الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع الموسيقى على خريطة الثورة العربية

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تنهض الموسيقى الرافدة للأناشيد والأغانى الثورية – وكأحد عطايا الروح الإنسانى - بالتعبيرعن هموم الذات الوطنية وتجسيد المشاركة الجماهيرية الوجدانية فى قضايا الأمةوأستنهاض وتحريض الشعب فى مسيرته نحوالتغيير .

ويكشف تاريخ الحضارة الموسيقية العالمية أن فكرة اللحن الثورى لم تتبلوربشكلها النموذجى الحديث الإ عبر تجربتى : الثورة البرجوازية الفرنسية الكبرى ,وانتفاضة كيمونة باريس الإشتراكية .

ويمتاز لحن كلا النشيدين (المارسيلياز الفرنسى - ولحن العامل بيار ديجيترالاممى) بالبداية الإيثارية - التى أصبحت قاسمآ مشتركآ لمعظم الإنشاد الثورى - وهوالبعد الرابع صعودآ لفوق على السلم الموسيقى والذى يتضمن عنصرالإنطلاق والحفز والتقدم وبمدد من تلك الوثبةالموسيقية .

ويبدومفيدآ لرصد الموقع المحتمل للموسيقى على خريطة الثورات العربية استحضار(النموذج المصرى )وبما يطرحه من دروس ودلائل . فقد كان اللافت أن الإفتتاحية الموسيقية التى أختارتها " قناة الجزيرة " لتغطية الثورة المصرية جاءت منسجمة مع تلك النزعةالملحمية الكلاسيكية وبتأكيدهاعلى أثبات مقدمة أغنية أم كلثوم الشهيرة " أنا الشعب " كمدخل لمتابعة تطورات الحدث.

نداء المارش ( أنا الشعب ..أنا الشعب .. لا اعرف المستحيلا .. ولاأرتضى للخلود بديلآ) هوكلمات الشاعر / كامل الشناوى من قصيدته "على باب مصر"وقد وضع لحنه / محمد عبد الوهاب ,وكان أسلوبآ ملحميآ بأمتياز للتعبيرعن موقعة بناء السد العالى التى خاضتها مصرمع الإستعمارفى منتصف القرن الفائت.

ويحمل لحن هذا النشيد فى بدايته أيقاع المارش الجبارعلى آلات الطبول السيمفونية وبهدف زيادة الشحنة الدرامية,ثم يليه أستخدام لآلآت النفخ النحاسية بجملة توحى بمقام العجم الهادىء,وأخيرآ ينزلق الأوركسترا الوترى لمقام الرست - الذى لا تستطيع النحاسيات الوفاء به - ثم يتدفق صوت " أم كلثوم " العريض فى سعادة ومن ورائه الكورس بأنشاد : // أنا الشعب .. أنا الشعب ..

وممالا شك فيه أن هذا الخيارالموسيقى لمواكبة أحداث الثورة يعكس أحترافية أعلامية من جانب قناة الجزيرة ,ففى جو مشحون بالعواطف والحماس الذى يرتفع بالوجدان الجماهيرى يأتى هذا السرد الموسيقى ليعبر بتلقائية عن الفرح والحدث العظيم وهو حضور( الشعب ) , وتعبير هذا الشعب عن كينونته ووجوده.

هذا المقطع الموسيقى هوتسجيلآ بالظلال لأجابة عن أحد أهم شواغل الوعى والتى كانت تدورحول تساؤل ( أين ذهب الشعب أمام واقع القهرو القمع والفساد ؟ ) . وربما هو نسخة لحنية عربية عبقرية وموجزة ترد على أستنكارسائد فى الأفق الفلسفى الحداثى ردده // " جبل دالوز ومايكل هارت " عندما كان يصرخان فى كتابهما " امبراطورية العولمة الجديدة "( الشعب .. أين الشعب ؟ .. ما عاد الشعب موجود ؟ ) ..

ومن أسف ,فأن هذا اللون اللحنى الملحمى الذى يتماهى مع الميراث الموسيقى الثورى العالمى فى أيقاعه وغناه و شجنه لم يكتب له الإستمراروالحضورعلى خريطة الحياة الموسيقية فى واقعنا المصرى والعربى منذ منتصف القرن الفائت.

فهذاالواقع المطارد بالإنتكاسات والهزائم المتتالية,والمطبوع بالسلبيةوتراجعات الروح الوطنية والقومية ,لم يكن أبدآ حاضنة لنمووأزدهارهذا الإنشادالحماسى أوالتفكير الملحمى والسيمفونى الكبيرين .

بالطبع كانت هناك أجتهادات( لاسيما من مدرسة الرحبانية بالشام ) لإستعادة وتصويربعض الأبنية السردية الموسيقية الدرامية على خلفية الحنين إلى القدس والعودة لفلسطين والحرب فى لبنان ,وقد جاءت بمادة لحنية جميلة عولجت بتوزيع موسيقى تداخله الآلات النحاسية الإ أنهالا يمكن أن تشكل تيارآعربيآ موسيقيآ ملحميآ يؤشرلإستعادة منجزه اللحنى الستينى الأصيل وينفى أنقطاعاته الحادة .

أما فى قلب ميدان التحريروبين الجمهورالمنتفض فأن المزاج الموسيقى لم تكن فيه ثمة أستعارات لحنيةحديثة ,وكنتاج منطقى لتجريف البيئة الموسيقية والغنائية الوطنية الشعبيةالحقيقيةمن جانب نظام مبارك على مدار عقود طويلة.

ومن هنالجأ الحضورداخل ميدان التحرير لأستلهام السند اللحنى والدرامى الشرعى لأغيات ( الإحتجاج الثورى ) وهى أغنيات الشيخ / أمام عيسى والتى لعبت أكبرالأثرفى تشكيل وجدان الآلاف من شباب الحركة الوطنية المصرية المعاصرة.

عودة أنشاد الشيخ / أمام إلى ميدان التحرير يحمل - بشكل أو بآخر- مقدمة " تأسيس ثالث لإنشاد الإحتجاج الإجتماعى " الذى وضع أرهاصاته الأولى / سيد درويش ثم مكن لها الشيخ /أمام فى الواقع الفنى والإجتماعى المصرى بمدد من أشعار/أحمد فؤاد نجم .

وأيضآكان هناك حضورآثر لأغانى المطربة / شادية ذات الطابع الوطنى الهادىء , والمتدفق بشكل شمولى عبرمساحات وروح الموسيقى الشعبية المصرية,الأمرالذى جعل من/ شادية مطربة ثورة 25 ينايربامتياز.

فمنذ الأيام الأولى للثورة كتبت الهيمنة لأغنيتها " يا حببتى يامصر " التى نظمها الشاعر( محمد حمزة ) ولحنها ( بليغ حمدى ) لتكون أغنية الميدان والتى تقول فيها / شادية :
ماشفش الأمل فى عيون الولاد وصبايا البلد
ولاشاف العمل سهران فى البلاد والعزم اتولد
أصله ماعداش على مصر
يا حبيبتى يامصر .. يامصر

ويمثل هذا الإنشاد هبوطآ بالمظلة وسط فرح شعبى ترصد فيه الإيقاعات الوترية المتدفقة مشهد البهجة والحشد بين الشباب والصبايا .ثم يرتفع الإيقاع اللحنى بالتأكيدعلى( نفى)العزم والعمل فى كل البلاد,و( أثبات) ذلك فى مصر, وبما يحسم واقعةالتناقض المفترض .ثم يتقدم الكورال من الخلفية – على سند من المفارقة الموسيقة والتعبيرية السابقة –ولهدف زيادة الجرعةالدرامية فيعود يشدو بانفعال مع صوت /شادية ويرديد النداء " يا حبيبتى يامصر .. يا مصر" ..

هذه الأغنية قدمتها شادية منذ أواخر عهد عبد الناصرومازالت صامدة بالميدان , الأمرالذى يعكس أصالة نسختها الموسيقية والتعبيرية ,والتى كفلتها لتكون رافدآ عنائيآ للثورة ولأحد أهم أحداث التاريخ المصرى المعاصر.

هذا اللون الموسيقى والتعبيرى -والتى تمثل أغنية / شادية نموذجآ له-عانى حالة موات طويل نتيجة لغياب زخم االمشروع القومى والوطنى العام,ولسيادة النزعةالفردية التجارية و المضطربة على المدونةاللحنية والتعبيرية المصرية.

وأذا كانت موسيقى وأغانى الشيخ / أمام و شادية قد وجدتامكانآ لها بميدان التحريرفمن المفيد أثبات أن بعض عناصر ثقافة موسيقى الهيب هوب(Hip hop ) أنتشرت بين صفوف الشباب المصرى كمحرض على الحدث الإنتفاضى فى مرحلة ما قبل 25 يناير. وحيث تميزت هذه الأغانى بالحيويةوالمفردات الجريئة للغاية وحملت قدرآ كبيرآ من الغضب فى مواجهة الأوضاع السياسية والإجتماعيةورفض التقاليد القديمة الجامدة والبالية.

ومن أشهر هذه الأغانى " ضد الحكومة " لمطرب راب يدعى/ رامى دونجوان , والأغنية تؤدى بشكل يمزج بين الموسيقى الشرقية والغربية حيث تبدأ وتنتهى بالتهكم على جملةقالها /مبارك فى خطاب له,ثم تنطلق الأغنية بكلمات ثائرة تقول:( ضد الحكومة .. ضد البلطجة والظلم .. ضد الحكومة .. ضد الحاكم .. والظلم طويل .. عندى ألف دليل).

وكانت هناك دوافع موضوعية لإنتشار هذا اللون الموسيقى , فمن المعروف أن الأداة التحريضيةالأساسية لشباب 6 أبريل – الذى ساهم بدو حاسم فى ثورة مصر-كانت الكتابةالحائطيةعلى الجدران والأعمدة // ( Graffiti ) والتى تمثل (التعبيرالبصرى عن موسيقى الراب) .كما يبدو توافق الذائقة الموسيقية للنخبة الإفتراضية للمجتمع النتى المنتفض مع هذا اللون من الموسيقى الأمريكية,فضلآ عن سرعة تداوله عبرالكليبات بالعالم السيبرى ,وكذا تأثيرالعولمة الثقافيةعلى واقع تمدده وذيوعه بين الشباب.

ورغم ذلك يظل هذا اللون الموسيقى الغربى حلقيآ ومحدود الإنتشاروضمن جمهورخاص, فالإيقاع السريع والهادرولفظ الكلمات دون التزام لحنى ولغوى لا ينسجم مع مستقبلات وأرهافات الآذان العربية.

وأذا كان الإناشد الموسيقى واللحنى قد واكب الثورة ودفع نحو استنهاضها,فأن ما يعيق التعبيرالموسيقى الأمثل عن هذا الحدث حتى الآن هوأستمرارغياب الإيقاع الملحمى الفخيم الممتد للقفزة الموسيقية ذات الأربع درجات من جانب ,والإنقطاع التاريخى لمسيرة السرد الدرامى الموسيقى الشعبى التى بدأها فنان الشعب / سيد درويش – من جانب آخر.
عماد مسعد محمد السبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-