الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماتي

زهية شاهين

2011 / 6 / 4
الادب والفن


قامت بتثاقل تجر نفسها وقد أنهكها الكبر لتصل إلى المطبخ وتضع في صحنها أكلها القديم الذي لا يؤكل , وتنزل دمعتها على الطبق حزينة لوحدتها التي لا سواها إياها, لقد ذهب الأولاد على كثرتهم , اختفوا سريعا ..كأنها أيام قليلة ..تلك السنوات المضنية مرت تنادي بعضها البعض على الرحيل الذي لا قدوم منه.
قالت لي يوما وهي تنظر للطعام أمامها: لقد كنت اشبع من تعريشة أيديهم على الأكل كان تحلقهم حول الأكل يغنيني ويغني أيامي عن الوحدة وعن وجوه الناس والأهل ..لقد ذهبوا وتركوني بلا أهل.
سال حزني معها ونظرت لأولادي خلف الزمن يلعبون ويتضاربون ثم يتركون المكان والمضارب بلا ونيس وبلا حنان.
لم أتجرأ أن ارفع عيني ترسم وجهها الحزين في قلبي , طأطأت رأسي وكلماتي تصلها دون دليل معرفة : سوف يرجعون يوما يا حجة هم وأولادهم ..ويرجع الضجيج لذلك البيت, وسوف تضجرين من كثرة الونس وشقاوة الأولاد وسوف..
أجهشت في البكاء : توقفي ياابنتي لا احتمل أي آمال كاذبة.. أنا اعرف الحقيقة.
لم استطع الرد فهي تعلم وأنا اعلم هي الحياة التي كانت ملئى بالحياة انفرطت بدون استئذان تاركة صحراء الزمن تلتهب تحت أقدامها بلا ونيس .
غصت مع أفكاري كيف يعيش الواحد مع وحدته وحده, كيف يسير ولا احد يلتفت لوجوده وكأنه من عالم آخر ليس له من عالمهم مكان .. بعدما كان يذرع الأرض بخطواته.. وكان المكان له والوجوه له وكل الأشياء تنتمي له قبل أن ينتمي لها, وكان الاحتياج يفوق الحاجة.. والآن تصبح الحياة مقلوبة مابين البدء والانتهاء ومابين الانتهاء والانتهاء .
أفيق على صوت شيء يتكسر بشدة على الأرض : اتركيه يا حجة أنا سأساعدك ...لماذا لم تطلبي مساعدتي يا حجة.
نظرت إلي نظرة فيها عتب وكأنها تقول لي أكنت تحتاجين طلبا لمساعدتي ..!!!!!! وأتذكر تفكيري في الاحتياج والحاجة كيف يتكثفان في الجسد الواهن الموهن في أنين الموت الذي يسكن آخر الزمن.
تجنبت عتابها فانتقلت لأرى يدها التي كانت تمسك يدي عن أولادي حينما اغضب وما أكثر غضبي المثقل بحيرتي بين أولادي وعملي وحاجتي للراحة فاغضب تجاهها وارد بجلافة أنا حرة أريد أن أربيهم بطريقتي أرجوك لا تتدخلي .
تحزن لردي اللامبالي بمشاعرها وتتركني مع ضجيجي فلا أراها ولا أرى حتى نفسي..ومابين ذلك انتبه فأسرع لها وامسك بيدها لأوصلها إلى فراشها انظر إلى وجهها وكان ذلك الجرح الغائر تختلط فيه ذكريات بها حنان وصبر وكظم للغيظ فقد كان ابني أمير عنيف في صغره وهي تحبه حبا جما وفي ذلك اليوم امسك بالكاسه ورماها في وجه الحائط فأخطأت وجهها وكان الدم يغطي وجهها رأيت منظر الدم المفزع فجريت نحوه اضربه قبل أن أسعفها فوجدتها أسرع مني إلي : يا مجنونه والله إن ضربتيه لن أرحمك .
ووجدت الغضب يزيح الدم عن وجهها ويبحلق في ويفاجئني..فانا دائما من أغضب ولا اسمح لغضب احد علي .
وكأني أراها للمرة الأولى وارى عمق الجرح مالم أره من قبل ..ما الذي يغيرنا كبشر سوى الزمن وخبراتنا المتراكمة فقد أصبحت أكثر تفهما وفهما لما تمر به حماتي وكأني اقترب لنفس العمر والتجربة بعد أن كنت كالعاصفة لا أهدا في أحكامي على أمور الحياة بقسوة الشباب الذي لا يرى إلا أنانيته وتجربته .
اذكر حينما كانت تحتضن أمير واذهب للعمل إحتج احد أبناءها قائلا: كيف تعملين خادمة لابنها . فردت عليه : فشرت أنا اخدم ابن ابني يا...
فسكت للأبد ولكنه عندما أنجب أراد منها أن تثبت أنها تخدمه كابن لها, ففرض عليها وليده بعد أن تجاوزت شبابها وأصبحت منهكة ,وقد تحملت ذلك حتى لم يعد الطفل نفسه يتحمل البقاء في حضنها, وأراد اكتشاف حدود مابعد الجدران إلى الشارع فتحررت منه كما تحرر منها.
التفت إليها: حجة ألا تريدين أن تستحمي ...
استغربت علي واستغربت على نفسي ...وكأني أريد أن استحث حنانها ودعواتها لي وخاصة حينما كنت أقلم لها أظافرها كل يوم جمعة ومن ثم تستحم وتطلب مني أن افرك لها ظهرها , وطوال هذه الطقوس لسانها لا يفتر عن الدعاء والرضا وتتحول لإنسانه عطوفة صرف.
اجلس بجانب السرير انتظر أن تأتي ابنتها كي ارجع إلى بيتي وأولادي , واجدها تبادرني... راح تتركيني ...القي عليها مبرراتي لأسكت الشعور بالذنب لدي .
الرحيل يتكرر دائما, ونظراتها في كل مرة تجعلني اشعر بغصة, وكأني لن أرها بعد ذلك ...نفس تلك النظرات التي غرزت سهامها بعنف في قلبي قبل أعوام حينما غادرنا رفح حيث بيت العائلة إلى مدينة غزة , حينها سألتني باستعطاف تارة وبغضب تارة أخرى : لمادا تريدين أن تحرمينا منكم وتسكنوا بعيدا عنا..؟ لم احتملها فقلت لها: إني غير قادرة على تحمل مشاكل العائلة وكثرة الأطفال فيها, ولا أجد راحتي, ولن استطيع تربية أولادي كما أريد , وأود أن أكون وحدي.
ردت على : الجنة بدون ناس مابتنداس يا بنتي .
وجدت يدها تتسلل ليدي وتربت على كتفي وكأنها تشعر بما يدور في داخلي تجنبت النظر إليها , وحينها دخلت ابنتها وكأنها أنقذتني منها ومن نفسي , فغادرت المكان خلفي ... أتحسس الأيام القادمة واجد نفسي تلك المرأة التي تشبه أحزانها... تلك المرأة التي أفنت حياتها ونزفت محبتها حتى ذهب محبيها ..ووقفت على المفترقات وحيدة تستجدى لحظات تقف فيها الذاكرة دون ذكريات تركتها بلا وجوه تزورها حين الحاجة والاحتياج ...أسير بخطى تشبه خطاها ولكن قلبي أصبح ينزف مبكرا لم ينتظر أن يأتيه زمانه .
وجدت نفسي في الشارع خارج فضاءات حماتي ..وقفت السيارة بجانبي فوجدت يدي ترتفع ...إلى غزة؟
http://zahiakh.wordpress.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم


.. أون سيت - من نجوم شهر مايو الزعيم عادل إمام.. ومن أبرز أفلام




.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف


.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة




.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط