الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة العشرين و ولادة المجتمع العراقي

وصفي احمد

2011 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كما هو معلوم ان العراق كان قد خضع تحت السيطرة العثمانية زهاء الخمسة قرون . و تعد هذه الحقبة الزمنية من أسوء الحقب الزمنية التي عاشتها بلاد ما بين النهرين حتى أنها سميت ب ( الفترة المظلمة ) . فقد انعدم الأمن بسبب ضعف الدولة و ازدادت حدة البداوة نتيجة للهجرات المتعاقبة للقبائل البدوية من جزيرة العرب , التي تعد أكبر مصدر للبداوة في المنطقة , و اندثرت قنوات الري مما ساهم بتدهور الزراعة بسبب الاهمال المتواصل للولاة الذين حكموا البلاد , باستثناء القليل منهم , فقد كان هؤلاء لا هم لهم سوى جمع الضرائب و ارسالها إلى الباب العالي و استحصال الأتاوات لأنفسهم كما سامت الأوبئة التي كانت تجتاح البلاد بين الفينة و الفينة حاصدة أرواح الناس بالجملة ما ادى إلى قلة الايدي العاملة و الحرفية التي تساهم في بناء الاقتصاد بالاضافة إلى قلة المدارس ليؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة الجهل و الأمية بشكل كبير .
وقد كانت المعارك غالبا ما تنشب بين القبائل و الدولة لتذمرها من الاتاوات التي كانت تفرضها الاخيرة , كما كانت المعارك تحصل بين القبائل نفسها , بتشجيع من السلطة لاضعافها كي يسهل السيطرة عليها , على الماء و الكلأ . و لم تسلم المدن المتجاورة من هذه الصراعات الدامية و حتى بين أحياء المدينة الواحدة , كل هذه الأمور جعلت الانسان العراقي يلجأ إلى هوياته الفرعية لحماية مصالحه و الحفاظ على حياته بالشكل الذي ادى إلى حدوت تخلخل كبير بين سكان العراق حتى حولهم إلى جماعات متناثرة .
و عندما جاء الاحتلال البريطاني للعراق أثناء و بعد الحرب العالمي الأولى فرح الناس به لأنه كان قد خلصهم من حكم الأتراك , إلا أن هذا السرور سرعان ما انقلب إلى تذمر شديد لدى الغالبية العظمى من العراقيين لاسباب عديدة أهمها ما حصل من تضخم نقدي كبير لم يألفه العراقيين من قبل بسبب الانفاق السخي للقوات البريطانية في شراء ما تحتاجه قواتهم من مؤن و تجهيزات , كما اتسمت سياسة معظم الحكام السياسيين في الألوية و المناطق برعونة واضحة ناتجة عن قلة خبرتهم بطبيعة المجتمع العراقي , مع ارتكابهم لأخطاء جسيمة في تعاملهم مع شيوخ العشائر خصوصا في مجال اختيار أحدهم في كل منطقة و تجهيزه بالمال و السلاح لفرض الأمن في منطقته مما اغاض بقية الرؤساء في ذات المنطقة , هذا بالإضافة إلى استخدامهم الشدة في تطبيق القوانين بالشكل الذي لم يتعده الاهالي في ظل الحكم التركي . غير أن السبب الأهم الذي حفز الناس على رفض الاحتلال هو الوعود التي أطلقها الحلفاء من أنهم لم يأتوا لاحتلال البلاد العربية و إنما قدموا كي يحرروها من النير التركي .
لم تكن فكرة الثورة المسلحة مطروحة بين المعارضين للاحتلال البريطاني , إذ كانت سبلهم لتحقيق أهدافهم سلمية خالصة تتمثل في رفع المضابط إلى الحكام السياسيين و ارسال البرقيات إلى زعماء الدول العظمى يطلبون مساندتهم في حصولهم على الاستقلال . لكن فكرة الكفاح المسلح بدأت تختمر نتيجة الممارسات القمعية التي جوبهت بها معارضتهم السلمية . خصوصا و أن الحاكم السياسي بالوكالة (ويلسون ) كان من المؤمنين بنظرية ((الرجل الابيض)) و ملخص هذه النظرية أن شعوب المناطق المحتلة و منها العراق ما زالوا متخلفين بحيث أنهم غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم و بالتالي فأن على المحتل اعطائهم الحرية على شكل جرعات .
لذلك نراه يتعامل مع البرقية التي وصلته من حكومته في لندن تطلب منه فيها باستفتاء رأي الشعب العراقي عن طبيعة الحكم الذي يريدونه هل هو مباشر ؟ أم بالوكالة ؟ أي عن طريق حاكم محلي يحكم البلاد تحت وصايتهم وفق ما يشتهي لذلك فقد أبرق إلى الحكام السياسيين برقيات يطلب فيها منهم أن يخرجوا نتائج الاستفتاء كما يريد .
و هنا ثارت ثائرة الاهالي في العديد من مدن العراق مثل بغداد التي كانت تعج بالمثقفين ورجال الدين المعارضين و النجف و كربلاء و الكاظمية كونها مراكز دينية مرموقة لدى المسلمين الشيعة و الأعظمية كمركز للقوميين العرب و قرروا رفع السلح بوجه الاحتلال .
و هنا لابد من مناقشة الرأي القائل بأن ما جرى في هذه الفترة الزمنية مثار البحث عبارة عن تمرد عشائري اعتادت عليه القبائل في مواجهة كل شكل من اشكال الحكم المنظم , و في هذا الرأي مجافاة للحقيقة كون أن التمردات السابقة كانت تحدث في مناطق محدودة بينما عمت ثورة العشرين كل أرجاء البلاد ريفها و حضريها في الوقت الذي لم يكم أهل المدن يشاركون القبائل في مواجهاتهم المسلحة مع الدولة , هذا بالاضافة إلى الفتاوى التي صدرت من رجال الدين السنة و الشيعة على حد سواء و التي كانت مؤيدة للثورة دون أن ننسى أن المطالب التي رفعت زمن الثورة كانت وطنية عامة في حين كانت التمردات السابقة تجري ضد سياسة السلطة الاقتصادية و لم ترفع أي مطلب يدعوا إلى الاستقلال .
و على الرغم من فشل الثورة في تحقيق هدفها الاساسي في نيل حرية البلاد لكنها نجحت في لم شعث العراقيين بمختلف هوياتهم الفرعية فقد وصل الاستقطاب الطائفي و العرقي و المناطقي إلى أدنى مستوياته إن لم نقل أنه اختفى خلال الثورة , كما فتحت الثورة الباب أمام نهوض قوى اجتماعية لم تكن معنية بالاحتجاجات ضد الدولة مثل أصحاب المهن و العمال الذين بدات أعدادهم تتزايد بفعل ظهور العديد من المنشآت الصناعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال