الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


والتقيت بعبوسي في مشيغان

زيد ميشو

2011 / 6 / 5
الادب والفن


كل يوم أتاكد أكثر من أنني أنتمي لجيل لعب معه القدر لعبته القذرة ، جيل هزّ أكتافه ورقص الجوبي وصفّق البصراوي " ونزل للكاع ، وبزخ " على أغان لاعلاقة لها بالإنسانية لامن قريب ولا من بعيد ، استمدت روحيتها من الضواري والحيوانات المفترسة ، فرض ثقافتها النتنة فكران رجعيان بعثي في العراق وديني في إيران ، منها ( إحنا مشينا للحرب – وهمة إجو للموت محّد جابهم – هاولكم وين يادجالين – تقدّم وحنة وياك إثنين جيشين لصدام حسين – ياكاع ترابج كافوري وغيرها من المبتذلات ) بل حتى أغاني الأطفال الشعبية لم تسلم هي الأخرى وأذكر :- طلعت الشميسة على وجه عيشة ، عيشة عراقية بنت القادسية .
أنتمي إلى جيل بائس لاعلاقة له بالمسرح ، ولا وقت له لاستيعاب الفنون ، خضع للإعلام والثقافة الموجهة ويكفر بالسماء والأرض إن حصل تشويش على إذاعة مونتيكارلو ولندن ، المنفسين الوحيدين لسماع أخبار لايقرؤها أزلام المقبور قبل بثّها .
لم نعرف التنوع الفكري يوماً ، ولم يُسمّح لعقلنا بالتحليل لتكوين رأي حرّ ، ولا نفْقه أبعاد معاني بعض الكلمات وإنما نرددها فقط مثلاً " الاختيار ، الابداع الحر ، الرأي الحر ، العدالة ، الجميع تحت القانون ، نزاهة حكّام ، الكرامة ، عزة النفس ، وغيرها " لأن الجميع معرضين للإهانة والذل في كل مكان وزمان .
عندما أجتمع مع الخمسينيين وما قبل من أجيال أشعر بأنني من عالم آخر وكأنني لست إبن هذا البلد الرائع ...
إنها اجيال سمعت السمفونيات وتأملت مع الكلاسيكيات وقرأت لكتاب أحرار وتبنّت أفكاراً مختلفة وطبعت الحوادث والأسماء في ذاكرتهم . يتكلّمون عن ثورات وعن مظاهرات كحقائق حدثت وليس كأمنيات تشبه تبادل التهاني في الأعياد .....
لذا ، عندما تسمح لي فرصة ان ألتقي بمبدع عراقي من الرعيل القديم ينتابني شعوران ، الأول هو الفخر والاعتزاز والثاني هو الألم كونهم مدرسة ، إن وجد فيها طلاب فلا يتجاوزون أصابع الكف الواحد ، لأن دور حزب البعث الرجعي والدموي هو سحق العراق وتدميره ، وغالبية أعضائه الكبار لديهم عقدة النقص من كل ماهو مميز ، لذا حاولوا جاهدين تحجيمهم وتصفيتهم متى ما اقتضت الحاجة لأن والحقيقة تقال بأن اكثرية المواهب والطاقات المبدعة العراقية كانت تنتمي أو تتبنى الأفكار اليسارية ....
في الثالث من حزيران 2011 دعى الاتحاد الديمقراطي العراقي في مشيغان الشخصية الجميلة والمحببة والقريبة لقلوبنا حمودي الحارثي والمعروف بعبوسي ، ولكوني محظوظ أحياناً وأسكن في وندزور ، المدينة الصغيرة التي تحدّ ديترويت ، ومن أجل صديقة عزيزة غادرت العراق قبل أكثر من ثلاثين سنة ولم تزره غير مرة واحدة بعد سقوط الصنم ، فقد كان إصرارها للذهاب إلى الندوة كطفلة تبحث عن حظن يدفئها ، فقررت الذهاب ودفعنا أول ثمن عندما مكثنا ساعة ونصف ونحن نقطع الحدود .
موعد اللقاء كان في السابعة والنصف مساءً بحسب التوقيت العراقي الذي يقبل الزيادة فقط ، وأنا والصديقة العزيزة خرجنا من وندزور قبل الثانية والنصف ظهراً وعدنا بعد منتصف الليل ... الغريب في الأمر بأن رفيقتي في هذه الرحلة تعاني من اوجاع في الظهر تمنعها من الجلوس لساعتين دون تمدد ، إلا أنها قضت أكثر من سبع ساعات ثم عادت نشطة ، وكأن الدواء في مثل تلك تلك الاجتماعات الدافئة .
والتقينا بعبوسي ، وكانت ساعات من الروعة أدونها كنقطة مشرفة في تاريخي ، شخصية متواضعة جداً وواقعية وصريحة ومثقفة . نحات وممثل ومخرج ، وأكثرنا لم يكن يعرفه سوى ممثل ، له جواب لكل سؤال ، أمتع الحضور بإسلوبه الشعبي الجميل ومزحاته الذكية ، ورغم كرهي للتصفيق إلا أنني فعلتها وبحرارة أكثر من مرة ، لأنه لم يكن تصفيقاً لشخص يسعى لنيله بل لموهبة سخّرت من أجل شعب برمّته . عبوسي فنان قريب للقلب مازلنا وسنبقى نردد عن ظهر قلب الكلمات الساخرة والتعابير المضحكة التي قالها في مسلسل تحت موس الحلاق الشعبي الشهير .
وأحتراماً للجهات الإعلامية المخولة بتغطية اللقاء لن أذكر في هذه المادة المتواضعة ماذكره في تلك السويعات الطيبة .. وليسمحوا لي زملائي بأن أبشّر كل العراقيين بأن عبوسي قد وعدنا بتقديم عمل مسرحي قريباً ولن يمنعني عن مشاهدتها عند العرض الأول سوى المستحيل ...
تاج على رأسي عبوسي ، وشكراً لكل من اهتم بحضوره إن كان اتحاد الفنانين العراقيين الكنديين أو إخوتنا في الإتحاد الديمقراطي العراقي في مشيغان الممثلة بشخص نبيل رومايا ... لهم منّي كل احترام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 6 / 5 - 15:38 )
أخي الكاتب تحية لك مادة جميلة عن تلك المرحلة . شخصياً أتعلم حتى من طريقة تفكير الصغار في عائلتي ومحيطي وأشعر كم كنا محرومين حتى من مجرد التفكير بصوت عالٍ . مع التحية لك


2 - إدراك ووضوح رؤية
فاتن واصل ( 2011 / 6 / 6 - 09:58 )
إدراكك للعبة القدر القذرة يدل على انك تعى أكثر بكثير من أبناء جيلك أكثر من هز الأكتاف ورقص الجوبى وصفق البصراوى.. أى أنك وعيت اللعبة القذرة منذ البداية ولم تستسلم لها .. كلنا وعيناها ومنا من هم كسالى ولم يحاولوا سبر أغوار المعرفة وقراءة التاريخ ومنا من وعى وأدرك جيدا وميز الغث من الثمين .. بدليل أنك تعرف قيمة هذا الفنان الذى زاركم فى بلاد المهجر .. كلنا ضحايا بطريقة أو أخرى .. سرقوا أعمارنا لكن المهم أن نوقف نزيف السرقة سواء باللجوء الى مكان مناسب للعيش والحفاظ على ما تبقى فينا من حياة او نقاوم ونقاوم ويصبح هذا أسلوب حياة وتمهيد لآخرين أن يعيشوا بعدنا بكرامة طالما وعينا وفهمنا وأدركنا..أستاذ زيد لا تنظر للوراء واستقبل غدك بروح التحدى والاصرار على عدم الوقوع فى فخاخ الماضى وافتح لأبناءك آفاق تتيح لهم العيش وفى قلوبهم حب للحياة ، وعلمهم معنى حرية التعبير والرأى والابداع.. لأنك رغم كل ما تعرضت له أنت وجيلك من تكميم وخداع .. الا أنك أدركت كل شئ ولديك وضوح رؤية كافى لتكسر كل القيود. تحياتى


3 - لا يزال في الزمن بقية
طلال سعيد دنو ( 2011 / 6 / 6 - 15:08 )
العزيز زيد
لاوقت لبكاء زمن مضى وانقضى ولا زال هناك متسع لقرأة كتاب فتناوله واجلس مستمعا للموسيقى وانشد ثقافة جديدة


4 - كلنا في الهواء سوى
نهى عايش ( 2011 / 6 / 6 - 21:51 )

المهم أنك فهمت هذه اللعبة القذرة المستمرة الى يومنا هذا، عزيزي أعدُ نفسي من المحظوظات اللواتي تخلصن من سطوة المقدس وسطوة العروبة وسطوة التاريخ الكاذب وسطوة العراعير ههههه، طبعا أنا سعيدة لما أسمع منك أنك تستمع الأن بهذا التنوع الفكري ، والاراء الحرة، والابداع الانساني بكل صوره من مسرح وموسيقى وسمفونيات ....
شكرا لك لمشاركتنا بهذا المقال الجميل


5 - سليم البصري وحمودي الحارثي مثلا وجهنا المشرق
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 6 - 23:35 )
العزيز زيد ميشو
أعجبتني المقال ، وخاصة ما يتعلق بقيمنا وترائنا الفني في سنوات الخير والفرح ، والتي أعطيناها صفة الفرح أو الزمن الجميل
نعم .. كانت أيام حمودي الحارثي ( عبوسي ) وشريكه سليم البصري ( حجي راضي ) عصراً فنياً ذهبياً شامخاً لا يزال يتلمضهُ كل عراقيي تلك الحقبة الزمنية الجميلة ، ولا زالوا يتبادلون الفيديوات التي تحتوي على أعمالهم الفنية
كانت أعمال هذا الثنائي المُبدع قمة في التمثيل والإبداع والنص الشعبي الذي كان خلفه الفنان الراحل الكبير سليم البصري ، والذي أعتبره شخصياً أكثر ممثل مبدع ومتمكن من صنعته عبر كل سنوات حياتي كعراقي يعشق المسرح والفن والإبداع
كانت أعمال البصري والحارثي تتسم بالعفوية والشعبية والإبتعاد عن الإبتذال السياسي والديني وتقبيل المؤخرات ، وكانت أولى أسباب نجاحهم وشعبيتهم هو أنهم قدموا للمشاهد شخصيات عفوية من قعر المجتمع العراقي المسحوق ، ولم تكن أعمالهم تحوي فلسفات متكلفة وفضفاضة ومتعالية وصعبة الهضم بالنسبة للمشاهد العادي الشعبي القليل الثقافة والذي يُكَوِنُ غالبية المجتمع العراقي يومذاك
ومن خلال كل ذلك قدموا أجمل انواع النقد الهادئ لذلك المجتمع
تحياتي


6 - شكراً لأصحاب الردود
زيد ميشو ( 2011 / 6 / 7 - 02:22 )
الأستاذ العزيز سيمون خوري
حتى أثناء مكوثي في لبنا والأردن لسنوات ، عندما نفتح موضوع يخص الدولة ينخفض الصوت لاإرادياً ... فتصوّر حالة الرعب التي تغلغلت بنا ؟

الكاتبة الرائعة ليندا كابريل
قردك وافي أكثر إنسانية من الف حاكم عربي أو عشرات الألوف خلال القرون
والمستقبل ينذر بالأسوأ

الأستاذة فاتن واصل
الوعي موجود دائماً ولدى الكل لكنه لايكفي أمام القهر والإستبداد
مثل المدخن ... يعي مظرته ويدخّن

وهذا ماأفعله خالي العزيز طلال .... والدليل بأنني أطرح مامررت به دون خجل كي أقول ، لقد تعلمت ولو القليل رغم أنف من أراد توجيهنا بالثقافة التي يريد فرضها ولا يسمح لنا بالإختيار

بل الشكر لك عزيزتي نهي عياش ، فكم أغنيتينا بفكرك الثوري

حبيبنا الحكيم البابلي
فعلاً كانت أجمل فترة للفن الشعبي والساخر والفكاهي والهادف ... فلا نصوص تفرض ولاخوف من جزار
كم اتمنى ان تلتقي به وتتبادل الحديث معه
وأتمنى اكثر أن يكون هناك تعاون من اجل عمل مشترك وسيكون مميزاً بالتأكيد
لأن عبوسي سيمكث بديرتكم لفترة
مجبتي لجميعكم


7 - شكراً لأصحاب الردود
زيد ميشو ( 2011 / 6 / 7 - 02:22 )
الأستاذ العزيز سيمون خوري
حتى أثناء مكوثي في لبنا والأردن لسنوات ، عندما نفتح موضوع يخص الدولة ينخفض الصوت لاإرادياً ... فتصوّر حالة الرعب التي تغلغلت بنا ؟

الكاتبة الرائعة ليندا كابريل
قردك وافي أكثر إنسانية من الف حاكم عربي أو عشرات الألوف خلال القرون
والمستقبل ينذر بالأسوأ

الأستاذة فاتن واصل
الوعي موجود دائماً ولدى الكل لكنه لايكفي أمام القهر والإستبداد
مثل المدخن ... يعي مظرته ويدخّن

وهذا ماأفعله خالي العزيز طلال .... والدليل بأنني أطرح مامررت به دون خجل كي أقول ، لقد تعلمت ولو القليل رغم أنف من أراد توجيهنا بالثقافة التي يريد فرضها ولا يسمح لنا بالإختيار

بل الشكر لك عزيزتي نهي عياش ، فكم أغنيتينا بفكرك الثوري

حبيبنا الحكيم البابلي
فعلاً كانت أجمل فترة للفن الشعبي والساخر والفكاهي والهادف ... فلا نصوص تفرض ولاخوف من جزار
كم اتمنى ان تلتقي به وتتبادل الحديث معه
وأتمنى اكثر أن يكون هناك تعاون من اجل عمل مشترك وسيكون مميزاً بالتأكيد
لأن عبوسي سيمكث بديرتكم لفترة
مجبتي لجميعكم


8 - تحت موسى الحلاق ، والزمن الجميل
الحكيم البابلي ( 2011 / 6 / 7 - 07:05 )
العزيز زيد
شكراً على الرد ، ولعلمك فقد سبق لي أن إلتقيت بالسيد الفنان حمودي الحارثي في بغداد ، يوم دعوناهُ لتقديم محاضرة إرتجالية عن مسيرة حياته وفنه المسرحي ، وكانت الدعوة من قِبَل مجموعة الصليب المقدس في نادي السنتر للشبيبة المسيحية
وأذكر إننا وبعد نهاية المحاضرة والنقاش ، طلبنا من الفنان حمودي الحارثي أن يُقدم لنا مقطعاً ساخراً من حلقات (تحتَ موسى الحلاق) ، لكنه تبسم بذكاء وقال لنا : قدمتُ لكم الكثير لحد الأن ، فهل تستطيعون أن تقدموا لي مقطعاً ولو لدقائق لأرى قابلياتكم المسرحية ؟
على أثرها قمنا أنا والزميل المسرحي ( ساعد زيا أُرو ) - يعيش الأن في مشيكان - بتقديم مشهد كوميدي متقمصين شخصيات (عبوسي وحجي راضي ) ، وكان الحوار الساخر الناقد من تأليفي حيث سبق وأن قدمنا عدة مسرحيات في ذلك النادي
سأقوم بالإتصال بالإتحاد الديمقراطي العراقي في مشيكان ، وجلهم من أصدقائي القدماء مثل عامر جميل ونبيل رومايا وكمال يلدو ، وأحاول المساهمة بما أمكن لو كان السيد حمودي الحارثي قد قرر حقاً تقديم عمل مسرحي في مشيكان
تحياتي

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال