الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوباما ونتنياهو .. اختلاف في الشكل وتطابق في الجوهر

نجيب الخنيزي

2011 / 5 / 28
القضية الفلسطينية


القي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 19 مايو من الشهر الجاري خطابا في مقر وزارة الخارجية الأمريكية ، يتمحور حول السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط ، في ضوء التغييرات الثورية العاصفة والسريعة التي تجتاح عموم المنطقة العربية . ومن الواضح بأن السياسة الأمريكية التقليدية يسودها الارتباك الشديد في التعامل مع المعطيات والوقائع الجديدة في العالم العربي ، و التي أخذت الإدارة الأمريكية الحالية ومعها الأجهزة الأمنية والمخابراتية ومراكز الأبحاث على حين غرة . وفي محاولة لتغيير الصورة النمطية لدى الشعوب العربية إزاء السياسة الأمريكية في المنطقة ، و التي تعتبر معادية لمصالحها على طول الخط ، باعتبارها تنطلق من الحفاظ على المصالح الأمريكية الإستراتيجية ، ومصالح إسرائيل في المقام الأول ، مما جعلها تتحالف مع أنظم حكم ديكتاتورية وفاسدة وتوفير كل الدعم والحماية لإسرائيل وسياساتها العدوانية إزاء الشعب الفلسطيني والعرب عموما ، وذلك على حساب مصالح وتطلعات وأماني شعوب المنطقة . لقد حرص أوباما في خطابه الأخير على إظهار تعاطف الولايات المتحدة مع تطلعات شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية ، وتمثل ذلك في إشادته بثورتي تونس ومصر وإسقاط رأسي النظام فيهما ، مبينا بأنه سيلحق بهما زعماء عرب آخرون إذا لم يبادروا من تلقاء أنفسهم بانتهاج طريق الإصلاح حيث ذكر " أن الشرق الأوسط شهد على مدى الشهور الستة الماضية تغيرات استثنائية .. ارتقت للمطالبة بحقوقها السياسية, مشددا على أن "مستقبل أميركا مرتبط بهذه المنطقة". وقال "الشعوب في الشرق الأوسط أخذت زمام أمورها" مشيرا إلى أن السلطة هناك تتركز في أيدي عدد قليل للغاية من الأفراد. وفي إطار حديثه عن دعم الثورات العربية, قال أوباما إن الأولوية القصوى للولايات المتحدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي تعزيز الإصلاح وإنها ستعارض استخدام العنف والقمع ضد المحتجين. واعتبر أن السياسة الأميركية بالمنطقة "تواجه فرصة تاريخية لإظهار أن أميركا تثمن كرامة بائع متجول في تونس أكثر من القوة الغاشمة لدكتاتور". وذلك في إشارة إلى الشاب التونسي محمد بوزيد الذي احرق نفسه احتجاجا على مصادرة عربته وصفعه من قبل شرطية ، وكان ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت الثورة في تونس وانتقل صداها القوي إلى بلدان عربية أخرى . أعلن أوباما في خطابه أنه ينبغي للولايات المتحدة في الشهور القادمة أن تستخدم كل مواردها لتشجيع الإصلاح بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما قال إن واشنطن ستساعد الحكومتين الديمقراطيتين الجديدتين بمصر وتونس على استعادة الأموال المسروقة. كما كشف عن تخصيص ملياري دولار كمساعدة لمصر ومبالغ أخرى لتونس ، وفي مسعى للتمايز مع إدارة جورج بوش السابقة في فرض الديمقراطية عن طريق القوة العسكرية ومن خلال مشاريع ثبت فشلها الذريع على غرار مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ، شدد أوباما على دعم محفزات للديمقراطية في العالم العربي بالاتفاق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي. . وحول الوضع في ليبيا, ذكر بأن " الوقت ليس في صالح القذافي وسيرحل في النهاية". كما تطرق الرئيس الأميركي في خطابه إلى الوضع بسوريا, بقوله "على الرئيس بشار الأسد أن يقود التحول في بلده أو يتنحى جانبا". كما اعتبر أن على سوريا أن تبدأ حوارا جادا للنهوض بالتحول الديمقراطي "وإلا فسيصبح الأسد معزولا" ، ومعتبرا "النظام الإيراني منافق لأنه يتحدث عن دعم المظاهرات في الخارج بينما يقمع المتظاهرين بالداخل". وفيما يتعلق باليمن, رأى أوباما أنه "لا بد للرئيس اليمني أن ينقل السلطة ويفي بالتزامه". وتحدث عن البحرين , حيث ندد بالقمع ، ودعا زعماء البحرين لتهيئة الظروف للحوار مع المعارضة. واتهم إيران بمحاولة استغلال الاضطرابات بالبحرين. نستشف في خطاب أوباما استمرار وجود المعايير المزدوجة لدى الإدارة الأمريكية في التعامل مع الحالات الثورية والانتفاضات والاحتجاجات العربية المتماثلة أو المتشابهة في طبيعتها وقوامها وأهدافها المعلنة ، ففي حين أدان أوباما بقوة ووضوح نظامي ليبيا وسوريا ، وانتهاكاتهما الجسيمة وممارساتهما القمعية والدموية إزاء شعبيهما ، جاء حديثه بالمقارنة ناعما ومواربا إزاء اليمن والبحرين ، وهذا لا يلغ وجود تقدم في الموقف الأمريكي على هذا الصعيد استجابة لضغوط ومطالبات الهيئات والمنظمات الحقوقية الدولية والمحلية . تحدث أوباما بشكل عام عن الانتهاكات لحقوق الإنسان ، و عن الحاجة الى الإصلاح في العالم العربي غير انه لم يسم أو يحدد تلك الحالات أو الدول المعنية وهي في غالبيتها حليفة للولايات المتحدة الأمريكية . هذا الخطاب يعكس مدى القلق وعدم اليقين لدى الإدارة الأمريكية إزاء مآلات التغيرات الراديكالية الحاصلة في المنطقة ، وهو مسعى لتطويق أي نتائج سلبية قد تضر بمصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية الضخمة في المنطقة العربية على المدى البعيد في اقل التقادير . حين انتقل أوباما للحديث عن القضية الفلسطينية ذكر بأنه يؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 إلى جانب دولة إسرائيل مع الأخذ بعين الاعتبار التغييرات الديمغرافية الجديدة على الأرض. مما أثار حفيظة إسرائيل والمنظمات الصهيونية وغالبية مجلسي النواب والشيوخ التي اعترضت بقوة على تصريحه ، مع أن حديثه إزاء الموضوع الفلسطيني في مجمله لم يخرج عن الرؤية الإسرائيلية فيما يتعلق بتحذيره السلطة الفلسطينية من مغبة طرح إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم ، ورفض للمصالحة الفلسطينية مع وجود حركة حماس التي وصفها بالإرهابية ، كما تجاهل التطرق إلى موضوع القدس و المستوطنات وغيرها من قضايا الحل النهائي . الاعتراضات الإسرائيلية القوية دفعته إلى التصريح في خطابه اللاحق في 22 من شهر مايو الجاري أمام اللجنة الأميركية لشؤون إسرائيل العامة (أيباك ) بأنه أسيء تفسير خطابه حيث كان المقصود في خطابه ان الدولة الفلسطينية ستكون داخل حدود 1967 وليس على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967، وهو ما يتضمن مبادلة أراضي الكتل الاستيطانية الصهيونية الكبرى بأراضي أخرى ، كما هاجم إيران في ما يتعلق بتطوير منشئاتها ومشاريعها النووية . رئيس الوزراء الإسرائيلي مع أنه امتدح الخطاب التوضيحي للرئيس الأميركي، وقال إنه مصرّ على العمل مع أوباما على إيجاد سبل لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. غير أنه في المقابل عمل على إحراجه وإدارته حيث أعلنت إسرائيل عشية سفره إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي على خطة لبناء 1500 وحدة سكنية في القدس الشرقية وفي رد غير مباشر على تصريحات الرئيس أوباما كرر نتنياهو مواقف إسرائيل في خطابه أمام (أيباك ) ثم في خطابه أمام أعضاء مجلس الكونغرس الأمريكي ، والذي حضره نائب الرئيس الأمريكي بايدن و الذي تحظى فيه إسرائيل واللوبي الصهيوني بنفوذ قوى ، حيث كرر تننياهو مواقفه المعروفة وسط تصفيق حار ومتكرر من قبل الأعضاء ، وبما يفوق ما يمكن أن يحصل عليه في الكنيست الإسرائيلي . طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقبول بإسرائيل دولة يهودية، مؤكدا بأن القدس ستبقى العاصمة الموحدة لإسرائيل، وأن قضية اللاجئين الفلسطينيين يجب أن تحل خارج حدود إسرائيل. كما طالبه بتمزيق اتفاقه مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي اعتبر أنها ليست شريكا في السلام، مشيرا إلى أن إسرائيل ستكون أول من يعترف بالدولة الفلسطينية المقبلة التي قال إنها يجب أن تكون منزوعة السلاح. وجدد رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه حول رؤيته للسلام رفضه العودة إلى حدود 1967 بدعوى أنه لا يمكن الدفاع عنها، كما اعتبر أن المحاولة الفلسطينية لفرض تسوية من خلال الأمم المتحدة لن تجلب السلام ودعا إلى معارضتها بقوة. بدوره سعى نتنياهو لتملق الثورات العربية ، غير أنه أشار بغطرسة ووقاحة متناسيا التاريخ الحافل لجرائم إسرائيل منذ قيامها وحتى الوقت الحاضر بقوله إسرائيل " ليست مثل بقية دول الشرق الأوسط إنها مكرمة المنطقة"، مضيفا "لسنا بحاجة لقوات أميركية لأن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها" ، كما حذر من خطر إيران حيث اعتبر أنه في حال حصولها على السلاح النووي فسيكون ذلك بمثابة كابوس على المنطقة والعالم بأسره. الترحيب الحار والتصفيق والوقوف المتكرر لأعضاء الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ ، أثناء خطاب نتنياهو ، ناهيك عن ممالئة الرؤساء الأمريكيين و الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل ،وغض النظر عن جرائمها الوحشية وعدوانها المستمر إزاء الفلسطينيين والعرب ، لا تعكس عمق التحالف الإستراتيجي بينهما فقط ، بل تعبر عن مدى تغلغل النفوذ الصهيوني في المفاصل السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي يحتاجها مرشح الكونغرس أو مرشح الرئاسة الأمريكية على حد سواء ، خصوصا وأن الانتخابات الرئاسية والنيابية الأمريكية المقبلة باتت على الأبواب . غير ان مسار التطورات على الصعيدين الفلسطيني والعربي أعاد من جديد للمسألة الفلسطينية اعتبارها ووهجها باعتبارها قضية مركزية لدى الشعوب العربية. بالتأكيد فأن إسرائيل وحماتها سيواجهان أياما عصيبة في القادم من الأيام ،مع استعادة شعوب المنطقة لمفاهيم وقيم الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة ، وقبل كل شيء استعادة الوعي والإرادة الفولاذية الجماعية نحو التغيير الجذري ،والتي لن تستطيع أي قوة على الأرض قهرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة