الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصبار وعنف الدولة المشروع

محمد السلايلي

2011 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


حالة من الهلع والخوف، المصحوبة بالهذيان، تكتسح النظام السياسي المغربي برمته بعدما أن لامست حركة 20 فبراير القاع المجتمعي. بمجرد انتقال المظاهرات من الساحات العمومية والشوارع الرئيسية بالمدن إلى الإحياء الشعبية، بدات مساحيق الاستثناء المغربي تذوب وشعارات حرية التظاهر تتهاوى ويافطات السياسة الإصلاحية الاستباقية والتدرج الديمقراطي تتساقط..، وحل الخوف والتخويف ليغطي ويزكي سياسة المنع والقمع الممنهجين، و تم فرض ما يشبه حالة طوارئ إعلامية، تحذر أبواقها من تظاهر الشارع السياسي المختطف، فحسب زعمها، من قبل جماعات ضالة مندسة لا تريد أي خير للبلاد والعباد؟
أهم الردود بل وأقواها، جاءت على لسان محمد الصبار رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان. هذا المناضل السابق في صفوف الحركة الحقوقية، وصاحب شعار "مافاكينش" أعطى للقمع المخزني ضد تظاهرات 22 مايو الجاري، تفسيرا منطقيا، و مؤسساتيا. مرتكزا على قوة القانون الذي يمنع التظاهر غير المرخص به.
يؤكد الصبار بكل وضوح: لا تظاهر إلا بما يسمح به القانون وهذا يحصل حتى في البلدان الديمقراطية؟. تاكيد بمثابة تبرير ضمني لاستخدام العنف من قبل الدولة ضد من سولت له نفسه خرق هذا القانون. مختلف أنواع القمع من خطف واعتقال و ترهيب أصبحت مبررة ومشروعة لأنها تطبق القانون وتحمي هبته.. و"العنف المشروع" مفهوم ينطبق على الدول الديمقراطية، المسؤولية فيها تكليف وليس تقديس أو تشريف .، فهل اغتيال الشاب عبد الكريم بمدينة صفرو على يد مجموعة من رجال الأمن، هوعنف مشروع ولهذا السبب لايجب متابعة ومعاقبة المتسببين فيه؟
من هذه الزاوية الحقوقية، وفي بلد كالمغرب، تكون شرعية الحركة الاحتجاجية هي أقوى من شرعية القانون. القانون الذي لا يخدم سوى الحاكم والتكتل الطبقي المستفيد من حكمه. كل حركة سلمية بهذا الحجم، لها ما يبررها ويبرر معارضتها لهذه القوانين، التي تراها مجحفة ومكبلة لحريتها. واعتماد الصبار على هذا القانون يجعل منه محاميا للدولة أكثر منه مدافعا عن حقوق الإنسان . فهو إذن منطقي مع نفسه ولا يطلق لسانه على عواهنه كما يفعل خالد الناصري مثلا الذي صار أشيه بالصحاف صاحب كلمة العلوج الشهيرة ؟
و أهم ما جاء في تصريح الصبار لإحدى وكالات الأنباء الأجنبية بعد مجازر يوم 22 ماي، قوله " أن الحركة نظمت تظاهرات في أحياء شعبية تتميز بكثافة سكانية " وتساؤله " هل تستطيع ، يعني حركة 20 فبراير، تأطير مظاهرات في مثل هذه الأحياء؟ " بالنسبة للسيد الصبار، وللعديد من أفراد النخبة السياسية المغربية، فهذه الأحياء التي تعج بالفقر والبطالة والمنحرفين والمجرمين وما لم يقله، كل بالحركات السياسية اليسارية واليمينية غير معترف بها رسميا..هي بمثابة الغول الذي يحذر إيقاظه، وهنا بيت القصيد.
لفهم أبعاد ومرامي هذا الرأي، علينا أولا الرجوع لبعض محطات حركة 20 فبراير واحتكاكاتها المتدرجة والمتنامية مع الشارع المغربي : في بدايتها اتهمت بخدمة أهداف أجنبية اسبانية وجزائرية وانفصالية، و بقدرة قادر تحولت، بعد خطاب الملك ألاستباقي يوم 9 مارس الماضي، لحركة يطلب ودها جميع من نعتوها بأبشع النعوت ،فسمح لبعض شبابها بولوج قلاع الإعلام الرسمي للتعبير عن آرائهم، ثم ما لبثت أن تحولت في نظر البعض لمطية للإسلاميين واليساريين المتشددين ... كلما تشبثت الحركة بمطالبها التأسيسية واستمرت في نضالها، تبدلت المواقف وتغيرت اللهجة إزائها. وهذه علامة بالفعل على أننا لسنا أمام حركة شبابية نخبوية محدودة، تكتفي بتنظيم وقفات المارتينغ الاحتجاجي التي لاتزعج السلطة بقدرما تزين وجها القبيح، بل نحن أمام حركة اجتماعية وطنية شاملة مستقلة، مؤطرة تنظيميا وسياسيا من وراء الطليعة الشبابية التي تقود أهم وأعظم عملية للمطالبة بالتغيير في تاريخ المغرب الحديث.
نلتمس العذر للسيد الصبار، ليس لكونه مكبلا بقيود دار المخزن، بل لأنه بات عاجزا عن فهم الدور التاريخي الذي تضطلع به حركة 20 فبراير بدعم من بعض الأحزاب والمنظمات والفعاليات الحرة أشخاصا أو جماعات. لا يستطيع أن يتجاوز ما هو مسموح به داخل المربع المخزني. بمعنى آخر، أن رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان رؤيته للأمور قد تغيرت ولا يمكنه أن يقيس الواقع إلا بالقوانين الجارية التي تقنن بشكل فضفاض وصارم مقولة " الحفظ على الأمن العام "من أجل خنق المجتمع والتحكم في أفعاله ردوده.
الأحياء الشعبية، وهي المكان الذي تتكدس فيه الغالبية العظمى من سكان المدن، خط أحمر ممنوع الاقتراب منه. و الصبار سيوقع نفسه في أكبرمهني يدفعنا للشك في ثقافته الحقوقية برمتها. فهذه الأحياء مرتع للمنحرفين. وبغض النظر عن التعميم ، هو وصف حاط من الكرامة الإنسانية، ومحمل بالنظرة القد حية والدونية . كثلة بشرية غير متحضرة وقاصرة. لا يمكن ن يصدر عنها الا ما هو شر وسيء، وما لا تحمد عقباه؟ هل نسي هذا المدافع عن حقوق الإنسان، أن الانحراف هو صناعة وإنتاج وتوزيع للدولة المخزنية بامتياز؟ الانحراف، الذي تستعمله الدولة لترهيب المواطنين وتزييف إرادتهم عبرا لسماح بإنزال المال الحرام من أجل التحكم في الخريطة السياسية وضبطها، له خصوصيته المغربية . الدول الديمقراطية لا تستغل هذه الظاهرة الكونية لبسط هيمنتها على مجتمعاتها، فمثل هذه سياسة لا نجدها سوى في الأنظمة الاستبدادية مثل المغرب.
إن المعارضة الحقيقية التي تصنع تاريخ مجتمعاتها هي التي تنطلق من الأحياء الشعبية. والتاريخ المغربي القريب مليء بالدروس. وعلى وجه التحديد دور الإضرابات العامة للمركزيات النقابية في تحريك القاع المجتمعي، فرغم محدودية مطالب النقابات وانحصارها في بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، كانت المواجهة المفتوحة بين الدولة والمجتمع محتومة.
حركة العشرين، أحدثت القطيعة مع الواقع الذي تكرس بعد إضراب 14 ديسمبر، فهي غير تابعة لنقابة أو حزب أو زعيم أو داعية، قوتها في استقلاليتها وفي هويتها المطلبية. مكنت سكان الأحياء الشعبية من استرجاع دورهم في النضال بعدما تخلت النخب عن الكفاح النقابي والمجتمعي. وفقدان الثقة في النخب السياسية التي تعاملهم كخزان انتخابي يؤمن ولوج عناصرها للبرلمان والحكومة والمراكز العليا للادارة. التحول الذي نعيش بدايته اليوم ، سيجعل من انتقال المواطنين من دائرة " الأغلبية الصامتة" إلى " الأغلبية الناطقة" عاملا حاسما في الصراع من أجل انتقال المغرب من دولة الرعايا إلى دولة المواطنين .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن


.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار


.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق




.. بانتظار رد حماس.. تصريحات إسرائيلية عن الهدنة في غزة