الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا # 4

حامد حمودي عباس

2011 / 6 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


غصت ارض مطار طرابلس العالمي بأفواج الاجانب الفارين من نيران الحرب الداخلية ، وهب الالاف منهم عبر العديد من المعابر الحدودية البرية والبحرية للجماهيرية المنكوبه ، وتم شحن المئات من الافارقة السود في مراكب الموت لتمخر بهم عباب الابيض المتوسط صوب الجزر الايطالية ، في حين راح معبري راس جدير مع تونس ومعبر إمساعد مع مصر يقذفان بالاف البشر ليدخلوا الاراضي المصرية والتونسية .. واستطاعت المنظمات الدولية المعنية بغوث اللاجئين السيطرة على اكبر حالة من النزوح البشري في تاريخ الحروب ، لتثبت بحق فاعلية التضامن الاممي الرائع ، في تقديم المعونات العاجلة للمنكوبين ومن مختلف الجنسيات ، ضمن مخيمي الامارات ومخيم شوشه داخل الاراضي التونسيه ، وكذلك من خلال المساهمة الواسعة النطاق في استقبال افواج اللاجئين عند مركز السلوم الحدودي مع مصر .. إنها ملحمة حقيقية تلك التي قادتها اجهزة الامم المتحدة لانقاذ اكبر عدد ممكن من اللاجئين العرب والاجانب بما فيهم الفارين الليبيين من جحيم قصف الكتائب الحكومية في الغرب والشرق الليبي وعلى حد سواء ..
كانت وجوه وعيون افراد الجيش الليبي الموزعين على اكثر من خمس وعشرين نقطة تفتيش ، تم تثبيتها على الطريق الدولية صوب تونس ، توحي بالتوثب والقلق ، يعكسهما ذلك التشنج الواضح في معاملة المغادرين الاجانب ، وظهرت ملامح الكره في طبيعة التصرفات العدوانية من قبل فرق التفتيش داخل وحول مطار طرابلس ، حيث قامت تلك الفرق بسلب أي تلفون محمول او جهاز كمبيوتر لدى المغادرين ، بحجة تفادي نقل الصور للداخل الليبي .. وتعمدت الاستحواذ على اي مبلغ نقدي بحوزتهم بإعتبار ان الامر قد تم بناء على توجيهات رسميه .. وتكدست اعداد كبيرة جدا من السيارات الخاصة وتلك التابعة للشركات الاجنبية في الساحة المقابلة لصالة المطار الداخلية ، بعد ان تركها اصحابها ليفروا بجلودهم وفي الاوقات المحددة لاقلاع الطائرات المرسلة من قبل بلدانهم .. في هذه الاوقات سارع الكثيرون ممن لم يكونوا بحاجة لمورد مادي غير اعتيادي كالذي قصدوه ، حينما بعثوا ابنائهم لبيع قطع الخبز وقناني المياه المعدنية على ارض المطار كي يتاجروا بها حتى وصل سعر قطعة الخبز الواحدة الى خمسة دنانير ، وهو مبلغ كبير جدا لو علمنا بأن سعر خمسة قطع من الخبز في الحالات الاعتيادية لا يتعدى الربع دينار في كل الاحوال ..
الغريب جدا ، هو أن ازدواجية محضة ، كانت ولم تزل تسيطر على دواخل الفرد الليبي ، ملخصها هو أنه يحمل وعلى الدوام ، ردود فعل سلبية حتى وان كانت تلك الردود متخفية بفعل الخوف من السلطة ، إتجاه أي اجنبي مهما كان نشاط ذلك الاجنبي يدر منفعة لا يمكن الاستغناء عنها في تدبير شؤون البلاد .. وأمام هذا الشعور بالبغض ، لا تجد بالمقابل عملية إحلال محلية لأخذ زمام المبادرة الفنية والاكاديمية وعلى المستويات العامة والخاصه ، لتكون بديلا عما يسمونه هنا بالعمالة الوافده ، فمن عمال النظافة ومرورا بمشغلي معامل الانتاج الحكومي والخاص ، وانتهاء باعلى المستويات المتعلقة بالخطوط رفيعة الدرجة من تعليم اكاديمي واطباء وكبار المهندسين هم جميعا من الوافدين غير الليبيين ، وما تشمله وظائف الكوادر المحلية من الليبيين لا تخرج عن أطر المناصب الادارية والمعرقلة في الغالب الأعم لعمليات الانتاج .. في حين يكتفي الالاف من الشباب من طالبي العمل بالتعيين كسائقي مركبات أو حراس فقط .. وهناك الكثير من الشركات الاجنبية والتي أجرت تنسيقا مع الاطراف الموزعة مركزيا للتعيين فيها من الليبيين ، كانت نتيجته هو الاتفاق على دفع رواتبهم دون حضورهم لحقول العمل المباشر ، باعتبارهم سيشكلون معوقا لسير عمليات الانتاج لا محاله .. انها طبيعة ملازمة للشخصية الليبية تلك التي تسمى بالاتكالية السلبية بحيث يجد رب العمل مهما كانت صفة عمله حيفا كبيرا في تشغيل العمالة المحلية ، ونتيجة لذلك لا توجد هناك أية رغبة لدا ارباب العمل ، حتى الليبيين منهم ، في تشغيل العمال المحليين خوفا من حدوث خسارة محققة في أعمالهم .
إن ما يدعيه الغالبية العظمى من الشباب في ليبيا ، بأن هناك مرضا اسمه البطاله ، لا يخرج عن كونه تحايلا على الواقع .. إذ أن ابواب العمل كانت على الدوام مفتوحة ولا تتطلب غير امتلاك عنصر المبادرة في البحث والتقصي ، وليس هذا فقط ، وانما التحلي بروح المثابرة في العمل والاستعداد للعطاء وبذات الوتيرة التي يظهر فيها العمال المصريين أو بقية المنتجين من دول جنوب شرق اسيا او افريقيا .. لقد حدث مرة ان استجدى مني شاب ليبي مبلغ نصف دينار ، في حين كان يعمل على بعد امتار منه مجموعة من العمال المصريين في مد انابيب الصرف الصحي ، ولم يكن بمقدوري بعد ان منتحته ما اراد ، أن أشير عليه بملاحظة الفرق بينه وبينهم لثقتي بأن شتيمة قذرة ستنالني ، أولها هو انني اجنبي جئت لاشحذ رزقي في بلاده.
ناهيكم عن تلك الكذبة الكبرى والقاتله ، والتي تستخدمها الانظمة الفاشلة في بلداننا العربية ، حين تسلك سلوكا عبثيا فتحرم شعوبها من ممارسة حياتها كما تريد لا كما يريد لها سلاطينها وملوكها ورؤسائها من ممارسات تبتعد بتلك الشعوب عن جادة التقدم ، فتبقى اسيرة لواقع مريض يجعلها في متناول اليد على طريق الاخضاع والاستعباد .. ففي ليبيا لا زالت المرأة مهما بلغت من درجات الرقي في المعرفة والمقام الوظيفي ، فانها ستبلغ الحضيض من حيث السمعه لو ضبطت وهي تدخن مثلا ، وقد وصم الاخ القائد احدى الكاتبات المصريات المعروفات بهذا ( العار ) ذات مرة ، حينما اراد ان ينتقص من سمعتها امام زوجة الرئيس المصري الراحل انور السادات ، اضافة الى اتهامه لها بشرب الخمر معترضا على امكانية السماح لها بتبؤ المناصب المتميزة في المجال الرسمي والثقافي باعتبارها انثى وتحيض ، فردت عليه السيده جيهان السادات بأنها تعرف اشخاصا من الضباط الاحرار في ليبيا يدخنون ويشربون الخمر لتطيح بفكرته المتخلفة تلك .. بذات الطريقة في التفكير ، تمت ادارة الحياة الاجتماعية العامة في البلاد ، لتظهر وبالمقابل أسوء المظاهر المعاكسة والاكثر ضررا مما لو اتيح للمجتمع ان يمارس طقوسه وبهدوء وكما يريد وتحت طائلة ضوابط القانون المتمدنه .. فمقابل تحريم تناول الخمور ، تم تسويق أردء انواع المسكرات وحبوب الهلوسة لتكون في متناول الشباب وبأيسر السبل وتحت مرأى ومسمع الشرطه ، وعبثت حقن الهيروين باجساد الالاف منهم حيث يتم تعاطيها في الطرقات العامة والفرعيه ، بل ان اقسام الشرطة المختصة بمكافحة المخدرات لا تبالي في ان يكون افراها هم ذاتهم من المتعاطين المدمنين ، ولم يحدث ان سيق احد بتهمة بيع او تعاطي المخدر ، عدا عن تلك الشريحة الواقعة تحت طائلة الاستهداف المحدد نتيجة مشادة شخصية ، او عملية كيدية بعينها يراد من خلالها إبعاد الضحية عن الحياة العامه ..
إن ما مر ويمر به الشعب الليبي من محنة طالت مساحات واسعة من شرائح المجتمع في الوقت الحاضر ، لم يكن لها ان تحدث وبهذه الصورة المأساوية ، لو انتبه النظام في طرابلس الى ضرورة الانتقال من مرحلة تم فيها الاصرار على تطبيق أفكار اضحت موغلة في القدم دون ان يجري عليها أي تحديث يتلائم وطبيعة التطور الحاصل في مجالات الحياة العملية والعلمية حتى في دول الجوار ، ولو تحرك الهيكل المؤسساتي في الهرم العلوي للنظام ، باتجاه موائمة حيثيات ممارسة السلطة وبشكل اكثر تمدنا خارج نطاق ما يتحدث عنه القائد ليل نهار ، معلنا من خلال ذلك بمناسبة وبغير مناسبه ، بأنه فيلسوف مملوك للاممية العالمية ، ولا يمكن شق غبار فلسفته من قبل أي أحد ، وما اشيع عن كون ان ابنه سيف الاسلام كان من هواة التغيير في البلاد ، لم يكن مبنيا على أسس واقعية ، وتجسد ذلك في أول هزة تعرض لها نظام ابيه .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذة حالة نموذجية لما احدثة البترول
محمد حسين يونس ( 2011 / 6 / 4 - 17:00 )
ليبيا السعودية الخليج ايران العراق تنويعات علي نغمة واحدة ..ماذا يفعل البترول وعوائدة عندما يملكة متخلفون ..للاسف ذهب البترول الي المكان الخطا شكرا علي اشراكنا معك فيما شاهدت و عانيت


2 - تحية
د. فلاح اسماعيل حاجم ( 2011 / 6 / 4 - 19:44 )
العزيز حامد
ما كتبته عزز قناعات كانت قد تولدت لدي خلال اشرافي على بعض الطلبة الليبيين، وخصوصا فيما اشرت اليه حول الكسل واللاابالية.
تحياتي لك ونحن بانتظار المزيد مما تكتب عن تجربتك الطويلة في ليبيا..


3 - إمبراطوريات العربان الكارتونية
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 4 - 20:15 )
بعد الإطلاع عن كثب لنوعية الشخصية والحياة والمجتمع في ليبيا يُراودنا السوال : كيف وصلت هذه المجتمعات للحالة التي هي عليها الأن ، ولماذا ، ولأي سبب !!؟
هذه الإزدواجية التي تُثير الإشمئزاز لها جذور بالنصوص والشرائع حمالة الأوجه ، والتي تُناقض بعضها بشكل علني وقبيح ولا يستحي من حقيقته ، لأنه تعلم التبرير والتستر إلى أن صدق بأنه على حق
لا أكاد أُصدق بأن رجلاً مشوه الوجود ممسوخ الشخصية إستطاع أن يُقدم للعالم كل هذا الخراب التأريخي المُدمر للشعوب ، وبإسم الخير والآلهة ومكارم الأخلاق
أزِدنا بالله عليك طرباً أخي حامد ، فنحنُ عطاشا لمعرفة ما يدور حولنا في غابة الآتين بإسم المقدس
تحياتي


4 - الأستاذ حامد حمودي عباس المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 6 / 5 - 01:39 )
جردهم من الميزة الوحيدة التي هي البترول الذي لم ينهض إلا بأكتاف بقية العرب ، هل كان المعترون المساكين ينتكبون هذه المسافات وركوب الأهوال جرياً وراء لقمة العيش ؟ ما قيمتهم بدون هذه الأموال التي يدرها عليهم هذا الوسخ النفطي ؟ وتحليلك للشباب الخمول الكسول تنطبق على معظم أهالي الصحراء بدون مبالغة ، في بلاد الخارج عندما يذهب طلابهم للدراسة ، قارن بينهم وبين بقية الطلاب من بلاد العالم سترى أن أهل بلاد البترول والعرب عموماً يثيرون من المشاكل ما لا تراه عند الآخرين ، إنهم يريدون لقمتهم كما تعودوا على طبق من ذهب، ونلقمهم إياها بالملعقة الذهب ، وبشرط : بيدنا لا بيدهم، والله ~~ مرة قلت لطالب عربي : يا أخي مو ناقص إلا آخدك عالتواليت وقعدك عليها ، العرب بشكل عام أنتو أكبر قدر عندهم بطالة نفسية قبل المادية ، لا يعيشون الحياة بجهودهم . يللا ~ الله خلّصك منهم ، منيح اللي طلعت من بينهم ، ولكن .. إلى أين أنت ذاهب وكل بلاد العرب هكذا ؟ يا خسارة الشرفاء


5 - معا لا زلنا في الطريق
حامد حمودي عباس ( 2011 / 6 / 5 - 11:22 )
اعزائي محمد حسين يونس .. الدكتور فلاح الحاجم .. الحكيم البابلي .. ليندا كابريل
تسعدني مساهماتكم .. أشكركم .. ولنتم معا سفرنا في الحلقات المقبله ، مع خالص تحياتي

اخر الافلام

.. -محاولة لاغتيال زيلينسكي-.. الأمن الأوكراني يتهم روسيا بتجني


.. تامر أبو موسى.. طالب بجامعة الأزهر بغزة يناقش رسالة ماجستير




.. مشهد تمثيلي في المغرب يحاكي معاناة أهالي غزة خلال العدوان


.. البرازيل قبل الفيضانات وبعدها.. لقطات تظهر حجم الكارثة




.. ستورمي دانييلز تدلي بشهادتها في محاكمة ترمب