الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا # 3

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


على ما يبدو فإن حلف النيتو قد تحرك لترجمة الارادة الدولية المنحازة الى جانب بنغازي ، وبدأت طائراته تدك المواقع الأكثر تأثيرا في عملية زحزحة النظام .. شعرت وبوضوح تام بأن الاعلام الخضراء بدأت تهبط رويدا رويدا من فوق أسطح المنازل ، خشية من ان يطالها القصف ولو عن طريق الخطأ .. مقابل هذا أخذت اصوات مكبرات الصوت تعلو وتيرتها هنا وهناك وهي تنثر الاغاني الحماسية ذاتها دون ان تتجدد فيها الالحان ولا الكلمات .. وكان من المؤكد بأن السلطه وامام حالة الفزع العام لدى السكان في مدينة طرابلس وضواحيها ، قد وجهت بشحذ الهمم ، وبأية وسيلة متاحه ، كي لا يحدث ثلم لما تدعيه من تماسك وتلاحم بالقائد ضد الهجمة الصليبية البربرية للغرب .. ما يعكس مقدار الضرر الحاصل في بنية المجتمع الطرابلسي وسواه في المدن الاخرى في الغرب الليبي ، وبطريقة لم تتمكن الجهات الرسمية من السيطرة عليه ، هو تلك الطوابير الطويله من السيارات وهي تنتظر الحصول على فرصة التزود بالوقود .. فقد كانت الطوابير تبدأ عند مسافات بعيدة ، وكلما اقترب الطابور من نقطة التوزيع ، هاج الناس ، وازداد احتكاكهم مع بعضهم ، حتى تبلغ ذروة ذلك الاحتكاك عند مدخل المحطه ، فتظهر هناك بادية للعيان انواع الاسلحة المشهورة ، فمنها الاسلحة البيضاء ، والاخرى على شكل بنادق رشاشه ، ومن لم يمتلك سلاحا يحمل هراوة ليدافع بها عن قدسية المكان ضمن الطابور ، كيف لا وأقل فترة متاحة للانتظار قد تبلغ يومين او ثلاثه .. ليست هناك معاني لما يسمى بأتيكيت السلوك لدى الليبيين عند حافات الشعور بالحيف ، فاستخدام العنف في فض النزاعات حاضر في كل لحظه .. وأسوء ما شاهدته ولاحظته فيهم ، هو تلك النخوة المتبادلة ضد الغرباء حين تحدث مشادة ولأي سبب كان بين ليبي واجنبي .. فكثير ما تشاهد مجاميع من الشباب وبمختلف الاعمار ، وهم يتجمعون لمطاردة تونسي او جزائري او مصري او شاب اخر من احدى دول افريقيا السوداء بمجرد ملاحظتهم لنزاع ما بين الطرفين وفي مكان عام ، حتى دون ان يفهموا بالضبط موضوع النزاع .
لم يكن بمقدوري الانتقال الى العاصمة طرابلس بذات الامكانية التي كنت انتقل بها سابقا ، فانا اقيم بمدينة تبعد عن طرابلس بمسافة لا تتجاوز الثلاثين كيلومتر .. لقد كنت اخشى من تبعة التجوال هناك في هذا الوقت ، حتى اضطررت مؤخرا الى ان اكون في مقر الشركة التي انتسب لها لاستلام آخر راتب لي ، والذي اعتبرته نعمة هبطت لي من السماء لحاجتي الماسه لاي اعانة مادية اتخطى بها محنة هذا الحصار الخانق .. السيارة التي يمتلكها زميلي الليبي في العمل كانت تتحرك بهدوء بعد ان اقلتني واياه الى مقر الشركه .. الشوارع كانت تخلو تماما من المارة عدا قليل من السيارات ، لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الوجود العسكري أو بوابات التفتيش .. حتى باب العزيزية ، وهو مقر القيادة الليبية لم يكن كما اشاهده من على شاشات التلفزيون الرسمي ، فثمة عدد من الخيام كانت تنتشر في حديقة عامه تقع قبالة الباب الرئيسي للبناية ، ولم تكن هناك اية مظاهرات او تحرك جماهيري مميز ، ولا اعرف ان كان الامر محكوم بالصدفه .. اشار علي صاحبي بالذهاب الى حي تاجوراء حيث تقع هناك الدار التي يسكن فيها اهله قبل ان ينفصل عنهم بعد الزواج .. وتاجوراء هذه هي احدى المناطق الساخنة والتي انطلقت منها اولى التظاهرات المعارضة للنظام بعد الانتفاضة في شرق البللاد .. سألت الرجل ان كان هناك من خطر محتمل لوجودي معه في الحي ، فنفى ذلك ، عدا عن انه طلب مني ان يحتفظ بما لدي من نقود في مكان ما في سيارته ، والسبب كما بينه لي ، هو ان فرق الكتائب العسكرية مكلفة بمنع اي اجنبي من حمل المبالغ التي تتعدى قيمتها الالف دينار ، معتبرة اياها اموالا للشعب الليبي رغم ان تلك النقود قد تكون اتعابا لكد قام به صاحبها وبشكل مشروع .. وتحضرني هنا حادثة تعرض لها اربعة خبراء من كوريا الجنوبية ، كانوا قد استأجروا سيارة تاكسي من طرابلس الى المطار لغرض مغادرة البلاد قبل بدء الحضر الجوي ، وحين وصلوا المطار ، واجتازوا المراحل الاولى للتفتيش ، لاحظ احدهم بان النقطة التالية والاخيرة لفحص وثائق السفر تقوم بارغام المسافر على القاء ما بحوزته من نقود مهما كان مقدارها .. فعاد الى صالة المطار ، ولاحظ تواجد سائق التاكسي الذي اقلهم من المدينة ، فسارع الى منحه مبلغ الاربعة آلاف دينار الموجودة لديه ، مبديا له بانها منحة مجانية له مقابل صحبة لم تدم لاكثر من نصف ساعة .
الشوارع المؤدية الى حي تاجوراء كانت خالية ومثيرة للخوف ، ولم يظهر لي فيها أي ملمح من ملامح الحياة الطبيعية ، عدا مجموعة من افران صنع الخبز يتكدس امامها عدد غير قليل من الناس ، وحين وصلت الى دار صاحبي ، وجدت في صالة الضيوف رجل يتابع التلفزيون ، تحرك من مكانه فور دخولي ليغير القناة التي كان يشاهدها ، قبل ان يطمأنه زميلي بانني عراقي ، ولا خوف من وجودي ، وبإمكانه ان يفتح سريرته لي كما يشاء .. الرجل وحسب ما علمت هو من سكان مدينة الزاويه ، وقد استولت كتائب الجيش على داره عنوة لاتهامه بالتواطؤ مع الانتفاضه .. حدثني ، وبحذر احيانا ، عن مقدار الضرر الذي حصل للمدينة وسكانها ، فجاره بقي لمدة اسبوع بكامله خلال قصف الكتائب لمدينة الزاويه ، وهو يحتفظ بابنه جثة هامدة داخل الدار ، مستعينا بمكيف الهواء لابقاء الجثة بعيدة عن حالة التعفن لعدم قدرته على دفنها بفعل المعارك الحاصلة في المدينه .. في هذه الاثناء وصلنا صوت طائرة تمر في اجواء العاصمة ، وكانت خلاصة الفكر المعارض متمثلة في تعليق صدر عن الرجل حين قال .. هذا الصوت هو سمفونية رائعة بالنسبة لي انتضر منه ان يمنحني الخلاص .. لقد تجسدت لي حينها الصورة الحقيقية لمدى ازدواجية ما يسمى بالشعور الوطني لدى الشعوب المغلوبة على امرها ، عندما يستخدم طغاتها هذا الشعور، كمخدر فعال ليبعدوا أية امكانية للاستعانة بالدول القوية كي تزيحهم عن عروشهم مكسورين .. هكذا كان الليبيون يحملون لنا نحن العراقيين عارا جاهزا يواجهوننا به في كل حين .. غزتكم امريكا واستباحت نسائكم والله يرحم صدام حسين .. وهكذا بدأ الغرب يمارس لعبة القط والفار مع النظام الليبي ليطيل مدى النزاع بمشيئته وبطريقته الخاصه ، كي يجعل بنغازي ترفع يدها معلنة قبولها بما كانت ترفضه من تدخل بري لقوات النيتو باعتباره احتلالا .. فالقوات التي غزت وبفرقة صغيرة واحده ارض باكستان ومخابراتها واستخباراتها لتدخل مباشرة الى غرفة نوم اسامه بن لادن ، هي ذاتها قادرة على غزو باب العزيزية او سواها من الابواب ، وتخلع رأس النظام ، لتنتهي كل سيول الدم ، ويتوقف تشرد العوائل والاطفال في مدن بكاملها في قتال يبدو كمزاح بين طرفين وليس قتال ..
حدثني احد معارفي وهو يعمل مترجما في سفارة احدى دول جنوب شرق اسيا في طرابلس ، قائلا بانه كان مكلفا اضافة الى بقية واجباته اليومية ، بترجمة حرفية لخطب القذافي ، وحين سألته هل يقوم بتراجمه لتلك الخطب بتصرف ، ام انه غير مسموح له بذلك ، قال : ان السفاره تطلب منه بان تكون الترجمه حرفية قدر المستطاع .. مما كان يسبب له حرجا في وضع الصيغ المقبولة لخطابات مليئة بما اسماه سخفا وتكرارا مملا في اكثر الاحيان ، ولكن المهم في الامر ، هو ان سفارات الغرب في البلدان العربية ، كانت تجهد نفسها في تنظيم ارشيف دقيق لخطابات قادتها بهدف دراسة سلوكياتهم الخاصة والعامه ، ولا اعرف ما اذا كان قادتنا يعلمون بذلك ام لا .. ومن المؤكد والحال هذه فان الغرب يفهم بالضبط ماذا عليه ان يفعل في اللحظات التي يشاء فيها الغاء سيرة اي نظام عربي يشعر بانه دخل حيز فقدان الصلاحيه .
غادرت تاجوراء عائدا الى سكني ، وثمة قرار واحد عالق في ذهني ، وهو ان اغادر ليبيا فورا وعن اي سبيل متاح ، لمعرفتي بأن النظام لابد وان يغادر هو الاخر ، ولكن بعد ان تسود فوضى ستحرق الكثير من اركان الحياة المدنية في البلاد .
ليبيــا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كان هذا شعورى و الامريكان يغزون العراق
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 2 - 16:11 )
كنت اود ان ننتهي باى شكل من صدام و زبانيتة ثم تتكفل الديموقراطيةبترميم ما تصدع..و لكنني كنت مخطئا فالتيارات الدينية المتخلفة اغتالت الحلم بان تشهد العراق اول مجتمعا صحيا حرا في المنطقة ومنذ ذلك الزمن لا اقفز علي الاحداث لقد دمروا بلادنا واهدروا ثرواتنا وحتي الثورة اصبح مشكوكا في جدوها مع وجود ضباع متخلفة شرهة منتظرة دفن الاوباش لتنقض علي الحالمين ..شكرا استاذ حامد.. اتفزز مع كل خطوة تخطوها في هذا المكان النكد


2 - ما هي خياراتنا بين شرق جاهل وغرب مصلحي ؟
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 2 - 21:18 )
العزيز حامد
سبق أن نوهتُ بأننا - شعوب الأمة المنكودة - واقعين بين فكي الغرب الباحث عن مصالحه الخبيثة في شرقنا ، وبين إنسان شرقنا الذي هويته الجشع والظلم والجهل وهمجية إلغاء المُختلف والخرافة الدينية المُعَوِقة للتقدم !! فأين المفر ؟
ما ذكرتهُ في مقالك عن الناتو والغرب واميركا أصبحت حقائق يعرفها كل من له ذرة معرفة ونزاهة ، لكننا نفهم أيضاً بان رؤية الأعور للأفق الذي امامه ليست كاملة وواضحة مثل من يملك عينين
وهذا ما قلناه مراراً وتكراراً عن تدخل اميركا في العراق لإسقاط الصنم صدام ، لكننا عرفنا متأخرين بأنهم زرعوا في حديقة الوطن من هو انجس وأوسخ من صدام
قوى الغرب وبكل تكنلوجيتها وتفوقها في كل المجالات الحياتية ، متمكنة لدرجة تُقارب السحر من التحكم وبإقتدار في تغيير مصائر الشعوب وتوجهاتها ، لكنها تتحكم في نوعية وكمية الخير والشر في تخطيطها لا إعتماداً على الخط الإنساني النزيه ، بل على الخط المتعرج جداً والذي تُمليه عليها مصالحها ، وطُز في كل شيئ آخر
ليبقى المهرجين العور يؤلهون الشرائع الكهفية ، أو الدول الداينصورية (مُحررة الشعوب) فالتأليه من صفات الجهل والحمق ، وتستمر المهزلة
تحياتي


3 - عزيزي الأستاذ حامد حمودي عباس
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 3 - 13:58 )
ما الذي أخرجك من المرّ إلا الأمرّ .. يا سيدي ~ ليس لنا يد في وجود حكامنا ، إنهم صنيعة الغرب وأداتها ومن حقه أن يفعل بهذه الأداة ما يشاء طالما لم نتدخل بشيء حتى الآن ، ولكن المصيبة أنه بينما يلعب الاثنان لعبة القط والفأر وينتظر الغرب حتى يعلن الملك الاستسلام ، فإن المئات من الأبرياء يموتون أو يتشردون ، لعبة المصالح هذه لن تنتهي ما دامت الشعوب لا تملك تقرير مصيرها . وشكراً لك

اخر الافلام

.. إسرائيل مستعدة لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة إذا فشلت المف


.. واشنطن متفائلة وإسرائيل تبدي تشاؤما بشأن محادثات هدنة غزة




.. التصعيد العسكري الإسرائيلي مستمر في رفح .. فماذا ستفعل واشنط


.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. ومواصلة اجتياح رفح




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا 3 مسيرات من اليمن دون خسائر