الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا والتصحر السياسي

ناهد بدوي

2011 / 6 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


دعوة للتشكل
سورية تشهد فراغا سياسيا مريعا حتى تبدو سوريا اليوم وكأنها صحراء لم تعرف السياسة يوما وكأنها لم تعرف يوما وجود أحزاب وقوى ووزارات ومؤسسات دولة وبرلمان ونقابات وجيش.
زحف التصحر السياسي السوري باطراد نتيجة التحطيم المستمر من قبل أجهزة الأمن لكل حالة انتظام سواء كان ذلك في الدولة أم خارجها حتى لم يبق في سورية من جهة سوى الجهة التي تقوم بهذه المهمة منذ عقود. وأساس هذه المهمة هو تحطيم الفرد الحر الكريم ذو الميل الطبيعي للانتظام في مؤسسة أو جماعة يختارها هو بحرية.
كثيرا ماتم تداول فكرة أن النظام نزع السياسة من المجتمع اي القضاء على العمل السياسي بين الناس بتحطيمه للأحزاب وحظر العمل السياسي. لكن الذي حصل فعلا هو نزع المؤسسات وحظرالعمل المؤسسي في المجتمع والدولة معا، الذي حصل فعليا هو تحطيم المؤسسات الناظمة للمجتمع والدولة معا فسورية ليست محرومة من العمل الحزبي والمدني فحسب بل هي محرومة من كافة أشكال المؤسسات ففي سورية لا يوجد مؤسسة قضائية ولا اقتصادية ولابرلمان ولا وزارات ولا نقابات ولا جيش يوجد هياكل مؤسسات بدون وجود فعلي، فوجود المؤسسات الفعلي يكون بوجود الأفراد الأحرار الذين لايخشون شيئا ولا سلطة عليهم سوى سلطة القانون ومرجعيتهم هي فقط ضميرهم و النظام الداخلي للمؤسسة التي يعمل بها. على عكس الواقع في سورية حيث الأجهزة الأمنية هي مرجعية كافة المؤسسات وذلك ماينفي وجودها نفسه. ولذلك ليس أمرا مفاجئا أن لا نشهد طرفا فاعلا الآن في أحداث سورية سوى الأجهزة الأمنية. في مواجهة الانتفاضة الشعبية.
الشعب السوري قاوم هذا التحطيم على مدى خمسين سنة، شكل أحزابه السياسية المتنوعة وبكافة ألوان الطيف السياسي وناضل وتعرض للسجون والملاحقة والتعذيب والنفي والتحطيم لأن حلم الحرية والكرامة والفرد الذي ينبع رأيه من ارادته الحرة كان من أكبر المحرمات.
كنا، من خلال عملنا السياسي المعارض نناضل ونبتكر الخطط من أجل الوصول إلى الناس واقناعهم بجدوى الاهتمام بالشأن العام وبضرورة أن يصنع البشر حياتهم بأيديهم. نحاول اقناعهم بأن هذه البلاد لنا وأنه من حقنا أن يكون رأينا الخاص ودورنا الخاص بأن نتشارك جميعا في البناء والادارة والثروة وكنا ننجح أحيانا ونفشل في أحيان كثيرة.
لكن الأفراد في سورية بدأوا بالتكون والتمايز بأعداد هائلة منذ عشر سنوات فقط، منذ بدأت امكانية الخروج من بيئة تفتيت الفردية بدون الخروج من البلد، بدأت مع أول امكانية اختيار لمصدر المعلومات أي منذ عصر الفضائيات عندما دخلت أنماط الحياة المختلفة الى المنازل رغم أنف التربية الغبارية، (أي تحويل البشر الى غبار غير منتظم). وساهم في ذلك أن تطور التكنولوجيا سار في الاتجاه الشخصي والفردي تحديدا، فالهاتف الخليوي والكمبيوتر والكاميرا هي عبارة عن وسائل فردية بحتة والموسيقى والفيديو ودروس اللغة متوفرة على فلاشة صغيرة تسمح للشباب بخلق بيئتهم الخاصة والفردية بعيدا عن سطوة الأسرة والمدرسة والسلطة، تكونت فرديتهم رغم أنف القمع السياسي والمجتمعي. إذن نستطيع القول بأن التصحر لم يعد ملائما لعصريتهم.
اليوم نزل الجيل الجديد الى الشارع كي يطالب بحقه في الحرية والعيش الكريم، نزل الشباب الى الشارع كي يكون لهم صوتهم الخاص بهم ومن ثم يطالبون بمؤسساتهم التي ينتظمون بها ويمارسون بها واجباتهم وتصون لهم حقوقهم وتعبر عن حداثتهم. تلك الحداثة المرعبة للأجهزة الأمنية الديناصورية والتي أصبح من ألد أعدائها كلمة حرية موبايل ولاب توب وفيس بوك وتويتر والفضائيات. وهذا مايؤكده كل التحقيقات مع الشباب في المعتقل والتي تتركز على هذه المفردات.
وهكذا يتدفق اليوم الناس دفعة واحدة الى حلمنا وعلى نحو غير مسبوق في تاريخ سورية، فأين نحن؟ أين الحركة السياسية المعارضة؟
اليوم نعيش لحظة لم نكن نحلم بأننا الزمن سوف يكرمنا بأن نشهد لحظة مواتية لنا كهذه اللحظة، فماذا نفعل الآن؟
أجزم أن حلمنا مازال طازجا ولكني أجزم أيضا أننا نجلس في زاوية الحلم نحاول استطلاع الأحداث المتسارعة وأجزم بأن عيوننا، وإن كانت تعلوها غباشة القمع التاريخي، تذرف دموع الفرح بما يحصل. لكن أكتافنا تنوء بثقل خلافات الزمن الرديء وعقولنا تحتاج قليلا من التجاوز للقديم.
كما أجزم أن الكثير من الأفراد منا يعمل الآن من أجل الثورة ولكن هذا لا يكفي في زمن الثورات، أجزم أن المئات من الأفراد من الحركة السياسة التاريخية هم الآن خارج الهياكل التنظيمية للأحزاب الحالية بسبب التشتيت المستمر الذي فعله قمع السلطة والذي منع كافة أحزاب المعارضة من التقاط انفاسها من جهة، ومن جهة أخرى عدم قدرة هذه الهياكل السياسية الباقية على استيعاب المتغيرات التي تسارعت منذ بداية عقد التسعينات. وأجزم أن هذا الجسم الكبير من الحركة السياسية الموجود خارج كافة الهياكل التنظيمية الحالية، يتململ الآن ويبحث عن أي شكل من أشكال التعبير والتشكل.
انه زمن اعادة التشكل واعادة التجمع واعادة التوافق واعادة النظر بتفرقنا وخلافاتنا التي تنتمي لزمن آخر.
فهل نستطيع إعادة التشكل والتجمع والتوافق؟ هل نستطيع أن نكون كما يليق بنا وبأحلامنا وتاريخنا وشعبنا وسوريتنا؟.
فهل نستطيع أعادة التشكل والتجمع والتوافق؟ لا لنكون بديلا عن الجديد الذي يولد الآن في قلب الحركة بل لنسمع صوتنا المنحاز للحركة وكي يكون هادرا بدلا من الأصوات المتفرقة التي عادة ماتضيع في ضجيج الحدث التاريخي الكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
أبو العبد الشامي ( 2011 / 6 / 1 - 09:48 )
الأخت الكريمة ناهد بدوية :
أشكرك على هذا المقال الرائع المختصر عما فعله الاستبداد والارهاب ببلد الحضارة والفكر والجمال سوريا وأرجو منك استمرار الكتابة


2 - معتقلات سوريا
معتقلات سوريا ( 2011 / 6 / 1 - 10:28 )
قد لا يعلم كثير من القراء ان الكاتبة كانت معتقلة -لفترة ليست و جيزة -داخل معتقلات سوريا بسبب مشاركتها في الاحتجاجات السلمية، لذلك فان الاتهام الرئيس للشعب السوري المشارك بأنه سلفي متمرد مسلح ، ينطبق عليها تلقائيا فهي سلفية متمردة على الظلم و انتهاك الحقوق و مسلحة بالكلمة و بمحبة سوريا الصادقة و ليست سوريا الابواق الكاذبة


3 - بناء الدولة 1
عماد دلا ( 2011 / 6 / 1 - 12:07 )
نعم يا ناهد أنت محقة , هناك غياب للأطر السياسية والتنظيمات و أيضا غياب للدولة , اذا نحن أمام ليس فقط فراغ سياسي إنما أمام غياب كلي لأي شكل من أشكال التنظيم والهيالكل الأدارية و المؤسساتية .... أنت محقة بدعوتك وأضيف أن التشكل يحصل الآن لكن ليس هناك حتى من رؤية لما يمكن أن يتشكل ... إذا التشكل حاصل حاصل وهذه الطاقة الكامنة العظيمة قد انفلتت وكل فرد هو جزء منها , والاحلام الفردية للغالبية العظمى يكاد يكون متطابق من حيث التشكيل المأمول وهو دولة مدنية ديمقراطية حديثة , إذا هناك حلم جمعي , بدء مع انطلاق ثورة الحرية والكرامة يتحول من مجرد حلم إالى مشروع قيد التنفيذ ... المشكلة الحقيقة هو أن عملية التنفيذ بدأت وهناك غياب كامل للخطط والبرامج التي تضمن الوصول الى المشروع الحلم الدولة المنشودة , في ظل هذا الغياب يتحول التنفيذ الى مجموعة ارتجالات فردية وبأحسن الأحوال ارتجالات لمجموعات صغيرة , وبالرغم من أنها ستقود حكما إالى شئ ما , لكن احتمال وصولها للحلم الجمعي -المشروع- الدولة يبقى أحتمالا ضعيفا ... لماذا ؟ لأن الارتجال يبدد ويهدر الطاقة وهذا واضح وجلي حتى على مستوى الدول وهناك أمثلة عديدة


4 - بناء الدولة 2
عماد دلا ( 2011 / 6 / 1 - 13:17 )
وهناك أمثلة عديدة نجدها في دول العالم المتخلف أو النامي .... فما بالك إذا كان الارتجال شامل بحيث لا يغدو ارتجال مسؤول أو مؤسسة بل هو مجموعة هائلة من الارتجالات تقارب بعددها عدد افراد المجتمع , هنا يغدو تقديم خطط وبرامج ومسارات توجه الطاقة وتستثمرها بدل تبديدها ضرورة أكثر من ملحة
من خبرتي المهنية وعندما أكون أمام مشروع أصبح واقعيا قيد التنفيذ مع غياب كلي للمخططات والبرامج والتفاصيل أكون أمام أحد حلين ممكنين
إما ترك الأمور تسير وفق الآلية المبهمة التي تحددها مجموعة من الارتجالات بما فيها ارتجالاتي الشخصية , والتي حكما لن تقود إلى النتائج المرجوة
أو البدء فورا بالعمل وفق مسارين
المسار الأول العمل والتوجيه - ولو ارتجالا وهنا كل فرد معني بهذا الدور – لعدم وقوع أخطاء كارثية مدمرة وهي هنا واضحة (الخطاب الطائفي – التحول من السلمية للعنف – تسليم زمام الأمور لمرتجل ما )
المسار الثاني هو البدء فورا وبلا تأخير على أنجاز الخطط والبرامج اللازمة والكفيلة بالوصول بنا إلى انجاز مشروعنا – الدولة – وهذا يتطلب رؤية واضحة وخطوط عريضة وفريق عمل كامل يعمل ليل نهار على انجاز حتى أدق التفاصيل


5 - بناء الدولة 3
عماد دلا ( 2011 / 6 / 1 - 13:19 )
المشكلة أن كثير من المعنيين بتشكيل فريق العمل هذا لم تتوفر لديهم الرؤية بعد , في ظروف تاريخية واستثنائية الزمن يحسب فيها بالثانية وليس بالأيام والأشهر , وأنا شخصيا تواصلت مع البعض منهم وتقدمت بمقترحات و دفعت باتجاه ضرورة البدء بتشكيل الفريق الضرورة , لكن على مدار أكثر من شهر ونصف وصلت لنتيجة تقول , ليس هناك من معني محدد بهذا الأمر , الكل معني , كل السوريون معنويون جماعات وأفراد , ومن هذا المنطلق عملت على ذلك , و سأرسل لك على الايميل مقترح برنامج عمل متكامل وسيكون متاح قريبا في هذا الفضاء الإلكتروني ..... مع خالص المودة


6 - أدغاص أحلام
حكيم علي ( 2011 / 6 / 1 - 13:25 )
عن اية انتفاضة تتحدثين سيدتي! وكبرى المدن السورية لا يجري فيها شيء يذكر.


7 - الوقع السوري شبيه جدا بالعراقي وبالليبي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 1 - 15:45 )
تحية تقدير واحترام للكاتبة المناضلة
ماتعرض له شعب سوريا العزيز عشناه بكل سلبياته في العراق خلال 40 عام من 8شباط 63 حتى سقوط البعث الفاشي في 03
ان الاضطهاد البشع البعثي قد صحر حياتنا السياسية تماما واحتكاره لكل نشاط سياسي بل وحتى ديني واجتماعي ورياضي جعل حتى رائجا ان العراق هو صدام وصدام هو العراق
صحيح ان هنالك فوارق اساسيا فاءن في ليبيا وعندكم فاءن النظام يسقط بالجهد المباشر اليومي الدامي لمواطني سوريا وليبيا بل واهل سوريا حتى محرومون من تاءديب ومنع جزاري قوات البعث من الايغال بدم السوريين بما في ذالك الاطفال وحمزة مثال ورمز للبطش الاعمى للدكتاتورية الاسدية المجرمه
لذالك ورغم الاختلافات في لحظة السقوط بودي ان ارجو الاخوة السوريين ان يتعضوا ولا يكرروا اخطاء العراقيين واذعانهم للاراداة الاجنبية او تخلف الوطنيين التقدميين بمن فيهم حتى الذين في الخارج من فهم عواقب التصحر مما جعل القوى الرجعية الدينية والعشائرية والاخرى المتخلفة ان تنتهز الفرصة وتحول العراق الى افغانستان ثانية وان يذبح العراقيون كالخراف بسكاكين البعث والقاعدة ليس بعيدا عن مباركة سوريا الاسد ودول الجوار وحتى اميركا نفسها


8 - ضرورة الوعي
عبدالحكيم الفيتوري ( 2011 / 6 / 1 - 17:43 )
يبدو أن هذا التصحر السياسي تعاني منه المنطقة بالكامل، ولا تكفي الدعوة إلى التشكل لرفع وصف حالة التصحر عن المواطن العادي والعضوي، وإنما بالمطارحات الفكرية والثقافية الواعية بعيدة عن الايدلوجيات والعرقيات والجهويات،وهذا يلقي بالمسؤولية الكبرى على المثقف الحر الذي يعي واقع أمته ويمكنه استشرف مستقبلها في ضوء المتغيرات الدولية والاقليمية.
وتحية للكاتبة المحترمة


9 - عزيزي عماد
ناهد بدوي ( 2011 / 6 / 2 - 10:30 )
عزيزي عماد
انا معك بأن الوصول الى حلمنا بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة طريق شاق والسبب هو ظاهرة مذهلة وهو أن الشباب السوري دخل بشكل جماعي الى السياسة في ذات الوقت الذي يقوم بثورته لذلك أرى أنه سيكون مخاضا طويلا وصعبا ولكني أغامر بأن أجزم أن الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة قادمة والخوف من عدم قدومها يغذيه النظام بكل مالديه من وسائل.
ودورنا الذي ينبغي أن نتعاون على صياغته سيكون ليس للتأكد بأنها قادمة وانما محاولة واجبة علينا لتخفيف الآلام والأثمان التي تدفع وسوف تدفع.


10 - نحتاج لدعمكم
ناهد بدوي ( 2011 / 6 / 2 - 11:08 )
الدكتور صادق كحلاوي
أوافقك بالاستفادة من التجربة العراقية وأقول بأن سوريا بدون الخضوع للارادة الاجنبية والعشائرية والطائفية والرجعية وتخلف البنى هي مانعمل من أجلها اليوم
الاستاذ عبد الرحمن الفيتوري
أنا معك بضرورة الوعي والمطارحات الفكرية والثقافية الواعية ولذلك نحتاج لدعمكم في ذلك والى دعم كل المثقفين العرب والعالم في صياغة الحلم الديمقراطي في المنطقة العربية قاطبة فنحن قررنا دخول عصر الحداثة أخيرا


11 - تنويه
عماد دلا ( 2011 / 6 / 3 - 13:10 )
العزيزة ناهد ... نظرا لأختراق ايميلي والتجسس عليه , تم تغييره الى [email protected]
نتواصل عبر هذا الأيميل ... مع مودتي

اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث