع ذلك نقول له: "إن الديمقراطية أيها السيد، هي حل المشاكل بالحوار العقلاني، وهي الشفافية، وهي العدالة ومحاسبة المفسدين وفسح المجال للحريات وتمكين المواطنين من حقوقهم؛ هذه هي ديمقراطية فرنسا وانكلترا فما هي ديمقراطيتك؟ يبدو أنك تريد أن تقول: "أنا متأكد أن النظام الذي أنتمي إليه لا يريد الديمقراطية، لأن مهمته الحقيقية هي تجفيف منابعها، وتهيئة الظروف الملائمة لقوى الهيمنة"
أعتقد أني لست مضطرا لأسرد عليكم السجل الأسود للنظام الجزائري، هذا النظام الذي لم يعد يسمع ولم يعد يرى، فهل يتوفر هذا النظام على قابلية الحوار والتعاون في الضوء الديمقراطي؟؟؟
لم أفهم سر التقارب الجزائري المغربي الذي هللت له بعض المنابر الإعلامية، كما لم أستسغه. فمن يقف وراء هذا التقارب؟ ولمصلحة من؟ إن النظام الجزائري فقد اذنيه وعينيه ولم يعد قادرا على السمع والبصر السليمين، أما النظام المغربي فلا يزال يتمتع بالقدرة على السمع والبصر، ولكن بأذن واحدة وعين واحدة، والحراك الإيجابي الذي ظل يعتمل في أعماق المغرب أثمر بعدد من المبادرات الرامية إلى الإصلاح لتشييد دولة الحق والقانون، وهو حراك يؤسس لمغرب يتمتع بعينين مبصرتين وأذنين سليمتين؛ لكن يبدو أن المرتبطين عضويا بفلسفة النظام الجزائري، وهم عميان وصم بطبيعة الحال، ينهجون سياسة لا علاقة لها بالسياسة، ويتربصون بالمغرب ليفقأوا عينه وأذنه المتبقيتين، حتى ينخرط في ركب العمي الصم. لقد تبين الخيط الأسود من الأبيض، وتبين الرشد الديمقراطي من غي الفساد، وقد آن للمغرب أن يقيس الأشياء بمعايير الحق والقانون، وعلى قواه المؤمنة بالديمقراطية أن تستعيد بصرها وسمعها وأن تعمل على توحيد صفوفها بكل ما تملك من قوة وعزم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ معبر زوج بغال المغلق: هل سيزول أم سيتم استنساخه شرقا؟

مع سقوط نظام بن علي في تونس واتساع رقعة الثورة في ليبيا وانخراط المغرب في إعادة بناء نظرته الدستورية، فضلا عن الحراك الاجتماعي والسياسي في الجزائر، وجد النظام الجزائري نفسه في سباق ضد الساعة.
وتيرة الحراك تزداد حدة واتساعا، مسيرات واعتصامات وإضرابات ذات صبغة اجتماعية، وحراك سياسي يقاطع جلسات المشاورات حول الإصلاحات، بحجة أن الطرف الذي يقف وراء هذه الإصلاحات هو من كان دائما ضد إرادة الشعب، حيث أعلن الأفافاس، صراحة، مقاطعته لجلسات المشاورات حول الإصلاحات التي أوكلت مهام إدارتها إلى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، لكونها، حسب كريم طابو، تعكس لوحدها غياب إرادة لدى السلطة للتغيير، أما موسى تواتي لا يرى هو الآخر جدوى مما وصفه الحوار وراء الجدران المغلقة ، وهو نفس ما ذهب إليه رئيس عهد 54 فوزي رباعين الذي وصف إصلاحات السلطة بأنها على مقاس نظام الحكم . موقف يلتقي مع آراء مندوبي حركة العروش، الذين قالوا بأنه لا أمل يرجى من إصلاحات يشرف عليها أشخاص يعملون كل شيء للبقاء في السلطة".
النظام الذي لم يرحب باختيار الشعب التونسي، ووقف ضد ثوار ليبيا، أصبح في نظر الشعبين التونسي والليبي خصما لا يؤتمن جانبه. وإذا كان القدافي يعيش "حالة فرار مقَنّع" فإن النظام الجزائري يعيش "حالة هلع" يحاول إخفاءها، بتدابير، هي أقرب إلى الانفعالات تجلت على أكثر من صعيد؛ ولعل التصريحات التي تظهر هنا وهناك حول الضغوط الأمريكية و الفرنسية من أجل فتح معبر زوج بغال، يفسرها دجالو النظام على أن الهدف من هذه الضغوطات هوتخفيف الضغط الاجتماعي على النظام المغربي. وهذه التصريحات تحاول تقديم النظام الجزائري في صورة القوي؛ والحقيقة أنه هو من يبحث عن مخرج من عنق الزجاجة التي لا تفتأ تضيق من فرط انتفاخه. في هذا الخضم هرع يعزز من وجوده العسكري والبوليسي، يد تناور في الجزائر وأخرى في محيطها؛ فقد زار الفريق أحمد فايد صالح، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي جمهورية مالي، بهدف تفعيل التعاون والتنسيق والتشاور لمجابهة التحديات المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

تندرج هذه الزيارة لقائد أركان الجيش الوطني الشعبي إلى مالي، مثلما جاء في بيان لوزارة الدفاع في إطار التشاور والتنسيق المستمر بين بلدان منطقة الساحل، الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تضم الجزائر، مالي، موريتانيا والنيجر، فيما يخص مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وحول التفجير الإرهابي بمراكش، قال وزير الداخلية دحو ولد قابلية: " هذه الإعتداءات الإرهابية بينت أنه لا توجد ولا دولة في منآى عن مثل تلك الجرائم، وعلى دول المنطقة أن تفكر في كيفية‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬والتعاون‭ ‬العسكري‭ ‬لمضاعفة‭ ‬جهود‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب". وهي دعوة للمغرب إلى الانخراط في معركة من المعارك المصطنعة على حساب المعركة الحقيقية التي انخرط فيها من أجل بناء دولة الحق والقانون. فكل ما فكر فيه السيد دحو هو التنسيق الأمني، مع أن نظامه البوليسي لم ينقذ الجزائر من "الإرهاب"، وكل المؤشرات تؤكد أن نظامه الذي أوقف "حياة الجزائريين" بحجة محاربة الإرهاب، فشل في بناء دولة آمنة. ‬ كما اكتشف النظام أن منظومته الإعلامية متخلفة، وأن الرأي العام الجزائري تحت تأثير قنوات عربية وفرنسية، وهو يعتقد أنه سيخلق منبرا إعلاميا في حجم الجزيرة أو ميدي تيفي، ومن اكتشافاته أنه قرر مراجعة شروط الاتفاق الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو مسعى لا يمكن تفسيره إلا بتهديد الاتحاد الأويوبي أو مساومته على غض الطرف عن سياسة القمع في الجزائر.
إن كثيرا من المحللين يرون أن الأنشطة الإرهابية لا يمكنها أن تكون إلا بتنسيق من فاعلين داخل أجهزة الدولة، خصوصا إذا كانت هذه الدولة يحكمها نظام قمعي، فليس من المنطق أن ينشط الإرهابيون بسهولة في ظل نظام يراقب كل شاردة وواردة إذا لم يكن هناك نافذون من داخل النطام يسهلون مامورية الإرهابيين لأهداف باتت معروفة. أما إذا كان هذا النظام فعلا، بريئا مما ينسب له، ولا علاقة له بالإرهابيين، وأنه صادق في حربه على الإرهاب، فهذا يعني أنه نظام فاشل، وما عليه إلا أن يعترف بفشله ويبحث عن سبل أكثر عقلانية وديمقراطية لبناء المستقبل، وفي حالة عدم اعترافه بفشله فهذا يؤكد أن الإرهاب من صنعه، بل هو جزء من كينونته.
النظام الجزائري يبذل كل ما في وسعه لقمع أي حراك ديمقراطي داخل الجزائر، ويتمادى في التقوقع داخل زمنه العاطل، بينما محيطه المغاربي يتحرك في اتجاه المستقبل.
إن النظام الذي أوقف التاريخ عند معبر زوج بغال طيلة نصف قرن، يردد، عبرأكثر من وزير، كلاما يصلح لكل زمان مكان: "إن فتح الحدود سيكون عاجلا أوآجلا"؛ وإن كان ترديد هذه العبارة يدل على عدم الجدية، فهو يترجم ضلال النظام وخطورة المأزق الذي يعيشه.
يتضح أن العلاقة المغربية الجزائرية لن تاخذ مجراها الخلاق، وأن معبر زوج بغال لن ينفتح، إلا بزوال هذا النظام وزوال أشباهه في المغرب الكبير؛ لكن ماذا لو بقي هذا النظام؟ من المؤكد، أن قبوله بفتح الحدود سيكون لإنقاذ نفسه، وليس من أجل مصلحة الشعب، وإذا تبين له أن رياح المغرب الديمقراطي ستسير عكس بارجته، فسيكتشف ذريعة لتمديد الأزمة، بل سيسارع إلى إغلاق كل المعابر على حدوده مع تونس وليبيا، وسيعزل الجزائر بسياج من البغال.
إذا اشتد عود الديمقراطية في تونس، وسقط القذافي وعصابته، وتصدّرت الزمن المغربي وجوه جديدة تؤمن فعلا بالبناء الديمقراطي؛ سيفعلها النظام الجزائري بالتأكيد، سيغضب ويغلق كل حدوده، سيشعر بحزن عميق جدا كطفل مدلل. فهذا النظام لم يحدث أن اعتذر، أو قال مثلا، لقد أخطأت في حق شعبي، أو في حق جيراني، هذه لغة لا يعرفها ولا يقوى على النطق بها. فضحايا الترحيل التعسفي الذين شردهم النظام سنة 1975، عندما تحركوا لحمله على الاعتراف بخطئه في حقهم، لم يجب وأصيب بالخرس، وعلى عجل، قدم ملفا على أعلى المستويات إلى الحكومة المغربية يطالبها فيها بتعويض الجزائريين المتضررين. هذا هو سلوكه الصبياني، يغضب بسرعة بشكل هستيري، ويفقد عقله ويكسر كل شيء.
فكيف سيتصرف إذا سار الزمن المغاربي ضد أهوائه؟ لاتتعبوا أنفسكم في البحث عن جواب، انظروا إلى عصابة القذافي، هذا يكفيكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل صائب
مغاربي ( 2011 / 5 / 24 - 09:57 )
مقال رائع بالفعل ينم عن دراية بالاوضاع المغاربية افتقدناها اخيرا في موقعنا الحوار المتمدن نرجوا من الكاتب اثراء موقعنا بهكدا مقالات متوازنة وشكرا جزيلا

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا