الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاعيّون منذ خمسة آلاف عام

فراس سعد

2004 / 11 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نحن مشاعيون منذ أكثر من خمسة آلاف سنة و القيم المشاعية الأجتماعية الأقتصادية ما زالت عندنا إلى اليوم , فالتبادل الزراعي أو المقايضة بالسلع دون بديل أو معادل نقدي و مشاعر الأخوّة و المحبة و البساطة و كره الظلم و محبة الخير و الدفاع عن المظلوم و التعاطف معه إضافة للضمير الحي , كلها قيم مشاعية شرقية ما زالت موجودة في الأرياف السورية و أرياف بلاد الشام و البلاد العربية عموما , البعيدة عن مؤثرات المدنيّة والمؤثرات الأعلامية السلوكية خصوصاً التي لم تتلوث بحضارة الرأسمالية الغربية , و سبب استمرار هذه القيم المشاعية يعود إلى فطريتها و أصالتها و قربها من نوازع الأنسان الأصلية لدرجة أن كل منظومة عقائدية معرفية اجتماعية جديدة سواء كانت سياسية أم تشريعية أم دينية لم تستطع النجاة من تأثيراتها العميقة , حتى أن الأديان الكبرى في الشرق العربي و الأديان الكبرى في الشرق الأقصى لم تكن سوى إعادة أنتاج لهذه القيم الأجتماعية الأقتصادية الثقافية وفق متطلبات المجتمع و المكان المتبدلين المختلفين .

الشيوعية الغربية لاسيما الماركسية – و هي دين الغرب في القرن العشرين – لم تكن سوى محاولة جديدة لأنتاج مشاعية غربية حديثة متمدّنة وفق ظروف أوروبا الغربية – رداً على الأنحطاط الأخلاقي الذي أصاب الغرب نتيجة الرأسمالية الغربية – و ليس غريباً أن هذه العقيدة المشاعية الأوروبية لم تنجح في إقامة نظامها السياسي الأقتصادي الأجتماعي في أوروبا الغربية الكاثوليكية المنقطعة عن الجذور المشاعية و إنما كان نجاحها الكبير في أوروبا الشرقية الأرثوذكسية المرتبطة بأشد الوشائج مع المشاعية الشرقية عبر أهم تجلياتها الروحية , نقصد بذلك المسيحية الشرقية , لكن العقيدة المشاعية الغربية – الماركسية تحديدا – حاولت عبر قراءة غير دقيقة للتاريخ و الحاضر الأوروبي حاولت صناعة مشاعيتها الخاصة انطلاقاً من العامل الأقتصادي و لو أنها انطلقت من العامل الأجتماعي الثقافي أو انطلاقاً من العامل السياسي إلى جانب العامل الأقتصادي لكانت أقرب إلى الواقع فالماركسية حاولت تبديل الأنسان و الواقع انطلاقا من العمل أو القيمة المادية بينما جوهر المشاعية الشرقية هو القيمة الروحية – ولو تساهلنا لقلنا القيمة المادية الروحية – فكل شيء يبدأ في النفس و الروح في المشاعية الشرقية بينما في الشيوعية أو المشاعية الغربية كل شيء يبدأ في اليد و الأشياء ( المادة ) . انها قراءة العقل الغربي لروحية الشرق و تاريخه و لواقع و حركة العالم والإنسان في العالم فليس الإقتصاد هو الذي يصنع الاخلاق أو العقل و لكن البيئة الطبيعية هي التي تحدد الشكل الاقتصادي , و الاقتصاد إضافة للشكل الإجتماعي و الاخلاقي الفكري ( لاسيما العقيدة ) هي التي تصنع النظام الاقتصادي السياسي , فالعقيدة الماركسية و إيمان الشيوعيين بهذه العقيدة هو الذي أقام و صنع الدولة السوفيتية و صنع بالتالي نظامها الاقتصادي – الاجتماعي السياسي دون أن نجهل طبعا أن الاقتصاد والاجتماع ( نوعية الاجتماع الانساني ) يؤثّران في تكوين الإنسان و أخلاقه لكن الإيمان العقائدي أيضا يصنع النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي ,إنها علاقة متبادلة فاعلية ( فاعلة – منفعلة ) فلولا وجود مجموعة من الناس آمنت بعقيدة سياقتصادية اجتماعية هي الماركسية الشيوعية لما كان بالأمكان إقامة دولة شيوعية و لما كان ممكناً تحديد نوعية نظامها الأقتصادي و السياسي .
الخطأ الأهم في نظرة الفكر السياسي الغربي – لاسيما الماركسي – إلى المشاعية الشرقية أنها حاولت قولبة النظرة المشاعية في نظام اقتصادي سياسي مصنّع عبر الشيوعية ( هذا خطأ ارتكبه أيضاً كل الذين حاولوا تأطير العروبة كفطرة ثقافية نفسية في إطار نظرية سياسية دعيت ب القومية العربية ) , فلا الشيوعية الغربية نجحت و لا القومية العربية نجحت , و بقيت المشاعية الشرقية الفطرية و كذلك العروبة لأنهما نظامان الأول اجتماعي نفسي و الثاني ثقافي نفسي بينما مقابلهما المصنّعان مقابلان عقليان سياسيان أوجدهما عقل سياسي تركيبي .
لابد أ ن نكون قد تعلمنا درساً مهماً من فشل الشيوعية الغربية و القومية العربية و هو أن القيم الروحية النفسية الأجتماعية لا يمكن اختصارها أو قوننتها في نظام تشريعي سياسي قيمي , القيم النابعة من الشعور و الفطرة لا يمكن شخصنتها و تقنينها في نظام وضعي فوقي , حتى الدولة الأسلامية سقطت حينما بالغت في تسييس و قوننة الأسلام لكن الأسلام بقي كنظام عقائدي اجتماعي روحي و نفسي , كذلك حدث مع الدويلات المسيحية التي سقطت و بقيت المسيحية كنظام روحي أخلاقي عظيم ,
إن مصير كل محاولة لتأطير و قوننة نظام فطري اجتماعي على شكل تشريعي سياسي مآله إلى السقوط لأنه يشكّل حالة زائدة عن حاجات البشر بل لأنه حالة معيقة للتطور البشري , فالعقل الأنساني مهما بلغت عبقريته يبقى أقل حكمة و عقلانية من الطبيعة البشرية المتفاعلة مع بيئتها و التي نتيجة التفاعل بين التحدي و الضرورة التي تفرضها من ناحية الطبيعة الخارجية و طبيعة البشري الداخلية ككائن بيولوجي و بين الأستجابة و التلاؤم الأنساني من ناحية ثانية تصل إلى حالة التعايش و التلاؤم الكامل و تستنبط القوانين الأساسية للسلوك و التفكير و الحفاظ على الوجود بأفضل نتيجة ممكنة بحيث يتحول الأنسان إلى جزء من الطبيعة الخارجية و كل تطور ينشأ في سلوكه أو معاشه أو أفكاره و اعتقاده ليس سوى نتيجة تفاعله و تلاؤمه مع تطور و تبدّل مظاهر الطبيعة الخارجية يعقبها تطور في فطرته . فالإنسان القديم ليس سوى صورة للطبيعة و جزء منها و لم يصل إلى مرحلة التأثير فيها تأثيرا تخريبيا إلا بسبب الأطماع الناتجة عن تراكم رأس المال و الأحتكارات الضخمة التي كان من نتائجها تخريب الطبيعة الداخلية للأنسان أولا ثم استعباد الأنسان ثم تخريب الطبيعة نفسها .
الطبيعة الأصلية للأنسان – الفطرة – أصح من قوانين العقل التي تصنعها غريزة الجشع و القسوة , الفطرة الأنسانية أصح على الدوام لأنها مجموع الذرّات الواعية الباطنية للبشرية- إذا جاز التعبير - و بهذا فهي تشكّل الوعي البشري الفطري المتصل مع وعي الطبيعة الباطن و في وهمنا أو اعتقادنا لا يوجد أي فاصل ما بين باطن الطبيعة أو وعيها الباطني – إذا جاز التعبير – و بين الوعي الباطني البشري , هذا يقودنا إلى الأعتراف بأن العقل الجمعي البشري أكثر صوابا و عدلاً من عقول الأفراد و بالتالي فنظام الطبيعة في تجليه المشاعي الشرقي أكثر منطقية و واقعية و عدالة و تعبيرا عن و تمثيلاً للأنسان من الأنظمة الأجتماعية الأقتصادية السياسية التي يبتدعها الأفراد مهما كانت درجة عبقريتهم باستثناء النظريات و العقائد المبتكرة تحت تأثير الأتصال بين الوعي الباطن للأنسان و الوعي الباطن للطبيعة اللذين هما وعي و نبض واحد , لذلك بالضبط سقطت كل الأنظمة الأجتماعية الأقتصادية السياسية التي حاولت قطع العلاقة مع فطرية و أصالة الأنسان و لم تفهم سلوك الطبيعة و الأنسان و حاولت مصادرة الطبيعة الخارجية و الطبيعة الأنسانية نفسها باتجاه التلاعب بها و قوننتها انطلاقاً من أفكار واهمة و ناقصة في كل الحالات , أفكار قسرية , كالنظام السوفيتي و كل الأنظمة الشوفينية و الديكتاتورية سواء كانت علمانية أم قومية متعصبة أم اسلاموية أم مسيحانية ....

كاتب سوري
1999 م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة