الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيد حجاب العرّاف الذي رأى الطوفان

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2011 / 6 / 6
الادب والفن


سيد حجاب العرّاف الذي رأى الطوفان

السمّاح عبد الله




كان سيد حجاب صيادا عاديا يخرج كل صباح للبحر حاملا سنارته وهو يقول يا فتاح ياعليم يا رزاق يا حليم، قانعا بما يسوقه الله له من رزقه المقسوم وخبزته المرصودة، ولما خطى عتبة العشرين عاما لاحت له على البعيد جنية البحر، أخذت لبه وزغللت عينيه، فرمى سنارته على الشاطيء وخلع ملابسه وظل يضرب الموج وكلما اقترب منها تبتعد، لكنه غافلها وكتم أنفاسه وغطس حتى أمسك بتلابيبها، عندها عرف أنها ليست امرأة البحر المعهودة ولكنها جنية الشعر المستحيلة، وعرف أنه مأخوذ لا محالة، من يومها ولم يعد ولا أظنه سيعود، كان بين الحين والحين يخرج من البحر مبلولا وبين يديه ورقات ديوان أو نغمات أغنية فرحا بصيده الجميل وهو أعرف الناس بأنه مصطاد وليس صائدا وبأنه مسروق وليس سارقا تماما كما قال جده الصائد المتمرس " صياد ورحت اصطاد صادوني "، لكنه كان فرحا بهذه الحال كفرح الصوفي حين تدور أناشيد الحضرة .

" ملعون أنا لو احلب الكلمه
من ضحكة النجمه
وانسى أغنى لضحكة الإنسان "

في عام 1966 كانت البداية الرسمية للشاعر سيد حجاب من خلال ديوانه " صياد وجنية " والذي كتب مقدمته الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، وبرغم الالتفات الإعلامي والحفاوة الكبيرة التي استقبل بها الديوان حتى أن البعض أطلق عليه " لوركا مصر " إلا إن كل ذلك لم يرض الشاعر الشاب الذي أدرك أن شعره ضل طريقه فبدلا من أن يصل للصيادين والعمال والفقراء وصل للمثقفين والنقاد والشعراء، وما حيلته ومن يريد أن يصل شعره إليهم لا يقرأون ولا يكتبون؟ من هنا جاء قراره أن يتوجه إلى الناس مباشرة أن يذهب إليهم أينما كانوا، وكان أن غنى فغنى معه الناس، وشدا فردد البسطاء شدوه :

دنياك سكك حافظ على مسلكك
وامسك فى نفسك لا العلل تمسكك
وتقع ف خية تملكك تهلكك
أهلك ياتهلك دانت بالناس تكون
إن درت ضهرك للزمن يتركك
لكن سنابك مهرته تفركك
وان درت وشك للحياة تسبكك
والخير يجيك بالكوم وهمك يهون

في ميدان التحرير كان سيد حجاب يسير بين الثوار، كنت أنا على يساره وكانت اليسارية العتيدة فتحية العسال على يمينه كان يؤنجشها كما يليق بالعشاق الصغار، وعندما رآه الثوار العشرينيون التفوا حوله وهللوا له وأعطوه الميكروفون ليهتف لهم، وكان على سبعينيته ممتلئا حماسا وحيوية وفرحا، لا أعرف الشعار الذي قاله وقتها من كثرة ما استمعت إليه من شعارات الثورة، لكنه بالتأكيد كان أجمل من كل شعره ومن كل شعرنا فأي شعر هذا الذي يمكنه أن يوازي فعل الثورة المتحقق على أرض الواقع؟

من حق سيد حجاب أن يكون أكثرنا فرحا بهذه الثورة فهو الذي تنبأ بها منذ سنوات وسنوات في المنتديات والإذاعات والمقاهي من خلال قصيدته الشهيرة " قبل الطوفان اللي جاي " كان يريد أن ينبه السلطة لأن تقوم نفسها قبل أن يدهمها الطوفان، ومن حسن حظنا نحن ومن سوء حظ السلطة أنها كانت بلا عينين فلا تستطيع أن ترى، وبلا أذنين فلا تستطيع أن تسمع وبلا ذهن فلا تستطيع أن تعي، وكان أن قامت الثورة التي ظل سيد حجاب يحلم بها عمره كله وظللنا نحن نحلم بها عمرنا كله

تاج راس سلالات الجهالات الطغاة الصغار
ذوي المقامات والمذمات اللصوص الكبار
أصحاب جلالة العار أصحاب فخامة الإنبطاح والسعار
أصحاب سمو الخسة والإنحدار أصحاب معالي الذلة والإنكسار

هكذا كان يسميهم سيد حجاب قبل الثورة بسنوات وكأنه كان يرى كل شيء ويعرف كل شيء لكنه – وحده – قال كل شيء، ونحن سمعناه، لنكمل معه دائرة الشعر العالي والغناء الجميل والأحلام الكبار .

==========
السمّاح عبد الله
==========








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة