الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبارك.. زويل.. عماد أبوغازى؟

نوال السعداوى

2011 / 6 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تصورت أن وزير الثقافة الجديد (بعد الثورة) يختلف عن وزراء الثقافة السابقين، الذين خضعوا لتوجيهات السيد الرئيس والسيدة حرمه فى النظام السابق الساقط، رغم أننى لم أعرف د.عماد أبوغازى إلا من خلال لقاء سريع فى معرض الكتاب الدولى فى تورينو (إيطاليا عام ٢٠٠٨)، حينئذ كنت أعيش المنفى (فى أطلانطا) لمدة ثلاث سنوات بسبب كتابى الأخير، ثم لقاء ثان سريع فى مؤتمر الرواية (بالقاهرة ٢٠١٠)، تصورت أنه يختلف عن ذوى المناصب الكبيرة المقربين من السلطة الحاكمة، الذين سقطوا جميعاً بسقوط رأس النظام وحرمه ووزرائه وأدبائه وكتابه وصحفييه، تصورت أنه يختلف عن هؤلاء، مجرد حاسة أدبية دون براهين مادية، لم أقرأ له شيئا،

هل كان من المعارضين فى صمت؟، لم أعرف شيئا عن تاريخ حياته، لم أدخل مكتب الوزير السابق (فاروق حسنى) لم أتبادل معه كلمة واحدة، ولا أى وزير آخر منذ عهد الملك فاروق حتى ما بعد الثورة ٢٠١١، فى بلادنا تفرض السلطة الحاكمة علينا وزراء ورؤساء وزراء دون معايير مفهومة، تلعب العلاقات الشخصية والمصالح الخاصة والعائلية دورا أساسيا فى تعيين كبار الموظفين فى الدولة، يصبح ولاء الوزير للحاكم الذى يعينه أو يفصله، كان أبى يشجعنى على الكتابة الأدبية، يقول لى دائما «الوزير يعينه رئيسه ويفصله، لكن الأديبة أو الأديب لا أحد يعينه ولا أحد يفصله»، فى مؤتمر الرواية بالقاهرة ديسمبر ٢٠١٠ حدثت مناقشة بينى وبين د.عماد أبوغازى (كان حينئذ رئيس المجلس الأعلى للثقافة) حول اختفاء رواياتى فى معرض الكتب المصاحب لمؤتمر الرواية، سألته هل هو يتبع السياسة العليا التى حذفت اسمى من قائمة الكاتبات؟

لكنه نفى ذلك وشرح لى أن الناشرين هم المسؤولون عن معرض الكتب، أرسلت منذ شهر إلى عماد أبوغازى رسالة بالبريد بصفته وزير ثقافة مختلفاً كما تصورت، تتعلق الرسالة بأن الوزير السابق فاروق حسنى، رفض أن يضع اسمى على مكتبة قريتى كفر طحلة (قليوبية) رغم أننى شاركت فى إنشائها على مدى أربع سنوات مع المسئول حينئذ عن إنشاء مكتبات القرى (د.سمير غريب) الذى شهد جهودى المتواصلة لإتمام إنشاء المكتبة، وتوفير الأرض المناسبة لها مع جهود شباب وشابات قريتى معى، أهل القرية نزعوا اسم سوزان مبارك من فوق المكتبة، منقوشا بحروف مضيئة، تقدم بعضهم بعريضة إلى فاروق حسنى يطلبون وضع اسمى على المكتبة تقديرا لجهودى فى توفير قطعة الأرض التى أنشئت فوقها،

مواصلة العمل لإتمام بنائها أربع سنوات، تزويدها بالكتب وأجهزة الكمبيوتر والأثاث وكل ما تحتاجه، حاول بعض شباب القرية وضع اسمى على المكتبة لكن أجهزة الأمن تصدت لهم، منذ طفولتى كنت أحلم بمكتبة بها كتب كثيرة أعيش داخلها وأقرأ، ولدتنى أمى بغريزة حب القراءة أكثر من غريزة الأكل أو الجنس أو حب البقاء، كنا تسعة من الأطفال يعولهم أبى إلى جانب أمى، وأطفال دون عائل فى القرية، فى الأربعينيات من القرن الماضى كان اللب يُلف فى ورق جرايد أو صفحات كتب قديمة، فى طفولتى المبكرة قرأت على القراطيس لطه حسين وعباس العقاد والمنفلوطى وحافظ والجاحظ والمعرى وأبونواس وبشار ابن برد، قرأت أيضا عن اكتشاف الكهرباء والمطبعة والراديو والراديوم، هذا الأخير اكتشفته امرأة وليس رجلا، كنت أنام وأحلم باكتشاف شىء جديد فى الكون، حلم آخر كان يصاحب الحلم الأول، أن تهبط من السماء مكتبة مليئة بالكتب، قرأت على قرطاس عن مائدة مليئة بالطعام هبطت من السماء على المسيح ابن مريم، فلماذا لا تهبط مكتبة مليئة بالكتب من السماء ذاتها؟،

كنت أزور قريتى دائما وإن عشت بعيدا عنها فى القاهرة أو المنفى، أجتمع فى بيت جدتى بشباب وشابات وأطفال لا يجدون الكتب التى يحلمون بقراءتها، كنت أقول لهم «الإبداع هو تحقيق المستحيل وليس تحقيق الممكن»، اشتغلت طبيبة فى قريتى عام ١٩٥٦، لكن سرعان ما اقتلعتنى الحكومة من قريتى، أرسل إليها جهاز الأمن فى محافظة القليوبية تقريرا يقول: الطبيبة نوال السعداوى تزور بيوت الفلاحين، وتنشر الثقافة الممنوعة، تشجعهم على التمرد والثورة، وانتزاع حقوقهم المسلوبة من النظام الفاسد، استند جهاز الأمن فى القرن الواحد والعشرين (عصر فاروق حسنى) بهذا التقرير القديم (عام ١٩٥٧) لنزع اسمى الذى وضعه أهل قريتى على مكتبة كفر طحلة، مجلس الوزراء أصر على تسمية مشروع مصر القومى للنهضة العلمية باسم زويل، فهل قامت الثورة لتكريس العدالة أم لتقديس الفرد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحتاج لثورة في الأخلاق والضمير أولا
سعيد رمضان على ( 2011 / 6 / 7 - 11:11 )
الدكتورة نوال، فعلا سقط النظام، لكن كتابه وصحفيه وأدبائه مازالوا
يجولون طلقاء، يتكلمون كل يوم لغة ويرتدون كل يوم قناعا ..
وزراء الثقافة في مصر وحتى عقود قادمة، لن يختلفوا عن
وزراء ما قبل الثورة ربما يتكلمون بطرق مختلفة، لكن بقواعد ثابتة
لا تختلف عن قواعد الماضي.
أن النظام الذي استقر عقودا طويلة هو معمل تفريخ أنتج نفس مواصفات
الأشخاص ونفس الأفكار .. هؤلاء انتشروا في كل مكان في مصر
حتى في اصغر بيت ثقافة.. ومن هؤلاء يختارون المدراء والوزراء ..!!
الثورة نهضت وأسقطت النظام .. لكن تحركها تم بشكل أحادى
بمعنى ان الثورة لم يصاحبها ثورة مماثلة في الأخلاق والضمير
ولا ثورة مماثلة في المعرفة .. وهو ما يعنى اتجاه ثورة يناير
إلى حالة من الجمود والشلل، والتحركات الحادثة حاليا تشبه السير
في خط منحنى طويل يصل لنفس النقطة ..
تحياتي لك


2 - لعنه مبارك
على سالم ( 2011 / 6 / 8 - 04:56 )
يبدو ان لعنه المنكوب مبارك سوف تستمر الى اعوام طويله ,لقد اسس المنكوب نظام فاشى قذر وسوف نحتاج الى اكثر من ثوره اخرى لكى نفكك هذا الطاعون الفتاك


3 - الخير في المستقبل
نعينع عبدالقادر محمد ( 2011 / 6 / 8 - 16:53 )
بالتأكيد سيطلقون اسم المكتبة باسمك وما ضاع حق وراءه طالب .من جهة أخرى صدقيني أن الأجيال المقبلة ستنحث لك ثمثالا ليوضع وسط القرية انت تستحقين ذالك بعملك واجتهادك ومقاومتك للمرتزقة من جميع الأصناف وخصوصا الخبثاء تحياتي المشتغلين على الناس بالدين


4 - شكرا يا دكتورة
عايـــد aied ( 2011 / 6 / 8 - 20:55 )
نريد المزيد من تحليلاتك ، من أفكارك النيرة ، من اشعاعك الفكري ، من الغذاء الحقيقي الذي تمدين به قراءك ، من اكسجينك الحقيقي
شكرا يا دكتورة لأنك تمديننا بأسباب الحياة و بالامل
دمت لنا

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس