الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحقا هذه بعقوبة البرتقال؟؟!

رزاق عبود

2004 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


عندما زرت بعقوبه لأول مره في بداية السبعينات من القرن الماضي، ادهشني امران. الكرم الشديد والحفاوة التي احاطني بها كل الناس الذين التقيتهم. دعوات متكرره، وسخاء مفرط اخجلني . اعتقدت لأول وهله ان صديقي الذي يرافقني له سمعه جيده في المدينه، او انه من عائلة معروفه. وكان هذا صحيحآ. ولكن هناك امرآ بقيت حائرآ في فهمه .هل يمكنه ان يعرف كل هؤلاء الناس، وكلهم يظهرون له هذه الحفاوه . وكنت اعتقد ان اهالي البصره هم اكرم الناس، واطيبهم في العراق. لكن الضيافة التي حظيت بها عجيبه غريبه. قال صديقي لأنك من البصره، وهم يعتقدون انهم مهما فعلوا لن يصلوا الى كرمكم. ولكن لماذا هذه الرعايه الخاصه، وألأحترام، والود. فاجاب، بحركة ذات مغزى: لنفس السبب. ماذا تعني؟ سألت. رد: انت من البصره، وهذا يكفي. ولما لاحظ علامات الحيره ترتسم على وجهي، شرح بفرحة خاصة : انت ياصديقي من البصره، والناس يحاولون ان يكونوا كرماء مثلكم. وانت من البصره. والبصره معروفة بسمعتها، وتوجه اهلها السياسي. ظننت انه يكتم شيئآ، ولم اقتنع بتوضيحه.

بعد سنتين من تلك الزياره، عدت الى بعقوبه، بمهمه بسيطه، متوجها، الى احد بائعي التحف. لأنني كنت اعرف ان امثالهم في بغداد فرض عليهم التبليغ عن اي شخص يؤطر صورة لشخصية سياسيه غير بعثيه. في بعقوبه كنت مطمئنآ، ان لا احد يفعل ذلك. لكن ما فاجئني ان صاحب المحل، وبعد ان اطر الصوره، وغلفها بشكل جيد، وربطها بشريط هديه. رفض استلام مقابل. ولكن...؟! تسائلت بحيره، واستحياء! نظر "الجامجي" الي، بتعابيرتنم ،عن استغراب. وكنت انا المستغرب. خذها لقد قرأت ما كتبتم عليها. واذا اصريت على الدفع ساضطر للتبليغ عنك. فهمت مزحته. ضحكت،هازآ رأسي بخجل، وشكرته كثيرا. وبقيت مع ذلك منتظرا، ان يقبل ولو مبلغ رمزي. فهم الحاحي فقال سأشارككم بالهديه، وهكذا نكون قد تصافينا . اضف، الى ما كتبتموه،" وعزيز الجامجي". ضحكت،واردت ان امازحه . فحاولت، ان افتح الغلاف بسذاجه، واضيف اسمه الى عبارة: "هدية الشبيبه الديمقرطيه الى المركز الثقافي السوفيتي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس ألأتحاد ألسوفياتي". ولكنه امسك يدي، وهو يضحك، قائلآ:

ـ يمعود، صدكت، تريد تورطني. تروح، لو هسه، اخابر ألأمن؟؟؟!

في الأسبوع التالي جئنا مجموعة من الطلبه من مختلف كليات جامعة بغداد، ومعاهدها. في بغداد، وفي موقف الباصات الى بعقوبه، حاولنا ان نستقل الباص لوحدنا، دون ان نسمح لغريب، ان يشاركنا السفره. في الطريق الى بعقوبه، كنا نردد اغاني، واناشيد اتحاد الطلبه العام، والشبيبه، واغاني ثوريه اخرى. كنت أجلس قرب السائق، وسمعته يردد مع نفسه مبتسمآ: "لا، قبضنه"! اعتقدت، انه يفكر باننا نعرضه، و نعرض أنفسنا الى مخاطر لا داعي لها . فرجوتهم ان يكفوا عن الغناء. توقعت ان يستحسن ذلك، ولكنه نظرالي محتجآ، وصاح بصوت عال: يمعود خليهم يغنون، تره هسه احطلكم عدنان القيسي . فضحك الجميع بصخب. واستمرت ألأغاني حتى وصلنا بعقوبه.

كنا ننوي ان ننزل في الموقف حيث ينتظرنا شخص اخر لينقلنا الى بستانهم، ومعه سائق "أمين". فرفض السائق مبررآ: واضح عليكم جميعا، انكم ليسوا من اهل المنطقه، وقد تثيروا الشكوك. ألأفضل ان تطلب من صاحبك ان يرافقنا، لآنقلكم الى البستان. "فسفراتكم" معروفه هنا. ولا داعي لتبديل الباص. صعد صاحبي معنا "مضطرآ" وسلم على السائق، الذي بدا انه يعرفه. وهو يدمدم: "انه عرفتهه". كان صاحبي من عائله ثوريه معروفه في المدينه. وكثيرا ما استضافت سفرات عديده من بغداد، في بساتينها الجميله. ولما اردنا ان ندفع له. دفع يدي قائلآ: يمعود تريد تفضحنه، كروة، وطارت، تريد النوب تسوينه مهزله جدام الجماعه، واشار الى صاحبي من اهالي بعقوبه. حرك سيارته مبتعدا وهو يمزح: عود سجلوها عليه.

في البستان جمع الزملاء مبلغا بسيطا ليذهب احدنا الى المدينه، ويشتري طعاما. ولما طلبت من صاحبي البعقوبي ان يرافق احدهم، ضحك بطيبه وقال: وهل يدفع الضيوف ثمن طعامهم؟! سيأتي والدي وقت الغداء، ومعه طعامآ يكفينا. فانتم ضيوفي. وفي المساء جاءت سياره "امينه" لتعيدنا الى بعقوبه. ولكن السائق اصر على ان يوصلنا الى بغداد. وهو يقول مازحآ: هو انتوا شكو، وراكم، غير الخساره. يالله عاد قبل ما تظلم الدنيا.

هذا قليل من كثير اتذكره عن بعقوبه الجميله، التي ترددت عليها ردحا من الزمن، نهاية كل اسبوع. ولي فيها اصدقاء عديدين، وبينهم الشاعر المبدع خليل المعاضيدي الذي اغتاله البعثيون السفله في عز شبابه. تذكرت كل هذا، وانا اقرا، واسمع، واشاهد ما تاتي به ألأخبار، من فظائع يقوم بها المجرمون في ارض البرنقال، والنضال. ارض الخير، والناس الطيبه. بهرزالحمراء، مقهى الشبيبه، البساتين التي احتضنت سفرات الطلاب، والشباب، والعمال، وغيرهم. وحمتهم بنخيلها، واظلتهم بفيئ اشجارها، وعبقها العطر، واكرمتهم من سخاء اهلها. ايمكن ان يكون هؤلاء القتله من بعقوبه، او بهرز،اوالهويدر،او شهربان،أو....أو.... لا ، لا يمكن فمدينة البرتقال، والبساتين، والعمال التعبى، وسوق الوكفه، وخريسان الجميل، وشموع الخضر، وهي تسبح مع مجراه. والمواكب الحسينيه، التي تنطلق من جامع السنه لايمكن ان يمت لها هؤلاء السلفيون الأرهابيون البعثيون بصله.

يحكى ان احد فلاحيها القى بنفسه في لطيم مياه ديالى الخطره لأنه شاهد ان "الحرس القومي" القوا بجثه يقال انها لعبد الكريم قاسم. وانه دفنها في مكان ما، وجعل من قبرها مزارا له. مخاطرا بحياته، وعيشه ومستقبله. هؤلاء الناس الذين كانوا يرفضون اخذ اجرة سياره، او ثمن الشاي في مقهى، او طعام في مطعم، لمجرد انني من البصره. لايمكن ألا ان يكونوا ضحايا مثل بقية اهل العراق الطيبين، مهما حاول المدعون من الصاق هذه التهمه، او تلك الجريمه، باهل هذه المدينه الرئعه. فاهلها يعشقون الحياة ، وأولئك يزرعون الموت.

بعقوبه، يا واحة البرتقال،
ومدينة الحب، والنضال،
كيف لوث اسمها ألأنذال

رزاق عبود
السويد/ستوكهولم
3ـ11ـ2004
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق