الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل بناء قطاع خاص في الصناعة النفطية - ثانيا

حمزة الجواهري

2011 / 5 / 25
الادارة و الاقتصاد


غياب القطاع الخدمي وشلل عمليات التطوير
واقع الحال
كما هو معروف عن الصناعة النفطية، أنها كانت ومازالت تقدم خدماتها إلى نفسها بشكل ذاتي بعيدا عن تدخل القطاع الوطني الخاص، وهذه الحالة لها أسبابها التاريخية أضف إلى ما تقدم هو أن الصناعة النفطية لم تكن معقدة بذلك القدر الذي يستحيل به على المؤسسة النفطية أن تقدم خدماتها إلى نفسها، لذا نجد أن الشركة الوطنية أو الشركات التي خرجت منها كشركة نفط الجنوب كانت تقدم خدماتهت إلى نفسها بالكامل، لكنها الآن ومنذ أكثر من عقدين في وضع لا تستطيع به تقديم هذه الخدمات إلى نفسها، فالخدمات المتوفرة لديها بسيطة وغير متكاملة ولا تفي بالحاجة، كما ولا تستطيع أن تطور عملها لأن القوانين والأنظمة تشل أي توجه من هذا القبيل، وينقصها المال الكثير والكوادر المتقدمة والوسطية المتخصصة وينقصها التكنولوجيا الحديثة، فهذه التكنولوجيا تساعد على تقديم خدمات لم تكن معروفة سابقا، على سبيل المثال وليس الحصر، لا يجد لدينا تكنولوجيا توجيه الحفر الأفقي ولا الكوادر المتخصصة به بالقدر الكافي الذي يغطي جميع الاحتياجات، وهناك خدمات كثيرة كانت تعتبر جزءا من خدمات اخرى لكنها استقلت بذاتها، وهكذا تجد الصناعة النفطيىة مشلولة تماما ولا تملك ما يسد الاحتياجات الجديدة التي تساهم بتقليل الكلفة وتسريع العمل والإرتقاء بالنوعية إلى المستويات العالمية.
لكن في الوضع الجديد وبظل نظام اقتصاد السوق، كان يجب أن يكون الأمر مختلفا تماما، حيث جميع هذه الخدمات يمكن أن يقدمها القطاع الخاص والمشترك فيما لو تبنته الدولة لا أن تكون عائقا أمام نشوءه فضلا عن تطوره، فشركة القطاع الخاص التي ترغب الدخول إلى عالم النفط لا تمتلك الخبرة ولا القوى العاملة المتخصصة، كما أنها لا تستطيع إقامة شراكة مع شركة أجنبية، لأن النظام يعطي تسهيلات للشركة الأجنبية أكثر مما يعطيه للوطنية، لذا لا يجد الأجنبي أية فائدة ترتجى من شراكته مع الشركة العراقية قليلة الخبرة أو التي لا تملك خبرة على الإطلاق، كما ولا يجد الأجنبي أي صعوبة بالحصول على عقد لتقديم خدمات لسببين الأول لأن هناك نقص فادح فيها، أما الثاني هو أن الأنظة والقوانين تمنحه تسهيلات وبذات الوقت تحجبها عن الشركة العراقية، فلمذا يفكر الأجنبي بإقامة شراكة مع المحلي؟
قبل استباب الأمن تقريبا لم يكن في العراق شركات خدمية من أي نوع، لذا فإن البلد بقي في حيرة من أمره ولم يستطع زيادة الإنتاج ولو قطرة واحدة عما كان عليه قبل سقوط النظام، وذلك لغياب قطاع خدمي خاص وطني ولديه الخبرة الكافية والتكنولوجيا المتطورة لكي يقوم بالمهة، وفي الواقع لا يوجد لحد هذه الساعة قطاع وطني خاص يستطيع أن يمد يد العون لهذه الصناعة لأنه ببساطة غير موجود، بذات الوقت، الأجنبي كان لا يستطيع العمل في البيئة العراقية قبل استتباب الأمن، طبعا يستثنى من ذلك ما حاولت الولايات المتحدة تحقيقه للصناعة النفطية عندما قررت استثمار بضعة مليارات دولار في هذه الصناعة لإعادة المتهدم منها، لكن عمليات البناء والتطوير بقيت بعيدة أيضا عن العراقيين، والخدمات قد تم استقدامها من الكويت أو باقي دول الخليج. وهكذا بقيت الصناعة النفطية تراوح في مكانها كما هي، والإنتاج يتناقص، وما تفقده المنشأة بسبب تقادم الزمن أو التخريب لا يمكن تعويضه بسهولة، وما يزيد من الأمر سوءا هو أن هيكلة الوزارة بما فيها الشركات المنتجة تعتبر غاية بالتخلف لأنها أصلا كانت قد صممت لخدمة نظام شمولي يدعي تمسكه بالنظام الاشتراكي رغم إسائته لهذا النظام، والموظف الذي يعمل حاليا في وزارة النفط الآن لا يستطيع التصرف وجلب التجهيزات المطلوبة، ولا يستطيع بنائها، ولا يستطيع استقدام من يحل مشاكلها المستعصية، ببساطة لأنه محكوم بنظام يشل حركته بالكامل.
لكن لو كان القطاع الوطني حاضرا في هذا المجال الحيوي لكان بإمكانه تجهيز القطاع النفطي بكل ما يريد لا يخشى شيئا كما هو الحال في باقي قطاعات العمل في العراق، مثلا على ذلك ما يجري في قطاع البناء استمرت الشركات العراقية ومازالت تقدم خدمتها بكل حرية وهناك نشاط اقتصادي واسع في المناطق الآمنة من البلد، وحتى غير الآمنة.
مجموع الخدمات يعني التطوير الكامل
الشركات التي تقوم بتطوير، أي تلك التي حصلت على تراخيص، تقوم عمليا بإدارة عقود خدمة قصيرة الأجل مع شركات خدمية متخصصة في مجال عملها لحفر الآبار ومد خطوط أنابيب النفط والغاز وبناء المنشآة السطحية وتجهيزها وصيانتها بعد أن يتم تشغيلها والكثير الكثير من الخدمات التي لا حصر لها. من هنا نجد أن جميع عمليات التطوير الفعلية تقوم بها شركات خدمية تخصصية وبدونها لا تستطيع الشركات العاملة صاحبة التراخيص القيام بالمهمة أبدا، لأنها لا تعمل على هذا الأساس في العالم أجمع.
فالشركة التي تستطيع الحصول على عقد خدمة تقوم بمساعدة الاستشاريين العالميين، أو مؤسساتها الخاصة ذات الطابع الاستشاري التي غالبا ما تحتفظ بها خلافا عن باقي الخدمات التخصصية لما للموضوع من أهمية لها برسم السياسات التطويرية والإنتاجية على حد سواء بناءا على نتائج الدراسات التي تقوم بها، عموما تقوم هذه الجهات سواء كانت مملوكة من قبل الشركة أو مستقلة عنها، تقوم بوضع خطط الدراسات المكمنية الازمة لاختيار أسلوب التطوير للحقل أو الطبقة المنتجة من الحقل، إذ ليس بالضرورة أن يكون اسلوب التطوير واحدا لكل المكامن النفطية في الحقل النفطي، ومن ثم تقوم الشركات الاستشارية بوضع التصاميم للمنشآة وتحديد الآبار لكل مكمن في الحقل، وقد تكون هناك منشآة مشتركة، أو عامة، كما وتوضع خطط التطوير وفق جدول زمني محدد للبدء بالتنفيذ لكل مفردة من مفردات التطوير، ويتم على ضوء من هذه التصاميم والخطط استحصال الأموال اللازمة لبنائها، في العادة توفرها البنوك الدولية الكبيرة، لأن الأموال المطلوبة في العادة تكون كبيرة وتسحب وفق جدول زمني مرتبط بتنفيذ المشاريع.
الشركة العاملة، صاحبة الترخيص، تقوم أيضا بكتابة نماذح اقتصادية للعقود الخدمية قصيرة الأجل مثل حفر بئر أو مجموعة آبار بمواصفات وتصميم موحد أو مد خط أنابيب أو بناء وتجهيز محطة ما وفق التصاميم التي أعدها المكتب الاستشاري، وهكذا تقوم الشركة العاملة صاحبة الترخيص بمنح عقود خدمة قصيرة الأجل لتنفيذ مشاريع التطوير في الحقل وفق الجدول الزمني المحدد مسبقا.
في الواقع نلاحظ هنا أن الشركة العاملة صاحبة الترخيص تقوم بدور المنسق والمسيطر على التعاقد وتوفير المال ومتابعة تنفيذ المشاريع بأقل كادر ممكن، قد لا يشكل عشرة بالماءة من مجموع القوى العاملة في مشروع التطوير، والباقي تابعين للشركات الخدمية التي استطاعت الحصول على عقود خدمية وفق المعايير التي اعتمدها الشركة بموافقة المالك، وفي الحالة العراقية تكون وزارة النفط أو احدى مؤسساتها كأن تكون شركة نفط الجنوب أو أي شركة أخرى تابعة للوزارة.
من الأمور التي يجب أن تتقدم بها الشركات في الحالة العراقية هو اسلوب التطوير والإنتاج لأي مكمن نفطي مسؤولة عنه وفق العقد، وهذا يعني إن الشركات هي التي تقوم بالدراسة المكمنية التي على ضوء من نتائجها تتم عمليات التطوير، وهذا يعني أن الجانب العراقي الذي يجلس على طاولة القرار مع الشركات صاحبة التراخيص يجب أن يكون مسلحا هو الآخر بما يكفي من معرفة ومعلومات ونتائج لدراسات مستقلة لوقف أي برنامج خاطئ أو جائر على المكامن النفطية.
لكن مع الأسف الشديد نجد أن الشركات العاملة غالبا ما تحصل على الموافقة من قبل الجانب العراقي حتى لو كانت برامجها التطويرية والإنتاجية سيئة وحتى جائرة على المكامن النفطية، لأن من حيث الأساس يكون الذي وضع هذه الخطط والسياسات الإنتاجية تلك الجهات الاستشارية التابعة لها وليست المستقلة، كما ولا توجد دراسة حول الموضوع بتكليف من الجانب العراقي يتسلح بنتائجها المسؤول العراقي، أضف إلى ذلك الضعف الشديد لدى الكادر العراقي الذي يساهم بعمليات التطوير تتمكن الشركات من تمرير برامجها الإنتاجية الجائرة، لكن بوجود جهة استشارية مستقلة تقدم دراستها ربما بتكليف من الجانب العراقي، يكون بوسع الوزارة ومؤسساتها والمكلفين من قبلها رفض أو قبول تلك البرامج لكن على أسس علمية ونتائج لدراسات مستقلة، وبهذه الطريقة تستطيع أن تسقط ما بيد الشركات برامج قد تتسبب بضياع كميات كبيرة من النفط كنتيجة للإنتاج الجائر أو الغير مدروس، وهذه المهمة الخطير كان يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص أو العالمي بشراكة مع إحدى شركات القطاع الخاص، لكنها مع الأسف الشديد غير موجودة إطلاقا.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر استطاعت احدى الشركات تمرير برنامج يهدف إلى إنزال مضخات غاطسة في آبار كان قد هبط فيها الضغط المكمني إلى ما دون الحدود التي لم تستطع به الآبار من الاستمرار بالإنتاج، فكان الحل الذي تقدمت به الشركة العاملة صاحبة الترخيص هو إنزال المضخات الغاطسة بدلا من رفع الضغط للمكمن من خلال ضخ الماء أو الغاز أو الإثنين معا بتعاقب، لأن الشركات تفضل أن تسرتجع الأموال التي صرفتها على عمليات التطوير بأسرع وقت ممكن وأن تستطيع الحصول على عائدات مالية بوقت أسرع كأجر عن كل برميل تنتجه، لأن رفع ضغط المكمن قد يحتاج من سنتين إلى ثلاثة سنوات من ضخ الماء أو الغاز بدون إنتاج، وهذا الحل من الناحية الاقتصادية يعتبر غير مربح لها بالرغم من أنه هو الحل الصحيح، لأنه مربح للعراق ويساهم بشكل كبير برفع معاملات الاستخلاص من المكامن النفطية، وهذا الأمر لا يهم الشركات.
النتيجة التي وصلت إليها الشركة إن هذه المضخات قد اصابها العطب كنتيجة لتحرر الغاز الذائب في النفط قبل الوصول إلى المضخة بسبب هبوط الضغط إلى ما دون ضغط الإشباع في قعر البئر، فجميع المضخات التي توقفت كانت لسبب واحد فقط وهو وجود الغاز الحر مع النفط، فسحبت المضخات غالية الثمن من الآبار وتركت الآبار متوقفة عن الإنتاج، وذهبت الأموال المصروفة على هذا النوع من الإصلاح للآبار سدى، حيث تكلف البئر الواحد عشرة ملايين دولار يدفعها العراق من النفط المنتج وفق العقد.
لابد لي من الإشارة هنا إلى مقالة سابقة لي كنت انتقدت فيها هذه الوسيلة للإنتاج وكلفها العالية فضلا عن الضرر الذي تتسبب به للمكامن النفطية واعتبرتها وسيلة جائرة للإنتاج، وكانت الوزارة قد أجابت على مقالنا في رسالة خاصة بي بعثتها على الإيميل، حيث أنكرت الكلف العالية رغم أنها نشرت من قبل وسائل الإعلام المرموقة عالميا مثل رويتر، كما وأهملت الجانب المتعلق بالضرر الذي سيصيب المكامن النفطية كون الأسلوب جائر ولا يتناسب مع أهمية وضخامة المخزونات النفطية في تلك المكامن النفطية.
العديد من الشركات لجأت إلى برامج تطويرية من هذا النوع دون الإلتفات إلى مصالح العراق العليا لعدم وجود دراسة مكمنية مستقلة يعتمد عليها المهندس العراقي الذي جلس على طاولة القرار وهو لم يسلح بما يكفي من أدوات تعينه على اتخاذ القرار الصحيح لصالح بلده. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فقد تناهى إلى علمنا، أن الشركات لجأت إلى أسلوب العقاب الإداري للموظفيين العراقيين الذين يعترضون على برامجها وحرمانهم من المكافئات المالية التي وصلت الى مليون وربع مليون دينار عراقي في الشهر تقريبا، حقيقة لا يوجد لدي ما يؤكد مثل هذا الإجراء رغم إدعاء العديد من الموظفين بأنه قد اتخذ بحقهم، فربما لم يكونوا بالكفاءة المطلوبة بالعمل لذا لم يستحقوا المكافئة المالية، ولكن لو صح هذا الأمر فإنه بحاجة إلى تحقيق من قبل الوزارة والشركات العراقية لا أن يترك هكذا بدون إجراء، لأنه نوع جديد من الفساد، وأي فساد!
ما تقدم يبدو وكأنه استطراد بلا سبب، وفي الحقيقة إنه يمثل صلب الموضوع، أي ضرورة وجود قطاع خاص يقدم الاستشارات الهندسية وطني حتى وإن كان بشراكة مع الأجنبي، لكي نطمئن للنتائج التي نحصل عليها منه وبها نستطيع أن نقول "لا" للشركات في حال وجود ضرر سيصيب العراق.
نلاحظ هنا أن الشركة العاملة أو صاحبة الترخيص لتطوير الحقل تقوم مقام الوزارة أو إحدى مؤسساتها في حال كان التطوير وطنيا، وهذا لا يعني أبدا أن تكون الشركات الخدمية التي تقوم فعلا بأعمال التطوير وطنية كليا أو جزئيا، تابعة للقطاع العام أو الخاص، أو أن تكون شركات قامت على أساس الشراكة مع شركات أجنبية لها باع طويل في مجال تخصصها، فالتطوير يحسب وطنيا لو كانت الشركة الوطنية هي التي تقوم بدور المنسق لأعمال التطوير وتوفير الأموال اللازمة لذلك، ويكون التطوير وطنيا صرفا فيما لو كانت الشركات الخدمية وطنية بالكامل بعد أن تحصل على الخبرة التي تؤهلها للقيام بهذه الأدوار.
هنا تحديدا تأتي أهمية تنمية قطاع خدمي وطنيى تخصصي سواء كان تابع للقطاع العام أو الخاص، ونستطيع تلمس دور القطاع الخاص بمثل هذه الصناعة بسهولة، ففي دولة الكويت أو الإمارات نجد أن معظم الشركات الخدمية هي وطنية بالكامل وقد اكتسبت الخبرة خلال عقود طويلة بعد أن فسح لها المجال للمشاركة بالصناعة النفطية، بالرغم من أن الشركات صاحبة التراخيص قد تكون عالمية، لكن الذي يقوم فعلا بأعمال التطوير هو شركات وطنية أو داخلة بشراكة مع الأجنبي، يبقى موضوع القيام بالأعمال هو المعيار لمدى وطنية أعمال التطوير، أما لو قامت الوزارة أو احدى شركاتها بالاستعانة بالاستشاريين الأجانب لتقديم المشورة والقيام بوضع التصاميم كما أسلفنا، فإن التطوير سيكون أقرب إلى الوطني، وربما لن نستطيع الوصول إلى التطوير الوطني بالكامل أبدا، وهذا الأمر لا يقتصر على العراق أو دولا بحد ذاتها، فهو سمة الاقتصادي العالمي في الوقت الحالي، أي ما يسمى باقتصاد السوق، ففي المملكة المتحدة نجد هناك شركات أمريكة وأخرى أوربية وحتى أسيوية تساهم بأعمال تطوير الحقول في بحر الشمال، لأن مبدأ المنافسة يفرض على الشركة صاحبة ترخيص التطوير دخول أي شركة مؤهلة من أية جنسية كانت، في النهاية، التطوير هناك يسمى وطني، لكن يكتسب وطنيتة من أن التطوير لا يتوقف لعدم وجود شركة ما أو خدمة ما، لأن تلك البلدان لديها بنية خدمية متكاملة ودخول الأجنبي يأتي من باب المنافسة فقط.
وهكذا نجد أن مسألة وجود قطاع خدمي خاص يقدم خدماته للصناعة النفطية يعتبر هو المعيار الحقيقي لوطنية أعمال التطوير، ويأتي بنفس أهمية بناء وتطوير كوادر وطنية في وزارة النفط، أو شركة النفط الوطنية مستقبلا، أو أي مؤسسة عراقية، وعليه يجب التمسك بمبدأ عراقية الخدمات النفطية ووجود قطاع خاص وعراقية الكوادر النفطية، وأن تحترم نسبة العاملين في الشركة العاملة وهي85% أو الشركات الخدمية لكي يقوم بمهمات التطوير، أو التنسيق لأعمال التطوير، مستقبلا دون الاعتماد على المستثمر الأجنبي.
سنحاول التوسع بالنقاط سابقة الذكر بقدر من التفصيل يكفي للوقوف على مستلزمات بناء هذا القطاع.
أن الشركات العالمية التي استطاعت الحصول على تراخيص لتطوير الحقول العراقية تحتاج إلى هذه البيئة الخدمية المتخصصة للتنفيذ برامج التطوير، لكن ولعدم توفر قطاع وطني خاص يقدم خدمات التطوير البترولي، فإنها اضطرت إلى استقدام الشركات الخدمية من خارج العراق ما عدا شركة الحفر العراقية التابعة لوزارة النفط، وهذا بدوره أدى إلى زيادة كبيرة بكلف التطوير، ربما عدة أضعاف الكلف التي يجب أن تقدمها للشركات الوطنية الخاصة في حال وجودها في البلد.
هذه البيئة الخدمية الغير الموجودة في العراق، هي شبكة كبيرة وواسعة تصل إلى عدة آلاف من الشركات، فعلى سبيل المثال نجد في الدنمارك الدولة المنتجة التي تعتبر صغيرة مقارنة بالعراق، يوجد فيها أربعة آلاف شركة تقدم خدماتها للصناعة النفطية ويعمل فيها مئات الآلاف من المهندسين والفنيين والاستشاريين في كل المجالات، وعدد مماثل في دولة الإمارات أو قطر، أما المملكة المتحدة، فإن العدد يفوق ذلك بكثير. هذه البيئة، وكما أسلفنا، غير موجودة في العراق، ربما يوجد منها ما هو قليل جدا ولا يسد شيء من حاجة هذه الصناعة.
جميع المعدات التي تدخل في عملية التطوير تبقى باستمرار بحاجة إلى خدمات تخصصية تقدمها الشركات المنتجة لتلك التكنولوجيا، ومنها تقديم المشورة التشغيلية أو تقديم الأدوات الاحتياطية أو مستلزمات لاستهلاك تلك المعدات أو الأجهزة، هذا فضلا عن الخدمات التي تتعلق بالصيانة الدورية أو الصيانة العامة في حال حصول توقفات مفاجئة غير متوقعة، وهذه لا يمكن تقديمها بشكل مناسب وسليم ما لم يكون هناك وكيل مجهز للشركة المصنعة يفترض به أن يكون مهيأ لتقديم مثل هذه الخدمات، ومن لهذه المهمة غير القطاع الخاص؟
ملاحظة مهمة يمكن قراءتها هنا، وهي أن ليس كل ما يتعلق بالصناعة الاستخراجية لا يمكن أن يدخل به القطاع الخاص سواء كان وطني أو عالمي، فهي تسمح بدخول كل شيء حتى في مجال إدارة عمليات الإنتاج، يمكن أن يدخل فيه القطاع الخدمي ويقدم خدمات لإدارة العمليات الإنتاجية وما يصاحبها من احتياجات تخصصية ذات طبيعة استشارية، وذلك وفق عقود قصيرة الأجل، فعلى سبيل المثال، تقوم شركة أدنوك الإماراتية بتشغيل جميع الحقول المنتجة للغاز بواسطة الشركات الخدمية، لذا فإنها لم تجد نفسها مضطرة لمنح الشركات الاستثمارية عقد مشاركة بالإنتاج أو أي عقد كان، وهكذا يمكن اعتبار هذا النوع من التطوير والتشغيل للمشاريع وطنيا صرفا بالرغم من وجود نسبة كبيرة من الأجانب عاملين بهذه الشركات التي تولت أمر التشغيل والإنتاج والتطوير.
في حال قررت أي شركة خدمية عالمية الخروج من العراق لأي سبب كان، فإن الساحة ستبقى فارغة وتشل عمليات التطوير تماما، لكن لو كانت الشركة عراقية فإنها ستبقى تعمل في بيئتها العراقية رغم الضروف، فعلا سبيل المثال، لو حدث أن اشتعلت حربا في الخليج، فإن الشركات سوف لن تبقى في هذه البيئة غير الامنة وتقرر الخروج بأسرع وقت ممكن، تاركة ورائها الكثير من الأعمال الغير منجزة بالكامل وفراغا لا توجد لدى الدولة بدائل لملئه مهما كلفها ذلك من أموال. يمكن ملاحظة هذه الظاهرة في ليبيا حاليا وفي العراق وإيران سابقا، لكن لم تتأثر بها دول الخليج بتاتا رغم حدوث عدة حروب أو توترات سياسية كادت أن تؤدي إلى حروب ومازالت الحالة مستمرة بالتوتر في الخليج، لكن لم تتأثر دولها لأبدا بهذه التوترات لكون القطاع الوطني الخاص كان قد تطور وقطع شوطا بعيدا في العمل بمستويات عالمية لا بأس بها. كما ويمكن ملاحظة علاقة هذا الأمر بالسيادة الوطنية بسهولة.
يتبع في الحلقة القادمة.........
مهندس مختص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تطوير القطاع الخاص والمشترك في مجال الخدمات ا
كامل كاظم العضاض ( 2011 / 5 / 28 - 21:19 )
أحسنت أخ حمزة في طرحك الموضوعي هذا، واعتقد بأن حلقاتك االحالية هذه ستساعد في خلق وعي وإحاطة لدى الحكومة، بالنظر لخطورة ما طرحته من غياب لوجود شركات وطنية، خاصة ومختلطة، ولإهمية المدخل الوطني لصيانة التكاليف ولخلق صناعات تكميلية منافسة ووطنية. نشد على يدكم، وأرجو أن تواصلوا بحوثكم المهمة هذه، ونحن نتابعها عن قرب، فشكرا لك
كامل العضاض

اخر الافلام

.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي