الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمال المغرب سياسيا، بين الأمس و اليوم

جنين داود

2011 / 5 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



إقترن ظهور طبقة الأجراء- باعة قوة العمل- بالمغرب بالاستعمار، ما جعل مسألة التحرر الوطني أول مهمة سياسية تطرح على الطبقة العاملة المغربية.

تأسس أول حزب عمالي- الحزب الشيوعي المغربي- في العام 1943، مستفيدا من تجربة العمال الشيوعيين الفرنسيين و الإسبان. لكن نوعية التيار المهيمن في الحركة الشيوعية العالمية وقتذاك، حكم على الحزب الشيوعي المغربي الناشئ بالانحراف عن جادة الصواب في القضية السياسية المركزية بالمغرب: قضية التحرر من نير الاستعمار.

فقد أدت الطبيعة الستالينية للحزب – التبعية للبيروقراطية الحاكمة بالاتحاد السوفييتي- إلى عدم تبني مطلب الاستقلال منذ البداية، فبحجة عدم الإساءة إلى النضال ضد الفاشية و النازية، كان الستالينيون بكل مكان يعارضون النضال لأجل استقلال مستعمرات البلدان المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي. هذا فيما كان حزب البرجوازية المغربية يضع ذلك المطلب في اسمه بالذات- حزب الاستقلال- ويعمل بالتعاون مع السلطان لقيادة نضال الجماهير. سيؤدي الحزب الشيوعي المغربي ثمن هذا الانحراف التاريخي ما بقي من أيامه.

بالمقابل تمكن حزب الاستقلال من استقطاب قاعدة عمالية، أتاحت له من السيطرة على الحركة النقابية التي كان للشيوعيين دور رئيس في بنائها. فكان تأسيس الاتحاد المغربي للشغل ذاته استكمالا لانتزاع " الوطنيين" النقابة العمالية من الشيوعيين.

لم يكن وجود العمال بقاعدة حزب الاستقلال انقيادا سلبيا لقيادته البرجوازية، بل أدى عمليا (إلى جانب روافد كادحة أخرى) إلى نشوء يسار داخل حزب البرجوازية.

هذا اليسار كان خليطا شعبويا، قاعدته من العمال وصغار بورجوازيي المدن و القرى، ومثقفين برجوازيين راديكاليين. انفصل باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ورغم انشقاق الجناح النقابي عنه لاحقا ، وانجذابه جهة الحكم، ظل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الحزب ذي القاعدة العمالية الأوسع قياسا بالحزب الشيوعي المغربي و غيره.

ظهر بالاتحاد الوطني تيار متأثر بالماركسية، لكن دون بلوغ رؤية مكتملة، فقضى عليه تشوشه الإيديولوجي الذي بلغ مستوى السعي إلى تحويل حزب متعدد الروافد الطبقية إلى حزب للطبقة العاملة (محور مذكرة عمر بنجلون التنظيمية في مطلع ستينات القرن الماضي).

بعد سحق النظام لجناح الاتحاد الوطني الذي سعى إلى إطلاق ثورة بحرب غوار في مناطق جبلية (حركة 3 مارس 1973)، قام الجناح الإصلاحي ببناء حزب جديد على أنقاض الحركة الشعبوية المتهاوية تحت ضربات النظام وأخطائها الخاصة.

وكان تأسيس هذا الجناح، في متم سنوات 1970، لنقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، مستغلا تبقرط الاتحاد المغربي للشغل و مسايرته للحكم، بداية طور جديد من تطور الطبقة العاملة المغربية سياسيا.

فقد أدى الطابع الكفاحي نسبيا لخط النقابة الجديدة، قياسا بغرق بيرقراطية ا.م.ش المتزايد في التعاون مع النظام، إلى اجتذاب قوى عمالية تواقة إلى الكفاح، ووضعها على هذا النحو تحت التأثير السياسي لحزب حامل لمشروع برجوازي اصلاحي على طرف نقيض من مصالح العمال التاريخية ( الاتحاد لاشتراكي للقوات الشعبية).

بفعل النضالات النقابية غير المسبوقة التي خاضتها الكونفدرالية، لا سيما بقطاعات الدولة ( تعليم، صحة، سكك الحديد، بريد،...)، باتت طليعة الشغيلة تحت هيمنة سياسية للاتحاد الاشتراكي، لا سيما ان مشروع بناء حزب عمال ماركسي، الذي حملته منظمات اليسار الماركسي اللينيني، منذ النصف الثاني من سنوات 1960، تعثر بفعل عدم ملاءمة خطها السياسي لمتطلبات الظرف، علاوة على شدة القمع كعامل مفاقم.

وطيلة الفترة التي استعمل فيها الاتحاد الاشتراكي طاقة قسم من الشغيلة في مناوشاته للنظام، بقصد تحسين موقعه في "المسلسل الديمقراطي"، واصلت بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل إنماء امتيازاتها و الإفادة من فرص الاغتناء التي يتيحها النظام، ومعه إحكام القبضة و إلغاء كل ديمقراطية داخلية، وحصر المطالب العمالية في نطاق مهني محض. فكانت الحصيلة الإجمالية تدجينا سياسيا لقسم منظم من الطبقة العاملة. وهذا كله تحت ستار خطاب سياسي يدعي رفض اللعبة الديمقراطية. وبمرور العقود، باتت القاعدة العمالية للاتحاد المغربي للشغل مخبلة سياسيا على نحو لا نظير له في تاريخ الطبقة العاملة المغربية.

وحتى مع تنامي العمل النقابي لليسار داخل هذا الاتحاد، منذ نهاية سنوات 1980، ظل الفعل السياسي للعمال متخلفا بسبب إحجام اليسار عن الاستقلال براية سياسية مناضلة ضد البيروقراطية، راية نضال طبقي متميز عن إصلاحية البيروقراطية، في المطالب و أشكال النضال و سبل تسييره و البديل الإجمالي، قاصرا فعله على الشأن المهني و اختزال الفعل في تأمين مواقع في الجهاز.

و طيلة عقود، ظلت أفواج الشباب الجامعي، المنتسب إلى هذا الحد او ذاك إلى فكر الطبقة العاملة – الماركسية- خارج نطاق أي تفاعل مع الشغيلة. فتحولت مع الزمن إلى جماعات محض طلابية مقطوعة الصلة بالواقع العمالي، مطورة خصائص سلبية لا تؤهلها لممارسة تأثير ايجابي على العمال، لا على صعيد تسيير النضالات،و لا في مضامينها السياسية.

على هذا النحو ظل العمال المنظمون نقابيا تحت التأثير المفسد لقوى موالية للنظام اأو أخرى إصلاحية ذات طبيعة بورجوازية لا يتعدى مشروعها ترميم نظام الرأسمالية التابعة السائد.

و كان لانهيار المنظومة الستالينية، أنظمة و أحزابا، وما خلفه من عودة الرأسمالية، وما رافقه من هجوم ايديولوجي رأسمالي كاسح، أثر مدمر على المجموعات اليسارية المتمسكة بالماركسية، وبمشروع بناء حزب الطبقة العاملة. فقد انزلقت أجنحة كاملة مما تبقى من اليسار الماركسي اللينيني إلى مواقع ديمقراطية برجوازية ونزعة اجتماعية إصلاحية، مغذية على هذا النحو أحزاب إصلاحية قائمة، مثل الاتحاد الاشتراكي أو منظمة العمل الديمقراطي.

و وعلى صعيد آخر، أدت مشاركة الاتحاد الاشتراكي في عملية انتقال الملك بسلاسة، وانقاذ النظام مما سماه الحسن الثاني السكتة القلبية، إلى مزيد من إفقاد الاعتبار، بأنظار العمال و الكادحين عامة، لأي مشروع يساري بديل. و طبعا أوقع ذلك العمال في مزيد من التشوش السياسي و الفكري.

وهذا طبعا ما سيسهل سقوط بعض فئات الأجراء، لا سيما ذوي قوة العمل الذهنية، تحت التأثير السياسي الضار لجماعات الإسلام السياسي. وانعكس ذلك في نشوء نقابة أجراء في كنف حزب العدالة و التنمية، و مجموعات نقابية لجماعة العدل و الاحسان في النقابتين الرئيسيتين، ك.د.ش و إ.م.ش، و تحقيق تقدم نسبي بقطاعات كان تأثير اليسار السياسي مهيمنا فيها تاريخيا.

الحصيلة التاريخية ، منذ نشوء أول حزب عمالي مغربي، قبل زهاء سبعين سنة، أن العمال ما كانوا، و لا يزالون، غير وقود لمشاريع سياسية مناقضة لمصالحهم التاريخية.

لم يرتق الوعي العمالي إلى وعي سياسي، وظل يراوح مستواه الابتدائي. هذا رغم ظهور كوادر ماركسية، بغزارة في فترة الستينات و السبعينات. وطبعا تكمن أسباب هذا الإخفاق في الكيفية التي فهم بها ماركسيو تلك الحقبة مهامهم. فبوجه عام، طغت في تلك الظروف إشكالية حسم السلطة، بقفز غير متبصر على مهمة كسب الجماهير.

ولم تجد طريقا إلى التطبيق الفكرة اللينينية حول تطوير وعي العمال عبر نشاط سياسي إجمالي يطرح مجمل العلاقات الطبقية ويقدم عنها جوابا ماركسيا. على هذا النحو تعذر الربط العضوي بين الأطر الثورية المعزولة و العمال المتقدمين.

تلكم، بنظرنا، السياقات التاريخية للحالة السياسية الراهنة للطبقة العاملة المغربية.

فما السبيل، و الحالة هذه، إلى ارتقاء الوعي العمالي في الشروط الراهنة، ومعه بناء حزب العمال الاشتراكي الثوري؟

ذلك ما سندلي فيه برأينا في نص مقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسير مجريات محاكمة ترامب نحو التبرئة أم الإدانة؟ | #أميرك


.. هل أصبح بايدن عبئا على الحزب الديمقراطي؟ | #أميركا_اليوم




.. مسؤولون أمريكيون: نشعر باليأس من نتنياهو والحوار معه تكتيكي


.. لماذا تعد المروحيات أكثر خطورة وعرضة للسقوط؟ ولماذا يفضلها ا




.. سرايا القدس تبث صورا لتفجير مقاوميها بكتيبة طوباس سيارة مفخخ