الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معادلة دينية

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 5 / 27
الادب والفن


-الحقيقة قاسية، لكن بالإمكان أن نحبها، و هي تجعل من يحبونها أحراراً.-
جورج سانتايانا



أنت تعلم أن الوطن يسكنك في كل تفاصيل حياتك، و يهيمن على روحك المغتربة عندما:

تبحث في مفردات أبناء الوطن عن سبب العلّة، و عن الحل، فتذهلك ردود البعض اللامنطقية، و اللاإنسانية.. و مع ذلك لا تكرههم لأنهم أبناء الجرح معك.

عندما يسوّد محيط العين من قراءة للمقالات التي تلّخص الوضع، لتكتشف أنك بكل نقاء بعدك عن السياسة.. أصبحت مضطراً لتتبع ذيل السياسة و هي تلتوي و تنساب بين أزقة لطفولتك، و تنشر سمها في وجه الجميع.

عندما لا نستطيع النوم لثلاث ليال متوالية..التعب حاضر، و الإنهاك موجود، لكن النعاس يضج في داخلك.. صخبه غريب، و عالٍ.. كأصوات أطفال الحارة التي تركتها تلعب وراءك، غبار النوم ينتثر في داخلك، لتأخذه أصوات أنين تحفر في القلب.. يئن بصوت أبناء وطنك، فيقعدك مع فنجان سابع للقهوة، و غصة في الحلق.

لو كنت كاذباً أو منافقاً لكانت حياتك أسهل.. فأنت و بوجهك الحقيقي لا تجيد مطلقاً اكتشاف أقنعة الدجالين الذين هم من الجبن و الخسة بأن يطعنوا في الظهر فقط.. يا لألم الطعنة في الظهر! ..كم أنت اليوم تتألم يا وطني...
**********


لم أرها منذ هربت في تلك الليلة السوداء التي غلفت حيطان الوطن بهباب الكره الأسود.

و الكره يصنع كارثتين إحداهما كالبركان مدوّية، و الثانية بصمت الحر الصيفي.

الجميع خاف الكارثة الأولى إلا أنا وقفت الثانية في حلقي، و لم تغادره.. و كيف تراني أتحدث الآن و الكارثة تذهب بجميع الحروف إلا اثنين.

لم أر الحلول أبداً، منذ بدأ الحديث بصيغة( سني- علوي) يطفو على السطح، بكامل عفنه، و نتانة رائحته، ذاهباً بجهد القديسين الذين أحرقوا سنيناً من الصمت، و أشعلوا أصابعهم كي يذهبوا بالعتمة.

كنا ننتظر بزوغ فجر ليل الاستبداد، ليقفز كابوس الطائفية و ينط في جميع التفاصيل، و النط كما تعلمون يُجهدك دونما أية خطوة للأمام.

أذكياء أنتم يا من تجيدون العزف على وتر الطائفية الذي يذهب بسمع المتغابي قبل الغبي..ها قد حلت الكراهية مكان الحلول، و لم يبق سوى "وجد" يستحضر لنا كل يوم حلاً جديداً...

و "وجد" صديق العائلة منذ القديم، و هو ليس رجلاً عادياً.. لا بسرواله المتسلق إلى أعلى كرشه المدوّر الصغير و لا بلسانه السليط، و طريقة كلامه اللاذعة.

رجل في الأربعين، بعينين سوداوين وادعتين غاصتا بين كم هائل من التجاعيد التي غطت الوجه الأسمر، دالة بعمقها على تاريخ مليء ب(أكل الهم)، و القلق على كل شيء.

منذ شهرين يقوم "وجد" بدور الديك، يوقظ المنزل كله في الخامسة صباحاً على تقرير إخباري مفصل.

استيقظ و لمّا أكن قد غفوت تماماً بعد على صوت زوجي يصيح:

-هيك رأيك.. مو معقول.. البارحة كان لك رأي آخر.
و يخرج صوته من سماعة الهاتف:
- يعني كل يوم بتطلع محطة إخبارية عم تكذب.. من وين بدي جبلك خبر موثوق.. من "رويترز" يعني؟!

و الحقيقة أن تقارير "وجد" الإخبارية تصدر عن وسائل الإعلام المتاحة لشعبه، و عن قنوات تناسب إعلام القرون الوسطى المستخدم هناك:
"أبو حمادة" سائق التكسي جارهم في الشقة المجاورة، و " أم الرز" الراقصة جارتهم في نفس العمارة، بالإضافة إلى تحليل حاسته السادسة للوضع، و الذي يتغير بتغير المحطة الإخبارية التي كان منسجماً معها –في الخفاء- في الليلة السابقة.
**********


اليوم لم يتصل"وجد"، و مع أنني كنت أتذمر من هاتفه الصباحي، إلا أنني قلقت عليه، قلت مطمئنة زوجي:
- بيكون مع "أبو حمادة" .. لا تخاف.
فأجابني ضاحكاً:
- أنا خايف و لا أنت .. لا تخافي بيكون مع الرقاصة...

عاد زوجي للنوم، بينما تابعت سهريتي متخيلة الأسباب التي أخرّت التلخيص (المحلي) للأحداث المتسارعة.

فتحت جهاز (الكمبيوتر) و جلست أتنقل بين الأخبار المتعددة لما يقارب الألفي صديق: سوريون، مصريون، توانسة، و من جميع البلاد( المهيمن عليها)، أقلّب فيما يكتبون، و أرى كيف تطفو المعادلة الدينية على السطح غير قابلة للحل، و لا للانسياب مع الدول، تقف الكارثة الثانية في حلقي، و نبوءة سيئة تجتاح مخيلتي تقول:
لن تتوقف الدماء قريباً..

توغلت في الحزن إلى أن انتشلني صوت الهاتف، و جاء صوت"وجد" حزيناً، و متألماً:

- أنا (ما بقى رح احكي )معكم.. الدماء تملأ الحديث ، و عندما يتحدث الدم يصمت البسطاء، أصلاً..

اعتقلوا "أبو حمادة"..صمت قليلاً ثم أضاف: و "أم الرز" أخذت بطولة مسلسل و (ما بقى فاضية )!


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية مسائية إلى : لمى محمد
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 5 / 27 - 22:08 )
كلماتك العادية اليومية, صورة طبق الأصل من كلماتنا العادية اليومية عن انشغالنا وقلقنا وألمنا مما يحدث في بلدنا. وما نعلم وما لا نعلم.
تلفون.. ويبكام.. سكايب. مع أهلنا. مع جيراننا. وجميع الفضائيات العربية والسورية والأوروبية. لا نعرف كيف نبرمج ساعاتنا وعملنا وحياتنا.
كل شيء معلق بآخر خبر أو أية إشاعة.
الحقيقة تحترق.. وأعصابنا وخواطرنا تحترق…
متى ينتهي هذا القلق.. وهذا الألم الذي لا يهدأ في مشاعرنا…
ولك يا سيدتي أطيب تحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحرية الحزينة


2 - تحياتي
د.لمى محمد ( 2011 / 5 / 28 - 05:33 )
الأخ العزيز أحمد بسمار
سيستمر القلق طالما استمرت المقامرة عبر معادلة كريهة : (تحت البوط العسكري، أو تحت العمائم) .. دمت بخير

تقديري


3 - تحية وود
محمد عايد الحسيني ( 2011 / 5 / 28 - 09:01 )

في الحقيقة اعجبتني جدا هذه المقولة :-الحقيقة قاسية، لكن بالإمكان أن نحبها، وهي تجعل من يحبونها أحراراً :- واحييكِ على هذه الكلمات ...ودمتي بخير
د.محمد عايد


4 - ادب فن
سليم نادر ( 2011 / 5 / 28 - 15:07 )
تحياتي للاخت لمى كلماتك لا تنطبق ما ينشر في ادب وفن ومستهلكة ارجو اختيار باب اخر منزعج جدا وشكرا


5 - تحياتي
د.لمى محمد ( 2011 / 5 / 28 - 21:15 )
د,محمد عايد
الكاتب -جورج سانتايانا- صاحب المقولة جدير بالقراءة، و يستحق الاحترام..
دمت بخير..و تحياتي


الأستاذ سليم
ما من داع للانزعاج، الحياة بمشاغلها و حقيقياتها لا تقف عند اختلاف وجهات النظر.

شكرا لوقتك و دمت بخير.. تحياتي

اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف