الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهوض الثوري والتبدلات الجارية في العالم العربي

فهمي الكتوت

2011 / 6 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


النهوض الثوري والتبدلات الجارية في العالم العربي
تحت هذا العنوان عقدت الندوة الحوارية في مركز الحسين الثقافي في عمان في 28/5/2011 بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الحزب الشيوعي الأردني بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والفكرية من مصر وفلسطين والعراق والأردن، وكان لصاحب هذه السطور المداخلة التالية:
دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا للازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن حالة التخلف والتبعية السياسية، والخضوع لشروط المنظمات الدولية التي تسير وفقا لمصالح الاحتكارات الرأسمالية المتعددة الجنسيات، والتي حرمت البلدان العربية من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، بهدف دمج اقتصادات البلدان النامية في الاقتصاد الرأسمالي، كمحاولة للهروب من الأزمة الرأسمالية، ان اخضاع البلدان العربية للسياست الاقتصادية الليبرالية المنفلته، بتراجع الدولة عن دورها في المساهمة المباشرة في التنمية الاقتصادية، وتحرير اسواق المال والتجارة بشكل مطلق، وخصخصة مؤسسات الدولة واستيلاء الشركات المتعددة الجنسيات عليها، واخضاع الخدمات العامة من تعليم وصحة ومياه وكهرباء الى مبدأ الربح والاستثمار، بعد تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، وتمركز الثروة بأيدي حفنة من الأثرياء، بسبب التوزيع غير العادل للثروة الوطنية بفرض قوانين ضريبية سمتها الاساسية التخلي عن مبدأ الضريبة التصاعدية على الارباح، الضريبة العامة على المبيعات، التي تساوي بين كافة طبقات المجتمع بضريبة موحدة، انطلاقا من فلسفة جديدة مفادها توحيد العبء الضريبي، مع استشراء مظاهر الفساد والاستيلاء على المال العام، كل ذلك ادى الى زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين، واتساع معدلات البطالة، التي تقدر بحوالي 30% في معظم اقطار الوطن العربي على الرغم ان الأرقام الرسمية تتحدث عن 13- 15%، بالاضافة الى تراجع الدعم الحكومي على السلع الأساسية، الأمر الذي أدى الى انفلات الأسعار بشكل غير مسبوق في معظم أرجاء الوطن العربي، خاصة مع اختفاء دور الحكومة في الرقابة والإشراف على الأسعار ومنع الاحتكار. وترافقت سياسة إفقار الشعوب العربية مع مصادرة الحريات العامة، وممارسة سياسات امنية وبوليسية لمواجهة المطالب الشعبية، الأمر الذي أدى الى تداخل وترابط مطالب الحراك الشعبي بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع حركة اضرابات عمالية في المصانع والقطاعات المهنية المختلفة في العديد من العواصم العربية، فالعمال وذوي الدخل المحدود أكثر الفئات الاجتماعية تضررا من النظم المعادية للديمقراطية، ويعتبرون من أولى ضحايا الأزمة الاقتصادية.
يمكن القول ان تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عمقت ازمة النظام العربي، ووفرت مناخا اجتماعيا لانفجار ثورات شعبية ديمقراطية أطاحت بنظامين عربيين من اشد الأنظمة عداء للحرية والديمقراطية، ونموذجا للفساد في الوطن العربي، لم يقتصر الأمر على النظامين المذكورين فالمنطقة العربية تعيش حالة غليان، لم تهدأ إلا باقتلاع الطغيان، رغم أساليب البطش والإرهاب والإبادة الجماعية التي تمارسها بعض الأنظمة العربية.
فالأزمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في أيلول عام 2008 ألقت بظلالها على مختلف البلدان الرأسمالية وأدخلت النظام الرأسمالي في منعطف خطير، وان كان تأثيرها متفاوتا من دولة الى أخرى وذلك وفقا لخصائص كل دولة، فقد شهدت معظم دول أوروبا إضرابات ومسيرات عمالية وشعبية عامة ضد الإجراءات التقشفية التي طبقتها حكومات الاتحاد الأوروبي واعتداء رأس المال على المكتسبات العمالية التي تحققت عبر عدة عقود، لكن هذه التحركات الواسعة جدا لم تتطور لمستوى الإطاحة بأنظمة الحكم في إي من الديمقراطيات الغربية، والسبب في ذلك ان شعوب هذه البلدان تنتظر موعد صناديق الاقتراع لمعاقبة الحكومات التي فرضت هذه السياسات الاقتصادية وحملت الطبقة العاملة والفقراء عامة تكلفة الأزمة المالية والاقتصادية في بلدانها، أما الشعوب العربية التي تعاني من الاضطهاد السياسي والطبقي والمحرومة من حق الاقتراع كوسيلة للتداول السلمي للسلطة، لم تجد أمامها سوى الثورة في وجه الطغيان، فالأنظمة التي لم تستجب لسمة العصر في تحقيق الحرية والديمقراطية، وتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية ستواجه مصيرها، فلم تحتمل الجماهير الشعبية المزيد من الفقر والإملاق، خاصة وان العالم مقبل على موجات جديدة من التضخم بدأت بالظهور.
الثورة التونسية تشق طريق الحرية
تحولت انتفاضة الشعب التونسي الى ثورة من طراز جديد، أحدثت تغييرا ملموسا بالمفاهيم المتعارف عليها في علم السياسة والاجتماع، فهي ظاهرة متميزة تستحق الاهتمام والدراسة، خاصة ان ثقافة النضال الشعبي السلمي - مسيرات ومظاهرات- ضد السلطة المستبدة لا أقول جديدة على الشارع العربي، لكن الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية جسدتها كوسيلة نضالية من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
عرفت البشرية ثورات مسلحة ضد الاستعمار الأجنبي وكذلك ضد الأنظمة الديكتاتورية، كما شهد الشارع العربي حراكا شعبيا واسعا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي اختلطت بها مشاعر العداء للاستعمار والأحلاف العسكرية، بآمال وأماني الأمة العربية بتحقيق حلم الوحدة العربية، وكان للتيارات اليسارية والقومية دورا مميزا في استقطاب الجماهير بشعارات اجتماعية ووطنية وقومية، أما اليوم فيغلب الطابع الديمقراطي والاجتماعي على التحركات الشعبية، ومبادرات من قوى سياسية واجتماعية جديدة من شبيبة ومنظمات مجتمع مدني، واستبدل المنشور الثوري بالفيس بوك وتويتر، أما الدافع الأساسي للثورة، الجوع والفقر والحرمان، هذا التميز الثوري للتوانسة يسجل بامتياز على صفحات التاريخ، ويضاف الى التراث الثوري الإنساني ويعتبر جزءا هاما منه، ويذكرنا بثورات أحدثت تأثيرا مهما في حياة البشرية تجاوزت حدود القطرية، فقد شهد تاريخ البشرية العديد من الثورات، من اجل الاستقلال والحرية والديمقراطية، وكان من أبرزها الثورة الفرنسية الشهيرة في أواخر القرن الثامن عشر، والثورة الاشتراكية في روسيا في بداية القرن العشرين، أحدثت هذه الثورات تحولات جذرية في تاريخ وتطور البشرية، استمر تأثيرها حتى يومنا هذا.
فالمقاربة بين الثورة التونسية والثورات الشهيرة في العالم نابع من تميزها عن باقي الثورات، باكتسابها بعدا اجتماعيا وسياسيا بوسائل مدنية، خاصة في الوطن العربي الذي اعتاد على أنماط حكم لا تسمح للرأي الأخر في التعبير، أو الاعتراض على سلوك السلطة، أنظمة حرمت الجماهير من وجود سلطات تشريعية تتولى المراقبة والمساءلة والمحاسبة، فالتجربة التونسية تجربة جديرة بالاهتمام، وأصبحت مثالا يحتذى به، وشكلت دفعة قوية للمقهورين والمهمشين العرب، فشهدت البلدان العربية، ما يعرف بأيام الغضب احتجاجا على السياسات الرسمية .
رياح التغيير في الوطن العربي
رياح التغيير والديمقراطية تهب على الوطن العربي، ثورتان شعبيتان في شهر واحد، انتصار الشعب المصري بعد الشعب التونسي زلزل أركان المنطقة، وحفز الشعوب العربية نحو التغيير. فشهدت عدد من الدول العربية تحركات شعبية واسعة، الجامع المشترك بينهما التصدي للانظمة المستبدة المعادية للديمقراطية، ومواجهة الفساد وافقار الشعوب العربية، كما ان وسائلها واحدة، على الرغم ان لكل دولة خصائصها، ففي الوقت الذي فتحت الثورة التونسية الطريق امام الامة العربية لمواجهة الطغاة، وشقت الطريق نحو الديمقراطية باساليب سلمية، فالثورة المصرية سوف تحدث تطورا ملموسا في الموقف العربي، لما تشكله مصر من محور رئيسي في الوطن العربي وإفريقيا، فانتصارها سيحدث تغييرا جوهريا في السياسة والاقتصاد على مختلف الاصعدة المحلية والعربية والإقليمية والدولية.
تميزت هذه الثورات بأهدافها ووسائلها، لم يعتد العالم على هذا النوع من الثورات، فسقوط الديكتاتوريات يحتاج الى ثورات شعبية مسلحة، او انتفاضة عسكرية للإطاحة بها، أما الوطن العربي اعتاد على انقلابات عسكرية توصل العسكر الى السلطة، باسم الحرية والديمقراطية والتحرير- تحرير فلسطين- ومع مرور أكثر من نصف قرن على هذه المشاهد المستنسخة في عدة أقطار عربية، لم تشهد الأجيال حرية او ديمقراطية، ولم يشهد أبناء النكبة او سواهم تحرير شبر واحد من فلسطين، لا بل سقطت باقي الأراضي الفلسطينية بأيدي الصهاينة، وأصبح كامل التراب الفلسطيني تحت الاحتلال، اضافة الى اجزاء من الوطن العربي.
البلدان العربية تمر بمرحلة جديدة سمتها الأساسية الانتقال الى الدولة المدنية، عبر آليات عمل ديمقراطية ومبادئ دستورية، تؤمن الانتقال السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، أما مرحلة ما بعد الثورة وقبل بناء المؤسسات الديمقراطية واستقرار النظام الديمقراطي تعتبر من أصعب المراحل، فالانتقال من مرحلة الى أخرى ليس سهلا، خاصة الانتقال من نظام ديكتاتوري بوليسي، الى نظام ديمقراطي يؤمن التداول السلمي للسلطة، حيث يشتد الصراع بين القديم والجديد، فالقوى الاجتماعية التي كانت سائدة ومهيمنة على نظام الحكم والتي استغلت السلطة في الاستيلاء على ثروات البلاد وخيراتها بطرق غير مشروعة، لم تستسلم بسهولة، وهي تمارس أساليب مختلفة لإعادة حركة التاريخ الى الوراء، بعد ان فشلت في قمع الثورة، كما ان الجماهير الشعبية في الوطن العربي لم تمارس الديمقراطية، فالديمقراطية ثقافة ووعي وسلوك انساني جديد على الوطن العربي. فإذا كانت الديمقراطيات الغربية نشأت في أوروبا بعد الثورة الفرنسية ضد الإقطاع والنبلاء والنظم السياسية المدعومة من الكنيسة، لكن محركها الأساسي نمو القوى المنتجة البرجوازية في أحشاء النظام الإقطاعي الذي شكل حاجزا منيعا في وجه تطور علاقات إنتاج رأسمالية، ما كان ممكنا تخلي الإقطاع عن سلطته المركزية في أوروبا لولا انتصار الثورة الفرنسية، التي مهدت الطريق أمام الانتقال من تشكيلة اقتصادية اجتماعية - النظام الإقطاعي- الى تشكيلة اقتصادية اجتماعية جديدة - النظام الرأسمالي- بناء نظام جديد كان احد سماته الرئيسية الديمقراطية البرجوازية التي وفرت الحرية المطلقة لحركة رأس المال باعتباره هدفا رئيسا للثورة البرجوازية، وكان للاهداف النبيلة للثورة في الحرية والديمقراطية حافز لالتفاف الطبقات المضطهدة حولها.
اما دور الشباب في قيادة الثورة فهي مسألة جديدة في تاريخ الثورات، تستحق الدراسة والتمعن، جيل من الشباب استفاد من ثورة المعلومات ليس فقط للحصول على اهم المعلومات، بل ومن اجل التواصل الاجتماعي للتمهيد والاعداد والاعلان عن الثورة، بشفافية متناهية تحت سمع وبصر الطغاة واجهزتهم القمعية، ثورة لم تُحك ْفي الظلام اوفي البيوت السرية، والاحزاب السياسية لم تشكل الدور الرئيس في حركة الشباب خاصة في التجربة المصرية، فالثورة لم تكن من إعداد وترتيب حركة سياسية منظمة- حزب او تجمع أحزاب- وان كانت الثورة هي ثمرة نضالات سياسية وشعبية متراكمة، ان هذه التجربة جديدة ومميزة في أدواتها وأهدافها، فأدواتها تشكلت عبر التواصل الاجتماعي من خلال الشبكة العنكبوتية، واهدافها الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهي نقاط محورية ثلاث يمكن بالاستناد اليها استنباط برنامج سياسي شامل، لبناء دولة مدنية عصرية تواكب التطورات العالمية وترقى لمستوى الأمم المتحضرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة مستمرة
خالد سعيد محمد ( 2011 / 6 / 1 - 11:18 )
شكرا جزيلا للاستاذ فهمي وارجو ان يأذن لي باضافة تقديري بالقول ، بالرغم من انه يعاب سلوكيا واخلاقيا ومن باب الكبرياء الذاتي على السلطة المستبدة التي سحقتها الثورة ، ان تفكر بالعودة الى نفوذ الحكم الا اننا ملزمون ان نتمسك بمبدأ ان تلك السلطة المدحورة لن تستسلم بسهولة وان محاولتها تلك لن تتوقف ، فتلك هي طبيعة الصراع بين القوى الاجتماعية (في عالمنا الذي فرض عليه التخلف) التي ابتليت بقيادات لم تزل في وعيها اقرب الى سلوك وعادات الغابة ، أنا اعتقد ان للهزيمه ادابها وقد تخفف من مرارة المهزوم اذ اعترف بها واستسلم ،وبالرغم من ذلك فاكثر من نصف الخطر يتعلق بذات القوى التي اطاحت بسلطة الاستبداد ، والمشكلة الحقيقية تكمن في مدى عمق ووعي اساليب ممارسة الديمقراطية فيما بينها كقوى ثورة وتغيير بعد انتصار الثورة الشعبية السلمية ، ويقيني ان هذه المسالة ما تزال بحاجة لتعميق البحث فيها وفي كيفية ترسيخ قيم الديمقراطية في اثناء الثورة وبعد انتصارها ، اذ من المهم تعمير عقول القوى الاجتماعية التي اجمعت على ضرورة التغيير بضرورة الاعتراف فيما بينها بدورالاخرين وبشكل ديمقراطي يحتكم لذات المنطق السلمي الذي ح


2 - بقية
خالد سعيد محمد ( 2011 / 6 / 1 - 13:32 )
يحتكم لذات المنطق السلمي الذي حرك الثورة ، بذلك فقط يمكن العبور واستكمال عملية التغيير نحو مجتمع مدني جديد يؤسس لحياة افضل


3 - ff
cheikh ( 2012 / 1 / 12 - 17:18 )
من فضلكم اريد بحث عن حدود العامة للقطاع الصناعي والتجاري

اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي