الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية الجديدة خطر على الوحدة الوطنية والأمن الوطني والسيادة الوطنية

قدري جميل

2004 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


النص الكامل لكلمة د. قدري جميل في ندوة الوطن الثانية التي أقيمت في دمشق فندق «البلازا» بتاريخ 30/10/2004، تحت عنوان: «الوحدة الوطنية كأداة أساسية في مواجهة المخاطر»:
الحضور الكرام:
باسم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين أتقدم بالشكر لكل من ساهم في التحضير لهذه الندوة ولكل مشارك فيها.
لقد مضت ستة أشهر على انعقاد ندوتنا الأولى في نيسان من هذا العام، والتي بحثت المخاطر أمام بلادنا ومهام القوى الوطنية، وكما تبين فقد كانت هذه الندوة تعبيراً عن الحاجة الملحة والعميقة للحوار بين مختلف القوى والشخصيات الوطنية، وهي إن تركت صدى إيجابياً فليس لهذا السبب فقط، وإنما نتيجة ماتبين خلال الحوار كم هي المسافة قريبة بين المتحاورين حين ينطلقون من المصلحة الوطنية العليا بعيداً عن المكاسب الحزبية الضيقة، مما أصاب الكثير منهم بالدهشة الإيجابية التي ولدت الرغبة باستمرار الحوار.
وهانحن اليوم نجتمع من جديد، في الفترة التي نحتفل فيها نحن الشيوعيين السوريين بالذكرى الـ80 لتأسيس حزبنا، وكلنا تصميم على توحيد صفوفنا وعلى استعادة حركتنا لدورها الوظيفي التاريخي الاجتماعي، ونحن على ثقة أن كل الوطنيين الشرفاء يؤيدوننا في مساعينا هذه، لأننا على قناعة بأن وحدتنا هي جزء من مكونات الوحدة الوطنية التي نجتمع اليوم لبحثها في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به منطقتنا وبلادنا.
وليس خفياً على أحد أن مخططات الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية في المنطقة ليس هدفها النهائي تغيير بعض الأنظمة فقط تحت شعار نشر الديمقراطية بل هي تذهب ابعد من ذلك بكثير، إنما تريد تغيير بنية دول ومجتمعات وذهنية شعوب بكاملها. ولو كان الأمر الآن يقتصر على تغيير بعض الأنظمة كما يدعون، لكان الأمر يسيراً على مستقبلنا فالأنظمة بطبيعة الحال ومن حيث منطق التاريخ تذهب وتجيء، ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير فالإمبريالية الأمريكية للخروج من أزمتها المستعصية ليس أمامها إلا خيار توسيع بقعة الهيمنة العالمية بكل الطرق المتوفرة وأولها العسكرية. فهي إن كانت تُسوَق لنموذجها الاقتصادي المسمى «باقتصاد السوق الحر» فإنها تفرضه بعقود إذعان أو بالقوة العسكرية وهذا مايقوله بوضوح أحد منظريها ودعاتها الهامين توماس فريدمان: «إن اليد الخفية للسوق لن تعمل دون القبضة المرئية. فماكدونالد(الغذائية) لن يتوسع دون ماكدونيل دوغلاس صانع الـ ف ـ 15، والقبضة الخفية التي تؤمن الأمن العالمي لتكنولوجيا وادي السيليكون تسمى الجيش، والطيران والقوات البحرية والمارينز». وللأسف في مواجهة هذه الروح العدوانية التوسعية هناك من يروج لمنطق «العين لاتقاوم المخرز» تحت ستار الواقعية والتكيف..إلخ.
ونعتقد أن الذي يجب أن يكون واضحاً هو أن سياسة التنازلات أمام الضغوطات الأمريكية والصهيونية لاتؤدي إلا إلى تجهيز التربة الملائمة لتحقيق أهدافهم النهائية من تغيير في البنى بأقل الخسائر والأزمان، فمناورات بعض الأنظمة لتجنب الضربات الأمريكية من خلال تقديم التنازلات لها على أي صعيد كان، هي في نهاية المطاف قبض للريح، فتغيير البنى يفترض في نهاية المطاف تغيير الأنظمة كشرط ضروري لهذه العملية، ولن تكون هذه التنازلات إلا تنازلات مجانية ستدخل في خانة الإرضاء المستحيل للاستعمار.
أما التعويل على مايسمى اليوم عند البعض بالعامل الخارجي من أجل إحداث تغييرات في الداخل، فما هو إلا الاستقواء بالخارج على الداخل، هذا الداخل الذي يجب أن يكون لديه برنامجه الوطني الخاص والخالص لتأمين أفضل ظروف المواجهة للحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني التي عمودها الفقري كرامة الوطن والمواطن.
وواضح أن كل ذلك، أي احتمالات الاستقواء بالخارج أو التنازل عن الثوابت ماهو إلا نتيجة اختلال في ميزان القوى العالمي والإقليمي وإذا كان هذا الخلل قد جرى بشكل خارج عن إرادتنا، وأصبح واقعاً موضوعياً إلا أن الاستكانة له ليس لها علاقة بالموضوعية بمكان، ويبقى الخيار الوحيد أمامنا هو تصليب الجبهة الداخلية ورفع مستوى الوحدة الوطنية إلى أعلى درجاتها لمواجهة التحديات والمستجدات وللتعويض عن الخلل في موازين القوى التي تكونت ليس لصالحنا.
وإذا قلنا في السابق أن أساس الوحدة الوطنية موجود ومتوفر في بلادنا إلا أنه يتطلب التعزيز والتوطيد والترسيخ والتطوير، وبالتالي فإن سقف هذه الوحدة الوطنية مازال مفتوحاً ولايمكن لأي شكل من أشكال التحالفات السياسية القائمة اليوم بما فيها الجبهة الوطنية التقدمية أن تكون هذا السقف المنشود إذا قلنا ذلك حتى الآن، إلا أن المسؤولية تقتضي منا أن نشير إلى أن هناك أخطاراً جدية تهدد الوحدة الوطنية بل تهدد الأمن الوطني للبلاد، إذا لم تتم معالجتها وتفاديها.
لن نتكلم عن كل الأخطار الخارجية فهي قد أصبحت معروفة وهناك إجماع عليها بين جميع القوى الوطنية، من المخطط الأمريكي إلى الدور الإسرائيلي، بل سنتوقف عند أحد المواضيع الذي يرتدي اليوم أهمية متصاعدة والذي سيكون له انعكاساته الداخلية إذا لم يجد طريقه إلى الحل.
لقد لعبت سورية في النصف الثاني من القرن العشرين دوراً إقليمياً هاماً ودوراً عربياً كبيراً، أكبر بكثير من وزنها المادي والاقتصادي، وذلك بفضل الوضع العالمي والعربي، فالتناقضات في هذين المجالين سمحا بتقديم دعم لسورية مكنّها من لعب دورها الذي لعبته سياسياً وعسكرياً، واليوم مع التغيرات التي حصلت في العالم ومع غياب الدعم المادي الخارجي الذي كانت تحصل عليه سورية، هناك إمكانية جدية لانخفاض وزنها الإقليمي وتراجع دورها العربي، أي بكلمة أخرى انحسار تأثيرها على محيطها، مما سيزيد بالتالي تأثير هذا المحيط عليها وهذا إذا حصل سيكون أحد العوامل التي ستؤثر سلباً على الداخل، والحل الوحيد لمواجهة هذا الإشكال هو رفع وزن سورية الاقتصادي ليحمل وزنها ودورها السياسي، أي استبدال الريع السياسي لموقعها الجغرافي ـ السياسي، بريع اقتصادي حقيقي مما سيتطلب على الأرجح لتحقيق هذه المهمة مضاعفة الدخل الوطني الحالي مرتين خلال الـ 15 سنة القادمة، ويفترض هذا الأمر إذا انطلقنا فوراً نحوه تحقيق نمو حقيقي سنوي بحدود 10%، إذن هناك مشكلة تهدد الأمن الوطني بمعناه السياسي الواسع وحلها لن يكون إلا داخلياً.
إلى جانب ذلك تنتصب أمامنا مشكلة داخلية هامة لها علاقة مباشرة بتوطيد الوحدة الوطنية هي مهمة منع تدهور المستوى المعاشي للناس بل العمل على تحسينه وحل هذه المهمة جذرياً إذا انطلقنا نحوها فوراً سيتطلب فترة زمنية من 5 ـ 7 سنوات مع تغيير جدي في معادلة الأجور والأرباح ومستوى نمو للدخل الوطني لايقل عن 8% سنوياً، وغني عن التوضيح أن هذه المشكلة تندرج ضمن إطار الأمن الاقتصادي للبلاد الذي بحدوث خلل فيه سيؤثر جدياً على الوحدة الوطنية.
وإضافة لذلك هنالك مشكلة هامة يتعقد حلها يوماً بعد يوم وتندرج في خانة الأمن الاجتماعي ألا وهي مشكلة البطالة فهنالك خلال السنوات القليلة الماضية 200 ألف شخص سنوياً لا يحصلون على فرص عملهم ويتحولون مع مرور الوقت إلى مهمشين في المجتمع مع كل ما يحمله ذلك من خطر على البنية الاجتماعية وعلى ذهنية جزء هام من تركيبة المجتمع. إن حل هذه المهمة يتطلب توظيفات سنوية بحدود 4 مليارات دولار أي تحقيق نسبة نمو لاتقل عن 7% سنوياً.
وهكذا ترون أن كل نقاط الضعف في تصليب الوحدة الوطنية تصب في المسألة الاقتصادية ـ الاجتماعية ولكن انعكاساتها في حال عدم حلها ستكون سياسية بالدرجة الأولى.
لذلك ترتدي أهمية كبرى معالجة هذه القضايا التي لايمكن مواجهتها دون حل موضوع الفاقد الاقتصادي من الدورة الاقتصادية والذي تحول نتيجة ذلك إلى مسألة اجتماعية وسياسية.
فحسب كل التقديرات فهو يتراوح بين 20 ـ 40 % من الدخل الوطني ويتحول بالتالي إلى عائق أساسي أمام النمو وبالتالي يشكل خطراً كبيرا ًعلى الأمن الوطني بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
والفاقد عندنا من نوعين فاقد فني له علاقة بأداء جهاز الدولة وطبيعة القوانين والثاني وهو الأهم له علاقة بالفساد وخاصة الكبير منه، إن الفساد الذي ينتج عن النهب الكبير للاقتصاد الوطني، أي للدولة والمجتمع أصبح خطراً من هذه الزاوية على الأمن الوطني وعلى الوحدة الوطنية.
والواضح أن كل هذه المواضيع لايمكن حلها وخاصة محاربة الفساد دون تجنيد المجتمع وقواه الأساسية في هذه المعركة مما يتطلب بطبيعة الحال أوسع الحريات السياسية لتنشيط حركة المجتمع ودمجها في تيار حل المسائل المعقدة والمصيرية التي لها علاقة بتعزيز وتطوير الوحدة الوطنية.
إن الاستناد لنقاط القوة المتوفرة حتى الآن في وحدتنا الوطنية، سيسمح بمنع تطور نقاط الضعف فيها بل القضاء عليها ومعروفة للجميع نقاط قوتنا، فإلى جانب التاريخ والتراث، فهناك تيار شعبي جارف وكذلك رسمي يصر على عدم التنازل عن الثوابت الوطنية، كما أن الأصوات التي تنادي بالاستقواء بالخارج هي ضعيفة وتكاد لاتسمع.
ولكن بما أن السياسة كلمة تعني التنبؤ فإن توقع نقاط الضعف المرشحة للاستفحال هو عمل ضروري من أجل معالجتها وصولاً إلى إزالتها.
وفي هذا المجال يتحمل الجميع مسؤولية كبيرة كل حسب موقعه، وكل بحسب مسؤوليته.
أخيراً أريد أن أتطرق بعجالة إلى جملة من القضايا الأساسية:
يطرح ويجري مؤخراً بشكل واسع دعاية لليبرالية الجديدة على أنها وصفة الوصفات لحل جميع الأمور المرتبطة بالاقتصاد والسياسة، ولكن الذي يتطلع إلى تجربة هذه الليبرالية الجديدة في الأماكن والمناطق التي مرت بها، يرى أنها لم تخلف إلا الخراب والدمار، والأهم من كل ذلك لاأريد أن أتحدث عن تجارب البلدان التي جربت وصفة الليبرالية الجديدة ولكن أهم نتائجها التي لايجري الحديث عنها كثيراً، هي أن الليبرالية الجديدة هي وصفة ناجحة جداً من أجل تفتيت وتذرية المجتمع حيث تمر الليبرالية الجديدة تهيىء كل الظروف لتفتيت بنى الدول والمجتمعات.
إذا أخذنا روسيا مثالاً على ذلك، نرى أن الذي يبقيها حتى الآن دولة موحدة هو عدم إمكان الليبرالية الجديدة من الوصول إلى المفاصل الهامة الأخيرة للاقتصاد الوطني وهي الكهرباء والغاز وسكك الحديد فإذا وصلت الليبرالية الجديدة إلى هذه المرافق فروسيا يمكن أن تصبح عشرات الدول، من هذه الزاوية فإن الليبرالية الجديدة هي خطر على الوحدة الوطنية وعلى الأمن الوطني، على السيادة الوطنية.
في مواجهة الفساد تجرد الليبرالية الجديدة أسلحتها مدعية أنها الحل الشامل لشكل الدولة القديم الذي استنفد نفسه، هناك شبه إجماع في المجتمع أن شكل إدارة الدولة للاقتصاد الوطني بالأشكال السابقة أصبح أمراً غير ممكن، ولكن هل البديل هو التخلي عن أي دور للدولة أم أن المطلوب هو صياغة دور جديد تنموي حقيقي يمنع الفساد ويجتثه من جذوره، أي الانتقال من عقلية الدولة الوصائية كما عبر عنها الدكتور حيان سليمان إلى عقلية الدولة التنموية بحق لذلك لاأعتقد أننا أمام خيارين فقط أما إبقاء الأمور على ماهي عليه متخشبة أو الانتقال إلى التدمير الشامل للاقتصاد الوطني بوصفات الليبرالية الجديدة.
أعتقد أن الخصوصية السورية تسمح للقوى الوطنية بغض النظر عن مواقعها هنا وهناك أن تصنع ذلك النموذج السوري الضروري لدور الدولة الذي يستطيع أن يلعب الدور المطلوب منه تنموياً في الظرف القادم، وهذا على ما أعتقد هو أحد التحديات الهامة أمامنا والذي تتصلب من خلاله الوحدة الوطنية نفسها.
أخيراً أريد أن أتطرق إلى قضية بسيطة ـ نحن كلجنة وطنية لوحدة الشيوعيين السوريين هناك من ينتقدنا بل يتهمنا بكل بساطة أن لنا موطئ قدم في صفوف النظام وآخر في صفوف المعارضة ونحن نرد على هذا الحديث بالقول:
إن مفهومي المعارضة والنظام في الظروف الحالية هي مفاهيم وهمية إلى حد كبير.
فبين صفوف المعارضة هناك أناس وطنيون مصرون على الحفاظ على الثوابت الوطنية وهناك بالنظام قوى هامة وطنية مصرة على الحفاظ على الثوابت الوطنية ولكن أيضاً من جهة أخرى هناك في صفوف المعارضة قوى تدعو لليبرالية الجديدة وتستعد لأن تسير في ركابها وهي حليفة عملياً لقوى السوق ولكن أيضاً هناك في النظام من لديه نفس هذه الرؤية. فنحن في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين نرى أننا حلفاء لكل الوطنيين المعادين للعولمة الأمريكية المتوحشة، والمعارضين لاقتصاد السوق الحر الذي يؤدي إلى الدمار الشامل، سواء كانوا موجودين في صفوف المعارضة أو النظام والذي نقوله اليوم إن الفضاء السياسي نتيجة التداعيات الجديدة اليوم العالمية والإقليمية عملياً يعاد تكوينه على أساس الأوضاع الجديدة التي ستنتج برامج وسياسات واصطفافات جديدة، من هنا التقسيم ذاته على أساس «معارضة ـ نظام» هو تقسيم افتراضي وشرطي جداً ولايمكن من خلاله اليوم أن يحدث الفرز الضروري الذي نريده من أجل تأمين الوحدة الوطنية ويمكن أن تكون هذه الرؤية بهذه الطريقة هي احد الأسباب التي دعتنا للدعوة إلى الندوة الوطنية الأولى وللعمل من أجل عقد الندوة الوطنية الثانية من أجل تأمين أكبر أرضية ممكنة للوحدة الوطنية الشاملة التي هي السلاح الوحيد في مواجهة التحديات المنتصبة أمامنا.
ويبقى خيارنا الوحيد أمام الحل الذي ابتدعه الأمريكيون أمام حل مشاكلهم وهو الحل العسكري الشامل يبقى خيار المقاومة الشاملة بكل أشكالها من الأدنى إلى الأعلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م