الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الغضب الثانية...دوافعها ونتائجها

زاهر زمان

2011 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك أن الفلاسفة والمفكرين والأدباء والمثقفين والاعلاميين ، هم طلائع التغيير فى مجتمعاتهم ، لأنهم هم الأكثر قدرة ً على تحليل الواقع الذى تعيشه مجتمعاتهم ، وفى نفس الوقت هم الأكثر وعياً وقدرةً على التنظير لما عليه الحاضر ، واستشراف مايجب أن يكون عليه المستقبل ، على ضوء ماهو متاح من قدرات وامكانات مجتمعية ذاتية ومايتداخل مع المرحلة من عوامل خارجية ، يساعد البعض منها فى دفع المسيرة المرجوة للمجتمع الى الأمام ، بينما يحاول البعض الآخر الانحراف بمسيرة الأمة والمجتمع الى دروب ومسالك تحيد بها عن تحقيق الأهداف المرجوة من أية حركة اصلاحية ، وربما اجهاضها وتشتيت جهود القائمين عليها ، إذا ماكانت تتعارض وطموحات بعض القوى الاقليمية والدولية فى تحقيق التواجد بشكل فعال يؤثر فى حركتها وتأثيرها على الأحداث والتوازنات .

وفى عالمنا المعاصر - وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط - لا يمكن لأية قوى طليعية تنويرية تنتمى لأىٍ من التيارات السياسية ، أن تبلور رؤية سياسية نقية دون أن يكون للماضى بتراثه والحاضر بتوازناته ، تأثير ما من قريب أو بعيد ، على تلك الرؤية االتنظيرية لما تكون عليه الأمور بالفعل ، ومايجب أن تكون عليه مستقبلاً . فمثلاً عندما نتطرق الى الرؤى التحليلية للقوى السياسية الطليعية التنويرية فى المجتمع المصرى خلال الثلاثين عاماً الماضية ، سنجد أنها جميعاً وعلى مابينها من تباين فى المواقف في ما يجب أن تسير عليه الأمور فى المجتمع المصرى ، قد وقفت كلها فى خندق واحد ، تقاتل معركتها ضد نظام حسنى مبارك لاسقاطه والوثوب على السلطة ، متبعة ً سياسة النفس الطويل ، الا أن كلاً من تلك القوى خاضت معركتها ضد النظام من منظورها الخاص بها ، وبالوسائل التى تعتقد أنها أكثر تأثيراً وفتكاً بالنظام ورموزه وأدواته . ففى الوقت الذى لعبت فيه التيارات والجماعات الدينية ( جماعات الاسلام السياسى ) ، مدعومة بتيارات وافدة سواء بتنسيق مباشر أو عفوى ، على أوتار الحلال والحرام ، وهى تشيع أن النظام قد فرط فى المصالح العليا للبلاد ، وأشاع فيها الفساد والفقر والجهل والخراب لأنه ورموزه تحلل دينياً ، نجد أن التيارات الليبرالية والاشتراكية والعلمانية ، ركزت على انحلال النظام وتحلله من التزاماته الحقيقية تجاه فئات المجتمع بأكمله ، واتهمته بصنع واتباع سياسات اقتصادية لصالح رموزه وأدواته وطبقة المتحالفين معه من رجال أعمال انتهازيين ، لايهمهم غير مصالحهم الذاتية . ومن الملفت للانتباه أن جميع القوى السياسية المناوئة لنظام حسنى مبارك ، اتخذت من القضية الفلسطينية والصراع الاسرائيلى - الفلسطينى بماله من حساسية وخصوصية عند المواطن العربى المسلم ، محوراً رئيسياً فى اظهار عجز النظام عن التعامل مع الأوضاع الاقليمية فى المنطقة لصالح الثقل السياسى المصرى . وسيظل هذا المحور بالذات هو المحك لطريقة تعامل تلك القوى السياسية على اختلاف رؤاها وتوجهاتها وأهدافها مع أى نظام سياسى سوف يتولى ادارة شئون الدولة المصرية مستقبلاً .

ولقد كان لثورة يوليو أثرها العميق فى تعبئة الرأى العام المصرى والعربى فى اتجاه تحرير الأراضى الفلسطينية ، عندما صعدت الثورة من مواقفها تجاه الغرب بوجه عام واسرائيل بوجه خاص ، وماذلك الا لسحب البساط من تحت أقدام جماعات الاسلام السياسى فى ذلك الحين ، والذى كان متمثلاً بصفة أساسية فى حركة الاخوان المسلمين ، التى كانت تدعمها المملكة العربية السعودية آنذاك ، بهدف الضغط على ثوار يوليو ، الذين اعتقد حكام المملكة أنهم كانوا يخططون لاسقاط النظام الملكى واحلال النظام الجمهورى بدلاً منه فى الأراضى السعودية . لقد نجح ثوار يوليو ومنظروا ثورتهم من أمثال محمد حسنين هيكل ، فى سحب البساط من تحت أقدام خصومهم السياسيين فى الداخل والخارج ، عندما تبنوا شعار تحرير فلسطين ، ولكنهم وللأسف لم يدركوا حينها أنهم أقحموا أنفسهم وتجربتهم الثورية ، فى أتون صراع الارادات بين الغرب والشرق ، الذى كان يهدف كلٌ منهما من ورائه الى تقليص نفوذ الآخر فى منطقة الشرق الأوسط ، وزيادة نفوذه على حساب الآخر . ذلك الصراع الذى حسمه الغرب لصالحه بانهيار الاتحاد السوفيتى وتبعثر كل مفرداته وأدواته ، وانفراد الغرب بمنطقة الشرق الأوسط دونما منازع ، ومع ذلك مازالت قوى الاسلام السياسى والقوميين والعروبيين وخاصةً داخل مصر ، تتبنى محور الصراع الاسرائيلى الفلسطينى كمدخل رئيسى لممارسة دورها السياسى فى منطقة الشرق الأوسط غير عابئةً بالمصالح العليا للمواطن المصرى ، الذى وصل الى حالة من التردى الاقتصادى والثقافى والاجتماعى والأخلاقى ، تسر العدو ولا تسر الحبيب !

والشىء العجيب فيما يطلقون عليه ثورة الغضب الثانية المقرر انطلاقها بعد صلاة ظهر جمعة اليوم 27 مايو 2011 هو أن غالبية الطلائع السياسية التى شاركت فى اسقاط نظام حسنى مبارك ، توافقت حول غالبية أهداف النزول الى ميدان التحرير ، باستثناء تيارات الاسلام السياسى وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين الذين يرون أن ثورة يناير مازالت فى أيد أمينة وأنها فى طريقها لتحقيق بقية أهدافها ، ولذلك قرروا عدم النزول الى الشارع ، وأياً كانت نواياهم أو مبرراتهم لعدم الخروج ، فامتناعهم خطوة ايجابية تصب فى مصلحة الشعب المصرى ، ولكل حادث حديث . لقد أدرك الاخوان المسلمون بحنكتهم السياسية أن القوى الأخرى المناوئة لهم ، تريد الخروج تحدياً للسلطة الحقيقية التى تدير البلاد بشكل فعلى وحقيقى فى تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر والممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف ! لقد استوعب الاخوان الدرس من صدامهم مع ثوار يوليو وماحاق بهم من نتائج مدمرة من جراء ذلك الصدام ، فتركوا الآخرين يقومون بذلك الدور ، وفى كل الأحوال سوف يغنم الاخوان مكاسب سياسية من وراء ذلك الموقف الذى اتخذوه ، لأنهم استطاعوا بخبرتهم السياسية أن يستلهموا نبض الشارع المصرى ، الذى يتوق الى الاستقرار وتحسين أحواله المعيشية والاقتصادية والأمنية ، بعدما عاناه طوال الفترة الماضية ومازال يعانيه حتى الآن ولعل أقربها أزمتا السولار وأنبوبة الغاز . وفى نفس الوقت فشلت القوى السياسية الأخرى الداعية الى ثورة الغضب الثانية فى استلهام نبض الشارع المصرى ، مما سوف يترتب عليه تقهقرهم قليلاً عن المشهد السياسى وبروز دور قوى الاسلام السياسى على حسابهم . ولا ألتمس عذراً لتلك القوى السياسية التى عجزت عن استلهام روح الشعب واعتمدت سياسة الصوت العالى ومحاولات الابتزاز السياسى ولى الذراع .

بقلم / زاهر زمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل