الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور رفيق حبيب بين «الشريعة» الإسلامية و«الحضارة» الإسلامية

هانى جرجس عياد

2011 / 5 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


من حق الدكتور رفيق حبيب أن ينضم للحزب أو التنظيم الذى يتوافق مع قناعاته ورؤاه السياسية، ولا أتفق مع مسيحيين كثر عبروا عن استيائهم أو عدم ارتياحهم لاختيار الدكتور حبيب، فالرجل له مطلق الحق، مثل كل مواطن مصرى، فى الانحياز إلى جانب ما يقتنع به وما يرتضيه ضميره، لكن ليس من حق الدكتور رفيق حبيب أن يخلط بين «الحضارة الإسلامية» و«الشريعة الإسلامية»، وليس من حقه أن يختزل مشكلة الجماعة فى الصورة التى تراها «الجماعة المسيحية».
فى حواره الممتد على صفحة كاملة فى جريدة «المصرى اليوم» يوم 30 مايو 2011، لا يشير د. رفيق حبيب ولو مرة واحد إلى «الشريعة الإسلامية» باعتبارها مرجعية حزب الحرية والعدالة، بل يؤكد أكثر من مرة أن المرجعية هى «الحضارة» الإسلامية، وهو يعرف تماما الفارق النوعى الشاسع بين «الحضارة» و«الشريعة».
لا خلاف على أن الحضارة الإسلامية هى مكون رئيسى من مكونات الشخصية المصرية، حتى وإن لم يشر د. حبيب إلى المكونات الأخرى للشخصية المصرية، لكن المشكلة تكمن فى «الشريعة» ليس رفضا لها ولا خلافا عليها، فتلك قضية عقيدية تخص المسلمين، ولها الاحترام الواجب لكل العقائد الدينية، لكن المشكلة تبدأ عندما يحاول الإخوان وحزبهم فرض شريعتهم على مجتمع متعدد الأديان. ثم يضفون غلى المشكلو مزيدا من التعقيد عندما يغلقون باب مناقشتها باعتبارهم يحتكرون وحدهم دون غيرهم حق تفسيرها كما يشاؤون، الشريعة شأن دينى طالما بقيت فى المجال الدينى الخاص، أما إذا خرجت إلى المجال العام للتطبيق فى صورة قوانين مجتمعية، فإنها تصبح قضية عامة.
وعندما يصل الحديث إلى نقطة الشريعة، التى يقفز عليها الدكتور حبيب، نجد أنفسنا أمام مشكلة مزدوجة، وجهها الأول يجسده السؤال عن ماهية هذه الشريعة؟ فالمعروف أنه لا يوجد كتاب متفق عليه اسمه «الشريعة الإسلامية» والجدل بشأن مبادئ الشريعة ومقاصدها لا يقدم ولا يؤخر شيئا، ولا يفك شفرة الإحالة إلى مجهول اسمه «الشريعة»، التى مازال الاختلاف بشأنها محتدما بين الفرق الإسلامية المختلفة، بل حتى داخل الفريق الواحد، وليست مشكلة المصريين -مسيحيون ومسلمون على السواء- أن غالبيتهم لا تعرف من الشريعة سوى الحدود، فتلك هى الصورة التى قدمها الإسلاميون على اختلاف رؤاهم وتفسيراتهم، ولم يقل لنا أى منهم أن طلب العلم «ولو فى الصين» يجب أن يكون جزءا من الشريعة، لأنهم ما زالوا فى سباقهم المحموم من أجل تكفير الغرب، وكل ما يأتى به من علوم، وبينها العلوم السياسية التى تناولت قضايا العلمانية والديمقراطية، مع استثناء علوم التكنولوجيا والاتصالات من الستالايت إلى الأنترنت مرورا بالموبايل، التى لم تطلها شبهة التكفير.
أما الوجه الثانى للمشكلة المزدوجة التى تواجهنا عند الإحالة إلى الشريعة، وليس الحضارة، هو كيف تتعامل الدولة «المدنية ذات المرجعية الإسلامية» مع مواطنيها غير المسلمين؟ هل تفرض عليهم قسرا أحكام شريعة الإسلام فى المواريث وقطع الأيدى، مثلا؟ أم هل ستعتمد هذه الدولة قانونا خاصا بالسرقة للمسلمين وأخر لغير المسلمين؟، وفى أى من الحالتين، هل يمكن الحديث عن دولة من أصله، مدنية أو غير مدنية؟
ثمة سؤال ثقيل يلاحقنى، ولا أستطيع الهروب منه، هل لتلك الأسباب تجنب الدكتور رفيق حبيب الإشارة إلى «الشريعة الإسلامية» ولجأ إلى مصطلح «الحضارة الإسلامية».
ثم أن طرح مشكلة الإخوان والجماعات الإسلامية على العموم باعتبارها محصورة فقط بين هذه الجماعات من جانب، و«الجماعة المسيحية» من جانب أخر، هو اختزال مخل، وتسطيح لا يليق بمفكر فى حجم الدكتور رفيق حبيب.
هذا الاختزال يحيل المشكلة إلى مشكلة دينية، وهى ليست كذلك على الإطلاق، فرغم عوامل التوتر الدينى الموجودة فى المجتمع، إلا أنه لا يمكن القول، تعميما، إن الجماعة المسيحية ترفض الجماعات الإسلامية لمجرد أنهم مسلمون، أو أن الجماعة المسلمة ترفض المسيحيين لسبب دينى.
ثم أن هذا الاختزال يتجاهل أن دائرة رفض الجماعات الإسلامية، أو حتى التحفظ عليها، أوسع كثيرا من دائرة «الجماعة المسيحية»، وليت الدكتور رفيق كان مشاركا فى مظاهرات 27 مايو ليشاهد آلاف المسلمين يهتفون «الميدان مليان مليان باليسار مش بالإخوان»، هذا إن لم يكن –حقا- يعرف كم هى متسعة دائرة القلق من الجماعات الإسلامية، ورفضها أو التحفظ عليها، فى المجتمع المصرى.
وهذه المخاوف ليست مبنية على «تصورات وهواجس» -على حد تعبير الدكتور حبيب- من نسج خيال «الجماعة المسيحية»، فتطور خطاب جماعة الإخوان، خلال الشهور الأربعة الماضية، منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع حتى الآن، هو نموذج حى لا يجوز تجاهله وإلقاء الاتهام على هذه «تصورات وهواجس»، ولكم فى خطاب عصام العريان وصبحى صالح مثالا، ثم أن قطع أذن مواطن مصرى مسيحى، وحصار الكاتدرائية وحرق كنائس صول وإمبابة، لم تكن فيلما هنديا معروضا فى الساحات العامة، ولعلى أضيف أيضا مسلسل حرق الأضرحة والهجوم على الموالد والصراع على مسجد النور، لأتساءل إذا كان «الإسلاميون» يفعلون ذلك فيما بينهم، فما الذى يمكن أن يفعلوه مع المختلف دينيا؟ لنترك عندها الخيال لينسج ما شاء من «تصورات وهواجس» لن تبتعد كثيرا عما يمكن أن يحدث فى الواقع.
تبقى ملاحظة أخيرة، حول حالة من الاستياء، أو عدم الارتياح، لمستها شخصيا فى أوساط مسيحية نتيجة اختيار الدكتور حبيب السياسى، ولهؤلاء أقول إن العمل السياسى (حتى لو كان بمرجعية دينية) لا مجال فيه لتمثيل دينى، بمعنى أن الدكتور رفيق حبيب لا يمثل المسيحيين فى حزب العدالة والحرية، لا هو أدعى ذلك، ولا أحد قال به، إنما هو اختيار شخصى محض، ولو نجح حزب العدالة، فالنجاح يعود للدكتور حبيب وبقدر مساهمته فيه، ولو فشل فوحده يتحمل وزر اختياراته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ارجو,يا استاذ عياد,ان تكون محقا
بشارة خليل قــ ( 2011 / 5 / 30 - 15:39 )
في تقييم حجم التخوف في الشارع المصري من حركات الاسلام السياسي.لكن كل المؤشرات تفيد بغير ذلك...صحيح ان الاعتداءات المتواترة على الاقلية القبطية قد ازدادت بعد الثورة الا ان شجرة تسقط تحدث ضجيجا بينما غابة تنمو لا تلفت الانتباه:فلنقل ان هذه الاحذاث المؤسفة هي تلك الشجرة التي تحدث ضجيجا
لكن علينا ايضا رؤىة الواقع الذي لا يمكن اخفائه:اي الفارق الواضح بين المجتمع المصري قبل عدة عقود فقط والمجتمع الحالى الذي تعمه مظاهر التزمت والتعصب الديني العنصري:مقارنة بسيطة بين اوضاع المسلمين في دولة الشياطين اسرائيل واوضاع الاقباط في دولة المؤمنين مصر,كفيلة بنسف اي نظرية عن الطيبة والتسامح والرحمة الاسلامية المزعوم
لا ضير من تسمية الاشياء باسمائها حتي لو نزعت غشاء النفاق الاجتماعي الذي ترعرعنا في ضله


2 - من قال أن الموبيل ليس حراماً
أحمد عثمان محمد ( 2011 / 5 / 30 - 19:10 )
من قال أن الموبيل ليس كفراً. إذا صدح الموبيل بالموسيقى عند الإتصال بك فى المناطق ألتى تسيطر عليها حركة الشبابا المجاهدين فى الصومال فهو كفر. وقد يحصل أحدهم على تذكرة لدخول الجنة إذا قتلك بحجة أنك تحمل موبيل يصدح بالموسيقى عند الإتصال بك! تخزين صور أطفالك، وأحبائك وأصدقائك فى الموبيل هو الكفر عينه عند الشباب المجاهدين الذين سوف يجمعون العالم أجمع تحت علم شهادة أن -لا إله إلا الله- المحمى بظلال سيوفهمومن قال أن الستلايت ليس كفراً. مشاهدة مباريات كرة القدم العالمية، ومشاركة نادى برشلونه فى أفراحه عن طريق الستلايت هو عين الكفر فى الأحياء ألتى تسيطر عليها الحركة فى مقديشو. وجلوس البنت على الإنترنت بدون محرم حرام عند فقهاء البداوة فى رمال نجد.

ولا جديد تحت الشمس.

اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا