الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيمة الهاربة، والقيمة المتسربة، والقيمة المضخة

محمد عادل زكى

2011 / 5 / 25
العولمة وتطورات العالم المعاصر


القيمة الهاربة، والقيمة المتسربة، والقيمة المضخة
بإيجاز شديد، يمكن القول بأن: الخليج العربى، المنتَج له النفط، لا يَشترى فقط إحتياجاته مِن أوروبا بل (يُوظِِف) أمواله لديها بشكل يَفوق ما يَشتريه منها وما يَستثمره بداخلها، وإن ذلك ليَتضح بتتبع الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبى (يوروستات(2)) وهو على كل حال من التقارير ذائعة الصيت وتم نشره على نطاق واسع، فقد بينت الأرقام أن الإستثمارات الأجنبية المباشرة مِن الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجى، إلى الإتحاد الأوروبى، قفزت إلى 63,2 مليار يورو فى عام 2008، مقابل 2.3 مليار يورو فى عام 2007، بينما سجلت الإستثمارات المباشرة الأوروبية فى دول مجلس التعاون الخليجى إرتفاعاًًً، فإنها لم تصل إلا إلى 18.9 مليار يورو فى عام 2008، مقابل 4.6 مليار يورو فى عام 2007 أى أن الفارق (بوجه عام) لمصلحة أوروبا هو 44.3 مليار يورو.
وكان أكبر إستثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى الإتحاد الأوروبى مِن نصيب لوكسمبورج (أحد دول البنلوكس: 455 ألف نسمة، لأرقام 2004) حيث وصلت إلى 59.3 مليار يورو، أى نحو 30% من قيمة رأس المال الأجنبى المضَخ فى الإستثمار المباشر فى أوروبا، وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة النصيب الأكبر مِن هذا المبلغ حيث بلغت قيمة إستثماراتها 58.5 مليار يورو، تليها قطر بقيمة 641 مليون يورو، والسعودية بقيمة 134 مليون يورو، والبحرين 110 ملايين يورو، والكويت بقيمة 23 مليون يورو.
وطبقاًً للتقرير، كذلك، فإن تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر مِن خارج الإتحاد الأوروبى كان مِن شأنها أن تُسجل المزيد مِن التراجع لولا إستثمارات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فى لوكسمبورج، عِلماًًً بأن إستثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى أوروبا كانت دائماًًً الأعلى حيث بَلغت 31.8 % مِن إجمالى تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر إلى الإتحاد الأوروبى فى عام 2008 لتحتل بذلك المرتبة الثانية فى التكتل الأوروبى، فيما بلغت قيمة إستثمارات أمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة) فى دول الإتحاد الأوروبى 65.8 مليار يورو بما يُماثل 33.1% مِن إجمالى تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر فى التكتل، فما هو إتجاه (نقود الخليج العربى) المضخة فى أوروبا؟ ولكن قبل أن نذهب مع التقرير لمعرفة إلى أين تتجه تلك النقود النفطية، يتعين علينا أن نزيل اللبس بصدد فكرة التسرب فى القيمة الزائدة فى هذا السياق؛ إذ من الواضح أن دول الخليج النفطى ليست فحسب هى التى قامت بضخ القيمة الزائدة إلى الخارج، وإنما شاركها فى ذلك الأجزاء المتقدمة(الولايات المتحدة، وكندا) فهل معنى ذلك أن تلك الأجزاء(الولايات المتحدة، وكندا) تعد أجزاء متخلفة؟ آخذا بالظاهر نعم!! وهو الأمر الذى لم، ولن، نقل به على الإطلاق. إن تماهى التسرب مع التخلف مرتهن بطبيعة التسرب نفسه. فالأجزاء المتقدمة تضخ القيمة الزائدة المنتجة داخلياًً فى مسام الإقتصاد العالمى إبتداءًً من حالة تشبع داخلى ورغبة فى مد النفوذ على الصعيد العالمى، إذ العالم بأكمله هو حقل عمل الرأسمال التابع للأجزاء المتقدمة، فحينما تضخ الأجزاء المتقدمة القيمة الزائدة فى مسام الإقتصاد العالمى، فإنما هى ببساطة تقوم بعملية من عمليات تجديد الإنتاج على نطاق متسع، على حين يكون هذا التسرب فى الأجزاء المتخلفة نتيجة عوز، وفى حين يكون هذا التسرب فى دول النفط الخليجى ذا طبيعة مختلفة، فلا هو هيمنة ولا هو عوز، وإنما مرجعه إلى عدم تحول الفوائض حتى الأن إلى رأس مال، ومن هنا نقول مجازاًً (تسرب القيمة الزائدة) ومجازاًً لأن قطاع النفط هو القطاع المنتج الوحيد فى تلك الأجزاء النفطية من العالم، على حساب باقى الفروع الإنتاجية، ومن ثم تشوه الهيكل الإقتصادى بقطاعاته الثلاثة (الزراعة، والصناعة، والتجارة) التسرب فى القيمة الزائدة إذاًً كمرادف للتخلف يتعين أن يرتبط بتحليل طبيعة التسرب نفسه، فإذا كان تسرب من أجل الحاجة وضعف الإنتاج، ونقص المنتجات الأساسية، عُُد مرادفاًً للتخلف وتتركز أوجه معالجته فى العمل على منعه، وإنما من أجل تراكم رأسمالى ممكِِن من السيطرة على شروط تجديد الإنتاج، وحينئذ نكون بصدد" التسرب بالمعنى الفنى" الذى نقصده، أما فى حالة خروج نفس القيمة الزائدة من أجزاء مشبعة بالتراكم وغزيرة الإنتاج، وتعمل على تدعيم وضعها دوماًً فى سوق المنافسة الإحتكارية على الصعيد العالمى، ولا تفتقر إلى المنتجات الأساسية، نكون بصدد "ضخ القيمة الزائدة" وهو ما تفعله الأجزاء المتقدمة المشبعة برأس المال المركم منذ خمسة قرون.
ولنعد للتقرير كى نتعرف على الإتجاه العام للقيمة الزائدة "الهاربة بعيداًً عن الشعوب" من دول النفط إلى الخارج، التقرير لم يذكر ماهية القطاعات التى إستقبلت تلك (النقود) إلا أن ثمة تلميح أوضح من التصريح، فقد وصف التقرير لوكسمبورج، فى نفس السياق، بأنها صارت (مركزاًًً مالياًًً ومصرفياًًً) مهماًًً فى أوروبا، الأمر الذى ربما يعنى أن الجانب الأوروبى هو الذى إستحوز على (نقود الخليج النفطى)بعد أن أُُودعت مصارف لوكسمبورج، ومن ثم أصبح الجانب الأوروبى تحت يده الآن(نقود) يتعامل فيها كيف يشاء، وكل ما يقوم بدفعه هو فوائد الإيداع.
ومعنى أن أوروبا قد إستحوزت على مبلغ (نقدى) معين، وليكن(60) مليار يورو؛ وهو ما يمثل نحو 32% تقريباًً من إجمالى تدفقات الإستثمار الأجنبى المباشر الداخلة، فى عام 2008 معنى ذلك أن هناك ثمة تسرب قدره(60) مليار يورو، كما يعنى أيضاًً أن أوروبا صارت تملك الآن إعادة ضخ، وتدوير(60) مليار يورو، التى أنتجتها(بتروليتاريا(88)الخليج العربى)ولكن، ولأن النظرية الرسمية لا تأبه بمسألة التسرب تلك، فلن يكون من الضرورى، من وجهة نظرها، مناقشة التخلف بوصفه تسرب فى القيمة الزائدة المنتََجة داخلياًً إلى خارج الإقتصاد القومى، نحو مسام الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر، فما الذى تقول به النظرية المهيمنة رسمياًً وأكاديمياًً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس