الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاجومي يدخل الحكاية

شوقية عروق منصور

2011 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الفاجومي يدخل الحكاية

شوقية عروق منصور
الحكاية ليست ما عاشها الواحد منا
بل ما يتذكرها
وكيف يتذكرها
ليحكيها
هذه هي القاعدة ، لكن هناك استثناء ، هناك الحكاية التي يلتصق جلد كاتبها بالآخرين ، تخرج نوافير الحروف من معضلة (الأنا) الى ساحات (نحن) وتقصر قامة الأنانية لتطول جبال (هم ) ، حيث تتكون طبقات لامعة من مرايا العطاء ، الذي يصل الى حد النوبة القلبية والمطاردة والزنازين المطلية بخضوع النفاق للحاكم .
عندما التقيت في بداية الثمانينات مع الشاعر احمد فؤاد نجم او شاعر تكدير الأمن العام كما لقبوه ، والشيخ امام والرسام محمد علي ، الفرسان الثلاثة الذين كانوا يسكنون في بيت صغير متواضع في حارة (حوش قدم) في حي الغورية او كما اطلقوا عليها جمهورية السطوح ، كانت فروسيتهم جديدة على النبض العربي في الكلمة واللحن والصوت ، وكانت اغاني الشيخ امام قد غزت الشارع المصري والعربي الذي شعر ان( نجم وامام ) ظاهرة جديدة في الفن الشعبي وكلماتهم والحانهم تنزل الى عمق الشارع والحارة لتبني صوراً وتراكيب لفظية بقدر ماهي بسيطة بقدر ماهي تكشف عن معاني عميقة متأصلة في الحياة العربية اليومية .
لقد حمل الشعر الشعبي اوالشعر العامي المصري رياح الثورات والمقاومة والرفض ، منذ الشاعر عبدالله النديم الى بيرم التونسي الى صلاح جاهين الى فؤاد حداد الى عبد الرحمن الأبنودي .. الخ، مع ان الكلمة كانت عند بيرم التونسي هي صورة للمصداقية الشعبية وقد قيل عن عميد الادب العربي طه حسين (انني اخاف على اللغة العربية من ازجال بيرم التونسي ) ومع ان صلاح جاهين ارتقى بالكلمة العامية ومزج الواقع مع الأمنيات الوطنية لتكون له لغته الخاصة في أغنايته التي اطلقها مع الثورة المصرية عام 1952حيث سجل مسيرة الثورة بكلمات توثيقية غناها عبد الحليم حافظ وما زالت حاضرة حتى الان ، وقد استعان بها مؤخراً شباب ميدان التحرير آبان المظاهرات والاعتصامات ، حيث انطلقت الى جانب اغاني الشيخ امام .
الا ان احمد فؤاد نجم كان وما زال ذلك الشاعر الحارس لمشاعر الشعب الواقف على ابواب مصر يشير الى عظمتها وفسادها ، تاريخها وواقعها المعتم ، فقرها وحنانها ، بساطتها وقصورها ، حاراتها وقبورها ، شيوخها ورجالها ، شموخها وارتماؤها بحضن امريكا واسرائيل ، سجونها وزنازينها ، نيلها واهراماتها .. الخ . احمد فؤاد نجم او الصعلوك كان مختلفاً في عباراته القاسية الواضحة ، رفض الهزيمة والقهر والواقع الفاسد ، شن الحرب على النظام ، لأنه السبب في كل شيء من قهر الى الفقر ، حتى لقب (الشاعر البذيء) .
واعلن العصيان الشعري على النظام ، من نظام جمال عبد الناصر الى السادات الى مبارك ، لكن اعترف بعد ذلك انه رثى عبد الناصر في قصيدة قال فيها :
عمل حاجات معجزة
وحاجات كثير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت
وان كان جرح قلبنا
كل الجراح طابت
ولا يطولوه العدا ، مهما الأمور جابت .

خلال اللقاء مع احمد فؤاد نجم طلبت من الشيخ امام الذي التقى به في الستينات في السجن ليصبح بعد ذلك التؤام له ، ان يغني ( بقرة حاحا ) و ( الخواجة الأمريكاني ) و( شرفت يا نكسون بابا ) و (اتجمعوا العشاق في سجن القلعة ) و ( يا فلسطينية ) ..
تعجب احمد فؤاد نجم وسألني بحيرة :
كيف اسمعتوا وعرفتوا هاي الاغاني ؟؟ وحكيت له حكايات الكاسيتات التي كانت تتناقل بين ايدينا لنسمع اغنيات الشيخ امام الذي نذر نفسه لحمل كلمات احمد فؤاد نجم ، وكيف كانت هذه الأغنيات الزاد والزواد للكثيرين منا خاصة بعد خروج الفلسطينين من بيروت ، بعد حصار كشف خذلان وضعف العرب وتواطئهم .
وبدأ امام يغني ومحمد علي ينقر على الدف واحمد فؤاد نجم يردد الله ، الله ، وكان السطح يحمل ليلتها صوتاً شجياً مليئاً بالحزن .
والتقيت بعد سنوات مع الشيخ امام ومحمد علي في حجرتهما في حوش قدم وكان الخلاف بين(نجم وامام) قد اشتد وغادر نجم الى حجرة بعيدة ، عندما سألت الكاتب يوسف القعيد قال ان الفقر كان يوحدهم ، لكن الشهرة والمال افسدا كل شيء .
سألت الشيخ امام عن غياب نجم ، تنهد وسكت اما محمد علي فقد حاول الانشغال بالدق على النحاس صنعته القديمة ، ودامت القطيعة حتى موت الشيخ امام ، قطيعة حرمت الفن الشعبي من ابداع التؤام.
لقد القى احمد فؤاد نجم اشعاره على مسرح الألمبياد في باريس الذي غنت على خشبته ام كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز ، وايضاً على مسارح عربية وغربية .
وقد تزوج احمد فؤاد نجم خمس مرات منهم الكاتبة الصحفية ( صافيناز كاظم ) الذي قال عند زوجهما الكاتب محمد عودة – زي ما يقولوا شكوكو تزوج سهير القلماوي ، صافيناز بنت ذوات تخرجت من الجامعة الامريكية وحاصلة على الماجستير في النقد المسرحي ، وانجب منها ابنته نوارة الناشطة في حقوق الانسان وكانت مميزة مع الثوار في ميدان التحرير ، وتزوج نجم ايضاً حفيدة احد الباشوات وهي الفنانة عزة بلبع التي حاول ان يستبدلها بالشيخ امام فقد قامت بغناء اغنياته ، لكن فشلت ولم تستطع تعوبضه عن صوت ولحن امام وتم طلاقهما ، ثم تزوج ممثلة جزائرية .
هذه الايام يعرض في دور السينما فلماً عن حياة نجم عنوانه
(الفاجومي ) و هو اللقب الذي اطلقه احمد فؤاد نجم على نفسه قي كتاب مذكراته ، ومعناه الشخص الذي لا يستطيع كبح جماح مشاعره ومواقفه ، انه فاجومي المواقف السياسية وزائر الزنازين والسجون وشاعر الغضب الذي لايكف عن الانتقاد .
سيرته الذاتية بمرارتها منذ كان في الميتم الى زمن الكهولة على الشاشة الكبيرة ، اذ لأول مرة تعرض قصة حياة شاعر شعبي على الشاشات مع العلم ان السير الذاتية السنمائية والتلفزيونية لم تأخذ الشعراء او الكتاب اوالعلماء و المبدعين في العالم العربي بل بقيت محصورة في نطاق الراقصات مثل بمبا كشر ، وبديعة مصابني ، شفيقة القبطية ووالمطربين المطربات مثل ام كلثوم واسمهان وليلى مراد وعبد الحليم وسيد درويش ، ومن الرؤساء الملك فاروق والسادات وعبد الناصر ، اما عميد الأدب العربي طه حسين فقد شذ عن القاعدة فكان مسلسل (الايام ) عن سيؤته الذاتية ، وما زال في الانتظار على طاولة الانتاج الفني سيرة الكاتب عباس محمود العقاد و والكاتب نجيب محفوظ .
فلم الفاجومي من تمثيل الفنان ( خالد الصاوي ) وهذه هي المرة الأولى يعرض فلماً مأخوذاً عن سيرة ذاتية صاحبها ما زال حياً يرزق ، لقد تعودنا ان يكون العمل الفني السينمائي او التلفزيوني لسيرة ذاتية بعد الغياب والرحيل ، لكن الفاجومي احمد فؤاد نجم كرم وهو ما زال يرتدي ثياب الثورة ، لقد شارك بصوته وقصائده في ميدان التحرير ، مع ان الفلم صور قبل الثورة لكن المخرج استغل الأحداث وادخل مقاطع من ثورة التحرير .
الكاتب صلاح عيسى ربط في مقدمة كتاب (الفاجومي) حياة احمد فؤاد نجم بحياة احمد الزعتر الذي وصفه محمود درويش ( بأنه احمد العاري المولود من حجر وزعتر القائل لا ، جلده عباءة كل فلاح وسيأتي من حقول التبغ كي يلغي العواصم ويقول لا ، جسده بيان القادمين من الصناعات الخفيفة والتردد والملاحم نحو اقتحام المرحلة ليقول لا ، ويده تحيات الزهور وقنبلة مرفوعة كالواجب اليومي ضد المرحلة لتقول لا ) .
هل هي مصادفة ان يأتي فلم الفاجومي مع تصوير مسلسل ( في حضرة الغياب ) عن حياة الشاعر محمود درويش ) كلاهما عشقا الكلمة وكانا صوت الناس والوطن ، الفرق ان الفاجومي اذا لم يعجبه الفلم يستطيع رفع صوته للأحتجاج اما الشاعر محمود درويش سيبقى اسيراً لمخيلة المخرج والمنتج والجمهور والخيال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| تصاعد أعمدة الدخان عقب اعتراض مسيرة في سماء صفد شمال إ


.. ضابط دفاع مدني يتفاجأ باستهداف الاحتلال منزله بحي الزيتون في




.. من الحرب إلى الموت.. مأساة سودانيين توفوا بطريقهم إلى مصر


.. ولي العهد السعودي: عدم تمكنا من المشاركة بقمة مجموعة السبع ت




.. سخرية من اتهامات حوثية.. معتقل يمني يواجه تهمة -التأثير على