الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتواء الناعم للثورات العربية

فهمي الكتوت

2011 / 6 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مع انهيار أنظمة الحكم الديكتاتورية في كل من تونس ومصر، يقف الشعبان الشقيقان على أعتاب مرحلة جديدة، سمتها الأساسية بناء الدولة المدنية الديمقراطية، التي تكفل الحقوق المتساوية للمواطنين دون تمييز بغض النظر عن العرق والجنس والدين، وتضمن حقوق الانسان، وتحفظ للمواطن كرامته، وتوفر الحرية والديمقراطية، وتحقيق التنمية الاقتصادية الإنتاجية، التي تحقق معدلات مرتفعة لنمو الناتج المحلى الإجمالي، بهدف توفير الخيارات المادية للمجتمع من سلع وخدمات ضرورية لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، ومعالجة قضايا الفقر من خلال التوزيع العادل لمكتسبات التنمية الاقتصادية، واجتثاث كافة مظاهر الفساد ومعاقبة الفاسدين، وحل مشكلة البطالة.
ومن الطبيعي ان تصدم هذه الأفكار والمبادئ بجملة من المعوقات والصعوبات حين تنتقل للواقع العملي الملموس سياسيا واقتصاديا، فقوى الشد العكسي معنية بإفشال المشروع العربي الديمقراطي الاجتماعي الجديد، سواء من خلال التصدي المباشر للثورة، أو إعاقة مسيرتها بوضع العصي بالدواليب، أو محاولات الاحتواء الناعم من قبل صندوق النقد الدولي " ودول الثمانية" الدول الصناعية الكبرى بإظهار "الحرص" الشديد على هذه البلدان بتقديم القروض للمساعدة في مواجهة الظروف الصعبة، بسبب انخفاض إيراداتها خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها هذه البلدان، والتركة الثقيلة التي خلفتها الأنظمة البائدة في كل من مصر وتونس من خراب في الاقتصاد الوطني نتيجة بيع مؤسسات الدولة التي كانت تدر دخلا للخزينة بأسعار رمزية لا تشكل ربع القيمة الفعلية لهذه المؤسسات ، وبيع الأراضي بسعر لا يزيد على 5% من سعرها فى السوق وفقا لمصادر مصرية مطلعة، مقابل الحصول على عمولات مرتفعة، وجرائم الفساد والسطو على المال العام، فقد نهب حفنة من اللصوص مئات المليارات من أموال الشعب، الأمر الذي وضع اقتصاديات هذه البلدان في وضع حرج، كما تكبدت اقتصادياتها خسائر كبيرة بسبب ظروف الثورة سواء نتيجة النشاط التخريبي لأيتام النظام البائد المتضررين من الثورة، أو بسبب بعض الإرباكات التي أدت الى تراجع الإنتاجية. مع الأخذ بعين الاعتبار ان البلدين في مرحلة انتقالية، حيث لم تتشكل بعد الأطر الديمقراطية التي تحمي الثورة وتتولى وضع سياسات مالية واقتصادية محددة المعالم لإعادة بناء الدولة.
فقد أعلنت تونس أنها تحتاج إلى 125 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة لإطلاق برنامج يهدف إلى إنعاش الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص العمل، أما مصر فتحتاج الى أكثر من ذلك بكثير، وقد تعهدت الدول الثمانية المجتمعة في باريس بتقديم قروض للدول العربية غير النفطية بقيمة 20 مليار دولار لدعم التحول العربي الى الديمقراطيات، بعد الثورات الشعبية، على ان يتم دراسة حجم المساعدات التي سيقدمونها لكل من مصر وتونس لاحقا وكيفية صرفها، كما حصلت مصر على موافقة صندوق النقد الدولي لكي تقترض 3 مليار دولار لتغطية عجز الموازنة. حرص دول الثمانية والصندوق الذي يخضع لمشيئة الثمانية بشكل رئيس لم يكن مفاجئا، ولم ينبع من باب الرغبة الحقيقية لتحقيق تنمية اقتصادات الديمقراطيات الجديدة إذا جاز التعبير، أو مساعدتها لتجاوز الأزمة، هذه التوجهات الاقتصادية تعيدنا عدة عقود للوراء حين نجحت الدول المانحة في ثمانينات القرن الماضي في اغراق البلدان النامية بالمديونية ومن ضمنها البلدان العربية، بهدف إخضاعها لما يسمى في برنامج التصحيح الاقتصادي، الذي بموجبه يفرض صندوق النقد والبنك الدوليين شروطهما على الدول المقترضة، بفرض حالة تقشف على المواطنين، ووقف كافة أشكال الدعم على السلع الضرورية والخدمات الصحية والتعليمية، لتخفيض عجز الموازنة، وحرمان هذه الدول من حماية منتجاتها المحلية، وفرض سياسة الخصخصة، أي إعادة السيطرة الكاملة على القرار السياسي والاقتصادي، وإفراغ الثورة من مضامينها. وقد حذر خبراء دوليون من التورط في الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي باعتبارها اداة لفرض شروط واملاءات الصندوق والتي أدت الى تدمير اقتصادات الدول النامية وإفقار شعوبها، وفي بحث اقتصادي للخبير الأميركي ريك راودن أوضح أن مصر تحتاج بلا شك للتمويل الخارجي لتمر بسلام من مرحلة تأثيرات التغييرات السياسية الأخيرة، لكن هذا التمويل يجب ألا يأتي من صندوق النقد، وأضاف أنه بدلا من ذلك يمكن لمصر أن تلجأ إلى جيرانها بالمنطقة ودول ذات اقتصادات صاعدة مثل البرازيل والصين وشرق آسيا لسد احتياجاتها المالية.
وفي هذا السياق يستوقفني إعلان الشيخ حمد بن جاسم الذي يقول فيه اعتبر أن هناك أسبابا كثيرة تبرر إنشاء مصرف للتنمية، حيث تجري قطر محادثات مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي لإنشاء مصرف للتنمية في الشرق الأوسط بهدف دعم الدول العربية وحل مشاكلها الاقتصادية. واعتبرت صحيفة فايننشال تايمز أن قطر استلهمت الفكرة من المصرف الأوروبي للإنشاء والتنمية الذي ساهم في إعادة بناء اقتصادات دول الكتلة الشرقية في أوروبا في نهاية الحرب الباردة خلال تسعينيات القرن الماضي، وحسب الخطة القطرية فإن هذا المصرف من شأنه أن يقدم قروضا بعشرات المليارات من الدولارات سنويا لدعم الاقتصادات العربية، وخاصة تلك التي تحدث فيها تحولات سياسية. يستحق هذا التوجه كل الدعم من قبل المعنيين لإبرازه الى حيز الوجود، لتوفير المال للتنمية الاقتصادية بلا كلف سياسية للحفاظ على استقلالية الدول المقترضة، وبناء اقتصاد لدولة تحقق الرخاء والازدهار لشعوبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط إسرائيليون لا يريدون مواصلة الخدمة العسكرية


.. سقوط صاروخ على قاعدة في كريات شمونة




.. مشاهد لغارة إسرائيلية على بعلبك في البقاع شرقي لبنان‌


.. صحيفة إيرانية : التيار المتطرف في إيران يخشى وجود لاريجاني




.. بعد صدور الحكم النهائي .. 30 يوما أمام الرئيس الأميركي الساب