الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا ..1

حامد حمودي عباس

2011 / 5 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لم تتضح لي بعد ، اسباب بعينها ، تلك التي جعلتني جافا في كل شيء عدا الاحساس بالخوف .. لقد انحسرت من دواخلي كل مشاعري المعهودة حينما كنت اجدني صدى لمحيطي القريب والبعيد ، وبدأت اتقلص الى حدود لم تكن مألوفة لدي من قبل .. الحصار يطبق على كياني من كل جانب .. خوف يتبعه ترقب مريع .. صمت يليه دوي ينذر بالخراب .. انها نذر حرب لا يبدو بانها ستنتهي عن قريب ..
ثمة لحظات من راحة ، تقتحم علينا صمتنا انا وابنائي ، نتندر خلالها وتنتابنا حالات من الانبهار .. لماذا ياترى تلاحقنا الحروب اينما حللنا ؟ .. بل احيانا تنطلق الثورات في اي بلد ننوي الرحيل اليه ؟ .. أهي لعنة نحملها قد جلبناها في حقائب ترحالنا من بلد تلون مناخه بالوان الرعب ، واضحى ابناؤه يحملون اكفانهم معهم ليل نهار ؟ .. أم انه ذلك الذي يسمونه نحسا ، اضحى مصر على الاختباء تحت ثيابنا وفي حقائب سفرنا ، ليظهر من حولنا كلما حللنا لاجئين مؤقتين على بلد من بلدان الله ؟ .
كرة الثلج لا زالت تتدحرج امامي على غير انتظام .. الوانها يشوبها نشاز مرعب .. الليل موحش في بداياته .. تزيد من حدة الوحشة فيه ، تلكم الرجفات المتقطعه على الجدران والابواب ، وهي تترجم صدى الانفجارات المتعاقبه على الارض المحيطه .. لقد تعودنا نحن في العراق على ردود افعال نيران القنابل ، بل وحفظنا انواعها ، ومصادر صنعها ، ومدياتها المقررة .. ولكن على ما يبدو ، فان التعامل مع نيران الحروب ، يختلف من حيث ردود الافعال النفسية والجسدية ، فيما لو كان الامر يتعلق بالبلاد الغريبه .. ففي الوطن ، لم يكن ينتابني الخوف بذات القدر الذي احس به الان ..
ثمة من يزيح عن نفسه عوامل الخوف ، فيخرج الى الفضاء المحاصر ، مطلقا بوق سيارته بعبثية لا يحسن افتعالها غيرنا نحن في الشرق .. ولم يفت احد ممن تستهويه لعبة هذا الافتعال ، ان ينثر في عالمه وعالم المحيطين به ، شحنات من النفاق السرمدي على شكل اغاني تمجد الزعيم ، وتشحذ في البؤساء همم التصدي للغزاة المستعمرين ، وتذكر بان لنا قدس محتله ، وقضية شرف مسلوب ..
المدينة عبارة عن علب من الخرسانة المسلحه بحديد لا يترك في خلاياها اي فسحة لدخول الهواء النقي .. كل شيء من السهل ان تجده في محيط تلك العلب الخرسانية الا الاوراق الخضراء .. القمامة والسيارات القابعة بالوانها المختلفة ، وهي تنتظر قبالة البيوت والعمارات ، بدت وكأنها متآلفة منذ الازل .. وبقع زيت المحركات الفاسد تنتشر هنا وهناك ، معلنة خيارها هي الاخرى في تجسيد دورها كي تبدو اللوحة اكثر قتامه .. مجموعة من الشباب اعتادت ان تقف في الركن اياه من بداية الزقاق ، وأيدي افرادها تلوح في الهواء لترجمة افكار باهته ، يقتلها التكرار الممل ، وتملؤها حكايا لا يتطلب النطق بخباياها الرجوع الى المصدر ، حكايا قد تكون تحليلا لمعركة جرت بالامس ضمن ذلك التدافع المرير، بين مستقبل يريد ان يولد وماضي لا يريد ان يغيب .. الجميع هنا هم من المحللين البارعين بالفطره .. فلا حاجة ان تسأل أي من اولئك الشباب والكهول ، حين تسمع منه رأيا ، عن مصادره في بناء فكرته .. ولماذا عليك ان تسأل ما دام الرأي واحد في نهاياته مهما تنوع .. رأي ينطق بمعاني الاستعمار ، وضرورة الاذعان لولي الامر ، ومخازي المجتمعات الكافرة ، ورجوع ما اصابنا من ضيم الى ترك تعاليم ديننا ولهاثنا وراء تقاليد الغرب المستهتره ..
العلب الخرسانية المرصوفة لا زالت مغروسة بكل عناد الشرق ، متباهية بصمتها وكبريائها .. وسنادين الورد الميتة ، ترتاح على شرفاتها ، دون ان يكلف احد من السكان نفسه في ري احداها حتى لا يبرز لون اخر في المكان يوحي بغير معالم الموت .. كم وددت ان تطال يدي تلكم السنادين المسكينة على شرفة الشقة المقابلة ، لاحيي النباتات المسترسلة اعناقها الى الاسفل بفعل العطش .. وحين يطول انتظاري لأن تطال ذراعي بفعل قوة خارقة ذلك المكان ، اعكف راجعا وبذات الشعور بالخوف من القنابل ، خشية ان يراني صاحب الشقة ولو عن طريق الصدفه ، فيثأر لشرفه المثلوم ، وحينها قد يضطرني ذلك الى لملمة اسمالي من جديد ، باحثا عن ملجأ اخر ، وثورة اخرى ، وخرسانات وايدي تلوح في الهواء وهي تحلل موغلة في تشريح العدو ، ذات العدو ، وسط زفة سيارات تطلق صفارات فرح مصطنع وهي تنثر اغاني تمجد الزعيم ..
الناس كلهم يظهرون بوجوه واحده .. سحنة واحدة .. قسمات لا تريد ان تتغير .. جباه تعلوها ملامح التزمت .. ثنايا جلدية فقدت رطوبتها المعهوده لتبرز من خلال تلك الثنايا مقتا لكل شيء حتى الثماله .. أترى من المنطقي القول .. كما انتم يولى عليكم ؟ .. ام من المنطقي القول .. كما يولى عليكم تكونوا ؟ .. لا ادري .. غير انني ميال للحكمة الثانية والتي قد تكون من صنعي انا ..
خصام سيطول على ما يبدو ، بين اصرار الماضي على ان لا يغيب ، وبين مستقبل يريد ان يتخطى الحاضر، مستعجلا بلوغ غاياته بعد طول انتظار .. خصام يرفض اطرافه الحوار ، حيث لا منفعة من الحوار بين قطبين مختلفين في التوجه والآمال .. وأنا الان بين هؤلاء وهؤلاء ، اضمر في نفسي خوفا ، يحول بيني وبين البوح بالسر البلسم ..
ليبيا
16/3/2011
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أستاذ حامد حمودي عباس في ليبيا ؟؟
ليندا كبرييل ( 2011 / 5 / 31 - 14:25 )
دوماً كنت أنتظر مقالاتك بلهفة ، فكرتك النقدية المغلفة بأسلوب أدبي مميز وتصوير دقيق مدهش . فجأة ما عدنا نراك ، كتبت لك مرة ولم تجبني ، سألت الأصدقاء فقالوا لا نعرف ، حتى جاءني خبر وجودك في ليبيا منذ بضعة أيام فقط ، وقلقت كما قلقنا كلنا عليك ، ليبيا ؟ وما أدراك ما هي .. ما أن قرأت تعليقك عند الأستاذة فاتن واصل اليوم في مقالها الرائع عن السعودية منال الشريف حتى هرعتُ إليك ألتقط الإشارة لأشدك إلينا ثانية ، وكم .. كم كانت فرحتي كبيرة وأنا أفتح الآن صفحة الحوار لأطالع مقالك الرائع هذا في قمة المقالات . عودة حميدة يا حامد حمودي وأرجوك أن تطمئننا عن أحوالك من خلال مقالاتك ، الحمد والشكر على سلامتك وسلامة عائلتك ، حتماً عندك الكثير لتحكيه لنا ، أنتظر مقالاتك القادمة وأتمنى لك السلامة والأمان النفسي والجسدي ودمت بخير أيها الأخ الكريم


2 - الغد معكم وبكم ولن يعرف أحفادنا الخوف
عدلي جندي ( 2011 / 5 / 31 - 15:46 )
حدودنا لم تتغير سوي بواسطة إسرائيل علي الرغم معرفتنا جميعا اللغة العربية وأفكارنا نتناقلها مكتوبة ومحفوظة ومعقمة ولا يمكن أن تنالها تغييرات ....عقائدنا مسجونة في حيز ضيق من أدمغتنا لا يمكن أن نسمح لها بالتواصل أو التلاقح أو التنفس ... نبتهل بنفس الدعاء لنفس الداعي وبنفس مواصفات الدعاء ولم نطالبه يوما بتغيير أو تحديث .....؟؟؟؟راضون بما قسمه لنا من تخلف والعجيبة في آخر المطاف نتهم الآخر بالمؤامرة علي الرغم أننا نفسنا المتآمرين علي أن نظل دائما ذيل الآخرين


3 - كاد الخوف ان يقتلنا نحن
محمد حسين يونس ( 2011 / 5 / 31 - 15:51 )
منذ ان انقطعت رسائلك ونحن نعيش في قلق ان نفقد صديق، زميل، فنان، كاتب نعتز بمساندته عن بعد .. لقد كنا في حالة قلق علي ليندا من التسونامي الياباني و عليك من التسونامي القذافي .. ليندا كانت معاناتها مع الطبيعة القاسية و انتجت اعمالا غاية في الرقة بعد ان شفت روحها من المعاناة، ام انت فقلبي عليك.. ان معاشرة وحوش القوميين هى الأكثر قسوة علي الاطلاق .. سلامتك واهلا


4 - أحاسيسكم تعيد لي وصلا جديدا مع الحياة
حامد حمودي عباس ( 2011 / 5 / 31 - 18:33 )
سيدتي ليندا : لم انسى رغم ما أحاق بي من وقت صعب ، تلك الرسالة الحميمة ، يوم كنيتني بابي رافد .. لك علي أنني وكما عهدتني ، أن اسرد لك ولأحبتي الاخرين من متابعي كتاباتي ، تفاصيل ما شاهدته ، وعشته ، واحسست به ضمن رحلة ستصلك تفاصيلها لاحقا وعلى صفحات الحوار ، ولتبقى رفقتنا جميلة مع المقبل من الحكاية .. اتمنى لك زمنا جميلا وحياة حلوه
صديقي العزيز محمد حسين يونس : قلقك علي ، يضخ في دواخلي مزيدا من الراحة .. مزيدا من الامان .. ويحفزني على الاستمرار .. تحياتي المخلصة للسيده فاتن ولبقية افراد اسرتكم الكريمه ..شكرا للمرة الالف على المتابعه

السيد علي الجندي : اشكرك على المساهمه ، وارجو المزيد من التواصل


5 - أهلا وسهلا
عبد القادر أنيس ( 2011 / 5 / 31 - 19:29 )
في انتظار مزيد من التفاصيل نتبين منها الخيط الأبيض من الخيط الأسود ونتمكن من مشاركتك في هواجسك، تقبل أخي حامد خالص مودتي


6 - شوهوا ماضينا لدرجة لم نعد نستمتع بالحاضر
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 1 - 09:00 )
الصديق الثمين حامد حمودي عباس
فرحٌ جداً بعودتك لنا ، فقد إفتقدنا حضورك الكبير في حقل من يقدمون أجمل العطاء
كنتُ قد أرسلتُ لك رسالة محاولاً معرفة أخبارك وتفقد سلامتك والعائلة الكريمة ، ولكن
أُحس دائماً بان أغلب من يُعلقون على مقالاتك الحلوة البليغة التعبير والمعاني ، هم من الفئة التي لا زالت جروحها طرية رغم التقادم الزمني ، وجميل أن تكون جروحنا مُشتركة ، فالألم خير ما يربط الإنسان بالإنسان
كما تعرف .. فالمثل العراقي يقول : اللي ما يخاف مو رجال
ولهذا أقول بأنني ورغم هجرتي للغرب منذ زمنٍ بعيد ، فلا يخلو شهر من حياتي على الأقل من كوابيس الوطن المحرقة ، دائماً نفس الحلم ولكن بطريقة مختلفة ، وهو أن هناك من يتهدد أمن حياتي ويُذكرني بأنني لم أفلت من العقاب الذي كان سيكون حتمياً لولا هربي منه
الماضي الذي عشناه في العراق نادراً ما خلت أيامه وأسابيعه من تهديد أو تفرقة او إستفزاز أو ملاحقة أو إرهاب أو تمييز وشتم وضرب ومعارك يدوية ومعاناة نفسية لقمع سياسي وقومي وديني ، كل ذلك تحول إلى كوابيس كريهة تدق قحف جماجمنا من وقت لأخر
لِذا يبقى بعضنا تعيساً حتى وهو يعيش في جنة لم يكن يحلم بها
تحياتي


7 - ولماذا نتوقع أن تتم المصالحة بسرعة ؟
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 1 - 12:13 )
ما حدث فى مصر وتونس وليبيا وسوريا هى آه وجع .. من جثوم أنظمة وحشية على الصدور تكتم الأنفاس وتفقد كل شئ فى الحياة معناه .. ماذا ننتظر بعد ستين ، عشرين اربعين سنة من استمرار هذا الضغط والتشويه المتعمد لعقل ونفس الانسان العربى !! لابد ان نتةقع ألا ينبلج النهار فى لحظة ونرى النور ونجد بشرا آخرين نفوسهم صافية يحبون الحياة ويتعاونون .. هؤلاء ظلوا يرزحون تحت نير الظلم أعمارهم بالكامل ... فكيف سيشفون فى يوم وليلة .. لا شعور بالمن ولا بالهعدل ولا باى معاملة انسانية ... كيف يكونوا أسوياء .. بسرعة ؟ أهم من كل هذا أنك عدت لنا بألف خير وأتمنى أن تظل بيننا فانت من أبرز واهم الشخصيات التى حظينا بالتعرف عليها من خلال هذا الموقع الجميل .. اتمنى لك السلامة وانتظر باقى الملحمة .. تحياتى واحترامى

اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار