الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الليبي وخطورة إنزلاقه إلى دولة القبيلة

عبدالحكيم الفيتوري

2011 / 6 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



رغم تداخل الانساب بين القبائل الليبية عبر الزمن الممتد من خلال المصاهرات وغير ذلك، إلا أن النظام البائد استطاع حكم البلاد لقرابة نصف قرن من الزمان عبر منطق عشيرة الدولة (قبيلة القذاذفة)، ومن ثم تحويل المجتمع إلى دولة القبيلة (ارتباط القبائل بمصير النظام)، وذلك عبر آليات متنوعة معروفة للجميع أبرزها مبايعة القبائل لعشيرته، واعتماد الفاعليات الشعبية قناة تواصل، وربط تحقيق مصالح القبائل بتلك الايقونة ليتحكم بمصير المجتمع والسلطة في آن واحد، حتى صارت زعامات القبائل الممتدة شرقا وغربا وجنوبا ترى في مكانتها المحلية امتدادا طبيعيا لسلطة زعيم العشيرة الأكبر (راس النظام). وبذلك استطاع النظام البائد تحقيق الاستقرار لعشيرة دولته وتحويل الدولة الليبية؛ التي تأسست على أسس دولة حديثة إبان العهد الملكي؛ من دستور وقانون إلى دولة القبيلة وسلطة العشيرة. ولكن على الرغم من تلك الايقونية الدفاعية التي أسسها من أجل حماية نظامه الاستبدادي فقد فشل فشلا مروعا حين حاول طرح أفكاره الخضراوية في كتابه (الاخضر) بغية تأسيس دولة حديثة من خلال مشروعه المسمى (بالجماهيرية)، وكذلك فشل نجله سيف الاسلام في مشروعه (ليبيا الغد). وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على هشاشة منطلقاته الفكرية، وخطأ اعتماده على منطق دولة القبيلة.

ويبدو أن السر الكامن وراء اختيار آل القذافي لمنطق دولة القبيلة يعود إلى اسباب عدة منها، صعوبة السيطرة على القبائل الممتدة شرقا إلى مرسى مطروح، وغربا إلى رأس اجدير، وجنوبا إلى الحدود التشادية السودانية النيجرية الجزائرية. كذلك تجزئة المجتمع إلى فئات جهوية وعشائرية متنوعة ومتضادة في بعض المناطق، مع شعور سلطة عشيرة القذافي بعدم قدرتها على السيطرة على هكذا قبائل منتشرة على طول البلاد وعرضها دون الاستعانة بالمكون العشائري في إطار الترهيب والترغيب تارة بالمال والعطايا؛ منحا ومنعا، وتارة بقوة السلاح؛ تسليحا وتجريدا. وبذلك تحقق له إمكانية ضبط شؤون القبائل(= المجتمع)، وفرض الأمن في ربوع البلاد المترامية، وبالتالي ضمن استمرارية قبيلة دولته في إطار (من تحزب خان)، ومن والى أصبح (من دولة القبيلة).

فإذا كانت تلك منطلقات نظام القذافي في تأسيس(دولة القبيلة)،فهل المشروع السياسي الليبي(جيوسياسي) المتمثل في المجلس الانتقالي الحالي والقوى الوطنية، سوف يجد تلك المنطلقات ملاذا آمنا له بعد سقوط النظام، واختلال توازن السلطة، وانهيار مشروع دولة القبيلة الذي كان يعتمد على قبيلة القذاذفة وبعض قبائل الغرب والجنوب، من حيث تأسيس سلطته على بعض قبائل الشرق بحكم الشرعية الثورية، للوصول إلى تشكيل دولة القبيلة وإن تسمت بالديمقراطية والمدنية وما إلى ذلك من اسماء رنانة ؟! بمعنى أخر، هل تعتمد القوى الوطنية ذات منطق النظام البائد من خلال فكرة العودة إلى الزخم العشائري، من أجل إيجاد موطن قدم راسخة لسلطتها الجديدة، وتحافظ على ديمومة سطوتها.

ثمة اجابة بدهية على هكذا تساؤلات مفادها، من حق المجلس الوطني الانتقالي والقوى الوطنية أن تلج نفق القبيلة وتأسيس دولة القبيلة، بل والاعتماد على هذا المنطق حتى في سياق توزيع المخصصات السلطوية والوظيفية في الدولة. وهذا لا حرج فيه البتة، لأن عدم الالتزام بتلك المنطلقات يعني بلقنة ليبيا، أو صوملتها، خاصة وأن أسباب كلاهما؛ البلقنة والصوملة، متوافرة في الذاكرة الليبية، وتدعمها ممارسات دولة القبيلة في فترة نظام القذافي.

فإذا كان ذلك كذلك، فمن حق المطالبين والساعين إلى دولة مدنية حديثة قوامها الديمقراطية، والتعددية، والحريات، والمهنية، بمعزل عن منطق القبيلة، والجهوية، والايدلوجية، أن يخافوا على ضياع ثورة الحرية وسرقة مكتسباتها، والانزلاق في نفق العراق أو الصومال. ولكن على الرغم من هذا التخوف المشروع عليهم أن يتجاوزوا حاجز الخوف بتقديم الافكار التنويرية، والمعرفية عبر الوسائل المتاحة من خلال الدراسات المعمقة، والمقالات الهادفة، والمنتديات الواعية، التي تهدف إلى رفع مستوى التفكير، والوعي السياسي، والرقي في الممارسة، وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الحزبية والقبلية والجهوية. وبذلك وحده يتمكن هؤلاء العقلاء من تبديد غيوم البلقنة والصوملة على البلاد، والانفلات من مطبات منطق دولة القبيلة، وينعم الوطن رغم تنوعه الثقافي والعرقي والجهوي بالأمن والاستقرار والازدهار من خلال تكوين دولته المدنية القوية القادرة التي تسع وتحمي الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحلول دون القفز على الوقائع او تجاوزها
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 3 - 12:19 )
تحية حاره للزميل العزيز الدكتور عبد الحكيم الفيتوري على مقالته اليوم
التي اخذت تقترب من بنية المجتمع الليبي ولو بصورة شديدة التعميم ودون الدخول بالتفصيلات التي قد يكون الدخول فيها يسبب الحرج او لانه لم يحل بعد اوان الخوض فيها
اعود لمقولتي ان اهل ليبيا اعرف بشعاب بلادهم وشعبها وبمثال فعلي
في 1979 حضرت في البيضاء مؤتمرا للاسره وكان احد موضوعاته الزواج
والقى احد المشاركين وكان دكتورا في علم الاجتماع بحثا ميدانيا عن الزواج
وانتهى الى ان مصير البنت في زواجها بيد الوالد-وحينما وصل الى هذا الاستناج ضجت القاعة بضحك خافت وماان حلت الفرصة بين الجلسات حتى توجه الي بعض المشاركين من خارج البيضاء متسائلين-وكنت واضح المعالم اني لست ليبيا-ان كان قارئ البحث ليبيا خاصة وكانت لهجته ليبية جدا فقلت لا ولكن لماذ
في العلم لاتوجد جنسيات قالو لا مازال خصوصيات الشعوب والمجتمعات فيها اختلافات حتى لو كانت ضئيله واضافوا ان المشاركين عرفوا ان الباحث ليس ليبيا لان الظاهر في الزواج وكاءن الاب هو صاحب القرار ولكن الحقيقه هو ان الام اي الحاكم الناهي وهي صاحبة القرار في تزويج بناتها ودور الاب ديكوري هذه حقيقه


2 - تكمله -اعادة بناء دولة ليبيا تستلزم الوعي وال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 3 - 12:36 )
ان الاخوة الليبيين يواجهون مهمة تاريخية حقيقيه وهي اعادة بناء دولتهم لان الدولة الساقطه القذافية الفاشية طال عمرها مع خلفية متواضعة قبلها فالعهد الملكي مع كل ايجابياته لم يعمر الا حوالي ثلث عمر دولة قذافي وقد سبقه عهدان جائران غريبان العهد العثماني الاسود والحكم الكولونيالي الايطالي شديد
القساوة حد الوحشية وكان الاثنان -شعب ليبيا والايطاليين معزولين عن بعضهم وفي عداء مستحكم عمقه الديانتين المختلفتين للمحكوم والحاكم حتى اصبحت كلمة مستعمر وكافر مترادفتان وهذه بنت حاجزا بين استفادة الليبيينمن بعض خصال مجتمع دولة الكولونيالية حتى اننا قلما نستطيع العثور على مهنيين ليبيين تعلموا مهنهم من مستعمريهم بسبب حاجة المستعمر الى بعض الايدي العامله الخدمية او الانتاجية
في بداية الثمانينات وانا اعمل استاذا بجامعة العاصمة الليبية طرابلس اشتركت واسرتي برحلة طلابية مع التدريسيين وبعض عوائلهم في حدائق بنجواد قرب الزاوية وبداءت حالا عملية نحر عدد كبير من الخرفان فتوجه الي الدكتور ابراهيم وكان شديد التمدن وزوجته ايضا تدريسية متسائلا -الم تلاحظ ان الليبيين شديدي التعلق باءكل لحوم الضاءن موضحا لانهم كانوا


3 - تكمله رجاء-الوعي والحذر مطلوبان في اعادة بناء
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 3 - 12:54 )
لان الليبيين كانوا فيبعض مراحل تاريخهم يقدسون البقر
بغض النظر عن مدى صحة او دقة مثل هذه الامور فاءنها تعني بالرغم من ضرورة الابتعاد عن تقديم الخاص على العام بتشدد وانما ضرورة الاستفادة القصوى من تجارب المجتمعات الناجحة خصوصا في اوربا واميركا وبلدان كاليابان والصين وماليزيا والابتعاد عن حساسيات الحرب البارده وايديولوجية القذافية المعبر عنها ب-طز طز في اميركا -وهنا اميركا تعني العالم كله-للاسف
القبلية والطائفية والعرقية والجهوية تقسيمات موجودة في كل بلد ولاتزالاثارها واضحة بل وخطرة حتى في اهم بلدان الالم تقدما -بريطانيا مثالا
وصحيح ان الحل الجذري يكمن ليس فقط في سياسة اعلامية وتعليمية توحيدية بعيدا عن افة الفدرالية التمزيقية لان الفدرالية نشاءت في الدول الراءسمالية الخارجة لتوها من تمزيقية الاقطاع فوحدت الاقاليم والمناطق في حين فدرالية المثال العراقي هي لتمزيق الوطن والشعب الواحد وبذر بذور الحسيات والانانيات المولدة لكل جهد مثمر في التنمية الحديثة التي من اولى متطلباتها سعة السوق التي تفرض سعة الانتاج علما ان اقتصاديات الحجم دللت فاعليتها والصين مثالايجابي وكردستان مثال تدميري للعر


4 - تكمله مع الشكر-الاقوال والافعال يجب ان يتوازي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 6 / 3 - 13:12 )
ان الكاتب الكريم منتبه للمحاذير ويدعو الى ضرورة القيام بالنقاش والحوار وتبادل الافكار تحت مظلة المصالح الوطني الليبية باءكثر معانيها مدنية وعقلانيةولكن وسائل الاعلام ساكتة او لاتملك اخبارا عن عن النشاطات الفكرية والسياسية المواطنية في بلد يهدم دولة لاتضاهيها الا جمهورية الرعب البعثية في العراق وسوريا وحتى قبل ايام لم تكن سلطة الثورةتمتلك فضائية تلفزيونية
ومن اكثر الامور حيرة هو اغلاق المدارس والجامعات وفي هذا ليس فقط حرمان للاجيال الشابة من حق التعليم بل وحرمان الثورة من منابر للتوعية والتوجيه والتعبئة وحصر ذالك بصلاة الجمعه وخطبائها هو المحذور الاكثر خطورة رغم كل احترامنا لمعتقدات الناس وممارساتهم المتقدية
ان ليبيا غنية باءثارها من اقصى شرقها الى اقصى غربها وفي اعماق جنوبها ولكننا لم نسمع عن اية مبادرة لحمايتها سيما وان فترات الهزات السياسية العظمى تعتبر فرص ذهبية لمافيات الجريمة المنظمة لسرقة الذاكرة الثقافية للشعوب
كما انه مما يحير المراقبين تقاعس-مع الاعتذار-منفيي ليبيا من العودة لبلدهم لقيادة الفعاليات المدنية علما انهم الثروة الاكبر في بلد صحرته معرفيا وثقافيا دكتاتورية همجية


5 - لكل مقام مقال
عبدالحكيم الفيتوري ( 2011 / 6 / 4 - 09:13 )
البرفسور صادق الكحلاوي المحترم، شكرا على تعليقك وتساؤلاتك المنطقية، ولكن بالنسبة للمرحلة التي تمر بها الثورة في ليبيا نفضل هذا العنوان (ليس كل ما يعرف يقال) من باب المناصحة والداخلية أكثر من نقل ذلك على وسائل الاعلام، لأن الموضوع لا يحتمل ، وقد ينقلب الأمر إلى عكس ما يراد له. مثلا تعليقك على صلاة الجمعة هناك نصائح كثيرة قدم للمسؤولين في هذا السياق، ولكن لا تنسى تمكن التدين التقليدي من المجتمع، وهو في ذاته بحاجة إلى معالجة جذرية، المهم هناك وهنالك مشاكل متعددة لا تخفى عليك بحكم عيشك في بلادك الثانية ليبيا. أما بخصوص رجوع الكوادر الليبية التي تعيش في الخارج ، نعم بدأ الكثير منهم بالرجوع والمشاركة شيئا ما ولو بصورة الناصح ، ويبدو أن ثمة اشكالية بين المثقف الذي عاش في الخارج ومن يعيش في الداخل من حيث اساليب التفكير وزاوية النظر لحل المشاكل وإعادة صياغتها.
المهم. اشكالات متعددة ومتنوعة، فالقذافي لم يترك دولة ولا مؤسسة وحتى اخلاق يمكن للناس أن يبنوا عليها.
واكرر شكري وتقدير لشخصك الكريم
ودمت بخير وعافية

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة