الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار

أحمد كاظم سعدون

2011 / 5 / 29
الادب والفن


كأننا هو
الشاعر ، صدقه وعزلاته .





س‌. تتردد قصائدك المختارة في ديوان (اقول ويقولون) بين محورين أساسيين يتوزعان
هموم القصيدة :
محور تتمثله نزعة علائية – ابي العلاء المعري- بذهولك وشقاء الانسان فيك في- من الوجود
ومحور آخر يتمثل بنواسية –ابي نؤاس-عميقة؛ قصائد خمرية مشعّة ،لايكون مركزها العالم او الشاعر
انما كأس النبيذ والخلوة؛فكأنما الخمرة هنا تعمل على تطهيرك من ثقل وجود لم تختره
فكيف تفسِّر لنا هذا التوزُّع ؟

ج- وهل فينا ، عزيزي أحمد ، من لم يذهل أو يشقى ؟ حولوا حياتنا الى احتضار مديد ، اين منه
احتضار رقدة الموت ! صوت ابي العلاء يزداد راهنية وحضورا ، اليوم ، اكثر من اي وقت مضى ؛ فالشيخ
طرح على الحياة والعالم اسئلة محرجة ، طرحها بهمس شديد حمّله كل توهجات شاعريته العبقرية المتأملة .
ربما هو الشاعر العربي الوحيد القادر على مخاطبة الانسان فينا في كل زمان ومكان . لا أقرأ الشيخ ( متى توقفت
عن ذلك ! ) الا خاشعاً ، ضعفه الانساني ، رقته ، حيرته الاسيانة ، عزلته ، والاهم من ذلك كله ، هو انه اعاد
للشعر كرامته المفقودة في عالم الفكر ، عبر ترجله الواثق عن ظهر مطية الاغراض الشعرية التي حملت
الشعراء قبله وبعده الى ابواب السلاطين والمترفين . ان شعره اشد راهنية من شعرنا جميعا .
اما عن ابي نواس ، فأنّى لخمرتي بلوغ كرامة وجمال خمرته ؟ خمرة الشيخ ، اسطورية ، صخابة ، سلسلتها الحضارة
والنعيم ، واعتصرتها له شياطين كانت محبوسة في قماقم من عهد عاد ، شياطين اطلقها جمال
وجرأة الحضارة في زمانه . هذا الصبي الابدي ، الفارسي ، العربي ، العباسي ، حين اقرأ خمرياته وغزلياته
أصاب بالدوار من الجمال ، فأنى لخمرتي ، أنا الخائف ، المذعور ! للشيخ ندامى من صفوة الظرفاء في النادي ،
وأنا اقصى مُناي خمرة في شرفة اسمنتية من منزل في مدينة غريبة ! نعم ، أنا مفرط ، مثله ، ولكنه افراط الاعزل المتجهم .



س. أحيانا تكون القصيدة لديك مكوبسة ،شريرة بفعل سوء نيَّة من لدنَّ الكون –الاله:
كان قمر الكآبة المجدور
يتدلى من فم الليل
بحبل غليظ....
( قرابين قرآنهم)
واحيانا اخرى تتبدى الطبيعة (ببحرها وطيرها ومطرها، شجرها وحيوانها ونداها)؛
فردوسا وأمَّاً رحيمة؛ فكلاكما يواسي ويُطمئن الآخر؛
فهل يجد الشاعر فيك تعويضا ما في الطبيعة؟
هل هي خيبة أمل الشاعر في دنيا البشر؟
أهو هروب ما؟

ج – نحن ، ابناء المدن الحديثة الملوثة ، الغارقة في وحول السياسة والرياضة والمال ، لا نحب الطبيعة
طائعين ، وانما تدفعنا الى ذلك ، دفعا عنيفا ، خيبات وصدمات . انا أحسد الطبيعة ، أحسد الحيوان والطير فيها ، كما
كان بودلير يحسد الجماد على عدم حساسيته ! فيها أجد عزاء وسلوى من نوع – ما ، فهي كريمة مع من يظهرون
لها الحب ، كريمة مع الهاربين اليها من قسوة العالم . وجدت فيها ، واجد ، رحما كبيرا ، أتقلب ، كآدم الاول ، فيه .
لا ينفصل حبي لها ، عن حبي الكبير ، الآخر ، للموسيقا الجادة ، تُرى ، ما مدى ارتباط
الاثنين ببعض ؟ ، ولكني ، منذ وقوعي النهائي في هوى الاثنين ، قللت من سماع الاغاني ، وتوقفت نهائيا عن مشاهدة
التلفاز ، ما عدت أطيق الثرثرة والتفاهة الحديثتين ، نزهت حواسي من دنس تافه عاهر ، مترع ٍبسموم تافهة ، هي
الأخرى ؛ هجمة شعواء يشنها العالم على حواسنا ومخيلاتنا لمدة 24 ساعة في اليوم ! تزامن وقوعي في هوى الاثنين
مع ارتدادي ، ارتدادا مباركا ، الى الانغماس في قراءة كتب التراث ، مع التقليل ما أمكن من قراءة الشعر الحديث ، والمترجم
منه خاصة . هل اسميت ارتمائي في احضان الطبيعة ، هربا ؟! لا ... لا ، انه ليس كذلك الاّ في جانب منه ؛ هو رفض ،
ايضا ، لتفاهات قوادة اسمها امريكا ، في ماخور اطلق عليه البعض تسمية ( دولة اسرائيل !!! ) ، نزوع مبارك من ( اندي
وارهول ) الى مونيه والواسطي ، من ( ستيفن سبيلبرغ ) الى ( ابي حيان ) ؛ من اساطير التفاهة الامريكية
الى شوبرت وابي العلاء واسخيلوس . أغرقتنا هذه الامبراطوية المراهقة والسافلة اخلاقياً بالنفايات !
امريكا بالنسبة لي تعني برلسكوني الديوث ، وهيفا وهبي ، والطائفية ، وتوني بلير ، ومايكل جاكسون ، وصخب
وتفاهة موسيقى الراب والهب – هوب وكرة السلة والملاكمة الحرة وخراب وتدمير العراق . ما ان سقط الاتحاد السوفيتي
وانفردت القوادة الصهيونية – امريكا - بالعالم ، حتى غطت سماء البشر نُذرُ وأبخرة الرؤى القيامية الدينية العفنة . امريكا هي القاعدة
وسجن ابي غريب ، ايضا . لن يهدأ العالم وامريكا في مقدمته ، لن يهدأ ، ايضا ، ما دامت انظمة العهر الديني قائمة
في السعودية وايران واسرائيل ، أدول ام شياطين ؟ خربوا العراق تماما ، خربوه وأذلوه ، بالطائفية ومجازرها الشنيعة ، وما
الطائفية الا وجه من أشد وجوه العدمية قبحا .

س.أتذكر قصيدتك (سيدي عذراً)، والتي ضمها الديوان، وفيها كنت قد تنبأت
بزوال وانقراض سلطة الديكتاتور صدّام- كان ذلك في العام 1998- كيف حدثت القصيدة
، في واقع كل ما فيه كان يؤكد على مدى سطوة وابدية نظام باق مهما كان الثمن؟

ج – احمد الله ان ادونيس لم يكتب هذه القصيدة ، وألا لاقام الدنيا وأقعدها ،! وطبل له ، وغنى ، مُبخروه !
. ليس في الأمر نبؤة ، عزيزي أحمد ، ولكن ، للامل كرامة ، ايضا ، كنت
شاهدا على بلوغ النظام اقصى درجات القرقوشية الدموية ، دعني ، أذكرك ، بقصيدة أخرى اهديتها لكما ، أنت وعدي رشيد ،
عن قهقهات أمريكا في شارع الرشيد ، كتبتها في سنة 1996 ، الامور ، كانت ، واضحة أمامي . لم أتنبأ بشيء - لستُ
أعمى !!! نعم ... الكلمة تسبق الفعل ، هذا ما تأكدت منه عبر تجربة الكتابة . بعض الشعراء كتبوا ، في سني شبابهم الاول ، قصائد تخيلوا فيها مشهد احتضارهم ، هل كانوا يعون ان ما كتبوه سيحدث بحذافيره ؟ نحن ، احيانا ، وفي لحظات شديدة
البراءة ، وخالية من كل غرض مسبق ، نكتب احداثا ستقع ! اهو نوع من حدس شعري ؟ نعم هو كذلك ، اما حديث النبؤات
فأفضل طرحه جانبا ، لما يحمله من شحنة دينية ، هي اقرب الى الخرافة ، منها الى اي شيىء آخر .


س.إستوقفتني قصيدتك(تسعينيون) كثيرا،فهي –برأيي- شهادة شعرية تضم اعترافا ومناجاة صادقة لجيل شعري رأى النور في تسعينيات القرن الماضي، ولمَّا تتبدى او تتضح ملامحه حتى الآن؛هل كنت بكتابتك تلك القصيدة ترثي جيلاً ولد ميتاً؟

ج – هذا ما كنت اراه ، حينذاك ، اي في تسعينيات القرن المنصرم ، والذي ، مؤداه : ان جيلنا سيىء الحظ على نحو مؤسف .
انهارت الدولة ، بعد حرب تحرير الكويت ، على ما كان يُفترض به ان يكون سنوات الصبا الاول ، والتكوين الثقافي .
كنا حائرين بكيفية النجاة بجلودنا من أتون محرقة لا تريد ان تهدأ . هل كنا فئرانا ؛ أسؤال ، هذا ، ام غصة ؟ بل قل ، ان
شئت ، عنه ، أنه غصة في كيان كل كائن منفي .
بيد ان بعض من اشجع ابناء جيلي غادروا الشعر ، الى فضاءات تعبيرية أخرى ؛ هذا دليل ، مفرح ، على حيوية
واثقة من خياراتها .


س‌. هل هناك من ثمة وقت معيَّن لكتابة القصيدة؟

ج - اكتب ليل نهار ، في المقهى والحانة والسرير والعمل والقيام والقعود والقطار والطائرة ! أجبرت على ذلك ، بفعل
نمط حياتي غير المستقر ، أستبدل غرفة رثة ، بأخرى لا تقل عنها رثاثة ، كل 3 أشهر ، لأسباب غامضة بالنسبة لي !
لا يستقر المنفي او المغترب الا بالزواج ، وأنا عازب ، فكرة الزواج تُصيبني بالرعب ! الجأ الى حجج علائية كلما تعلق
الامر بالزواج ! هذه الحجج لا تُقنع المتزوجين من اصدقائي او أفراد عائلتي . في المحصلة النهائية ، أنا لا اهتم
لشيىء قدر اهتمامي لفعل الكتابة . عزائي الوحيد ، هو ، كتابة نص جيد .


س. ما علاقة الشاعر بالتراث ؟

ج – انت لا تستطيع الاتيان بجديد ، ان لم تكن على علاقة جيدة بالقديم . وأنا يُسحرني القديم ، ويُسكرني ، حتى
انثني طربا ! جل قراءاتي تراثية ، وحين اقرأ للمحدثين من امثالي ، اضع شرطا لمواصلة القراءة ، ان يكون الكاتب
مُلما بأسرار لغته ، والا طرحت الكتاب جانبا . ايقود طائرة عابرة للمحيطات ، من لا يجرؤ على قيادة دراجة هوائية !
من نحن امام ( الف ليلة وليلة ) و ( ملحمة كلكامش ) ؟ اخجل بلغتي حين اقرأ لطه حسين وايليا حاوي والجاحظ .


س. ما رأيك بالشعر الذي يكتب الآن؟

ج – نحن في حيص بيص ، ولكني أعتقد ان موجات الشواعر والشعراء الهيفاء –
وهبيين ، على وشك الزوال مع المد الثوري العربي . سيستعيد الانسان العربي وجهه الحقيقي الثقافي والمؤثر
تاريخيا ، وهل رافعة هذا التطلع الكبير ، عربيا ، الا اللغة ؟ ستستعيد المراكز المؤثرة ، تاريخيا ، القها الثقافي المشع ، وستنحسر موجات الانحطاط الثقافي البترودولاري . هيمنة الثلاثي القذر امريكا – السعودية – اسرائيل ، الى زوال ، انا
واثق مما اقول . اسرائيل تراقب الوضع الثقافي العربي جيدا ! وهي فرحة بأمثال فاروق حسني وعدي صدام حسين
وسيف الاسلام القذافي ، وكل مدراء الثقافة العربية ، اليوم ! الامم المنحطة لا تُنجب امثال ام كلثوم وناظم الغزالي
والسياب وفيروز ونجيب محفوط وعلي الوردي . ونحن ، اليوم ، امة منحطة ، حقا ، وهذا ما يُفرح اسرائيل .
تحيا الثورات العربية ، فهي السبيل الحقيقي لاستعادة وجهنا العربي المشرق .
اخطاء شعرنا في الوقت الحاضر خطيرة ، أنها آفات ، اشاعها البعض من الشعراء الكبار !!!
من لا يهيؤون لكل مبهمة عصية الا حشوا رثا من رميم الكلام ،
تخيل ! شعراء لا يجيدون الكتابة في
موضوع ! بل مجرد انثيال لغوي على الورق ! نص له بداية ( ذهنية طبعا ) ، وليس له نهاية ! وكيف تتأتى النهاية
بلا موضوع – ما ، في القصيدة ؟ ولكنهم ماهرون في الحديث عن الفتك باللغة وتفجيرها ! ماهرون في الحديث
عن الرؤيا !!! ماهرون في ( تصفيط ) سقط متاع الهذيان !!


س. منذ أكثر من عقدين ونحن نسمع عن من يطبِّل للتفريق بين شعر يكتب في الداخل وآخر يكتب في الخارج
فكيف ترى الى هكذا دعاوى؟

ج – سأطرح عليك مثلا ساطعا : لا غنى لنا عن كتب نقدية كتبها ستيني غادر العراق منذ اكثر من 35 عاما ، هو
فوزي كريم . لا غنى لنا عن تجربة روائية ، صاحبها روائي اكتوى بأتون تجربة الحرب العراقية – الايرانية ، هو
جنان جاسم حلاوي . هل نحن في غنى عن تجربة اعظم شعراء العالم الاحياء ... سعدي يوسف ؟ تُرى ، ما حجم خسارتنا
ان نحن طرحنا نثر وترجمات وشعر عبد الكريم كاصد، جانبا ؟ ماذا عن رسامينا الكبار كجبر علوان ورافع الناصري
وضياء العزاوي وصبيح كاش وفيصل لعيبي ؟ اتحدث عن اسماء كبيرة نضجت تجاربها في الخارج . كتبت
قصيدتي ( الذبائح ) وانا خارج العراق ، في كندا ، وهي ، بشهادة كثيرين ، من جيد المكتوب عن الاقتتال الطائفي في العراق ، برغم اني لم اشهد فصوله ! هل انا مطالب بحذفها ، لاني كتبتها في الخارج ؟!!!! ماذا عن رسوم جبر علوان الاخيرة ، الكامدة
الالوان ، عن فصول الاقتتال الطائفي في العراق ، وهو ، كما تعلم ، من كبار الملونين والفنانين في العالم . ماذا عن لوحة ( جسر الأئمة ) لصبيح كلش ؟ هل نرميها في نهر دجلة لان الفنان أبدعها في الخارج ؟ ادعوا جهابذة القائلين بهذه الفتنة الثقافية
التافهة ، الى التجمع في ساحة – ما ، من ساحات بغداد ، وحرق كل ما ابدعته قرائح الفنانين والادباء والمفكرين في الخارج !!!


س‌. ماذا قدَّمت الغربة للشاعر معتز رشدي؟

ج - لم أخترها ولكني مجبر ، لكي أظل انسانا وكاتبا ، على التأقلم معها . عقوبة ، هي ، ودمع حفر مجراه
في خدي ، فلا زوال له ، الى أن اموت . يشعر المنفي ( او الغريب لئلا يزعل علينا سدنة ادباء الداخل ) ، بلعنة
ميتافيزيقية ؛ كأن مجمع آلهة عُقد ، على عجل ، لتخريب حياته ! فهو يحمل ، في أعماقه ، اجمل ما في بلاده ، واشجاه !
كأني به آخر حراس روحها المندثر ! انه القادم دوما ، من عالم غريب ، الى عالمه الاول ، بدمع في العروق ! قادم من
حلم ، راحلٌ في واقع ، وحائر بينهما ، كأنه ، هو ، نفسه بلحمه ودمه ، وشخص آخر سواه ، تماما ! التائه بين عتبة بيت
مغلق ، وقبر ٍ مفتوح ! النادم على ما لم يرتكبه . هو ، نوح - على حد تعبيرك من اثناء حوار لي معك - لا يُجيد
السباحة !!! محكوم بفردوس ضائع . ولكنها – الغربة – قدمت لي الكثير ايضا ، لغة جديدة ، علاقات مختلفة ، حرية
جسدية ، قراءات ، موسيقا ، سينما ، عزلة مُثمرة ، وأنا ، رغم المي منها ، ممتن لها ، ممتن ليدها الكريمة .
والاهم من ذلك كله ، هو ، معرفتي ببلادي ؛ اذ اكتشفت مدى ما تعرض له الانسان العراقي ؛ انه مغدور من الاخرين ، غادر
لنفسه ، آفة الانسان العراقي ، اليوم ، هي ، انه يرفض الواقع ، كما هو عليه ، باطلاق ؛ معرفة ان الاخرين اذكياء مثلة ، واشداء
مثله ، وذوي كرامة مثله ، وتاريخ ... ، مبعث حرج وجرح نرجسيين بالنسبة له ، وآية ذلك ، انه ، يحاول اعطاء الاخرين
تصورا عن نفسه ، ذاتها ، مع تجاهل ان الآخر قد يكون شديد الذكاء ، اي انه قد يرى العكس ، تماما ! ان اقصى ما يتعرض
له الانسان ، هو ، انعدام الصلة بالواقع ، عبر ترويجه لتصورات نرجسية عن ذاته ، لا محل لها من الواقع ! هذا يقوده ، قودا
لا هوادة فيه ، الى ارتكاب فعل النميمة ، بشكل مخجل ومخز ، انه يرى ما ينطوي عليه الاخر من مثالب مضحكة ، ولكن ، ماذا
عنه ، هو ، نفسه ؟ لم ، هو ، غير متسامح الى هذا الحد ؟ من يعتقد نفسه ، هذا اللطام الابدي ؟ هذا يُشير ، اشارة لا
لبس فيها ، الى انعدام صفة التواضع ، يشير ، ايضا ، الى انعدام البعد السياسي في التعامل مع الواقع ، بما هو فضاء يتكون
من افعال ، او ردود افعال فردية ، اولا ، ومبنية على ضرورة توخي الصالح العام . يُشير الى انتفاء البعد السياسي من الذات !
كبوات العراقيين ، هنا ، وهي كبوات انسانية ، مما يتعرض له كل انسان آخر ، لا تتخذ الا صفة الفضيحة ، ودويها ! تُرى ، ما السبب ؟ الفضيحة ، والدوي ، هنا ، هما من صنع المحيطين بك ، حصرا ! التقي ، صدفة ، بعراقيين ، لا يودون التحدث الي
بالعربية ! لا الومهم ؛ لانهم وجدوا من الغريب رحمة ، وتفهماً لضعفهم كبشر في زمن صعب ، شائك ، وملتبس . العراق ، بلد
طارد لاجمل ما فيه . نحلم ، على حد تعبير الكبير فوزي كريم ، بعراق متواضع . مهد حضارات ام مقبرة جماعية ؟
كتب حمزة الحسن ، ذات يوم ، مقالة شديدة الطرافة عن العراقي الذي يتلفت من حوله بلا سبب ! اتذكر قصة رواها لي صديق
عراقي بعد كأسي خمر ، ومؤداها : انه ذهب ذات يوم للتبول على ضفة نهر في العاصمة اليونانية أثينا ، وما ان اخرج .... ، حتى طلع عليه نمر من بين دغل ! قال لي – صرخنا ببعض ! ثم سكت ، حائرا ، غير قادر ، هو نفسه ، على ايجاد
تخريجة مقنعة لملحمته الاغريقية المؤثرة ! سألته – هل صارعته ؟ اجابني بحدة – هل تتوقع من السومري ان يهرب !!!
بعد ايام روى لي القصة نفسها ، مع اختلاف بسيط ومؤثر ، اذ بدلا من نمر ، اخرج لي من خرج خياله السومري العراقي ،
ضبعا ، هذه المرة !!! بعدها بايام ، كنا ، سائرين الى حانة مجاورة ، في شارع من شوارع تورنتو ، ليلا ، فدفعني ، فجأة ،
ارضا ، وارتمى ، هو ، ايضا ، صرخت به – هاي شبيك تخبلت ! فأجابني ، مرتعدا – المخابرات الكندية ارسلت ، للتو ، هليكوبترا لمراقبتي !!! لا انسى ، ايضا ، ما حييت ، وجه رجل عراقي ، اندفع ، من الخارج ، الى ردهة الانتظار ، في
مستشفى كندي ، معولا : شفت صدام في الشارع ، يا يمه ويا بويه ، شفت صدام في الشارع !!! أأضحك ام ابكي على ما جرى
لابناء شعبي ؟ كانت قد مضت على عملية شنق الطاغية السفاح 3 اعوام ! ربما كان صدام الذي شاهده الرجل ، هو الضبع ، نفسه ، الذي صارعه صاحبنا على ضفة النهر في اثينا !!!
رحم الله ايام سومر !!!!


س. شعراء ، كتّاب، فنانون أثروا في حياتك وقصيدتك؟
ج - كثيرون ، كثيرون ، يا احمد . ابدأ بمن وانتهي بمن ! والبصريون منهم على رأس القائمة : السياب ، محمد خضير ، عبد
الكريم كاصد ، سعدي يوسف والبريكان ، يا للبصرة من روح كريم ، يا للبصرة الخالدة ،
اعيد قراءة القرآن والف ليلة وليلة ونهج البلاغة بين الحين والآخر ، أثر في
كثيرا فوزي كريم وبول كلي والسينما الايطالية وبيلا بارتوك وباخ وبتهوفن وباغانيني وفان كوخ . احببت شعر فارس حرام
ومحمد غازي الاخرس وطالب عبد العزيز ورعد عبد القادر وزاهر الجيزاني وعبد الزهرة زكي ، اثر في كثيرا ، واذهل روحي ،
الراحل الكبيربسام حجار ، شاعر كبير ، حقا ، حداثة نصه ، في عيون قصائده ، لا تُجارى . اما مؤخرا فقد اكتشفت شاعرا
كبيرا آخر هو ياسين طه حافظ ، أعيد قراءة بعض نصوصه ، بمتعة روحية بالغة ، فنصوصه ، برغم واقعيتها الجارحة ،
أشبه ببساط سحري يطير بك ، عبر وشي ايقاعه ، الى اعماقك .
اما الشاعر عبد الكريم كاصد ، فلم يبخل علي بملاحظاته السديدة
حول عديد من نصوصي ، تعلمت منه ، وأن لم التقه ، الى يوم
الناس هذا ، الا عن طريق ابتكار عصرنا العظيم – الانترنت - ، فن
ملاحظة ما يشوب جوهر الشعر من شوائب ، بعد الانتهاء من كتابة
النص ، فهو القائل لي : يقول الشاعر ما يريد قوله اثناء كتابة نصه ، ويقول
الشعر ما يريد قوله اثناء عملية التنقيح . قاعدة ذهبية حقا ، انصح الجميع
بالأخذ بها ، والتعلم في ضوئها . وهو القائل لي ، ايضا ، : آفة شعرنا ، اليوم ، خلو
القصيدة من الموضوع ! لان وجود هذا الاخير ، يقي القصيدة خطر الانزلاق الى
هاوية الهذيان العقيم ، اي سكب مفردات القاموس على الورق بلا حساب ! قصيدة
بلا موضوع – والكلام له - ، هذا ما لم اشهده ، انا قارىء الشعر ومترجمه بلغتين
غربيتين ، غير لغتي العربية ، الا في شعرنا العربي !!!
فلئن كنتُ جنبتُ نفسي في غير نص لي ، مطباً – ما ، من مطبات شعرنا العربي ، تجنبا
بفعل ذائقتي الشعرية الواقعية وحدها ، فان ملاحظاته المذهلة في دقتها ، الصائبة ، والمرتكزة
على عقود طويلة من ممارسة الشعر نقدا وترجمة وكتابة ، قد اكسبتني معرفة واثقة ، من
نفسها ، بسبل تجنب هذه الآفات المدمرة . فشكري له موصول ، وامتناني دائم .
المؤثرات لا تُحصى ، ولن ؛ الفن المكسيكي القديم ، مثلا ، اقصد فنون الازتيك ، صدمتني ، تماما ، بسحرها
الخارق ، واحسب ان البشرية لم تستعد هذا البهاء – ما دمنا نتحدث عن الصورة – الا مع فنيّ بول كلي وفردريكو فلليني .


س - من الموسيقيين تحب ؟

ج – باخ ، اولا ، رحمانينوف ، فرانز لست ، بيتهوفن – اعيد سماع رباعياته دائماً - ، باغانيني ، لم اتعاطف
كثيرا مع برامز ، جايكوفسكي احياناً ، وبيلا بارتوك دائما ، شوبرت ظل غريبا عني ، فيردي وجوستاف مالر الخخ
لاحظت اني اتحدث ، الآن ، انا الفنان المتواضع ، عن آلهة ، لا ينبغي الكلام عنهم بهذه العجالة الواثقة من نفسها !


س – كيف تولد القصيد لديك ؟

ج – أكتب كل يوم قصيدة او قصيدتين ، قبل ايام كتبت ستا في يوم واحد ! الالهام ، هو ، في حقيقته ، متعة
الشاعر اثناء الكتابة . صحيح ... لا أكتب لنفسي ، فقط ، ولكني ، أنشد متعة روحي اولاً . أجد الشعر في
كل ما حولي ؛ غصن شجرة في ساقية ، عقب لفافة في بركة ماء ، ماكينة خياطة ، باخرة ، ثعلب الخخخ
يكتب الشاعر ، بعفوية ، حين يكتشف سحر البساطة ، وهي ستصبح آسرة ، اذا توفرت على عمق ؛ الشعر
بالنسبة لي نوع من محبة دائمة للحياة ، فأنا ، رغم سخطي وانزعاجي احيانا ، ممتن لنعمتين مقدستين ، هما
الحياة والفن .


س- ولكن البساطة شبه معدومة في شعرنا اليوم !

ج – قرأت حواراً لشاعر – ما ، قال فيه ، ما مؤداه : لا أكتب للبشر الفانين ! قذائف شعره مصوبة – باحكام
ساذج ، بالطبع – الى الابدية ! وكأن الأخيرة ابنة عم له ، ساهرة بانتظاره في خيمة مجاورة لخيمته !


س – أتقصد سيناً – ما ، من الناس عبد الرزاق عبد الواحد ، مثلا ؟

ج – لا ، اي ( س ) من الناس ، هو اذكى من ان يقول ذلك ، هذا لا يخفي عنا الحقيقة التالية ، وهي : ان عبد الرزاق
هو الرجل الاشد نحافةً وقماءة في الكون . والقماءة ، لمن لا يعلم ، في لغة أهل العراق ، هي من خصائص الطنطل ، وهذا
الاخير ، هو : مسخ شيطاني قزم ، له عُنق طويلة ، تبلغ عنان السماء ! روى لي غير سائق من سائقي سيارات
الأجرة ، وراكبيها ، على الطريق الموصلة بين بغداد – العمارة ، انهم صادفوا رجلاً بسيط الهيئة ، رثها ، طيبها ، في
ليالي الطريق المظلمة ، وانه استدرجهم ، بعد هنيهات من صعوده السيارة ، الى الحديث عن تجارب سابقة لهم مع
صاحبنا ( الطنطل ) ، وما ان ذكروا له غرابة اطواره المسخية ، وعجائب رجليه – حافريه – الممسوخين ....
حتى قطع الرجل الطيب حديث المحسنين اليه من سواق الاجرة ، وبصوت مُنكر ، غير صوته الذي اعتادوه
منه ، بسؤال : أكلك رجلين صاحبنا مثل رجلي !!! مُظهرا لاهلنا الطيبين من سواق السيارات قدميه السخليتين!!
والسؤال الكبير ، هو : اذا افترضنا صحة نظرية ( داروين ) حول تحدر الانسان من القرد ! ألا
يحق لنا ، حين ننظر الى عبد الرزاق وممدوحه صدام حسين ، التساؤل ، الخطير ، حول أصل القرد نفسه ؟!
هذا ، هو ، رعاك الله ، خُلق عبد الرزاق عبد الواحد مع أهل العراق في ليالي المقاومة البعثية الحالكة !!




يتبع.

هذا هوالجزء الاول من حوار مع الشاعر معتز رشدي بمناسبة صدور مجموعته ( أقول ويقولون)
وهي مختارات شعرية تغطي تجربته الممتدة من العراق مروراً بالأردن وحتى منفاه حيث يقيم الآن في كندا
ضمت المجموعة 66 قصيدة في اكثر من 120 صفحة ، امتد تاريخها من العام 1996 وحتى نهايات العام 2010 .

حوار أجراه أحمد كاظم سعدون





كأننا هو


شقته في الطابق الأخير ، نافذته مفتوحة
المدينة في الأسفل بيضاء ... بيضاء
يسكنها الناجون من أوطانهم
سماواته ، منذ الولادة ، تنهار فيه
وهل صراخه الاّ الدويّ من جراء ذلك ؟
كيف له أن يتماسك
هو المقيم في لوعة أحشاؤها النازحون ؟
أبحبل وسواه ؟
التائه بين الفاظه
وأنه ليرتجف الآن من شدّة القر والحر
بحجَّة أنه يكتب
أين بلاده ؟ بلاده أين ؟
أهواره ومشاحيفه ؟
النائم ، مدَّة عمره ، بين ينابيعنا المتحجرات ،
فالمستيقظ في كل آن
والرمح في فمه ليتذكَّر حروبنا المقبلة
تلك المعدَّ للهزائم
الى أين يسافر ؟
أين يقيم ؟
من تراه يكون ؟
كأنه نحن ؟
وكأننا هو :
هو الذي يبيض شعره في ليلة عاره
هو العذراء التي ينتفخ بطنها فجأة في باحة الدار
أو يبقر في اليوم التالي
هو الجارية المذبوحة وسيدها في السرير
هو الفلسطيني تحت أنقاض داره
هو الفارس المبتلى بالطواحين
هو القتلى في حلبجة ، آذار ، وجنين
المدينة في الأسفل بيضاء ... بيضاء
يسكنها النازحون .



معتز رشدي
تورنتو 2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا