الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا .. 2

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


الوضع لا زال ينذر بالانهيار .. وأسطح المنازل تعلن الولاء للزعيم بقرار رسمي مبتهجة برفع الاعلام الخضراء ، في حين تختفي تلك الاعلام بمجرد سماع السكان لأصوات طائرات العدو ، وهي تحلق في سماء الوطن المستباحه ..
كل شيء يوحي بنهاية واحدة لا فروع لها ولا شعاب ، نهاية تقول بأن اللعبة انتهت بحكم المنطق ، وحسب واقع الحال .. لعبة ختمتها عربة بائع خضار تونسي عاطل عن العمل ، أمر جبروت بلاده بأن يسقط كما سقط عرش فرعون امام عصى موسى ..
إنها الخاتمة الطبيعية لمن لا يريد ان يرعوي فيستفيد من وقائع التاريخ ، خاتمة مكتوبة بذات اللون وبنفس نوع الخط ، معلنة بأن دينامكية الحياة أضحت لا تتقبل العفن القديم ، والحرس القديم ، والفكر القديم ، والعقول الموغلة في امتهان التعامل مع وحل فكري لا يتماشى مع ضرورات التقدم الحثيث في كل مناحي الحياة .. إنها الحقيقة المرة الحلوه ، تلك التي تطل برأسها هذه الأيام ، مسجلة أروع صور التصدي لأعتى أنظمة لا تريد ان تصدق ، بان سفرها على هامات مواطنيها قد بلغ محطته الاخيره .
بالأمس كان بوعزيزي هو الشراره لتندلع ثورة الياسمين ، ضاربة وبمشرط تحركه سواعد المظلومين في اعماق عائلة الطرابلسي الحاكمة في تونس ، ومن بعدها قال ميدان التحرير في أم الدنيا كلمته هو الآخر، ليزيح وباصرار حاز على اعجاب القاصي والداني ، أوسخ ما عرفه التاريخ العربي من حرامية بلغ بهم الغباء حدا أصبحوا فيه من تجار الخرده وممتهني مقاولات بيع الاراضي ، رغم كونهم حكاما ذاع صيتهم حفنة من السنين ليست قليله .. تبعتهم ومعهم ثورة اليمن وسوريا وليبيا ، لتشتعل النيران في رموز لا تريد ان تقر بنفاذ صلاحيتها بامتلاك السلطه ..
لم يكن بمقدوري يوما أن أصمد أمام لحظة كشف وجوه الموتى لحضور ما يسمى بالنظرة الاخيره .. بل إنني لم اعثر على مسوغ ديني ، ولا حتى أخلاقي ، للتعامل مع الميت وبهذه الطريقه .. غير أنني كنت مجبر على مشاهدة جثث تفترش الرصيف قرب مدينة العزيزيه في ليبيا ، وانا في طريقي الى سكني عائدا ، أو بالاحرى هاربا من جحيم الصدف ، كل شيء هنا أصبح خاضعا لأحكام الصدفه .. ان تموت في بيتك مقتولا أمر ممكن الحدوث .. فالجميع مسلح ، وفي فضاء المدن والشوارع يتحرك المطلق سراحهم من السجون كي يؤدوا ما عليهم من دية .. ولا أسهل من دية إحداث الرعب في نفوس قد تهوى التمرد .. هكذا فعل صدام حسين عندما اصدر عفوا عاما عن السجناء حين شعر بضيق خناق التغيير .. وهكذا فعل حاكم اليمن .. وهكذا كان الحال في بقية بلدان قررت ان تستجيب لصرخة بائع الخضار التونسي الرمز ..
سحنات الوجوه بدأت تتغير منسجمة مع ألاخبار التي تحمل صور الثورة في الشرق .. ولم يعد التواصل بين الاجانب والليبيين وديا .. وراحت العيون تحرث في اجساد من يخطأ فيتسوق وبشكل علني .. إنها فكرة واحدة تلك التي تنطلق من رؤوس ابناء الحارة والزقاق حينما يلوح لهم اجنبي وخاصة من العرب ، وهو يحمل كيسا يظهر منه خيال لفاكهة أو علبة عصير .. فالمال الخاص والمكتسب عن طريق العمل مهما كان نوعه من قبل الاجانب ، هو مال ليبي محض ولا يجوز التصرف به في هذه الأيام ..
ثمة من يقول في سره وانا منهم ، ترى لماذا ثار الليبيون وهم بحق يمتلكون الكثير مما لا يمتلكه سواهم في اليمن او سوريا او تونس ؟ .. فمهما بالغت وسائل الترويج لحدوث الثوره في إظهار صور الفقر هنا وهناك كدليل على حالات التذمر في ليبيا ، غير ان الفرد الليبي وفي الغالب الأعم ، يعتبر أكثر امتلاكا لنعمة الاكتفاء من غيره ، فلا أزمة في الغذاء ولا في الدواء وليست هناك مشكلة في الكهرباء او المياه الصالحة للشرب .. الجميع عدا القلة القليلة يمتلكون وسائط النقل الخاصه ، بل إن أغلب العائلات تمتلك اكثر من سيارة تدعمها أسعار متدنية جدا للوقود ، وفي الغالب تمتلك الكثير من الأسر أكثر من دار .. الفرد الليبي تحترمه مطارات العالم ، وتستقبله حواجز فحص الجوازات عندما يسافر خارج بلاده بكل الود .. لا يوجد ليبي بدون رصيد في المصارف ، بل إن الملايين منهم يتقاضون ثلاث رواتب مرة واحده لوجود سجلات مؤشر فيها بانهم يعملون في عدة وظائف ، ولا سيما النساء من ربات البيوت ، حيث يتقاضين رواتبهن وهن قابعات في المنازل وبصفات وظيفية وهمية مختلفه .. من لا يثق من الموطنين الليبيين بالطب في بلاده بامكانه الرحيل الى مستشفيات تونس في الحال وبأيسر السبل ، ومن يريد أن يتعلم فالدراسة مجانيه .. وتقول بعض الاحصائيات غير الرسميه بأن ليبيا لديها عدد لا يستهان به من الزمالات الدراسيه في الخارج وعلى نفقة الدوله ، ولا يمكن لمن أقام في الجماهيرية الليبية من غير الليبيين أن ينكر مدى سعة حملة التعمير الحاصلة في البلاد في الفترة الاخيرة وعلى كافة المستويات ، فمشاريع الإسكان الضخمة بدأت تزحف في جميع المدن من خلال العمارات المنفذة من قبل العديد من الشركات الكورية الجنوبيه لتوفيرما يقارب 530 الف وحده سكنيه .. وتم حجز مساحات واسعة داخل وحول العاصمة طرابلس لتشييد الفنادق الفخمة والمطارات والحدائق العامة وملاعب الاطفال ، وتطورت بشكل ملحوظ نتائج الحملات القائمة في مجال انشاء خطوط الصرف الصحي ، وبدا واقعا وجود فائض في الكهرباء ، وتوفر المياه الصالحة للشرب ، ولا يغيب عن المتتبع روعة شبكة الطرق المعبده والتي تمتد الى أبعد الاعماق في الصحراء ، ناهيكم عن التسهيلات المصرفية لغرض استلام السلف النقدية على اختلاف انواعها .. فما الذي حدث كي تنقلب الامور وبهذا الشكل إذن ؟ .. ما هي الدواعي الحقيقية للثورة عدا عن كونها حركة تحمل في طياتها أجندات مناطقية أساسها ذلك الصراع المتخفي بين الشرق والغرب ، والذي ظهر في اوقات مختلفة على شكل هيجان مدني قادته مدينة بنغازي ولم تستجب له بقية المدن وبالشكل الذي ظهر مؤخرا ؟ ..
باعتقادي ، ونتيجة المعايشة المباشرة للوضع العام في لببيا ولفترة امتدت لأكثر من إربعة عشر عام ، فان من ابرز المسببات الحقيقية للحراك الشعبي الليبي الاخير ، هو ذلك الانفصال عميق الجذور ، بين ما تؤمن به القيادة الليبية من إرهاصات فكرية ، وبين ما يراه المجتمع من تغييرات تترى على بقية المجتمعات حتى القريبة منها في البلدان الاخرى ، تلك الارهاصات التي أضحت ثقيلة على مجمل الحركة الاجتماعية الداخلية ، بحيث نجحت تلك القيادة وبشكل كبير في تحجيم القدرة على الابداع وفي كل الميادين ، كي يبقى القائد هو الوحيد القادر على ترتيب امور الرعية .. فلا صحافة بمعنى الصحافة لانه لا يوجد كتاب ، ولا شعر لانه لا يوجد شعراء ، ولا موسيقى متميزة لعدم وجود موسيقيين ، وليست هناك متاحف تحمل سمات عرض التحف ، ولا ذكر البته لما يقال عنه بانه مسرح ، ولا اتذكر ابدا بانني شاهدت أو سمعت عن فرقة فنية يعرفها اي ليبي ، غير تلك التي تدبك للقائد وبمناسبات ليست لها تواريخ بعينها .. حتى الرياضه ، كانت ولفترة طويله ، حكرا على فرق تدار من قبل الحكومة وبطرق رسمية ، مما جعلها دائمة الانتكاس وعلى الدوام خلال المواسم الرياضية المحلية والدوليه .. وما يحير فعلا هو ذلك الاصرار الغريب على البقاء رهن حيثيات ثابتة في كل شيء بمجرد ان القائد قد آمن بها وسطرها في لحظة من لحظات عشقه لممارسة ( الفلسفه ) .. لقد عجزت شخصيا عن العثور على اي ليبي يستطيع معرفة أي الشهور هو شهر آي النار ، أو شهر الحرث ، أو شهر هانيبال ، وكان ذلك سببا في اضطراب ظاهر في كيفية معرفة الفترات الحقيقية لتثبيت التقارير الفنية للاعمال المنجزة وعلى كافة الصعد ، كل ذلك لأن القائد وليست المؤسسة او التجمع المختص هو صاحب الفكرة والقرار .. وبدت التسميات الثقيلة لكافة مؤسسات الدوله والتجمعات المدنية وبشكل لا شبيه له في كافة انحاء العالم ، معرقلا للمواطن الليبي في ميدان تعامله الرسمي وغير الرسمي سواء في الداخل او الخارج ، معرضة إياه الى الاستهجان وعدم الانسجام مع المحيط القريب والبعيد .. كل ذلك ايضا لأن القائد هو الذي حدد معالمه غير القابلة لأي حوار أو تغيير .
لقد تجسدت عملية التهميش المقصودة والخبيثة للمواطن الليبي وفي اوضح صورها ، في تلك المؤسسة الرسمية السرية المعنية بمتابعة ما سموا بالموهوبين في ليبيا ، والتي تم العثور على مكاتبها وملفاتها في مدن بنغازي ومصراته مؤخرا ، حيث جرى تكليف هذه المؤسسة بالاطاحة بكل طفل او شاب تعكس سيرته الذاتية بأنه سيكون موهوبا في مجال ما من مجالات العلوم او التكنلوجيا او الفن او حتى السياسه ، وذلك من خلال حرف قابلياته عن مسار الابداع وتوظيف طاقاته في اتجاهات اخرى كي يتوقف وتموت قابلياته المتميزه .. فريادة كل شيء لا تخرج عن طوع ما يراه الاخ القائد ، وما يرسم له في مخيلته .. فهو وحده من يتحدث من خلال موقعه الالكتروني ليس للجماهير الليبية فحسب ، وانما للعالم اجمع .. وهو وحده المكلف بالتفكير نيابة عن الشعب ، فيفز من نومه احيانا مثقلا بالجديد من الفلسفة ، لتنطلق بطانته جاهدة نفسها بتهيئة قاعات الجامعات ، وتأمين اعقد وسائل النقل المباشر عبر شاشات العرض عن بعد ، كي يتحدث قائد الثورة للطلاب وللاساتذة وللسياسيين في العالم ، عن معنى اسم اوباما الرئيس الامريكي الاسود .

يتبع
ليبيا
20 / 3 / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم أضحك مثلما ضحكت الليلة
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 1 - 23:16 )
أهو رئيس دولة أم اله هذا الذى تصفه أستاذ حامد !! هذه أوصاف وتصرفات اله ... ولكنك صغت لنا المأساة بشكل كوميدى لدرجة انى لم أستطع التوقف عن الضحك ، مسكين هذا الانسان الليبى لا أملك تجاهه رغم التشوه الحادث والمتوقع .. لا أملك سوى التعاطف ، فهذا ما جناه أربعون عاما من الاستبداد .. ولو بحثت فى الشخصية المصرية ستجد نوع آخر من التشوهات لازلنا نعانى منها وتؤثر سلبا على القفزة التى أحدثتها ثورة اللوتس وأظن أننا لن نبدأ فى جنى الثمار الا بعد من عشر الى خمسة عشر عاما ...رجاءً أكمل فأنت تصف لنا معايشة عن قرب وهو ما لم يتوفر لأى مراسل صحفى وخاصة أن الوصف يسرده فنان وأديب رائع.. شكرا أستاذ حامدوفى انتظار البقية


2 - شكرا للمعاناة وما تفرزة من فن
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 2 - 05:23 )
غم انني اعرف حجم الثمن من المعاناة التي قاسيتها الا انها تساوى ما انتجتة .. ما موقف الاسلامجية في كل ما يحدث ارجو توضيحةبهذا الفكر الهادى لفنان و مفكر


3 - تحليل مُقنع ونزيه لما يحدث في ليبيا
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 2 - 06:48 )
الصديق حامد حمودي
أحاول لفت إنتباهك بأن عنوان مقالك هذا لا يحمل (# 2 ) في عمود ( خيارات وأدوات ) !! ، لهذا فربما فات على البعض معرفة أن هذا هو الجزء 2 من الموضوع
بالإضافة إلى روعة سردك وتمكنك الدقيق من لغة المقال بحيث تمكنت من نقل الحدث لنا ككاميرا سينمائية ، أقول بالإضافة لكل ذلك فإن مصداقيتك في التحليل أعجبتني جداً ، لأنك لم تكن متحيزاً او متطرفاً لهذا الطرف أو ذاك ، بل نقلت بكل أمانة صورة الوضع الذي كانت عليه ليبيا قبل الثورة مع تفصيل نزيه لما يتمتع به المواطن الليبي قياساً أو مقارنةً بأخوته في اغلب البلدان العربية ، بعدها بينت أسباب حدوث تلك الثورة ، وهي ليست أسباباً معيشية مادية تتعلق برغيف الخبز ، بقدر كونها أسباباً نفسية وحسية تطالب الحاكم بالتنحي، لأنه وعلى مدى أربعين عاماً الغى شخصية الشعب وحوله لربيطة لا حول ولا قوة لها
رائع هو عملك الفكري والفني هذا ، وأتفق مع الزميلة فاتن واصل في قولها ان هذا السرد والمعايشة لم تتوفر عند أي مُراسل صحفي حاول تغطية ما جرى هناك
ننتظر الجزء الثالث والرابع والخامس ، فالقراءة لك صديقي متعة وفائدة
تحياتي لك وللعائلة الكريمة


4 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 6 / 2 - 08:01 )
أخي الكاتب المحترم ، تحية سرد ووصف جميل لعاصمة كانت تعيش على توقيت الأخ القائد. بإنتظار بقية الحلقات ، مع التقدير لك


5 - عزيزي الأستاذ حامد حمودي عباس
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 3 - 04:41 )
مس من الفلسفة رفعه إلى أبراجه العاجية فأصبح يحلّق في فضاء وحده . طيب ، وماذا عن أولاده الشباب ؟ شباب اليوم ، أبناء الثورات الإلكترونية ؟ لقد أصبح كل واحد فيهم كوناً بذاته ، وله مريدوه يدورون في فلكه والكل يدور في فلك الممسوس أدبياً وفلسفياً , لقطات رائعة , ولم أدر أنك قضيت هذه الفترة الطويلة هناك ، ظننتك كنت تكتب من العراق الجريح ، فكم هي ثرية تجربتك أيها الأخ الرائع .. أنتظر البقية مع أفخم التحية

اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا