الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات في السكان والتنمية

هاشم نعمة

2004 / 11 / 5
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


يحضى موضوع السكان والتنمية باهتمام متزايد من قبل الباحثين والدارسين في الدول المتقدمة والنامية ويتم التركيز على إيجاد آليات لدمج السكان في عملية التنمية الاجتماعية –الاقتصادية لتفادي بروز مؤشرات الخلل في هذه العلاقة . والعراق مقبل على عملية إعادة أعمار وتنمية يفترض أن تشكلا منعطفا مهما في تاريخه بعد عقود من تسلط الأنظمة الاستبدادية التي أعاقت أي تنمية جادة ومتوازنة . وإثارة بعض الملاحظات هنا ربما تكون ذات جدوى في هذا السياق .

بسبب تعقد عملية تخطيط التنمية فأن الأمر الذي لا مفر منه هو أن تدخل العوامل الديمغرافية في هذه العملية أما بشكل صريح أو ضمني . ومن أجل الاندماج الكامل بين المكونين يجب أن يكون هناك وضوح فيما يخص الاعتبارات المادية للسكان في خطط التنمية والعمل من أجل اتساق وتعزيز المكونات ذات التأثير المتبادل في الأهداف ووسائل العمل في كل من السياسة الاجتماعية – الاقتصادية والسكانية .

وقد حددت الأمم المتحدة الاندماج بأنه " يشمل إدخال العوامل السكانية بشكل نظامي في عملية التخطيط لأنها تؤثر وتتأثر بشكل كبير بالمتغيرات الأخرى المتعلقة بخطط التنمية "

وبينت تجارب الكثير من الدول النامية بأن النجاح في صياغة سياسة سكانية من الصعب إنجازه في دول تواجه مشاكل كبيرة في مسار التنمية . وتستطيع المساعدات الدولية المالية والتقنية أن تساعد في إنجاز هذه المهمة بدرجة كبيرة لكن تبقى الظروف الاقتصادية الملائمة على المستوى الوطني هي الحاسمة في نهاية الأمر .

تقر الكثير من الدول النامية بأن التوزيع المكاني لسكانها غير مرضٍ ومنها العراق وبأن تركز السكان في المدن الكبيرة ( أكثر من مليوني نسمة ) يمكن أن ينعكس سلبا على التنمية . على أية حال المشاكل المسببة لتركز السكان في المدن الكبيرة يمكن التغلب عليها في مجرى عملية التنمية الاجتماعية -الاقتصادية إذا كانت تسير في الاتجاه السليم .

ففي العراق هناك اتجاه صاعد ومستمر في نسبة سكان المدن الكبيرة من مجموع السكان الحضر إذ ارتفعت من 34% في عام 1947 إلى 58% في عام 1965 ونتوقع أن هذه النسبة بقيت مرتفعة في التعدادات السكانية اللاحقة في 1977 و1987 و1997 . أما الأصناف الأخرى للمدن فقد سجلت انخفاضا في نسبتها . وتعزى هيمنة المدن الكبيرة وبالأخص بغداد إلى النقص في تكامل التنمية الاجتماعية -الاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي وإلى غياب المشاريع الصناعية والإنتاجية في المناطق الريفية مما حفز الهجرة الريفية نحوها خصوصا بغداد . ونتيجة هذا التركز استحوذت بغداد على الجزء الأكبر من العاملين في المشاريع الصناعية إذ بلغت نسبتها 54% في حين بلغت نسبة البصرة 8,5% وبابل 7,4% ونينوى 6,8% وذي قار 0,8% والقادسية والنجف 0,6% لكل منهما . ويفرز تركز السكان في المدن الكبيرة وتوسعها العشوائي العديد من المشكلات التي بات يصعب حلها كلما زادت وتيرة التركز وتنعكس هذه في خلق المعوقات الجدية أمام عملية التنمية الاجتماعية –الاقتصادية .


هناك أهمية كبير ة للربط بين العوامل السكانية والتخطيط الحكومي للإنفاق حيث لوحظ بأن الكثير من أنماط الإنفاق تعتمد جزئيا على الأقل على التغيرات السكانية . فعلى سبيل المثال لو أردنا المحافظة على مستوى ثابت من الخدمات فان الإنفاق الحكومي على التعليم سوف يتغير بقوة ارتباطا بالتغيرات التي تحدث في حجم السكان الذين هم في عمر المدرسة . بينما النفقات الأخرى مثل تلك التي تخص حماية المواطنين والممتلكات ربما نسبيا لا تتأثر بسرعة بالتغيرات السكانية .

خطط التنمية يجب أن تأخذ في الاعتبار توزيع تكاليف ومنافع التنمية على مختلف فئات السكان مع تجنيب الفئات الفقيرة ما يرهق كاهلها . فمثلا سياسات التغيير البنوية للاقتصاد التي نُفذت من قبل الكثير من دول أمريكا اللاتينية أضعفت بشكل جدي جهودها لتقليل مستوى الفقر .وكانت تأثيرات الفقر قد انعكست في انخفاض مستويات التغذية والتعليم والمشاركة في القوى العاملة . هذه العوامل ذات التأثير الكبير يجب أن لا تهُمل من قبل مخططي التنمية .

لقد حدث تحول دراماتيكي في كثير من الدول من الاقتصاد ذي التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق . وفي عدد من هذه الدول يمكن القول أن الطرق السابقة في تخطيط القوى العاملة لم تعد ضرورية واستقراء الماضي يبين أنها كانت ذات قيمة قليلة . وهناك متغيرات هامة تؤثر في حجم ووضعية القوى العاملة منها :

- زيادة تأثير الهجرة الخارجة الوقتية والدائمة حيث أن الكثير من المهاجرين يتمتعون بتعليم عالٍ وهم من أصحاب الكفاءات العلمية وهجرتهم تعني خسارة كبيرة في الرأسمال البشري . وهذا ينطبق على العراق حيث تصاعد تيار الهجرة بالأخص وسط هذه الفئة بعد مجيء نظام البعث للسلطة في انقلاب 1968 ففي دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عام 1974 قدر أن 50% من حملة الشهادات الجامعية الأولى ( البكالوريوس ) في العلوم الهندسية و90% من حملة شهادة الدكتوراه هم خارج العراق . وقد اعترفت أوساط النظام المنهار في عام 1999 بأن عدد الأكاديميين وأصحاب الكفاءات العلمية الذين تركوا العراق وأقاموا في الخارج زاد على 23000 .
- الاتجاهات الديمغرافية الجديدة التي تؤثر في حجم القوى العاملة . ففي الماضي القريب وفي عدد من الدول أرتفع معدل الوفيات وسط القوى العاملة وقد نتج جزء من ذلك من التلوث الحضري والصناعي الشديد . غير أن إعادة بنية الصناعة والبرامج النشطة لمكافحة التلوث يمكن أن تؤدي إلى عكس هذا الاتجاه . وهذا يعني أنه سوف تكون هناك ملايين إضافية من الأحياء ضمن هذه القوى . ومن جانب آخر فأن محددات سلوك الخصوبة السكانية ( الإنجاب ) سوف تؤدي إلى انخفاض معدلها حتى في الدول النامية ومنها العراق وهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار في تخطيط القوى العاملة .

أخيرا التوقعات السكانية تزودنا بمعلومات هامة حول التغيرات التي تحدث في معدل الإعالة لصغار وكبار السن وتأثير ذلك على السكان العاملين حيث تم الإقرار بأن ذلك يعد مسألة رئيسية اقتصادية وسياسية . ففي الدول الصناعية انخفاض معدل الوفيات ومتوسط عدد أفراد العائلة يعني ضمنا بأن الحجم النسبي للشباب وللسكان العاملين سينخفض وفي الوقت نفسه سيزداد عدد المتقاعدين وهذه التغيرات تكون لها تأثيرات كبيرة على البنية السكانية . وفي العراق يفترض أن توضع توقعات سكانية متوسطة وطويلة المدى كي تدعم نجاح عملية التنمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتهاء الاجتماع الثلاثي بالقاهرة.. و-شرط- لتشغيل معبر رفح| #


.. بعد محاولة حظره.. ترامب ينضم إلى «تيك توك»




.. هيئة البث الإسرائيلية: نتنياهو أبلغ شركاءه في تحالفه أن احتم


.. شرطي أمريكي يعلّق دبوسًا لعلم إسرائيل أثناء تفريقه مسيرة مؤي




.. البطاقة الزرقاء تفضح ازدواجية معايير أوروبا.. ما القصة؟