الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخارج. المغتربون, المهاجرون, والمهجرون.

هايل نصر

2011 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


لا يكتفي الوطنيون جدا, مواطنو الدرجة الأولى, بتخوين غالبية المواطنين في الوطن, وكل من لا يفكر كما يفكر سيد الوطن, وإنما يفعلون ذلك أيضا مع أبناء هذا الوطن الذين يعيشون خارج ترابه. فيصادرون كل حق لهم في وطنهم. فلا علاقة لهم بالداخل. ولا حق لهم في الكلام عن الداخل. لا علاقة لهم بسياسة الداخل. فالداخل لم يعد وطن لهم. انه لسيد الوطن ولحاشيته وملاحقه من الوطنيين جدا. القطع إذن مع من في الخارج. قطع لهم عن الوطن. قطع مع أفكارهم غير المنسجمة مع أفكار سيد الوطن ــ ولا نقول سادة الوطن, فالسيد واحد, ومنه تفيض السيادة على البعض ليصبحوا سادة بالتبعية ــ وعليه وجب غلق أبواب الوطن كل الوطن في وجوههم, ليبقوا إلى الأبد مغتربين, مهاجرين و مُهجّرين. ويبقى فكر الوطن وطني نقي كالدماء النازية. هذا ما نسمعه من الإعلام والقنوات المغرقة في الوطنية التي لا تنفس إلا وطنية ولا تتغذى إلا على حساب الوطنية ومن جيوبها. أجهزة وكأنها محاكم التفتيش تدين من تشاء, تكفر من تشاء, وتمنح صكوك وطنية وميداليات عبادة صنمية. لا غرابة من إعلام تعود على فعل كل شيء بما فيه تبرير قتل أبناء جلدتهم, قتل أطفال تحت التعذيب, قتل النساء, وتمجيد القاتل علنا وعلى رؤوس الاشهاد. واعتقال الآلاف وتخوين الملايين إلى يوم الدين.
لم يكن الأمر على هذه الحدة وبمثل هذه الشدة, قبل الانفجار الكبير, قبل الثورة, قبل السقوط المدوي لادعاءات الوطنية, وبالعكس فقد فطنت السياسة وذكاء بعض رجالها المجربين المحنكين, رغم غباء إعلامهم, لأهمية المغتربين دون غيرهم, فنصّبوا لهم وزيرة ثم وزيرا, ليس للاهتمام بشؤونهم في خارج الوطن, فهذه في أسوأ أحوالها أفضل من شؤون المواطن العادي داخله, ولا لتسهيل معاملاته في السفارات والقنصليات (دخول المهاجر أو المغترب لسفارة بلده مأساوي كدخوله مطار بلده مع الفارق الوحيد انه يدخلها دون حقائب زائدة أو ناقصة الوزن وبالتالي دون الاستفادة من "تشليحه" شيء. يُستقبل بتكشيرة دبلوماسية. وترحيب لا يخلو من "دفش" دبلوماسي امني صفراوي البسمة, مع تفحص معمق لوطنيته على ضوء ماضيه وحاضره, ثم ملاحقته, أن اقتضى الأمر, والأمر يقتضي دائما, ملاحقته بتقارير إلى أسياد الوطن في حالة وجود غبار على هذه الوطنية, أو الشك بوجوده, "مطيرين" اقتراحات بعدم قبول عودته إلى الوطن, وان عاد إليه فليكن له استقبال خاص يليق به ابتداء من المطار مرورا بأقسام المخابرات وفروع الأمن, وهناك تختلف "التكشيرات" و "الدفش" وتحل محل الدبلوماسية التهذيبات الأمنية ) وهنا لا تتدخل وزيرة أو وزير المغتربين, فالأمر خطير, وهي أو هو لم يُستوزروا لمثل هذه الأمور, كما أنهما تحت الأمن, إن لم يكونا الأمن نفسه.
من المهام الأساسية للوزيرة أو الوزير المكلفة أو المكلف بحقيبة ملاحقة المغتربين هي:
ـ مهام جباية. يلاحقون جيوب المغتربين بالدرجة الأولى. فهؤلاء لم يدفعوا الضرائب والرشاوى والإتاوات المفروضة على أمثالهم في الوطن, بحكم اغترابهم. وان بعضها مترتب في ذممهم كضريبة نشأة, وتربية سابقة كطلائع بعث, وإعداد حزبي وطني في الوطن, أو كضريبة انتماء, أو إثبات ولاء. وان لم يكن من اجل هذه كله, أو بعضه, فعليهم على الأقل دفع تبرعات للوطن كمساهمات نقدية لدعم واستمرار الصمود والتصدي.
ـ مهام تنظيمية: ملاحقة المغتربين لتنظيم "الجاليات" للبقاء على اتصال بالتجييش الحزبي, وضبط الجميع في مغترباتهم, وملاحقة المستقلين وكل من يحمل فكرا مغايرا لفكر الحزب, والفكر السياسي الصالح لكل زمان ومكان, والمقولات الخالدة للزعماء (عشرات رسائل الدكتوراه من الطلاب المبعوثين للدول الغربية كانت عن عظمة فكر الحزب, والنظام السياسي القائم عليه, ودور الزعيم في بناء الدولة. ومثلها عن مراكز صنع القرار, في بلد يتفرد بقراره سيد الوطن وأجهزة المخابرات. ومع معرفة الأساتذة المشرفين الغربيين المنافقين لذلك تمام المعرفة , يجيزون مثل هذه الاطروحات القيمة ويمنحون مقدميها لقب دكتور!!. دكاترة من العيار الثقيل والاختصاصات النادرة, يطورون الجامعات, ويصفقون في الشوارع والساحات, ويهتفون بالخلود لزعيم البلاد, ويمزقون الحناجر في الإذاعات والمحطات الفضائية دفاعا عن النظام وسيد الوطن, وليس في هذا تعارض مع المنهجية والروح العلمية) . ودعوة الجميع لان يكونوا سفراء للوطن, والوطن هنا هو النظام, أي أن يكونوا أبواقا خارجية كالأبواق الداخلية, تروج سياسته, وتسوق للمعمورة جمعاء الأنظمة الاستبدادية الشمولية وميزاتها وفضائلها, وتبرير الإرهاب و القمع واحتقار الإنسان وصولا إلى قتله بالرصاص الحي حين ينادي بالحرية والحياة الكريمة.
ـ تنظيم مهرجانات يُستدعى لها "رجال أعمال" و "ومثقفون" تُعقد في الداخل للإشادة بالنظام الحاكم ومنجزاته ومواقفه العربية والقومية واستبساله في الصمود والتصدي. فتُلقى الكلمات النارية, وتُغنى الأغاني, وتُنشد الأناشيد, وتُعرض المسرحيات, ويُلوّح بالصور, ويُقدم تاريخ سورية الحديثة ابتداء من بداية النظام وعرضا لصفحاته المشرقة. وتُقدم حضارتها وكأنها من صنع هذا النظام ولم تكن سابقة عليه, أو على الأقل إن لم يكن هو بانيها بأكملها فهو مطورها, وله عليها فضل" العصرنة" والتحديث. وأخيرا ودون أي ذكر للوطن نفسه يفدي الجميع سيد الوطن بأرواحهم ودمائهم, وكل يسجل موقفا. وكل يعود لمغتربه مناضلا يثبته بالصور التذكارية.
ومع ذلك ليس من مهام وزيرة أو وزير المغتربين البحث في قضايا مئات الآلاف من المغتربين الذين ظلوا خارج "التدجين" ومُورست على الأحرار منهم سياسات اقلها الحرمان من العودة للوطن من عقود طويلة والى اليوم. ومن سُمح له بالعودة فبشروط مُذلة, منها المرور على فروع الأمن والمخابرات كنوع من التخويف والترهيب. ودفع الرشاوى للفاسدين والوسطاء. وعروض للتعاون في التخابر ليس ضد العدو وإنما على أبناء الوطن من المغتربين والمهاجرين والمهجرين.
عقود طويلة حُرمت أمهات وآباء من رؤية أبنائهم. توفيت أمهات وآباء دون أن يسمح لأبنائهم بإلقاء النظرة الأخيرة عليهم. وتوفي مغتربون في المغتربات بعيدا عن الأهل والوطن. كل هذا من اجل الحفاظ على الوطن من أبناء الوطن. هل سمع أحد بان مثل هذه الممارسات عرفتها أو تعرفها أوطان الآخرين في أية قارة من القارات الخمس؟. انه وطن ممييز ووطنية فريدة.
بقي الحال على ما هو عليه, إلى أن جاء الانفجار الكبير, فكسر الثوار حاجز الخوف, وكنسوا الفكر الانتهازي, وثقافة التملق والدجل في داخل الوطن وخارجه التي كانت قد وصلت إلى التخلي عن الشرف والكرامة. أصبح المغتربون والمهاجرون والمهجرون الذين لم يدجنوا, ممن شاخ منهم, وممن هم في طريقهم للشيخوخة, ومن الأجيال الجديدة الشابة من نسلهم, يرفعون رؤوسهم عاليا, كبرا يرفعونها, ومع الثوار يهتفون للثورة. يبكون الشهداء ولكن بهم يعتزون. خُلقوا خلقا جديدا, لم يعد احد منهم يشعر بالدونية, يرون الحرية على الأبواب, وان الوطن ليس دون باقي الأوطان. رفع الرؤوس هذا ثمنه دماء الشهداء والجرحى والآم المعتقين تحت التعذيب الوحشي الانتقامي, من لم ير الشهيد الطفل حمزة الخطيب, ومن يمكنه أن يدعي انه أكرم وأشجع وأكثر وطنية من الشهداء و من حمزة ورفاق حمزة؟.
أضاف الإعلام والإعلاميون إلى مآثرهم, وخاصة الاستراتجيون منهم, بعد الانفجار الكبير, فصل الداخل عن الخارج, ومحاولة الإيقاع بين الداخل والخارج, فالمغتربون هم الغرب, ومثل الغرب يتآمرون على الوطن وطنهم. فهم أسباب الفتن وهم من يحبك المؤامرات. وبالتالي لا يحق لهم الحديث عما يجري في الوطن, ولا مساندة ثوار الوطن. وكان الثوار في الداخل الذين ثاروا لكرامتهم ولبناء دولة حرة ديمقراطية, كانوا ينتظرون تحريض أو توجيه أو تعليمات أبناء جلدتهم خارج الوطن !!! وكأنهم ليس هم من حرر الوطن من عقد الخوف وحرروا معهم المغتربين والمهاجرين والمهجرين من خوفهم وعقدهم. وكانّ الوطن ليس لأهله في الداخل ولا حق لمغتربيه ولكل من اجبر على مغادرته فيه. لقد صدّقوا أن الأمور استقامت لهم إلى الأبد وأصبح الوطن بكامله مزرعة "أسياده" وأبناء أسياده. وما زالوا يكابرون رغم الانفجار الكبير ورغم السقوط المدوي لإقرانهم من الطغاة.
المجد لمفجري الثورة ولمن خرجوا ليكونوا وقودها وشعلتها وشرفها.
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة