الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش على مؤتمر انطاليا... مساومات على حساب الديمقراطية

حسان الجمالي

2011 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


اعترض الإسلاميون، في المؤتمر السوري للتغيير في انطاليا التركية، على مبدأ فصل الدين عن الدولة في سوريا بعد إسقاط النظام البعثي، وعملت بعض القوى، بكل همة ونشاط، على إيجاد صيغة توافقية تتجنب التطرق إلى العلمانية، أو إلى صيغتها المخففة التي تقتصر على فصل الدين عن الدولة، واعتبار مجرد الاتفاق على المساواة بين جميع المواطنين كافيا كضمانة دستورية تقوم على أساسها دولة المواطنة.
هذا النوع من المساومات، حين يكن على حساب العلمانية، والتي يذكرنا اليوم بالفقرة الثالثة من إعلان دمشق، يشكل خطرا على الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق المرأة وبالتالي على الوحدة الوطنية.
وهذا هذا النوع من المساومات هو في النهاية تكرار ممل لمواقف قديمة. ذلك أن أفكار الحداثة (الديمقراطية٬ العلمانية٬ الدولة المدنية٬ المواطنة٬ حرية المرأة٬الخ. .) لم تحظ في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم بأي باهتمام يذكر في أدبيات المثقفين وبيانات وبرامج الأحزاب السياسية «العلمانية» (يسارية ويمينية على حد سواء). كونها غير ملحة بالمقارنة مع القضايا «المصيرية»، مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين وبناء الاشتراكية.
ومع أنه يمكن القول أنه لا يوجد نموذج وحيد لعلمانية الدولة في الأنظمة الديمقراطية٬ الا أن الديمقراطيات جميعها ودون استثناء تبنت مبدأ فصل الدين عن الدولة. ولا توجد على سطح المعمورة دولة ديمقراطية واحدة تخضع قوانينها المدنية أو الجنائية لموافقة أية سلطة دينية أو أن تكون سلطة البرلمان في سن القوانين مرهونة بمطابقتها لتشريعات إلهية. ذلك أن دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التي تساوي بين جميع المواطنين والتي يخضع فيها المواطنون لنفس القوانين والتي تكون الدولة فيها محايدة تجاه جميع المعتقدات دينية كانت أم فلسفية لا يمكنها إلا أن تقوم على فصل الدين عن الدولة. وهذا الربط العضوي بين الديمقراطية والعلمانية هو الذي يحصر دور الدولة على حماية الوطن والمواطن وتقديم الخدمات وإدارة المؤسسات المدنية. وليس من مهمات الدولة المدنية أن تتدخل في أمور الغيب والاجتهادات اللاهوتية وأن تطبق عقوبات على خطايا و معاصي حسابها عند رب العالمين وتختلف من دين لدين و من مذهب لمذهب.
في حالة سوريا٬ بداية الطريق السلمي المؤدي الى الديمقراطية أساسها مصالحة وطنية قائمة على المساواة المطلقة بين جميع السوريين على اختلاف أديانهم وطوائفهم وقومياتهم.
ولكن هذه المساواة بين جميع المواطنين لا يمكن تحقيقها إلا بحياد الدولة تجاه جميع الأديان والمذاهب والقوميات ونزع القداسة عن كل ما له علاقة بمصالح الناس وخياراتهم السياسية والاقتصادية. وهذه المسلمة تأخذ كل أبعادها في بلد فسيفسائي مثل سوريا أصبحت التعددية الدينية والقومية فيه مصدر انقسام واحتقان بدل أن تكون مصدر غنى ثقافي وفكري واجتماعي.
وإذا كان انتقال سوريا الى الديمقراطية يشترط تخلي البعث عن إيديولوجية الحزب الواحد واحتكار السلطة (المكرسة في البند الثامن من الدستور) لا بد أيضا أن يطلب من الأخوان المسلمين التخلي عن فكرة «الحاكمية لله» و «الإسلام دين ودولة» وشعارات أخرى تمنح شرعية إلهية لأهداف سياسية بحتة؟ إن موقفاً كهذا سيدفع مفكري الحزب الإخواني إلى بلورة فكر سياسي يستند إلى قيم الإسلام الأساسية كما هو حال أحزاب أوروبا الديمقراطية المسيحية وحزب العدالة والتنمية التركي التي حكمت ضمن أنظمة ديمقراطية علمانية دون الاستناد إلى شرعية دينية أو الادعاء أنها تنفذ مشيئة الله على الأرض. عرفته
إن الحميّة الدينية والخوف من غضب الله والغيرة على الدين التي يتسلح بها الذين يرفضون فصل الدين عن الدولة لهي حميّة مشبوهة٬ ما دامت تحصر نفسها بوضع المرأة ومصلحة الرجل في قضايا الأحوال الشخصية. هؤلاء لا يتجرؤون اليوم على المطالبة بتطبيق الأحكام الشرعية ونظام الجزية على أهل الذمة أو على الدعوة إلى قطع الأيدي ورجم المرأة الزانية وجلد متعاطي الخمر وقتل المرتد وغير ذلك كثير. ولكنهم يصرون كل الإصرار بالمقابل على كل ما ينقص من شأن المرأة وكل ما يكرس دونيتها وينقص من حقوقها. كم هي مشبوهة هذه الانتقائية! وكم هي واضحة كالشمس هذه النية المبيّتة والمخطّط لها على استغلال الله والنصوص الدينية من أجل الحفاظ على مكاسب ذكورية في قضايا الزواج والطلاق والإرث وحضانة الأطفال!
عبقري ذلك الإنسان الذي سيجد صيغة لدستور يتساوى على أساسه جميع المواطنين دون فصل الدين عن الدولة وحتى حيادها تجاه الأعراق والقوميات. ذلك أن الأكثرية في دولة المواطنة سياسية، لا دينية ولا قومية، والأكثرية اليوم يمكن أن تصبح أقلية غدا.
كيف يمكن قيام دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنون (نساء ورجالا) دون فصلها عن الدين؟
وماهي اللبنة الرئيسية لمصالحة وطنية أساسها المساواة المطلقة بين جميع السوريين دون فصل الدولة عن الدين؟
لم تعد سوريا تلك الكيان المصطنع الذي هو جزء لا يتجزأ من وطن عربي أو إسلامي. سوريا التي نريدها اليوم هي سوريا بحدودها يوم الاستقلال يعيش فيها مواطنون سوريون لاعلاقة للدولة بأصولهم القومية أو العرقية أو الدينية لأن دولة المواطنة يسكنها مواطنون لا رعايا.
رفض مبدأ فصل الدين عن الدولة يعني رفض الديمقراطية ودولتها المدنية. والذين يعتقدون أن المساواة بين جميع المواطنين والتأكيد على الدولة المدنية في الدستور يغني عن فصل الدين عن الدولة ربما يجهلون أنه ستجري تحفظات دستورية على تلك الفقرة وغيرها من مواد الدستور كتلك التحفظات التي تسجلها معظم الدول الإسلامية (بما فيها المتهمة بالعلمانية والتقدمية)على جميع قرارات الأمم المتحدة في جميع القضايا المتعلقة بالمرأة والطفل والحريات الفردية وحقوق الانسان.
الغريب أن كثيرين لم يدركوا أن الشباب الذي قام بالثورة في تونس ومصر ومازال يخوضها في ليبيا وسوريا واليمن يرفضون وضعهم أمام خيارات قاسية٬ حسب تعبير جلال صادق العظم: إما استبداد دولة الأحكام العرفية، أو حكم القوى الإسلامية الأصولية عبر أحكام عرفية جديدة اسمها الشريعة الإسلامية.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2011 / 6 / 6 - 11:55 )
الأخ الكاتب المحترم تحية لك ، وشكراً على هذا الموقف الديمقراطي والدعوة لإقامة دولة المواطن القائمة على العدالة الإجتماعية والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة. مع الشكر.

اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب