الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهر الديمقراطية الضائع

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 6 / 3
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


نعم.. الثورة المصرية تتعرض لأخطار حقيقية من الداخل ومن الخارج معًا.. ودعونا نركز اليوم عل جانب من الأخطار الداخلية.. ولعل أكبرها احتمال أن تشهد مصر انتخابات متعجلة لمجلس الشعب في سبتمبر المقبل، تتوج بمجلس يهيمن عليه الإخوان المسلمون مع ممثلين للأحزاب الليبرالية وبقايا الحزب الحاكم المنحل المستندين إلى قوة المال والعشائرية ونفوذهم في المجالس المحلية..
ومن المؤكد أن الانتخابات نفسها إن جرت سوف تشهد مواجهات دامية في ظل استمرار الضعف المريب للتواجد الأمني.. أما إذا لم تتم الانتخابات للسبب السابق نفسه فقد نكون أمام مشكلة عويصة واحتمالات لاستمرار الحكم الاستثنائي..
وفي كل الحالات يسابق الإخوان المسلمون الزمن لإجراء الانتخابات بأسرع ما يمكن قبل أن تتبلور قوى سياسية وجبهات مدنية تستطيع تعبئة قطاعات جماهيرية واسعة في مواجهتهم.. ولا يحب الإخوان فيما أظن أن تتعاظم الضغوط المضادة عليهم فيضطرون عندئذ لعقد جبهة صعبة مع التيار السلفي قد تفقدهم تأييدًا غربيًا يأملون فيه، حيث يحاولون تقديم أنفسهم الآن بوصفهم نموذجًا مقاربًا للنموذج التركي..
ومن واجب القوى الديمقراطية والوطنية أن تتساءل عن مصير الثورة إذا انتهت إلى تسليم قيادة الدولة في الخريف إلى هذا الحلف المخيف الذي يهدد بنسف المنجزات الحضارية والثقافية للشعب المصري على مدى قرنين من الزمان..
وجد البعض ضالته في شعار "تحالف القوى المدنية".. وهو شعار لا غبار عليه.. وفي الحقيقة أن برامج الأحزاب الليبرالية تتضمن بنودًا معقولة فيما يتعلق بالحريات المدنية والسياسية والقواعد الدستورية.. ولكنها فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لا تعدو أن تكون تكرارًا لروشتة صندوق النقد الدولي التي طبقها نظاما السادات ومبارك فدمرت القاعدة الإنتاجية الوطنية وملأت شوارعنا بجيوش العاطلين، وأثقلت البلد بالديون، وتسببت في اتساع الحرمان والفقر والتهميش لعشرات الملايين من أبناء الوطن، وأحلت الكوارث بالطبقات المتوسطة..
وإذا تمعن القارئ في برنامج الإخوان المسلمين سيجده مطابقًا للبرامج الاقتصادية والاجتماعية لليبراليين. فالتياران الليبرالي والإخواني يمجدان الحرية المطلقة للمشروع الرأسمالي، وعدم فرض أي قيود حكومية أو مجتمعية عليه، اللهم إلا حديث عائم عن محاربة الفساد والالتزام الأخلاقي بالمسئولية الاجتماعية للرأسماليين.. وهذا الاتفاق في التوجه هو الأساس المادي الذي يمكن أن يقوم عليه تحالف موضوعي، أو تحالف الأمر الواقع بين الأحزاب الليبرالية والإخوان.. وليس في هذا أي مبالغة.
والدليل على صحة ما نقول أن الرأسماليين الليبراليين (أمثال ساويرس والسيد البدوي..) والرأسماليين الملتحين قد راكموا الجزء الأكبر من ثرواتهم في عهد مبارك.. وإذا كان أفراد من رأسماليي الإخوان قد تعرضوا للضرر فقد كان لأسباب سياسية وحزبية.. وليس لاختلاف حول السياسة الاقتصادية أو بفعل آليات السوق..
الطرفان يحاولان حشرنا في زاوية الديمقراطية الجزئية أو الشكلية.. أي تعددية سياسية وانتخابات دورية..الخ. ويعارضان بقوة بعث المفهوم السليم للديمقراطية التي لا تكتمل إلا بحصول الفئات الفقيرة والدنيا والمتوسطة على الحد الأدنى الضروري من حقوقها الاجتماعية والاقتصادية المضيعة.. أي الديمقراطية الاجتماعية التي أصبحت تشكل تيارًا أساسيًا في المجتمعات الرأسمالية المتطورة نفسها..
خلاصة حديثي.. نعم يمكن التحالف مع القوى الليبرالية من أجل بناء دولة مدنية، لا دينية ولا عسكرية.. ولكن هذا يتطلب أن تتراص أحزاب اليسار والحركات الاجتماعية والنقابية التقدمية من أجل انتزاع حقوق المواطنين في العيش الكريم والعمل والخدمات الأساسية وعدالة التوزيع.. ومن خلال بناء هذا التحالف اليساري سيمكن التغلب على الجوانب السلبية لانخراطنا في تحالف مع القوى الليبرالية من أجل الدولة المدنية..
الفلاحون والعمال والموظفون والمهمشون والشباب في بلادي لم يقوموا بثورتهم من أجل استمرار نفس النظام الاقتصادي الذي ملأ بيوتهم بؤسًا وخرابًا.. وعليهم أن يعيدوا للديمقراطية جوهرها الضائع الذي تستميت الأحزاب الليبرالية والدينية لطمسه، وتشن الحملات لتشويهه وتصويره على أنها "مطالب فئوية" ليس وقتها الآن..
إننا بالطبع نريد دستورًا جديدًا قبل إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.. ولكن قبلهما نريد إرساء وتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجماهير العريضة التي حملت الثورة على أكتافها، وضحت بزهرة شبابها، من أجل استعادة الكرامة، ومن أجل نشر السعادة والأمل في بيوت الفقراء..
هذا هو الطريق الوحيد أمام القوى اليسارية والاشتراكية لإنقاذ الثورة من السرقة على أيدي الإخوان، ومن لوي عنقها على أيدي الليبراليين.. بل إن إضفاء الطابع الاجتماعي على مطالب الثورة المصرية هو العلاج الأفضل لمحاولات زرع الفتن الطائفية والمذهبية حيث سيتوحد جميع الفقراء والمنتجين تحت شعارات ومطالب لا خلاف يذكر عليها..
آن الأوان لتختفي من حياتنا السياسية تلك الثنائية الجهنمية التي تحشرنا في زاوية الاختيار بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية.. فإذا أردنا إحداهما علينا التضحية بالأخرى..
ونحن لن نضحي بأيهما لأن الديمقراطية، وثورتنا، لا تكتمل إلا بهما معًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين