الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف عسكر ووعي ثوري ونضال مفتوح

محمود عبد الرحيم

2011 / 5 / 25
الادب والفن



فيلم ارجنتيني يرصد معركة هندوراس الديمقراطية

*محمود عبد الرحيم:
يبدو الفيلم التسجيلي الارجنتيني"من تحدث عن العنف" للمخرجة كاتيا لارا، مهما من زوايا عديدة، يتصدرها توقيت عرضه فى القاهرة هذه الأيام، على نحو ينسجم مع حالة الشد والجذب، أو بالاحرى الصراع المفتوح حاليا في مصر بين أنصار الديكتاتورية الذين يقاومون بشراسة تقويض أركان سطوتهم، وبين المتطلعين لتحول ديمقراطي سلمي، بعيدا عن فساد نخبة الداخل وتواطؤ قوى الخارج، وهي ذات الأجواء المتقاربة في الحالة المصرية وحالة هندرواس التى يتناولها الفيلم.
وتبرز الأهمية الأخرى، في الرسالة العميقة التى تلح عليها صانعة العمل بطول الفيلم، وشددت عليها بشكل خاص في نهايته، بشأن كون الديمقراطية حرب مفتوحة المدى تتطلب نفسا طويلا، وإيمانا مخلصا بالقضية، واستعدادا للتضحية بالغالي والنفيس من أجلها.
ولأنها حرب، فخسارة معركة ليست نهاية العالم، ومن ثم يجب الرهان على الذات، وعلى الغد الذي يحمل الأمل في نصر بمعركة قادمة، ومواصلة النضال، وليس الانكسار والتسليم لليأس ولأعداء الحرية والعدالة.
وهذا المعنى الذي نتلمسه في جمل متناثرة عديدة، إلى جانب لقطات دالة متجاوزة وضعية المعادل البصري إلى كونها أداة تعميق للرسالة، والتأكيد على تجلياتها، الأمر الذي يجعل الفيلم بدوره يتجاوز كذلك الحالة الفنية أو مجرد رصد عابر لتجربة انقلاب على الديمقراطية في دولة من دول أمريكا الجنوبية، إلى صياغة "مانفستو النضال السلمي" وتقديم نموذج يصلح تعميمه، بل وتدريسه فى كل الدول الخاضعة لسطوة الحكم الديكتاتوري العسكري.
فالمخرجة بدت تمتلك وعيا سياسيا، مكنها من تقصي دوافع خلع الرئيس ثلايا وتنصيب رئيس البرلمان بدلا عنه بالقوة ، وحالة العداء الشديد لانتخاب مجلس دستوري يضع دستورا جديدا، بالربط بين الداخل والخارج والمصالح المتقاطعة التى تجعل النخبة تتخلص من رئيس ابدى ميلا للجماهير وطموحاتها، وراح يغرد بعيدا عن سرب أقلية نخبوية تحتكر السلطة والمال، وتحكم بآلة القمع العسكرية، وسط تواطؤ القوى الكبرى، وفي مقدمتها واشنطن التى ترفع شعارات الديمقراطية، لكن حين تضر بمصالحها تقف صامتة أو تنحاز للديكتاتورية، مثلما فعل اوباما الذي انتقد قرار عودة الرئيس الشرعي لبلاده، ولم ينتقد من استولوا على السلطة بالعنف، وارتكبوا جرائم ضد الإنسانية بقتل المحتجين بدم بارد، طالما ظلوا يدورون في فلك التبعية وقواعد السوق الرأسمالية المستغلة، ولو على حساب المصالح الوطنية.
وقد احسنت المخرجة في اختيار المشاركين من النشطاء الذين بعبارات موجزة، يكثفون الأفكار، ويحملونها بمشاعر متباينة ما بين الانزعاج و الحزن تارة أو الحماس والاصرار تارة أخرى، على نحو يكشف عن حالة تعاطف تنتقل من صانعة العمل إلى الجمهور، فيما المقتطفات التى تأتى بها من أحاديث تليفزيونية لمسئولي الحكم في هندوراس أو للرئيس الأمريكي تفضح حالة التناقض وازدواجية المعايير، بل والفساد السياسي، بشكل ينم عن ذكاء في الاختيارات، واقتراب من الحدث بتفهم، خاصة حين تربط بين الخطاب الرسمي الملئ بالأكاذيب، وبين تعليق لمناضل يمتلك الوعى والشجاعة، أو مشهد من مشاهد القمع الدموي، أو حتى الاشارات إلى التاريخ الأسود لهذا المسئول أو ذاك، ومسئوليته عن جريمة قتل أو تعذيب أو إختفاء قسري.
وتبدو إدانتها للنظام العسكري واضحة في رصد تجاوزه لكل الأعراف والمواثيق الحقوقية، التى تصل إلى حد اعتقال الأطفال، والضرب المبرح للنساء، وسحهلن في الشارع، أو مواجهة المظاهرات السلمية بالرصاص الحي.
في المقابل ترصد الروح النضالية الملهمة لدعاة الديمقراطية الذين لا يلبثون يودعون شهيدا من شهداء الحرية، حتى ينزلون للشارع مجددا، يغنون ويرقصون ويواجهون الدبابات والبنادق بصدور عارية وحناجر كالخناجر، رافضين سياسة الأمر الواقع، وخطاب الاستقرار الكاذب الذي يردده كل مسئول فاسد ومستبد في دول العالم الثالث.
ويمثل تتبع المخرجة لمحاولات الرئيس المخلوع ثلايا العودة أكثر من مرة لبلاده، والتجاوب الشعبي مع هذه المحاولات، أمر ذو دلالة، عبر عن نفسه بمشهد الاحتشاد الأخير لتوديع الرئيس وهو يرحل إلى منفاه، إذ يؤكد حالة الاصرار على مواصلة النضال، والولاء للقضية ذاتها أكثر من الشخص، حتى لو تحول"الرئيس" لرمز تلتف حوله الجماهير، خاصة بعد أن عرف هؤلاء طريقهم، ونظموا أنفسهم في اطار جامع يمثل بوصلة الكفاح السلمي"الجبهة الوطنية لمقاومة الانقلاب على الديمقراطية"، وهو الدرس الذي يجب أن يستوعبه كل شعب تواق لخوض غمار مقاومة الديكتاتورية.
وتبدو المهارة الفنية للمخرجة في اختزال عدة شهور من النضال في شريط مدته ساعة ونصف تقريبا، اتسم بالايقاع السريع والتصاعد التدريجي فى وتيرة الأحداث، وصولا إلى الذروة، التى تقربنا من النهاية المشبعة، كما لو كنا إزاء عمل درامي جيد البناء بلا ترهل، والأهم من ذلك حالة النضج الفكري والمعالجة الرصينة الجديرة بكل تقدير.
*كاتب صحفي وناقد مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-