الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مقاربة تنموية تشاركية

عبدالله تركماني

2011 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


التنمية المستدامة التي تسعى إلى تلبية الحاجات حاضراً وتأمين استمرارها مستقبلاً، بما هي نمط ثقافي له أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية ومؤسساتية، تواجه اليوم تحديات على مستوى ثقافة التنمية السائدة وعلى مستوى المؤسسات وإدارة الشؤون العامة في كل قطر عربي، وهذه التحديات هي:
1 - أزمة المشاركة في العالم العربي، وهنا لا نريد أن نثير الجانب السياسي من المسألة بشكل مباشر، بل جانب إشراك كل الناس، وكل فئات المجتمع في أية عملية تنمية فعلية وصحيحة، لأنه من أول شروط تحقيق التنمية واستدامتها، مشاركة أبناء المجتمع كافة فيها، مشاركة الناس في نقاش الخيارات المتاحة، وشعورهم بأنّ لهم دوراً ورأياً وحضوراً في هذه المسألة، بل شعورهم بأنّ هذه العملية تمثل تطلعاتهم ومصالحهم في الحاضر والمستقبل.
2 - ضعف هيئات المجتمع المدني، فبالرغم من وجود العديد من المؤسسات المهنية والنقابية والعمالية والبيئية والاجتماعية والثقافية، التي تقوم بنشاطات قيّمة في مجال الحفاظ على البيئة وحقوق الإنسان ومسائل اجتماعية واقتصادية مختلفة، إلا أنّ هذه المؤسسات ما زالت دون حجم التحديات والحاجات القائمة.
3 - هيمنة المركزية وضعف الحياة البلدية أو المجالس المحلية، إذ تتميز الأنظمة الإدارية العربية - بشكل عام - بهيمنة أجهزة الدولة المركزية على حياة الهيئات المحلية من بلديات ومجالس أو إدارات مستقلة، وبضعف اللامركزية الإدارية.
4 - ضعف حضور دولة الحق والقانون، فمسألة تعادل الفرص والمساواة أمام القانون مسألة حيوية جداً، وهي تشعر المستثمرين والمواطنين بالطمأنينة والاستمرار في عملية التنمية، وبدونها يسيطر جو من انعدام الثقة بين المواطنين وأجهزة الدولة، وهو ما يولّد قلقاً اجتماعياً عميقاً يعيق أية عملية تنموية فعلية.
إنّ المسألة ذات التأثير البالغ على مستقبل التنمية العربية تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، فالكثير من أسباب فشل التنمية العربية يعود إلى الوهم بإمكان تعجيل التنمية الاقتصادية في غياب تحرك واضح في اتجاه التحديث السياسي.
‏ إنّ نجاح الخطط التنموية العربية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين العرب من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
وغني عن القول إنّ الرقابة الشعبية هي وحدها التي تستطيع القيام بمهمة الكشف عن جوانب القصور ومواطن الفساد والممارسات المنحرفة بفعالية، فأجهزة الرقابة الحكومية في كثير من البلدان العربية تفتقر إلى الحيادية والنزاهة، وتخضع في كثير من الحالات لضغوط المسؤولين عن التقصير والمنتفعين من الفساد، مما يجعلها غير قادرة على إظهار الحقائق وإدانة المقصّرين والمفسدين.
إنّ التنمية والحكم الصالح يمكنهما السير معا إذا توفرت إرادة سياسية، وتشريعات ضامنة ومؤسسات وقضاء مستقل، ومساءلة وشفافية، وتداول سلمي للسلطة، ومجتمع مدني ناشط، ورقابة شعبية وإعلام حر. ولهذا فإنّ التعاطي المجدي مع الإشكاليات والتحديات إنما يستهدف اختيار السبل الصحيحة والمناسبة لإحداث التنمية الإنسانية المنشودة والشاملة، في ظل حكم صالح/راشد ورقابة فعالة من قبل مؤسسات المجتمع المدني.
كما أنّ تحقيق التنمية المستدامة يتطلب إيجاد حالة من التوازن الاجتماعي بين الحريات الفردية من ناحية‏,‏ ودور الدولة من ناحية أخرى‏,‏ وبين القطاع العام والقطاع الخاص‏,‏ وبين مصالح رجال الأعمال ونقابات العمال‏,‏ وإزالة التناقض الزائف بين هذه الأمور‏.‏ ففي إطار الحرية الاقتصادية يبقى للحكومات دورها في تشجيع مناخ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي‏,‏ وفي رسم سياسة الضرائب‏,‏ وسياسة الخدمات الاجتماعية‏,‏ وتحسين التعليم والبنية الأساسية‏,‏ بالشكل الذي يؤدي إلى توسيع فرص العمل وإتاحتها لأكبر عدد من الناس‏.‏
وفي هذا السياق فإنّ جوهر المقاربة التنموية التشاركية يقوم على تمكين المواطنين من المساهمة في بلورة حلول ملائمة لمشكلاتهم المتعلقة بتلبية حاجياتهم الأساسية وكذا بآلياتهم وأنماطهم الإنتاجية، في نطاق وضعهم كمسؤولين عن اتخاذ القرارات وتفعيلها ومتابعتها. إنها مقاربة بديلة تقترح الطرق والأساليب التي تساعد الشعوب على التدبير الذاتي وعلى الفهم والشعور بامتلاك مشاريع التنمية التي ستحدث تغيّرات دائمة في حياتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة