الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفاق امبريالي وازدواجية معايير في خطاب أوباما

عليان عليان

2011 / 5 / 29
الارشيف الماركسي


من استمع إلى خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في وزارة الخارجية الأميركية، في التاسع عشر من شهر أيار الجاري، والذي أعلن فيه عن استراتيجية واشنطن،حيال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك خطابه التالي أمام اللجنة الأميركية – الاسرائيلية" إيباك"، يكتشف بدون كبير عناء أن الإدارة الأميركية باقية، على انحيازها المطلق (لاسرائيل) من جهة وتسعى لاحتواء مفاعيل الثورات العربية، من جهة أخرى.
فعلى صعيد القضية الفلسطينية، يمكننا الجزم بأن المناكفات التي افتعلها نتنياهو، في رده على خطابي اوباما بشأن حدود 1967، تأتي في سياق مسرحي ومبرمج، لا تغير من واقع الانحياز الأميركي السافر لاسرائيل، وأن اوباما – جرياً على عادته- جاهز للتكيف مع طروحات تنياهو، حيث بات معروفاً لمختلف ألوان الطيف السياسي الاسرائيلي، بأن مناكفات واحتجاجات نتنياهو لا تعدو كونها تكتيكات لاغراض داخلية خاصة وان مضمون ما طرحه اوباما، يحقق بشكل شبه كامل مطالب حكومة العدو الصهيوني.
فأوباما أسقط في خطابه الأول، أهم قضيتين في الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، ألا وهما القدس واللاجئين، هذا(أولاً) (وثانياً) ساوى في تحمل المسؤولية،ما بين الجانب الإسرائيلي الذي رفض وقف الإستيطان لمدة شهرين فقط ، وما بين الجانب الفلسطيني، الذي ربط العودة للمفاوضات بوقف الاستيطان، وتجاهل أوباما عن عمد حقيقة أن السلطة الفلسطينية عملت- ويا للأسف- على وقف المقاومة وفقاً لخطة خارطة الطريق، ولمقتضيات التنسيق الأمني في حين لم يلتزم الكيان الصهيوني، بما هو مطلوب منه بشأن وقف الاستيطان.
وثالثا: لبى أوباما عملياً مطلب حكومة العدو بعدم العودة الى حدود 1967، من خلال حديثه عن تبادل الأراضي وعن مراعاة الوضع الديمغرافي القائم ممثلاً بالكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، التي ستكون محور الطرح الصهيو – أميركي في قضية تبادل الأراضي.
ورابعاً: أنه اعلن بصراحة لا تنقصها الوقاحة " انه أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية على الأرض، عن طريق الأمم المتحدة متجاهلاً حقيقة ان اسرائيل اكتسبت شرعية وجودها الباطل عامي 1947، و1948، من خلال الأمم المتحدة، بعد أن استخدمت واشنطن كافة أساليب الرشوة والوعيد والتهديد بحق العديد من الدول لتمرير قرار التقسيم، ومتجاهلاً أيضاً أن هذه الادارة توظف الأمم المتحدة، لاتخاذ قرارات تخدم مصالحها وتخدم حملاتها الاستعمارية المتكررة، وتعمل على إلغاء دور الأمم المتحدة إذا كان هذا الدور يتعارض مع مصالحها ومع مصالح (سرائيل).
وبالإضافة الى رفضه أن يكون للأمم المتحدة دور في إقامة الدولة الفلسطينية، أعلن اوباما أنه لا يمكنه فرض حل الدولتين على اسرائيل، بما يعني أنه مستمر في نهج إخضاع الدولة الفلسطينية بحدودها وتفاصيلها العديدة، للمفاوضات وكمحصلة لمعادلة موازين القوى، بعيداً عن أية مرجعية للأمم المتحدة،ناهيك أنه طرح ولأول مرة الإنسحاب التدريجي للإحتلال من الضفة الغربية، وربط اكمال انسحاب قوات الإحتلال بضمان أمن اسرائيل، بما يتيح لحكومة العدو إطالة امد الإنسحاب إذا ما حصل، وفقاً للتقدير الذي تحدده لمدى التزام الجانب الفلسطيني بتحقيق أمنها.
خامساً: لم يندد ولو بعبارة واحدة باستمرار الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، ولم يندد في خطابه الثاني باعلان حكومة العدو خلال إلقائه خطابه الأول في وزارة الخارجية الأميركية عن بناء 1500 وحدة استيطانية في مستوطنتي بسغات زئيف وجبل أبو غنيم في القدس، بل كافأ حكومة العدو على غطرستها، بإعلانه عن كامل الدعم الإقتصادي والتسليحي (لاسرائيل)، تحت مبرر العلاقات الاستراتيجية والحضارة المشتركة للطرفين.
وباختصار شديد فإن أوباما أعاد صياغة وعد بوش لشارون عام 2004، بلغته الخاصة في قضايا القدس واللاجئين والحدود، وتفوق على بوش عبر تأكيده المستمر على يهودية دولة (اسرائيل)، بما يعني مصادرته المسبقة على حق عودة اللاجئين، ووضع عرب 1948 لقمة سائغة في فم سياسة الترانسفير.
أما الشق الآخر والرئيسي في خطابه المتعلق بالثورات العربية في كل من تونس ومصر وغيرهما، وكيله المديح لها ولتوجهاتها الديمقراطية، فإنه يكشف (أولا) عن ازدواجية فاقعة للمعايير إذ أنه في الوقت الذي يدافع شكلاً عن حق الشعوب في الديمقراطية وتقرير المصير، نراه عملياً يقدم كافة أشكال الدعم للإحتلال الاسرائيلي وللإستيطان، وللعدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، ويكشف( ثانياً) عن نفاق امبريالي مكشوف ورخيص، لا سيما انه كان ومن سبقوه قد قدموا كل الدعم لنظام الطاغية بن علي، ونظام الطاغية حسني مبارك، رغم ادراكهم من واقع سيل المعلومات التي تبثها السفارات الأميركية على مدار الساعة، بأنهما نظامان ديكتاتوريان فاسدان ومستبدان.
فأوباما يسعى جاهداً الى المصادرة على مستقبل الثورة المصرية، على امل احتواء مفاعيلها المستقبلية وتداعياتها فالثورة بديمقراطيتها الواعدة، بإطار نظام برلماني رئاسي ستقود الى تكريس السيادة الحقيقية، والفكاك من إسار التبعية للولايات المتحدة وللمشيئة الاسرائيلية، وإعادة الإعتبار لجغرافية الأمن القومي لمصر،حيث تشكل فلسطين وقضيتها حالة خاصة في هذه الجغرافيا، وهذه الأهداف هي بالضد من مصالح واشنطن في المنطقة، وبالضد من مصالح الكيان الصهيوني.
الإدارة الأميركية رغم حرصها المزعوم على الديمقراطية وتأليفها قصائد الشعر المنافقة في ميدان التحرير لا تريد للثورة المصرية أن تحقق الأهداف سالفة الذكر، ومن هنا جاء الكرم الأميركي بإعلان أوباما عن خطة لمساعدة مصر اقتصادياً من خلال إعفائها من ديون بقيمة مليار دولار، ومنحها ضمانات قروض بقيمة مليار دولار أخرى، إضافة إلى العمل من أجل انشاء صناديق استثمار في كل من تونس ومصر، حتى لا تكون الديمقراطيات الوليدة مثقلة بالديون- على حد زعمه في خطابه.
وتسعى الإدارة الأميركية من خلال هذا الدعم غير البريء الى تشويه وجه الثورة المصرية، وكذلك توفير سبل الإسناد للقوى الإجتماعية القديمة والليبرالية الطارئة التي شاركت نسبياً في الثورة من منظورها الخاص، والتي لا تجد غضاضة في الإبقاء على حالة التبعية، وكذلك الإبقاء على معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، على المدى الإستراتيجي.
كما أن دعم واشنطن لتونس الثورة يستهدف أيضاً حصر نتائج الثورة في حدود ضيقة لا تؤثر على مصالح واشنطن في تونس و في شمال افريقيا، خاصة وأن أزلام الثورة المضادة لا يزالون يختبئون في ثنايا الحكم، ولم يقدم أحد منهم للمساءلة أو المحاكمة.
لقد استفادت واشنطن مبكراً، من درس الثورتين التونسية والمصرية اللتين لم تكونا في دائرة توقعات اجهزتها الإستخبارية، فعملت على استثمار مازق الثورة الليبية الناجم عن استخدام الطاغية القذافي كتائبه الأمنية لقمع الثورة السلمية وعملت على دعمها عسكرياً وسياسياً، بهدف حصر الثورة في سياق معين بعد التخلص من نظام القذافي، مع الإبقاء على درجة كبيرة من الإرتهان للغرب، حتى لا تشكل ليبيا حلقة وصل بين عربات قطار الثورة في شمال أفريقيا.
كما أنه في إطار الإستفادة من دروس الثورتين المصرية والتونسية، عملت إدارة أوباما على توفير سبل الدعم والإسناد السياسي والعسكري لحليفها التابع "نظام علي صالح الفاسد والمستبد في اليمن"، حتى تمكنه من إدارة الازمة مع الثوار ومع أحزاب اللقاء المشترك، عبر المبادرة الخليجية في نسخهها المتعددة- والتي تقف واشنطن ورائها-، بحيث لا تحقق الثورة اهدافها الجذرية، التي قد تؤثر في المدى الاستراتيجي على مجمل النسق السياسي القائم، في الجزيرة العربية والخليج وعلى مصالح اميركا، في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
ولا يمكن لأحد أن يصدق مزاعم الادارة الأميركية بشأن دعم الديمقراطية في الدول العربية،لأنها تدرك أن الديمقراطية تقود الى السيادة الحقيقية والإنعتاق من التبعية، وتقود الى اعادة الإعتبار للقضية الفلسينية، بوصفها القضية المركزية للأمة العربية.
وإذا كانت الادارة الأميركية، حريصة فعلاً على الديمقراطية فلماذا لا تحرك ساكناً حيال نظم الاستبداد النفطية الحليفة لها ؟ ولماذا سكتت على قمع الثورة في البحرين؟ واكتفت بالدعوة الشكلية للحوار فيها بين السلط والمعارضة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-


.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و