الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السنّية السياسية ... واللمسة الحريرية

قاسم محمد يوسف

2011 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


للسنّة في لبنان تاريخ طويل وعريض لا إمكانية لإختزاله أو تفنيده في مقال أو كتاب, وبالطبع فإن الحالة السنية التي قامت على توازنات المنطقة وحراكها ظلت ملامسة للطريق النضالي الطويل وللقضية المركزية في صلب الصراع العربي الإسرائيلي وربما -يقول المتابعون- لم تكن السنّية السياسية حالة قائمة بذاتها بل إعتمدت أفكاراً "شبه معلّبة" وسارت في ركاب المشاريع العربية المتعددة, من المد الناصري إلى ياسرعرفات مروراً بحلقات رشيقة تخطت حدود الجغرافيا اللبنانية ولامست مفهوم الأمة بكافة أبعادها.

لم تكن السنّية السياسية (كما المارونية السياسية في السابق والشيعية السياسية اليوم) مشروعاً محلياً هادفاً بقدر ما كانت تعبيراً صارخاً عن الشعور بفائض القوة نظراً للسيول البشرية وربما القومية الهادرة في محيط عربي يعّج بأفضل ما لديه, ولم يكن الإرتباط بالوطن موازياً أو مساوياً لعمق الإرتباط بالقضية فكانت الوحدة العربية -بالنسبة لهم- متقدمة على الشأن الداخلي وبالتالي فإن فلسطين كانت أولاً وتليها مصر (نواة العالم العربي) ومن يدور في فلكها ولاحقاً قد يأتي لبنان.

دخلت سوريا إلى لبنان بموافقة أمريكية – إسرائلية لتكبح جماح المقاومة الفلسطينية ولتضرب فائض القوة الذي أصاب "السنّية السياسية" بالنشوة المفرطة, مستعينة "بهواجس" مشروعة لطوائف متعددة شكّلت أقلّيات "مذعورة" ومتحالفة لتحقيق هدف واحد ضمن النظرية المتمثلة بتحالف الضعفاء لكسر القوي, ومن شّذ عن هذه القاعدة (في حينها) كانت سوريا له بالمرصاد.

إستطاعت سوريا بعد معارك ضارية أن تضرب المقاومة الفلسطينية وتسقط مشروعها في لبنان, فأمعنت في ضرب بيئتها الحاضنة حتى أجهضت الأحلام الكبيرة وجعلت من أصحابها "ماسحي أحذية" في الدولة اللبنانية يقتاتون من فتاتها ما لا يسد رمقهم السياسي ودورهم التاريخي.

بعد الهزيمة المدّوية لطائفة برمتها وبعدما أمعنّت دمشق في تفريق صفوفها وضرب قياداتها ونسف قواعدها وخنقها على المستوى الوطني والسياسي, لم يعد أمامها خيار سوى الإستسلام تمهيداً لتحالف مفترض (كما جرت العادة) يكشف اللثام عن مرحلة جديدة تُعيد هيكلة التوازنات وتضبط الإيقاع من جديد, وفي المحصلة, دخلت السعودية بقوة على خط الأزمة اللبنانية فجمعت المتخاصمين على طاولة واحدة في المملكة بمباركة عربية وعالمية وبدعم سوري – أمريكي نتج عنه ما يُعرف بإتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان وكان عرابه وأحد أبرز صانعيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

عاد رفيق الحريري إلى لبنان, أصبح رئيساً للحكومة, شارع في بناء الدولة الحديثة والمؤسسات الفاعلة, سخّر كل علاقاته الدولية لبناء لبنان وإذدهاره حجراً وبشراً و... إلخ, إلا أن رفيق الحريري, وهنا النقطة المركزية, نقل الطائفة السنّية من ضفة إلى أخرى ومن تاريخ إلى أخر ومن أفكار مسمومة ومشاريع معّلبة إلى فكرة الدولة ومشروع بناءها, رفيق الحريري دمج المجتمع السنّي برمته مع مفهوم الدولة العصرية وعمم في أروقته لغة الإعتدال والسلام والعيش المشترك, رفيق الحريري غيّر مجرى سير السنّة في حياته فصدحت حناجرهم بعد مماته ولأول مرة في تاريخهم : لبنان أولاً.

السنّة اليوم هم الأحرص على الدولة وبقاءها, فقد أيقنوا بعد التجارب المتنوعة التي تمّت بصِلاتها إلى التاريخ القريب والبعيد أن الدولة وحدها تحميهم وأن المواطنة الحقيقية هي السبيل الوحيد للخلاص في وطن يضّج بالطائفية والمذهبية المقيتة, حتى يكاد لا يخلو خطاب للرئيس سعد الحريري من تأكيد المناصفة بين المسلمين والمسيحيين, وتثبيت مرجعية الدولة في كل الأمور, ونبذ العنف والتطرف والدعوة إلى الحوار والوحدة لحل المشاكل والأزمات.

في حديثهم "الحاقد" والظالم عن الحريرية السياسية يتناسى هؤلاء "الحاقدين" أن الحريرية السياسية غيّرت وجه لبنان المُظلم وإنتزعت من صدور القوم حقداً دفيناً وشقت الطرقات المؤدية نحو بناء الدولة القوية والقادرة بأبنائها المتطلعين نحو غدٍ مُشرق ومستقبل زاهر.

كان من الأجدى أن يسلك البعض طريقاً أنجع في حل المشكلة اللبنانية, والمعروف أن الطريق الأقصر بين نقطتين هو الخط المستقيم, فبدل أن ننتقد إتفاق الطائف ونطالب بتغييره لا بد من تنفيذه أولاً, فقد جاء هذا الإتفاق بعد عقود من القتال والحروب العبثيّة وشكّل هدنة فعلية وقائمة وكان (رغم سيئاته) افضل التسويات الممكنة ولكنه لم يتوصل في البداية إلى إنهاء الأزمة اللبنانية بإعتبار أن الحل الجذري للأزمة القائمة يقتضي إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية من جهة والتواجد العسكري السوري من جهة أخرى, ففي أيار من العام 2000 خرج الجيش الإسرائيلي من المعادلة اللبنانية بعد تحرير الجنوب, وفي نيسان من العام 2005 خرجت سوريا "عسكرياً" تحت ضغط دولي هائل أثر إغتيال الرئيس رفيق الحريري لتطراً مُعضلة جديدة تمثلت بالتعاظم العسكري المتسارع لحزب الله تمهيداً لسد الفراغ السياسي والأمني الناجم عن الخروج السوري المفاجئ, ولذلك, فإن العقدة الأبرز في وجه الحل الجذري للقضية اللبنانية تكمن في قيام دويلة حزب الله على حساب الدولة اللبنانية, وبالتالي فإن الحل الوحيد هو التطبيق الكامل لإتفاق الطائف عبر نزع سلاح الميليشيات لا سيما سلاح حزب الله ودمجه بمؤسسات الدولة ضمن إستراتيجية دفاعية تُمهد لخلق نظام جديد وتؤسس للجمهورية اللبنانية الثالثة وللإستقلال الأول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -