الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحنين لمن كان يضربه بالشومة

نوال السعداوى

2011 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


لم يلعب الطب النفسى أو الثقافة أو الأدب أو الفن دوراً لتحرير العقل المصرى من الخضوع لعبودية السلطة المطلقة.. الخضوع للعبودية مرض سياسى يتحول مع طول الزمن إلى مرض اجتماعى نفسى، بمعنى عدم الرغبة فى الشفاء من العبودية، أو الخوف من الحرية والمسؤولية الفردية، الحنين الدائم إلى الخضوع والهوان.

يتدرب الطفل على الطاعة وقبول الإهانة من المدرس أو الناظر أو الأب أو الجد.. تعشق الفتاة الرجل الفحل الحمش.. يستعذب العاشق عذاب الحب، ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.. وإلا فلماذا هذه النكسة التى تصيب أى محاولة للتحرر من حكم الفرد. إن خلعنا رأس الدولة خلقنا رأسا آخر نعبده ونقدسه.. رأيت فيلما مصريا عن أستاذة جامعية تدعو زميلاتها للخضوع لسلطة الزوج المطلقة، فصفق لها المجتمع باعتبارها زوجة مثالية، وصفق لزوجها وهو يصفعها على وجهها فى نهاية الفيلم، باعتباره رجلا بمعنى الكلمة، يؤدب زوجته لتعود إلى فضيلة الطاعة، كيف تتكون شخصية الطفل والطفلة فى مثل هذه العائلات؟

استطاعت الثورة المصرية الأخيرة فى يناير ٢٠١١ التخلص من رئيس الدولة السابق وبعض أعوانه، إلا أنها لم تتخلص من القيم الموروثة التى تكرس حكم الفرد الواحد وسلطته المطلقة فى حياتنا العامة والخاصة.

عبودية تقديس الفرد مرض مزمن فى النفوس والعقول البشرية، لا يمكن اقتلاعه بثورة مهما عظمت، إنه يحتاج إلى ثورات وثورات، ليست ثورة سياسية فقط أو اجتماعية أو اقتصادية، بل ثورات فكرية ثقافية نفسية، لاقتلاع جذور العبودية من أجساد وعقول البشر رجالا ونساء وأطفالا.. تقديس الفرد الواحد مرض عالمى ومحلى، شرقى وغربى، منذ العصر الحجرى وقبل الحجرى، تجلى فى مصر القديمة تحت الحكم الفرعونى، الفرعون الإله الجالس على عرش الحكم فوق الأرض وفى السماء، يملك حياة البشر وموتهم حين يريد، إن خالفوا أوامره أو رفضوا ظلمه هو قادر على قتلهم وإبادتهم دون سؤال أو محاسبة، لأنه فوق المساءلة أو المحاسبة، ألم يتكرر ذلك فى بلادنا حتى اليوم؟! ما هذا التقديس للفرد الواحد الأوحد الجالس على قمة أى شىء، وإن كان كوم قمامة.

يتشدق السياسيون دائماً بحكم الشعب، يقولون الديمقراطية تعنى حكم الشعب، لكن ما إن يتول أحدهم رئاسة مؤسسة ما، وإن كانت لتربية الدواجن (أو لنشر مقالات للناس)، حتى يصبح فرعونا، الإله لا يقبل الجدل أو النقاش.

لم أكن أفتح التليفزيون المصرى فى العهد السابق، حرصا على الوقت الثمين من أن يهدر فى الاستماع إلى الأكاذيب، تغيرت بعض الوجوه القديمة، إلا أن السلطة الفردية مازالت موجودة، تغيرت الأكاذيب واتخذت شكلا جديدا، فى المدارس أيضا وفى الثقافة، وفوق أعمدة النور فى الشوارع، تم نزع صور الحاكم القديم وحرمه وابنه، وتم تعليق صور أخرى لأصحاب السلطة الفردية المطلقة الجديدة. فى الصحافة تم تغيير بعض الوجوه واستبقاء البعض دون أى معايير مفهومة، بعض المنافقين ذهبوا، ليأتى آخرون أكثر نفاقا، السلطة الفردية المطلقة ظلت تحكم الصحافة، كتاب وصحفيون كانوا حماة الديكتاتورية وحكم الفرد أصبحوا من أبواق ديمقراطية ثورية يسيطرون على التعليم والثقافة والإعلام والصحافة.

يسألنى الشباب والشابات: هل تعرفين فلان الفلانى الذى يتكلم عن الثورة فى كل الإذاعات ويشكل الحزب الجديد الكبير ويرشح نفسه للرئاسة؟ أقول لهم: لا أعرفه ولا أعرف له تاريخاً فى بلادنا (ربما كان بطلا فى بلاد أخرى وراء البحار)، يسألوننى: ما رأيك فى هذا الإله الذى يتربع على عرش الثقافة أو الأدب أو الصحافة ويقدسه المنافقون وربما يرشحونه للرئاسة؟ أقول لهم: أعرف تاريخ خضوعه للديكتاتوريات السابقة ولن أنتخبه وإن تكحل بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يسألوننى: ومن تنتخبين يا دكتورة؟

أقول لهم: لا أحد، هذه الانتخابات السريعة القادمة للرئاسة أوللبرلمان لن تنتج إلا فراعنة آخرين وديكتاتوريين جدداً.. لابد من تأجيل الانتخابات بكل أنواعها حتى نغير الدستور والقوانين لتصبح كلها عادلة، لا تفرق بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة أو غيرها.

شاهدت فى عيادتى النفسية كثيرا من هذه الشخصيات.. رجل ضخم الشوارب يشكو من رئيسته لأنها طيبة رقيقة وليست لها سلطة على المرؤوسين.. زوجة قوية الشكيمة تشكو زوجها، لأنه رخو لا يشكمها ويتركها تخرج على حريتها.

قال لى أحد كبار رجال الأعمال الأثرياء: «أشعر بالحنين للمرحوم جدى، كان يضربنى كل ليلة بالشومة، لهذا نجحت فى حياتى.. لن أنتخب إلا رئيساً طاغية يسيطر على البلد بالسلطة المطلقة».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفرد أو الانسان العربي مريض
أكرم رشاد هواش ( 2011 / 5 / 31 - 07:58 )
مقال رائع بالمضمون والمعنى ، الانسان العربي مريض نفسياً ، هذا المرض ناتج عن السلطة والبطش الابوي الموروثة من مجتمع تنخره الايديولوجيا الدينية حتى آخر خلية في جسده، الافكار الغيبية تشغل دماغه 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الاسبوع الثورة المصرية في المدة الأخيرة عجزت عن تغيير نفسية الانسان المصري لأنها لم تطلق عنان التفكير التنويري ولم تكن النقاشات التي جرت في ميدان التحرير كفاية لا من ناحية الفترة الزمنية ولا من الناحية النوعية لتقلب الافكار القديمة رأساً على عقب، أو تكون قادرة على إرسال الهوس الديني الى مكانه الحقيقي وهو مزبلة التاريخ، أو حتى عزل هذا الدين عن الحياة اليومية وعن السياسة. الثورة المصرية ليست جذرية وليست عميقة، التغييرات التي ستحدث سوف تكون طفيفة وقد ترضي الامريكان أكثر من أن ترضي الشعب المصري، الثورة المصرية أصبحت مخطوفة من قبل ال سي اي إيه وهي الآن تدرس في كواليسهم من الناحية النفسية والسوسيولوجية وسوف بالقريب يجدون حلاً لها.


2 - اذن المشكلة ليست في فرعون
لينا جزراوي ( 2011 / 5 / 31 - 08:38 )
سيدتي الرائعة ، التي لا أفوت حرفا مما تكتب ، ما الحل ، ؟ اذا لم نستطع فرض الحريات والقضاء على المجتمعات البطرياركية السلطوية بالثورات ، فكيف نتحرر برأيك ؟ ما فائدة الحراك السياسي
والربيع العربي كما يسمونه في الاعلام ، اذا نتج عنه استبدال فرعون بفرعون ، وفردية بفردية أتفق معك بأننا بحاجة لثورات نفسية وثقافية وقيمية لتغييرثقافة العبودية التي تجذرت في عقولنا ،
من أين نبدأ برأيك ، ومازالت منظومة قوانينا متخلفة ، ترى المرأة -على سبيل المثال- تابع وضعيف وتمعن في انتهاك حقوقه؟


3 - افضل الدكتاتوريين
مالك رشيد ( 2011 / 5 / 31 - 09:41 )
في الانتخابات القادمة تقولين انك لن تنتخبي لانهم كلهم فراعنه ودكتاتوريين لكن ارى الافضل ان تشاركي وتنتخبي افضل فرعون بين الفراعنة حتى لايفوز الاكثر دكتاتورية وطغيان وحصل عندنا في العراق ان شاركنا وانتخبنا افضل السيئين حتى يفوز الاقل سوءا مع المحبة والتقدير


4 - الشعوب تتحمل مسؤلية الجزء الاكبر من المشكلة
اسماعيل ميرشم ( 2011 / 5 / 31 - 11:19 )
سيدتي نحن في العراق كنا السابقون وانتم الان الاحقون كانت عندنا دكتاتور واحد لكن من الوزن الثقيل جداجدا جدا والان اصبحت عندنا انواع واشكال واجناس لاشباه الدكتاتوريات يشتركهم التعطش الى كرسي السلطة الى حد التخمة والتقاتل عليها ولو بانجس الاساليب
اعتقد الشعوب القوية تمنع بروز دكتاتوريات من مهدها واما الشعوب الضعيقة فهي التربة الخصبة لانبات وتضخم جميع انواع الدكتاتوريات بالمناسبة فالدكتاتورية مثل المرض لو شخصت منذ بداية الاصابة فيسهل شفائها واذا ما اصبحت حالة مزمنه فيصعب شفائها واعتقد نفس المقياس تنطبق على حال شعوبنا وفي النهاية لانعرف غير تحميل الاخرين وزر ما نعاني منها على ايدي اوباش السلطات المحلية الاستبدادبة والديناصورية
سيدتي شكرا لمقالتكم الموسومة وعسى ان تكون بمثابة صفارة انذار لمن يريد الاستيقاظ ولو في وقت متاخر وقديما قيل ولو متاخرا لكن احسن من ان لا تاتي بالمرة


5 - العصى خرجت من الجنة
يامنة كريمي ( 2011 / 5 / 31 - 11:42 )
ما عسانا أن نفعل إزاء شعب يؤمن بأن العصى خرجت من الجنة؟ وامام سلطة وكهنوت إسلامي يؤجل ويعلق كل آمال وأحلام الشعوب الإسلامية المقهورة والمسحوقة إلى الحياة الأخرى؟
شكرا دكتورة على الموضوع الرائع كالعادة مع متمنيات الصحة وطول العمر


6 - ألوباء ألذكوري
طلال ألربيعي ( 2011 / 5 / 31 - 13:18 )
أن مقالكي ياسيدتي ألجليلة يؤكد ما أورده ألمحلل ألنفسي ألماركسي أريك فروم بأن ألعديد من ألناس يخشون ألحرية لأنها تعني ألمسوؤلية ألفردية وما يترتب عنه من ألشعور بألأخفاق في حالة ألفشل, وهذا شعور يحاول ألشخص في ألمجتمع ألأبوي تجنبه حتى لو كان ألثمن هو ألموت بعينه, أي موته أو موت ألأخرين, وتعطيل ألفكر هو نوع من ألموت أذا أتفقنا مع مقولة رينيه ديكارت أني أفكر فأذن أنا موجود. أن مجتمعاتنا لم تدخل عصر ألحداثة ألتي يحدد فيها ألتفكير تحول ألفرد, ككائن بيولوجي, ألى أنسان, أي أننا قد توقفنا في مرحلة ما قبل ألأنسنة, و في مرحلة ألمرآة ( ألمحلل ألنفسي لاكان), وألمرآة هي مماثلة لسطح ألماء ألذي رأى نارسيسوس وجهه منعكسا فيه فتيمن حبا فيه ولم يستطع مبارحة جدول ألماء ألى أن مات بسبب عشقه لصورته
أن حاملي شعلة ألمجتمع ألأبوي هم ألنساء وألرجال على حد سواء, وأن ألوباء ألذكوري لعابر للأيدولوجيات فيمكنه ألظهور بنفس ألوحشية وألتدمير لدى أليمين وأليسار،, وقد عالجت ذلك بشئ من ألتفصيل في
http://www.ahewar.org/eng/show.art.asp?aid=665
مع وافر أحترامي



7 - الثوره ليست بتغيير الوجوه
انتصار الانصاري ( 2011 / 6 / 1 - 12:28 )
تحيه للدكتوره للنوال السعداوي
فعلا كما ذكرت الدكتوره الثوره ليست بتغيير الوجوه الثوره الحقيقيه تكمن في الخلاص من الامراض المزمنه التي يعاني منها مجتمعنا وذلك يحتاج للكثير من
الوقت ولكن يبقى الامل في الشباب الذي بدأ يتنفس طعم الحريه ويشعر بانسانيته


8 - لا عبودية بعد اليوم
عبد الله محمد صقر ( 2011 / 6 / 2 - 00:40 )
ثقافتنا الموروثة هى التى أوصلتنا الى ما نحن فيه , ثم أننا كشعوب أخذنا على أهانة الحكام ورضينا بها لدرجة أننا ألهنا حكامنا لانهم ولاة أمورنا , وهم الذين يطعموننا وهم الذين يدبرون حياتنا , وهم الذين يسلخون جلودنا عندما نخطئ فيهم لانهم الاله الذى نعبده واذا ما عاصيناه كان مصيرنا الجلاد والزج فى السجون , ثم لاتنسى حضرتك أننا أستعمرنا من أجنبى ظالم ضربنا أعوام طوال بالكرباك وعلمونا المزلة والمهانة ومحوا الشخصية والكيان لسنوات طوال , هذه موروثات لازالت مدفونة فى الصدور لانها سببت جروح عميقة , فعبودية الحاكم لدينا شيئ عادى لانه متولد مع كل مولود , فالانسان فى عالمنا حين يولد يرافقة الخوف والفزع من الجلاد والاله الحاكم ولذا لانقدر أن نحطم الاصنام لتى عبدناها لسنوات طوال , إننا لاننسى كم أستعبدنا من قبل حكام ظلمة عاشوا على مقدراتنا سنوات طوال , وقد استغربنا حين انقلب المظلوم على الظلم حين قامت ثورة مصر وتحول الاله الى لص يقام عليه الحد , كم سعدنا بالثورة لانها حررتنا من العبودية المزمنة فينا و لقد انكسر الحاجز الذى كان موجود بين الاله والرعية , ,


9 - وفي العراق بدلنا ســرطان صدام بطاعـون العمائم
كنعــان شـــماس ( 2011 / 6 / 2 - 17:15 )
يا ست نوال قلت الحقيقة لكن كانها اقدارنــا اليوم في العراق من يقول ان سرطان صدام كان اهــون من طاعـــــــون العمائم او النكتة العامية العراقية خــــــره صدام ولابــول بريمـر تحية محبة واحترام


10 - مفيش فايدة
عبد القادر أنيس ( 2011 / 6 / 2 - 20:18 )
جاء في المقال: ((تقديس الفرد الواحد مرض عالمى ومحلى، شرقى وغربى، منذ العصر الحجرى وقبل الحجرى)).
يعني، في نظرك سيدتي، لا يوجد بلد في العالم تخلص من تقديس الفرد الواحد، يتساوى في ذلك، حسب رأي الكاتبة الجميع، بلدان شرقنا المتخلفة وبلدان الغرب المتقدمة. الساسة هم الساسة، والشعوب هي الشعوب، وهذا يعني أن الأداء السياسي والعلمي والثقافي والرياضي والفني هو هو. هل هذا الكلام معقول؟
الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان في أوربا خرافة !!! لأن ((تقديس الفرد الواحد مرض عالمى ومحلى، شرقى وغربى، منذ العصر الحجرى وقبل الحجرى)). الأسرة هي هي عندنا وعندهم. الحقوق هي الحقول. ومادام الحال بهذه السوداوية ومادام العجز شاملا شرقا وغربا، رغم الاختلاف في المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية، مادام الحال هكذا منذ العصر الحجري في جميع البلدان بدون استثناء، ومادام كوكب الأرض يخلو من أي نموذج يمكن الاحتذاء به وتقديمه نموذجا ندعو الناس للنضال من أجل بلوغه ، حسب رأيك، فمن العبث أن نكلف شعوبنا التي تغلب عليها الأمية والغفلة ما لا تطيق.
تحياتي


11 - حكم الفرد
نعينع عبدالقادر محمد ( 2011 / 6 / 8 - 17:01 )
حسب اطلاعي فان مصر خضعت لحكم الفرد منذ زمن الفراعنة الى مبارك ولم تدخل يوما تجربة التداول على السلطة .لكن الزمن بعد التغيير كفيل بشفاء الأمراضوستكون مصر أحسن مما كانت في كل الأحوال وهذا هو المهم ..تحياتي...

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس