الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع الليبي. قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية

بيبات عالي

2011 / 6 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


حاولت تأجيل هذا الموضوع قدر الإمكان، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في قضية تزداد تعقيدا وإلتباسا وغموضا يوما بعد يوم. والآن، لا أعتقد بأنه حان الأوان للخروج بتصور واضح، أو بإستنتاجات صحيحة، من مقدمات أقل ما يقال عنها بأنها طبخت بليل.

إن الحديث عن الأزمة الليببية اليوم، يتطلب تشريحا دقيقا للوضع الليبي، "ورحلة" في تاريخ ليبيا الحديث ـ وأقصد هنا من فاتح سبتمبر 1969 م ، تاريخ "تسلم" العقيد القذافي للسلطة في ليبيا، رفقة ما أصطلح عليه بمجلس قيادة الثورة ـ بيد أن هذه العجالة لا تسمح بمثل هذا التشريح.

إن أي حديث عن الأزمة الليبية، لا يأخذ في الحسبان تراكمات سنوات "التيه" السياسي للزعامات الليبية، يبقى حديثا ينقصه الكثير من الجدية والمصداقية. فمن المعروف أن معقل "الزاوية السنوسية" هو مدينة (البيضاء)، التي تقع في الجزء الشرقي من ليبيا، وأن أحد " أبناء" هذه "الزاوية"، (إدريس السنوسي)، هو الذي أطيح به في "التصحيح الثوري" الذي قام به القذافي ورفاقه، وإن الكثير من "مريدي" هذه " الزاوية" بقوا على ولائهم الروحي للمرجعية، وهو ما سبب ـ تاريخيا ـ الكثير من التشنج في علاقتهم بالسلطة المركزية، علاقة شابها الكثير من الريبة والحذر والشك المتبادل. زد على ذلك، الإقصاء والتهميش الذي مارسه "المركز" في علاقته مع الأطراف، وخصوصا أطراف "الإمبراطورية" الشرقية، التي يرى أهلها بأنه مورس في حقهم الكثير من الحيف والظلم والإجحاف، فيما يخص توزيع عوائد الثروة النفطية، وأقصائهم من السياسة التنموية، التي تميزت بنوع من الإنتقائية والتحيز لمناطق محددة على حساب مناطق أخرى. كل هذا ألبس خطابا "ثوريا" إقصائيا، فيه كثير من الظلامية "المتنورة بالفكر الأخضر"، والكثير من التعجرف المصحوب بـ"الفكر" الأحمر القاتم، وهو ما يفسر أن الطلقات الأولى "للثورة" ولولت على مآذن الشرق الليبي تحديدا.

لقد كان الحصاد المر لسنوات الثمانينات، مرهقا حقا للعقلية القبلية الليبية، والتي رأت ـ بأم عيونها ـ كيف علق النظام "سلفييه" في الملاعب، وعلى أعمدة الكهرباء، وفي الشوارع، فيما أطلق عليه حينها "الكلاب الضالة" أو "مرتدي احمد حواس". ليعرف العالم فيما بعد بأن الجماعة "المرتدة"، كانت هي نواة "الجماعة المسلحة الليبية المقاتلة"، والجناح المسلح "للجبهة الوطنية للإنقاذ"، والتي خرج من رحمها ومن تحت عباءتها المدعو "أبو يحي الليبي"، المؤطر الإداري لتنظيم القاعدة حاليا. وقد إتضح حينها، بأن الجماعة "المرتدة تلقت تدريبها على يد المخابرات المغربية، وتحديدا على أراضي الصحراء الغربية المحتلة، حسب تصريح بعض أعضاء الشبكة الذين دخلوا ليبيا عن طريق تشاد. وعلى ذكر تشاد، فإنه يحضرني أمر هنا، قد يخل بالتسلسل الإكرونولوجي للمقال، ولكنه سيمدنا بصورة أخرى من صور "التفكير" الليبي آنذاك.. إنها قصة اللواء خليفة حفتر، قائد اللواء الليبي في حرب تشاد، والذي وقع أسيرا لدى القوات التشادية، مع كامل لوائه، وأتهم هو جنده بالخيانة. فقد علق القذافي على الحادثة بالقول: "بأنه يفهم وقوع قائد لواء في الأسر، وقد يفهم وقوع لواء، دون قائده، في الأسر، لكن أن يقع في الأسر لواء وقائده، هذا ما لا يمكنه فهمه.. في الأمر خيانة...). وقد تدخلت "المعارضة" الليبية في الخارج حينها، لدى "بعض" الأطراف التي ساعدت في إطلاق سراح "حفتر" ولوائه. وقرأت مؤخرا بأنه عنصر فعال في صفوف المعارضة المسلحة لنظام القذافي. هذه الحادثة، أصابت الكثيرين من ضباط الجيش الليبي بالإحباط، وأعتبروها خيانة من النظام لرفيق لهم في السلاح.

لقد شعر النظام الليبي "بتململ" في صفوف الجيش، الشئ الذي نجم عنه تحييد المؤسسة العسكرية، وإضعافها لصالح الكتائب الأمنية، التي سلمت ألويتها لأبناء القائد، وحملت أسمائهم: كتيبة "خميس"، كتيبة "الساعدي"، كتيبة "معتصم" الذي يشغل في نفس الوقت منصب قائد مجلس الأمن القومي. هذه الكتائب كانت دائما تفعل ماتشاء، وظهرها محمي باللجان الثورية، كأذرع سياسية لتفكير أمني، تفكير تدفع ليبيا الآن ثمنه، دما وعرقا ودموعا وأموالا، وربما.. وطنا. لقد ضمن القائد الولاء، ولكنه خسر ليبيا.. فسلمت الجرة "تلك" المرة.

مازاد الطين بلة، وأزاح الكثير من الثوب عن "عورة" النظام، هي سنوات "النزق" السياسي للقذافي، وإستحقاقات هذه السنوات، التي دفع الشعب الليبي ثمنها غاليا، من "جيبه" ومن قوته، ومن حصار عادل في حق القائد وجائر في حق أبناء الشعب الليبي. حرب لامبرر لها ضد تشاد، وإن اردنا تبريرها فهي نزوة من نزوات القائد، تفجيرات "مركزة هنا وهناك، إنتهت "بغزوة لوكربي". تلك الغزوة التي كلفت الشعب الليبي مليارات الدولارات، مع تسليم مذل للمواطن الليبي المقرحي "للعدالة" الدولية.. إنتهت حفلة التنكر هذه بتسليم الأخ القائد المفكر الثائر، الجمل بما حمل.

إستيقظنا ذات يوم، وقيل لنا أن القذافي قرر التصالح مع "ذاته"، وتسليم البرنامج النووي "للأمم المتحدة"، والبدء في مفاوضات مع الشركات الغربية "للرجوع" الى ليبيا، في "كذبة القرن"، والتي دخلت التاريخ السياسي الحديث تحت مسمى "إعادة تأهيل ليبيا". ومن بين أبرز بنود وثيقة "التأهيل"، تخلي الاخ القائد عن الفكر "الثوري"، وقطع الدعم المالي واللوجستي عن الجيش الإيرلندي، وعن الحركات الفلبينية المقاتلة، وعن جيش تحرير البوسنة، وعن أحرار الباسك.. جفت الأقلام وطويت الصحف. لقد سلم الأخ القائد معدات برنامجه النووي للغرب، ولكنه لم يسلم فكره، عبارة سمعتها حينها في التلفزيون الليبي. لقد حصل النظام على شهادة "حسن السيرة والسلوك"، ولكنه لم يحصل على الأمان. لقد دفع ثمن لعبة لم يفهم قواعدها.

هناك أفكار أخاف عليها من الضياع في غمرة النقع، وأرى أنه من الأحسن "صبها صباً"، كأفكار جاهزة.. افكار يتيمة، لأب حي يرزق.

ـ الطغيان الفرنسي على أحداث ليبيا، والذي سيحدد الكثير من معالم المرحلة القادمة، ومن المقدر، أو من المؤكد بأن "الفلسفة" السياسية الفرنسية، هي التي ستحدد الكثير من تفاصيل خارطة الطريق.

ـ دخول أمريكا "المتسرع"، وخروجها "المفاجئ" من العمل العسكري ضد القذافي يحمل الكثير من الرسائل، والكثير من الدلالات. فأمريكا لاتريد الغرق في وحل "المستنقع" الليبي، فما فيها يكفيها. وثانيا، توجيه رسالة لحلف شمال الأطلسي، مفادها بأن الحلف تابع و"قدسيته" تنبع من حجم المشاركة الأمريكية فيه. وأخيراً، وهو الأهم، "ضرب" الطاولة بقوة ساعة إقتسام "الريع" مع أن أمريكا، كانت ولازالت، ضد تسليح المعارضة، ولم تعترف رسميا بالمجلس الإنتقالي، وهي رغم الزخم الإعلامي والسياسي الذي تعطيه للمجلس، مازالت تخاف من رفرفة راية خضراء "بنكهة" إسلامية، بدل راية خضراء "بنكهة" قومية في سماء ليبيا.

ـ لايمكن تصور حل الأزمة الليبية خارج الجغرافيا، ولايمكن القفز من فوق التاريخ. ومن أراد أو يريد حل المشكل الليبي خارج مجال ليبيا الحيوي وخارج جغرافيتها السياسية، فهو واهم. وبالتالي فإن الجزائر، كانت وستبقى رقما صعبا في المعادلة الليبية، وفي "عقول" صناع السياسة الإقليمية والدولية. صحيح أنه قد كان بالإمكان إصطناع أزمة من دون مشورة الجزائر، ولكن لايمكن أن تحل دون مشورتها ومشاركتها.

ـ إدخال فرنسا للمغرب على الخط، كان هدفه، ومايزال، تطويق الجزائر من الغرب، بعد أن إختلقت لها مشكلة من الشرق. وتجلت "مشاركة" المغرب في الأزمة الليبية بحشره حشرا، في لجنة الحوار حول ليبيا، في لقائي باريس والدوحة، وكان الإستثناء العربي مع الإمارات وقطر، الأكثر "تقدما". المغرب، هو البلد العربي الوحيد الذي إستقبل "الثوار"، وإستقبل موفدا للقذافي، رفقة روسيا واليونان. إنها صلاة المسبوق في الدبلوماسية المغربية.

لا أعرف نوايا الأطراف، ولست أدري ما يخفيه القدر لليبيا. أصلي من أجل ليبيا موحدة، وأناجي الله بليل أن يحفظ ليبيا وشعبها من عبث العابثين، ولكن لدي إحساس، بأن هناك من يريد "صوملة" ليبيا، وهناك من يريد "عرقنتها"، ولا أستغرب إذا فهمت بأن هناك من يسعى "لأفغنتها". مع أن بعض "عقلاء" العالم، يحاولون إتباع سياسة الأبواب نصف المفتوحة، كخيار في حالة اللجوء لأنصاف الحلول. وأعتقد أن الأمور الآن تسير في إتجاه التقسيم السياسي مع الإبقاء على "الوحدة" الجغرافية. والسعي الحثيث لوقف مشروط لإطلاق النار، لأن الغرب لم يحضر لا نفسه ولا "شعبه" لحرب طويلة، والكل يدرك ـ بمن فيهم القذافي ـ بصعوبة التدخل البري الغربي، هذا إن لم نقل إستحالته، وفهم الطرفان بإستحالة الحسم العسكري. هذا ما يدفع في إتجاه البحث المسعورعن خارطة طريق، بسقف مطالب مفتوح، وبسقف زمني مغلق، يفضي إلى "إنتخابات" موجهة، مع مواصلة حشر القذافي في زاوية ضيقة، وذلك بمواصلة "تقليم" أظافره عسكريا، والضغط عليه سياسيا، والتلويح بورقة السيد "أوكامبو" قضائيا (سيناريو البشير) مع إحتفاظ المجتمع الدولي بخط "الرجعة" في حال "إستنوق" الجمل. ولا يجب أن نستبعد أسوأ الإحتمالات إنه.. إحتمال تصفية القذافي جسديا، كأقصر الطرق للسيطرة على "قلوب" الليبيين وعلى نفطهم. وهذه المرة لن تسلم الجرة.

إستبشرنا خيرا بربيع عربي، فطال الخريف وثقل هواؤه....ويل لمن لا يعطي للحظة التاريخية حقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيون من غير العرب ينتقدون تعريب التعليم في البلاد


.. حذاء ملك الروك إلفيس بريسلي يباع في مزاد علني • فرانس 24




.. كلمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد ساعات من مناظرة جمعته 


.. اتهامات وحوار أشبه بالشجار..بايدن وترامب يسدلان الستار على ا




.. إيران.. بدء عملية فرز الأصوات وتوقعات بجولة ثانية