الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة العربية فى عيون الإستراتيجية الإسرائيلية .

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ما هى معالم رؤية اسرائيل لمتغيرات الوضع فى الشرق الأوسط ؟ وكيف ترى الدولة الصهيونية واقع اليوم التالى لإنتفاضة وثورة الجماهير العربية ؟ .

مايفرض هذا التساؤل أن الصراع العربى الإسرائيلى يظل محددآ لأوجه العلاقات البينية بين القاسم الأعظم من الأنظمة العربية ومؤثرآ هامآ فى مفردات شأنها الداخلى والأمنى. وعلى الطرف الإسرائيلى فقد أرتبطت سياسات هذا الكيان عضويآ بتحولات الحالة الأقليمية التى فرضها معطى وجوده وسط محيط معادى لنشأته منذالعام 1948 . كما أن واقع العزلة داخل المحيط العربى المتجانس جعله أكثرأستنفارآ وحساسية لجديد معطياته السياسية والإجتماعية وكرس لديه التزامآ بضرورة فهمه وأستيعابه.

ومن هنا فأن غموض وتدافع مفردات المشهد العربى وسيولة الموقف والتكهنات خلقت وضعية حيرة أستراتيجية غير مسبوقة على مستوى صانع القرار الإسرائيلى . وحيث تزايد مخزون القلق الإستراتيجي الإسرائيلى مما يحدث فى الجوار العربى كنتيجة لأربعة عوامل رئيسية :

1-فشل وأخفاق أجهزة الإستخبارات فى توقع واستشراف مقدمات وقوة التظاهرات التى أندلعت فى البلدان العربية . فبعد مرور أيام قليلة من تصريح ( أفيف كوخافى ) - الرئيس الجديد للإستخبارات العسكرية الإسرائيلية - أمام لجنة الأمن القومى بالكنسية من أن النظام فى مصرمستقرأصبح مبارك وحكمه فى ذمة التاريخ ! .
و فمت هذه الأجهزة ى حينه أعذارآ بدت غير مقبولة من قبيل أن مسالة أستمرارية الأنظمة العربية صعبت من أكتشاف أعطاب أنظمة الحكم العربية لاسيما وأنه لم يجرى أسقاط نظام عربى من الداخل منذ العام 1970 .

2-غياب القيادات الكارزمية ذات السند السياسي والإيديولوجي عن توجيه دفة هذه الثورات الأمر الذى طرح شكوكآ بشأن القوى الحقيقية الدافعة لإنتفاضة الجمهوروطبيعة أهدافها ومراميها .

3-أنها وجدت نفسها أمام أتفاق مصالحة مباغت بين حركتى فتح وحماس وبرعاية من مصرية وسط أحداث الثورات العربية المتلاحقة . الأمرالذى أكد غيابها عدم أدراكها لحقائق الموقف وأرادات الفرقاء داخل ساحة الفعل الفلسطينى.

4-أن أسرائيل كانت تراهن دومآعلى أقناع أمريكا والمجتمع الدولى بأنها " ليست السبب الرئيسى وراء عدم استقرار المنطقة ,وأن المشكلات الإقتصادية الإجتماعية هى من يقف وراء ذلك ".ومن هنا جاءت الإنتفاضات العربية المفاجئة لتضع تلك القاعدة ومعطيات الشأن والصراع الأقليمى محل أختبار تاريخى وجدى حقيقى .

ولذلك فى ضوء هذه العوامل أتسم السلوك الإسرائيلى بالصمت والسلبية والترقب أزاء هذه الإنتفاضات التى لا يمكن معرفة نتائجها وما أذا كانت نهاياتها سترتب مردودآ أيجابيآ أم سلبيآ تجاه مصالحها فى المنطقة ومستقبل عملية الصراع .

وأثناء ذلك توالت ضغوط وتصريحات بعض قادة الإتحاد الاوروبى ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا ) وكذلك الرئيس الأمريكى / أوباما بشأن ضرورة العودة للمفاوضات السلمية, ودفع الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى لتحريرأتفاق حول أقامة دولتين بالإستناد إلى خطوط 67 .

وهوالأمرالذى أدى لمزيد من الإرتباك عند القيادة الإسرائيلية ,غيرأن أسرائيل واجهته بالرفض وعللت ذلك بأستحالة ضمان أمن الدولة والمستوطنات - أذ أن مشروع الدولتين لن يقسم القدس فقط بل سيجردها أيضآ من غورالأردن الذى يمثل حزامآ جغرافيآ أستراتيجيآ يسمح بالدفاع الفعال ضد أى هجوم أوتهديدات محتملة.

وفى الحقيقة فأن هذه المقترحات كان يمكن قبولها والجدل بشأنها غيرأن الظرف السائد بالمنطقة جعل أسرائيل غير قادرة على أتخاذ خطوات متقدمة فى هذه المرحلة من عدم اليقين العربى ,وفرض عليها أن تكون حذرة ومترددة, وأن تبنى مواقفها الأساسية وفقآ للوقائع على الأرض ومنطق التوازنات التقليدية .

ولكنمن البين أن هناك تفاوتآ فى تقديرات النخب الإسرائيلية بشأن مستقبل وتطورات الأحداث التى تتحرك سريعآ فى الشرق الأوسط , فهناك أتجاه يرى أن مأزق الصراع قادم ,وأن فقدان الحلفاء يضع اسرائيل أمام تحديات صعبة ,كما أن صعود الإسلاميين لسدة الحكم يتطلب أستراتيجيات مغايرة وديناميكية فى التعامل لم يعتدها السلوك الإسرائيلى النمطى فى أطارعلاقات الأقليم .

ولكن بعد فوات قرابة نصف العام على ربيع الثورة العربية فأن أتجاهآ أسرائيليآ قويآ أخذ يفرض نفسه الآن ناصحآ بعدم الخوف من مطالب الحرية والديموقراطية التى ترتفع فى الشرق الأوسط ومشيرآ إلى أهمية مناصرتها مع الأخذ بالإعتبارالأوزان النسبية الجيوستراتيجية لكل حالة على حدة داخل موزاييك الحالة العربية .

ويؤسس هذا الإتجاه دعمه للإنتفاضات العربية بعدد من الحقائق التى بدأت ترشح من مشهد الثورات العربية – لاسيما تجربتى مصر وتونس – وتتلخص فى الآتى :

1-أن مطلب تحرير القدس وفلسطين لم يكن على جدول أعمال المنتفضين العرب فى ساحات التغيير . فشباب الفئات الوسطى المدينية المرتبط بالقيم الحقوقية المعولمة والطفرات التكنولوجية والذى قاد الفعل الثورى تنحسرأولوياته نضاله فى تأكيد عملية التحول الديموقراطىالداخلى ودفع عملية التنمية الإقتصادية ولن يعول كثيرآ على مفردات حل الصراع فى فلسطين .كما أن هذا الجيل لم يواكب المرارات والإنتكاسات العربية الكبرى على مدارالصراع ويمتلك ذهنية برجماتية ستناصر أفكار الإعتدال والتسوية .

2-خروج الجيش العربى عن الصورة التقليدية وعودته إلى المشهد السياسى وحيث اتسمت تلك العودة بطابع الحياد والوقوف بجانب المطلب الديموقراطى . فضلآ عنأنه قد أخذ فى المشاركة فى أدارة شئون الدولة فى مصروتونس وتأمين المؤسسات ومن المنتظر أن يكون له دور فى قيام وحماية الدولة المدنية فى هذه البلدان .ومما لا شك فيه أن تلك المتغيرات سيكون لها أنعكاستها بشأن دور الجيش ومكانته داخل التكوين الإجتماعى العربى .وسيكون لها أثرعلى عقيدة العداء التاريخى - العسكرى لدولة اسرائيل .كما أن وجود نظام مدنى قوى طامع فى بناء اقتصاد وطنى ,و قادرعلى حساب المؤسسة العسكرية سينال حتمآ من أمتيازاتها ومن أنفاقها الحربى المخصص للمواجهات المحتملة مع اسرائيل .

3-أن الإخوان المسلمين الذين يشكلون القوة الأكبر فى الساحة وسيكونون جزءآ من الإئتلاف السياسى الحاكم فى المستقبل لن يسارعوا لإستحضارعداء أسرائيل وجرها إلى حلبة صراع جديد .ذلك أن حساباتهم ستصب فى خانة التأكيد لقواعد شرعيتهم داخل المؤسسات والمجالس النيابية والتمثيلية الناشئة وهوالأمرالذى يتطلب دعمآ غربيآ وأمريكيآ سيضحى الإخوان من أجل الفوز به وتعزيزه حتى ولوكان على حساب الموقف المبدئى من القضية الفلسطينية .كماأن هناك تصريحات دالة من جانب القيادات الإخوانية فى مصر تؤكد على أهمية الحفاظ على معاهدة كامب ديفيد وأنها لن تسعى لإلغائها أوالنيل من عملية السلام .ويبدوأن الإخوان قد أستوعبوا الدرس التاريخى جيدآ ,ذلك أذ كانت مشاركتهم فى حرب 1948 ضد أسرائيل أحد أسباب رفض وممانعة القوى الغربية لوصولهم لحكم عدد من البلدان العربية .

4-أن الثورات العربية ربما تكون رافعة لحل مشاكل أسرائيل السياسية والديموجرافية المتفاقمة .ويؤيد ( توف سيجف) المؤرخ الإسرائيلى المعروف هذا التوجه أذ يراهن على أن مجرد ثورة فى ( الأردن ) والقضاء على عرشها ,أوتفتيت المملكة السعودية لعدد من الدويلات على أن يظفر الهاشميون بدويلة جديدة منهاكفيل بانهاء الصراع وتحقيق الوحدة بين الضفة الغربيةوالأردن ونشأت دولة جديدة تعزز الكتلة السكانية الفلسطينية الكثيفة فيها من وجودها ( كدولة مستقلة ).

وبناء على المعطيات السابقة فانه يبدو أن الإتجاه الأكثرحضورآفى أسرائيل -وبتلك المرحلة من عدم اليقين الإستراتيجى -أن الإنتفاضات العربية ستصب فى صالحها عند نهاية المطاف وأنها ستطرح معادلات وصيغ مغايرة للتنافس والتحالف والسلام مع التحذيربشدة على عدم التدخل فيها وباعتبارها شأنآعربيآ خالصآ.

ومن البين أن الثورات العربية قد حولت التركيز بالفعل إلى القضايا الداخلية ,كما ضعفت شوكة معسكر المقاومة الممانعة مع تزايد المد التحررى فى سوريا وقرب سقوط البعث ,وتوارى حزب الله إلى لعب أدوار فى مسرح الظل اللبنانى فى ظل ضغوط ملف محاكمة الحريرى ,كماأن حماس قبلت أخيرآ باتفاق المصالحة مع فتح و ستكون جزءآ من عملية التسوية القادمة مع أسرائيل .

ومع ذلك فأن تطورات الأوضاع العربية ربماتحمل أنباءآ غير سارة لإسرائيل , ولهذا الإتجاه المتفائل بربيع ثورة العرب , فقد تتعثر عملية التطور الديموقراطوتبرز قوى عنف واستبداد قومية أو دينية أصولية وكما حدث فى تجاربثورات كثيرة فى التاريخ الإنسانى .

ولكن أيا ما كان الأمر – فأذا كانت أسرائيل ستعيد ترتيب مواقفها الأساسية الإستراتيجية بعد زوال مرحلة الإلتباس الثورى العربى ,فأنه علينا نحن كعرب ونحن ندشن مرحلة جديدة نبحث فيها ث عن مصالحنا ومستقبل شعوبنا وموقع لنا على خريطة الدنياأن ننظر بجلاء لموضوع صراعنا مع هذا الكيان الصهيونى ولكى ندرك جيدآ متى بدأنا هذا الصراع وكيف , وإلى أين سينتهى بنا.
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية